بعد غزو روسيا لأوكرانيا.. من هذه المنطقة قد تنطلق الحرب العالمية المقبلة
على غرار الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022، وبتحليل مشهد الحرب العالمية الأولى وما آلت إليها من أسباب، تتنبأ صحيفة "إيه ريفرانسيا" البرتغالية بحدوث حرب عالمية أخرى في وقت قريب.
واستعانت الصحيفة بأقوال أوتو فون بسمارك، رئيس وزراء روسيا بين عامي 1862 و1890، إذ أعلن في السنوات الأخيرة من حكمه عن توقعاته باندلاع حرب بين الدول الأوروبية، وخراب الإمبراطورية الألمانية في غضون 20 عاما، كما أنه تكهّن أن سبب الحرب سيأتي مما أسماه "البلقان اللعين".
وفي عام 1914، صدقت تنبؤاته وحدثت "الحماقة" -أي الحرب العالمية الأولى-، كما وصفها بسمارك.
ووفقا لمشهد الحرب حينها، أبدت الصحيفة البرتغالية تعجبها من كون اغتيال الأرشيدوق النمساوي فرانز فرديناند، في سراييفو عاصمة البوسنة، سببا وحافزا للحرب العالمية الأولى، وما حدث بعدها من عواقب وخيمة.
وتابعت الصحيفة: "ما يُعلمنا إياه التحليل السياسي حتى يومنا هذا، هو أنه إذا جرى التعامل مع المشاكل والأزمات الإقليمية المتخفية بوسائل عسكرية، من الممكن أن تتحول هذه الأزمات سريعا إلى صراعات دموية حول العالم".
وبناء على هذه الأطروحة، تتساءل الصحيفة: "هل يوجد سياق سياسي اجتماعي معاصر ينتهي به المطاف إلى حرب عالمية؟".
والسؤال الأهم، إن وُجد هذا السياق، فماذا ستكون -على حد تعبير بسمارك- "الحماقة" التالية؟
نزاعات آسيوية
وتجيب الصحيفة: "إذا وجهنا انتباهنا إلى جنوب شرق آسيا، وألقينا نظرة فاحصة على هذه المنطقة من خريطة العالم، سنرى الإجابة بالتأكيد".
وبالذهاب إلى هذه الرقعة من العالم، سنجد أنه بعد بناء سلسلة من الجزر الاصطناعية الصغيرة، والتي عُززت بهياكل دفاعية وسفن عسكرية غير مسبوقة، قضت محكمة التحكيم الدائمة في لاهاي (في يوليو/تموز 2016) بأن بكين لا تملك حقوقا تاريخية في المنطقة المسماة بـ"بحر الصين الجنوبي".
ولأن هذه هي المرة الأولى التي تتخذ فيها المحكمة مثل هذا الإجراء، والذي تقدمت به الفلبين في البداية، شغل قرار المحكمة حيزا كبيرا من الاهتمام الدولي.
وترى بكين أن المساحة الكاملة تقريباً لبحر الصين الجنوبي الغني بالمحروقات خاضعة لسيادتها، ما يثير نزاعات مع الدول المشاطئة التي تحمل مطالب منافسة، أي الفلبين وفيتنام وماليزيا وبروناي.
كما تشكل المنطقة محورا بحريا حيويا للتجارة العالمية فيما تحوي مياهها ثروة سمكية كبرى.
وفي طلب رفعته مانيلا في 2013 إلى محكمة التحكيم التي تتخذ مقراً في لاهاي طالبتها بالتأكيد على أن مطالب الصين تشكل انتهاكاً لاتفاقية الأمم المتحدة حول قانون البحار التي وقعها البلدان. أما الصين فقاطعت الجلسات.
كذلك أكدت محكمة التحكيم الدائمة، أن الصين انتهكت الحقوق السيادية للفلبين في منطقة في بحر الصين الجنوبي.
وأفادت في بيان بأن "الصين انتهكت حقوق الفلبين السيادية في منطقتها الاقتصادية الحصرية من خلال التدخل في أعمال الصيد واستخراج النفط وبناء جزر اصطناعية وعدم منع الصيادين الصينيين من الصيد في تلك المنطقة".
وتفسر الصحيفة هذا الاهتمام الواسع بـ "عدم وجود محكمة في العالم تختص بالحكم في الأزمات بين دولتين تحظيان بسيادة".
وتخوفا من مخاطر صدور هذا الحكم غير المعتاد، بالكاد قبلت جميع البلدان المعنية المشاركة في هذه المحاكمة الافتراضية، مُتبعةً "تكتيك الخاسر"، على حد وصف الصحيفة.
وإدراكا منها لعدوانية توسعها العسكري في المنطقة، فضلا عن عدم توافق مطالبها مع المعاهدات الدولية، رفضت الحكومة الصينية المشاركة في هذه المحاكمة.
وأكملت الصحيفة: "بطريقة غير مسبوقة، لم ترهب المحكمةُ بكين، بل إنها -أي المحكمة- اعترفت بضرورة إلغاء السيادة الصينية المزعومة، على الأقل في المجال القانوني في تلك المنطقة".
وبدورها، رفضت حكومة بكين الامتثال لهذا القرار، تماشيا مع سياستها العامة التي تنتهي بها إلى تقويض السلام العالمي، تقول الصحيفة.
وبينت أن "الأسوأ أن بكين عدت ما حدث إشارة لتكثيف عسكرة بحر الصين الجنوبي، فأرسلت المزيد من الأفراد والسفن والطائرات إلى جزرها الاصطناعية، المستمرة في التوسع".
"الحماقة القادمة"؟
وأتبعت: "وبالمنطق السياسي نفسه، يرفض الرئيس الصيني شي جين بينغ، إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا".
وعزت الصحيفة هذا الموقف المنحاز لروسيا إلى أنه محاولة صينية "للطعن في المؤسسات والأعراف التي تعارض استخدام القوة كأداة تفاوضية".
وبالنسبة للدول المهتمة جغرافيا بالنزاع حول تلك الجزر، أشار التحليل إلى ما وصفه بـ "المفارقة بين المطالب الأحادية الجانب لكل دولة، وبين اتحادها جميعا ضد المطالب الصينية".
وأوضح: "فانعزالية بكين جعلت اليابان وماليزيا وتايوان وفيتنام وإندونيسيا وتايلاند ولاوس وبروناي على صفحة واحدة ضدها".
وفي هذا السياق، لفتت الصحيفة إلى أن منظمة حلف الشمال الأطلسي "الناتو" عززت، جنبا إلى جنب مع دول المنطقة السابق ذكرها، وجودها العسكري من خلال تدريبات حربية تُجرى سنويا، بدعوى الدفاع عن حرية الملاحة.
وبصفتها نقطة تحول رئيسة في السياسة التي حكمت توجهات اليابان منذ الحرب العالمية الثانية، والتي ما كان الدفاع هو محورها الرئيس، أعلنت البحرية اليابانية خلال عامي 2021 و2022 عن تطوير وبناء سفن جديدة.
كما صدقت الحكومة اليابانية في ديسمبر/كانون الأول 2022 على ثلاث وثائق دفاعية، تمنحها الحق في تنفيذ ضربات مضادة لدول تراها معادية.
أخيرا وبعد كل هذا التوتر السياسي، يُطرح السؤال الذي لا مفر منه: "ماذا ستكون النتيجة إذن؟ هل ستزداد حدة الاشتباكات العدائية الصينية مع القوات البحرية الأجنبية في المنطقة؟".
ومن هذا المنطلق، رسمت صحيفة "إي ريفرانسيا" السيناريو المثالي للحرب المقبلة، وبوصف أدق "الحماقة التاريخية" المقبلة.
واختتمت موضحة: "ففي يوم من الأيام، ستنطلق الحرب الآسيوية الكبرى من حماقة دموية في بحر الصين الجنوبي"، وفق تقديرها.