تعاون مشترك.. ما سر تقارب "الناتو" مع كوريا الجنوبية واليابان؟

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

سلط مركز تركي الضوء على زيارة الأمين العام لمنظمة حلف شمال الأطلسي "الناتو"، ينس ستولتنبرغ، إلى كوريا الجنوبية واليابان خلال الفترة من 29 يناير/كانون الثاني وحتى 1 فبراير/ شباط 2023، لتعزيز علاقات التحالف الأمني عبر الأطلسي مع الشركاء الرئيسين في المنطقة. 

وأوضح مركز "أنقرة للأزمات والأبحاث السياسية" (أنكاسام) في مقال للكاتب التركي، جينك تامر، أن "ستولتنبرغ ناقش القضايا الأمنية المتعلقة بالصين وكوريا الشمالية، وتعهد بمزيد من الدعم لأمن المحيط الهادئ من الآن فصاعدا"،

واستدرك: "لكن في المقابل، لدى الناتو أيضا توقعات من حلفائه في المحيط الهادئ، وهي الوقوف إلى جانب أوروبا في الحرب في أوكرانيا واتخاذ موقف مشترك ضد روسيا".

تعاون مشترك

وقال تامر: "من المعلوم أن كوريا الجنوبية، بالتنسيق مع الحلفاء الغربيين الآخرين، قامت بنشر وثيقة إستراتيجية المحيطين الهندي والهادئ في ديسمبر/ كانون الأول 2022، حيث ذكرت فيها أنها (دولة محورية عالمية) يمكن للعالم بأسره إقامة تعاون معها في قضايا الأمن الإقليمي". 

وأضاف: "في الآونة الأخيرة، أعلنت اليابان في إستراتيجيتها الوطنية للدفاع والأمن أنها ستزيد من تنسيقها مع الولايات المتحدة الأميركية، لمكافحة التهديدات الإقليمية وأكدت أنها ستحسن قدراتها على التدخل المشترك".

وتابع: "بذلك تم استئناف التدريبات المشتركة بين كوريا الجنوبية واليابان والولايات المتحدة مرة أخرى اعتبارا من صيف عام 2022.

ورأى أن "ظهور هذا التقارب تشكل مع تغير السلطة في كوريا الجنوبية في الربيع، حيث تحركت إدارة الرئيس يون سوك يول لتحسين علاقاتها مع واشنطن وتطوير علاقات أكثر دفئا، ونتيجة لذلك، تطور الحوار بين كوريا الجنوبية واليابان أيضا وتم تهيئة جو إيجابي لحل النزاعات التاريخية". 

وفي نهاية المطاف، بدأ البلدان في الالتفاف حول المخاطر الأمنية التي تشكلها كوريا الشمالية والصين، وفق الكاتب.

وأردف تامر: "عند النظر من منظور أوسع، يمكن رؤية تغير الأجندة الأمنية للغرب أيضا، حيث أصبحت الصين أكثر حزما على الساحة الدولية". 

واستطرد: "ساهم استمرار الحرب الروسية في أوكرانيا ودعم بكين المستمر لموسكو، وخطر الصين المتمثل في الوصول إلى البنى التحتية الحيوية للدول الأوروبية من خلال الوسائل التكنولوجية، ورغبتها في تحقيق التوحيد مع تايوان بالقوة الصلبة، في تفسير الغرب بشكل أوسع للتهديدات الأمنية".

وتابع الكاتب التركي: "كانت اختبارات الصواريخ التي أجرتها كوريا الشمالية، بما في ذلك الصواريخ الباليستية العابرة للقارات والصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، تطورات أخرى عرضت الأمن الإقليمي للخطر، وخاصة في اليابان وكوريا الجنوبية".

وبسبب هذه المخاوف، سعت الجهات الفاعلة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى تعزيز تعاونها الدفاعي فيما بينها واستفادت من الضمانات الأمنية التي يقدمها الغرب على جدول أعمالها.

من جهةٍ أخرى، بدأت الجهات الفاعلة الغربية في النظر بحماس أكبر إلى مفهوم الأمن العالمي، معتقدة أن التهديدات المنبثقة من الصين وكوريا الشمالية ستؤثر على العالم بأسره، تماما مثل الحرب الأوكرانية الروسية.

وساهم هذا الإجماع الناشئ بين القوى الغربية وقوى آسيا والمحيط الهادئ في تطوير التفاهم الأمني العالمي، يقول الكاتب التركي.

ونتيجة لذلك، شارك قادة كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا ونيوزيلندا في قمة الناتو التي عقدت بالعاصمة مدريد في يونيو/ حزيران 2022 كمراقبين لأول مرة، وهكذا، بدأ تحقيق الانسجام بين جداول الأعمال الأمنية في أوروبا وآسيا والمحيط الهادئ.

واستدرك تامر: "إن الممثل الذي دافع عن فهم الأمن العالمي بشكل قوي كانت المملكة المتحدة، وخصوصا بعد الضغوطات الشديدة التي مارستها وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس، برز الرأي القائل بأن حلف شمال الأطلسي لا بد وأن يتعامل مع المشاكل في منطقة المحيط الهادئ". 

ونتيجة للإصرار الشديد من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تم ذكر الصين كعنصر تهديد لأول مرة في المفهوم الإستراتيجي الجديد لحلف الناتو، وبذلك فقد تم تبرير مشروع استعداد دول الناتو لمحاربة الصين. 

واستدرك: "لكن، ليس من الممكن قانونيا تطبيق المادة 5 من ميثاق منظمة حلف شمال الأطلسي بشأن الدفاع الجماعي على منطقة المحيط الهادئ وتايوان". 

وتابع: "أما المادة 6 من ميثاق الناتو تنص بوضوح على أن المنطقة التي تقع ضمن مسؤولية الحلف هي المحيط الأطلسي والمناطق الواقعة شمال مدار السرطان، لذلك لا يمكن لحلف الناتو توفير حماية مباشرة للمحيط الهادئ".

التهديدات الكبرى

وأكد تامر أن "الهدف من زيارات ستولتنبرغ إلى كوريا الجنوبية واليابان هو التأكيد على دعم الناتو للمحيط الهادئ وحشد المزيد من الدعم لأوروبا في المقابل". 

ووفقا لذلك، إذا قدمت دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية المزيد من الدعم لأوروبا في حرب أوكرانيا، فستتمكن بالمقابل من الحصول على دعم من الناتو ضد تهديدات الصين وكوريا الشمالية.  

وأشار الكاتب إلى "مخاطر التدهور العميق الذي لا رجعة فيه لأمن منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لأنه لا توجد منظمة دفاع جماعي رادعة في المنطقة يمكنها مواجهة التهديدات الناشئة عن الصين أو كوريا الشمالية أو روسيا".

وأضاف: "من الواضح أنه دون الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أوروبية أخرى، يكاد يكون من المستحيل بناء تحالف كبير يمكنه مواجهة هذه (التهديدات الثلاثة الكبرى) في المنطقة". 

وأوضح ذلك قائلا: "أن تكون بعض الجهات الفاعلة مثل الهند واليابان وأستراليا وإندونيسيا، والتي يمكن اعتبارها أقوى الجهات الفاعلة في المنطقة، قادرة على مواجهة الصين وكوريا الشمالية وروسيا بقدراتها الدفاعية الإجمالية لا يبدو ممكنا، وبالتالي فإن هذا الأمر يشكّل ثغرة أمنية كبيرة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ". 

وواصل: "فمن المؤكد أن هذه الدول ستفشل في الحفاظ على أمنها الإقليمي دون مساعدة القوى العظمى الغربية، وبناء على هذا الواقع، تدرس جهات فاعلة مثل اليابان وكوريا الجنوبية طريقة الحصول على ضمانات معينة من حلف شمال الأطلسي للمساعدة في الأمن الإقليمي".

وذكر تامر أنه "يُعتقد في عام 2023، عندما تتولى اليابان رئاسة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، ستبدأ الأجندة الأمنية للجهات الفاعلة الأوروبية في التحول من أوكرانيا إلى الصين. ونتيجة لجهود الولايات المتحدة واليابان، يحاول الناتو جذب الجهات الأوروبية الفاعلة إلى مشاكل منطقة آسيا والمحيط الهادئ". 

ولفت الكاتب النظر إلى أن "هذه ليست حرب أوروبا في الواقع، بل إنها صراع تشنه الولايات المتحدة ضد الصين من أجل الحفاظ على هيمنتها العالمية، إلَا أن واشنطن تسعى لجرّ أوروبا خلفها، ولذلك تحاول استخدام الناتو كأداة لتحقيق مصالحها".

وختم الكاتب مقاله قائلا إن "أجندة الأمن العالمي تتحول نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وفي المقابل، تريد الولايات المتحدة، التي تدعم أمن أوروبا، إنشاء جبهة مشتركة ضد الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتماشيا مع هذا الاتجاه، يبحث حلف الناتو عن شركاء جدد في المنطقة". 

وتابع: "يبدو أن اليابان، التي تواجه تهديدات من كوريا الشمالية والصين، هي الشريك الأنسب، وقد تبدأ كوريا الجنوبية أيضا في التفكير في أن الناتو سيكون مصدرا مهما ووحيدا للردع في مواجهة التهديدات النووية من بيونغ يانغ".