زلزال تركيا وسوريا يدمر معالم حضارية صمدت لآلاف السنين.. هذه أبرزها

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

على جميع النواحي البشرية والمادية، وُصف الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا في 6 فبراير/ شباط 2023، بالمدمر نظرا لقوته التي بلغت 7.7 درجات، وارتداداته العنيفة التي تجاوز عددها المئات.

إلى جانب ذلك، خلف هذا الزلزال نكبة أخرى تتعلق بحضارة تلك المنطقة العتيقة، إذ سحق معالم تاريخية بارزة من قلاع ومساجد قديمة صمدت لآلاف السنين.

وأحدث الزلزال دمارا هائلا في 10 ولايات تركية هي كهرمان مرعش وغازي عنتاب، وشانلي أورفا، ودياربكر، وأضنة، وأديامان، وعثمانية، وهاتاي، وكلس، وملاطية، إضافة إلى محافظات حلب، وإدلب، والرقة بالشمال السوري.

ومن ضمن خسائر الزلزال المروع مجموعة من الآثار والمباني التاريخية التي يصل عمر بعضها إلى آلاف السنين، وكانت من أبرز المعالم الحضارية والدينية المميزة لهذا المنطقة.

قلعة غازي عنتاب 

قلعة غازي عنتاب التي تحمل اسم المدينة التاريخية في جنوب تركيا، بنيت منذ ألفي سنة، على قمة تل كبير، خلال عهد الإمبراطورية الحثية القديمة.

صمدت القلعة خلال عهد أعتى الممالك والدول من الفرس إلى الرومان حتى فتحها المسلمون عام 661 للميلاد.

وكتب مؤرخو الدولة العثمانية أن قلعة "غازي عنتاب" كانت أولى المباني التي حرص جيش السلطان سليم الأول على دخولها ورفع أعلامه على أسوارها.

وحرص العثمانيون عليها وعملوا على تجديدها باستمرار، حتى إن مفاتيح باب القلعة ظلت في أيديهم حتى سقوط الدولة، وقيام الجمهورية التركية الحديثة سنة 1924.

بعدها شهدت القلعة بطولات الجيش التركي أمام القوات الفرنسية الغازية إبان حرب الاستقلال (1919 إلى 1923). 

وفي عام 2000 جرى تطويرها وتحولت إلى متحف بانورامي يوثق التاريخ التركي، وأهم المعارك التي خاضها الجيش وانتصر فيها، وأصبحت قبلة للزائرين، وعدت من أهم المواقع الأثرية في تركيا.

ثم صنفت تراثا عالميا لدى اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) في قائمة المدن الإبداعية.

لكن ذلك التاريخ العتيق لم يصمد أمام شدة زلزال "كهرمان مرعش" المدمر، وانهارت أجزاء كبيرة من القلعة.

مسجد حبيب النجار 

ومن أبرز المعالم التي انهارت على وقع الزلزال المدمر، مسجد "حبيب النجار" وهو معلم ديني بارز، ويعد أول جامع بني داخل حدود الجمهورية التركية بشكلها الحالي. 

شيد المسجد الصحابي الجليل أبو عبيدة بن الجراح، عام 638 ميلاديا (16 هجريا) عقب فتحه لمدينة أنطاكيا، في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. 

بني هذا المسجد في منطقة منخفضة بين جبلين بوسط أنطاكيا في ولاية هاتاي، وبحسب الحكومة التركية، ينسب إلى حبيب النجار، الذي يعتقد أنه "مؤمن آل ياسين" المذكور في القرآن الكريم "سورة يس". 

وكان المسجد يعد تحفة فنية ومعمارية، وأحيطت به مباني المدارس الدينية العثمانية القديمة، التي تتميز ببساطة التصميم.

وضمت باحة المسجد نافورة من أعمال القرن التاسع عشر، كما كانت المئذنة المشيدة على الطراز العثماني قد شيدت في القرن السابع عشر.

وعلى مدار التاريخ، دمر المسجد أكثر من مرة، وأعادت الحكومات التركية المتعاقبة تشييده، حتى كان التطوير الأخير عام 2006، لما له من خصوصية كبيرة عند عموم الأتراك الذين يتبركون به. 

ومن العادات التركية الخاصة بالمسجد، أنه بعد كل صلاة جمعة يجري توزيع أصناف من الأطعمة، إذ يرى كثيرون أن هذا واجب عليهم، لروح من ضحى بنفسه لنشر عقيدة التوحيد في أراضيهم.

وكذلك اعتاد المصلون بعد كل صلاة، أن يتذوقوا قطع الحلوى، وفي شهر رمضان تتخذ هذه الطقوس طابعا احتفاليا كبيرا.

وكانت مشاهد المسجد المنهار محزنة بالنسبة للأتراك والمسلمين، ومعبرة عن قسوة الوضع، وكما قيل في الأثر: "إن المصائب لا تأتي فرادى". 

جامع تزه

ومن المعالم العظيمة التي سحقها زلزال "كهرمان مرعش"، جامع "تزه" التاريخي في ولاية ملاطية جنوب شرقي تركيا. 

شيد الجامع في البداية من قبل "خوجا زاده حاجي يوسف" عام 1843، ثم هدم تماما ولم يبق منه سوى جزء من المئذنة، بسبب "زلزال كبير" ضرب ملاطية عام 1893، فقرر الأهالي جمع التبرعات وإعادة إنشاء المسجد. 

واكتمل البناء عام 1912 بدعم من السلطان عبد الحميد الثاني، حيث تميز الطراز المعماري للجامع بأنه عثماني، تعلوه قبة مركزية مستقرة على أربع قواعد، ويحيط بها من الجهات الأربع أقبية أسطوانية، وأربع قباب أخرى في الزوايا.

أما الجزء العلوي، فشيد بالكامل من الأحجار المقطعة من الصخور، فيما جرى غرس أعمدة من أشجار العرعر في الأرضية لأنها كانت طينية، ثم أقيمت الأساسات فوقها.

ومع ذلك تعرض الجامع للهجوم خلال الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918)، وكذلك حرب الاستقلال التركية (1919 - 1923)، ليجري ترميمه مؤقتا في بداية العهد الجمهوري. 

وفي عام 1964 عملت مديرية الأوقاف بالمنطقة على ترميم الجامع مرة أخرى، لكن بشكل أفضل.

وأزيلت آثار الرصاص الذي كان يغطي أعلى المسجد، إضافة إلى تجديد المحارة الإسمنتية، والزخارف الداخلية، كما جرى تركيب أهلة كبيرة فوق المئذنة.

وفي عام 2005 رممت مديرية الأوقاف المسجد بشكل كامل، ليصبح على صورته الأخيرة، قبل أن يهدمه الزلزال. 

قلعة حلب 

بحسب تقرير لجنة التراث العالمي التابعة لليونيسكو، في 10 فبراير 2023، فإن محافظة حلب السورية تعد مركزا لالتقاء الحضارات القديمة، وتضررت كثير من معالمها التاريخية، وعلى رأسها قلعتها حيث لحقت بها أضرار جسيمة. 

وسبق أن دمرت حلب بنسبة 60 بالمئة عام 1822 بسبب زلزال كبير، لكن القلعة ظلت محافظة على صلابتها، حتى جاء زلزال كهرمان مرعش الأخير فأصابها بشكل كامل. 

وأعلنت المديرية العامة للآثار والمتاحف في سوريا في بيان أن أجزاء من الطاحونة العثمانية داخل القلعة سقطت. كما حدث تشقق وتصدع وسقوط لأجزاء من الأسوار الدفاعية الشمالية الشرقية.

وكذلك انهارت أجزاء كبيرة من قبة منارة الجامع الأيوبي الواقع داخل القلعة، التي تحطمت مداخلها، وسقطت أجزاء من حجارتها مثل مدخل البرج الدفاعي المملوكي. 

وتعد قلعة حلب من أعرق وأقدم الآثار في الشرق الأوسط، ويعود تدشينها كحصن منيع إلى عام 281 قبل الميلاد، في عهد سلوقس الأول المنصور (نيكاتور)، قائد جيوش الإسكندر الأكبر. 

والقلعة نموذج فريد للعمارة العسكرية في بلاد الشام، ولعبت دورا مهما عبر العصور في الدفاع عن المدينة ضد الغزاة، من الفرس والبيزنطيين والتتار، وبفضلها حافظت مدينة حلب على هيبتها، وأصبحت قلعة حلب رمزا للمدينة وعراقتها.

ومن مميزات القلعة موقعها في وسط المدينة القديمة فوق تل على شكل جزع مخروط، وترتفع حوالي 50 مترا عن مستوى المدينة.

ويحيط بها إطار شبه دائري وعدد من الأبراج التي تعود إلى حضارات مختلفة، الرومانية والبيزنطية والإسلامية والعثمانية.

وفي داخل القلعة نجد مدينة متكاملة من مبان ومساجد وقاعات ومخازن وساحات ومسرح وحوانيت والكثير من الآثار.

نكبات التاريخ 

خالد خيري، الأستاذ السابق بكلية الآداب قسم تاريخ في جامعة جنوب الوادي المصرية، يعلق بأن "كثيرا من المدن والحضارات العظيمة انهارت على وقع زلازل أو كوارث طبيعية مدمرة، وأصبحت أثرا بعد عين، ولم يبق منها إلا ركام أو بقايا مدن عظيمة".

على سبيل المثال زلزال حماة الذي وقع قبل ألف عام ودمر مدن الشام وقتل عشرات الآلاف، ومن أهم المدن التي دمرت مدينة شيزر على نهر العاصي.

وقتل الزلزال المذكور كل أهل المدينة بمن فيهم الأسرة الحاكمة بالكامل، وكانوا من بني منقذ، من أعرق العرب، ولم يبق لهم ذكر بعد نكبة زلزال حماة، وفق ما قال خيري في حديث لـ "الاستقلال". 

وأضاف: "في إسطنبول نفسها وقعت مجموعة من الزلازل دمرت كثيرا من آثار المدينة القديمة، مثل زلزال عام 1509".

وبين أن "زلزال 1509 كان أحد أسوأ النكبات التي تعرضت لها المدينة وقتل كثير من أهلها وحطمت العديد من معالمها، حتى سور القسطنطينية ومسجد آيا صوفيا الشهير تأثرا منه". 

وذكر: "حتى في تاريخ مصر القديمة تؤكد المصادر التاريخية وما كتب على جدران المعابد والمسلات أن هناك كوارث طبيعية ماحقة من زلازل وفيضانات ضربت أرض مصر، وساهمت بشكل كبير في إضعاف الدولة وانهيار الحضارة فيما بعد". 

واختتم أن "الحل الوحيد للحفاظ على آثار الحضارة إعادة الترميم قدر المستطاع مع التسجيل والتدوين، لأن مسألة الآثار تكمن أهميتها في كونها من أهم أبعاد الأمن القومي للدول، فكلما كنت ضاربا في أعماق التاريخ كانت جذورك أثبت، والعكس صحيح".