بينهم كارثة "كهرمان مرعش".. تعرف على الزلازل الأشد فتكا في التاريخ الحديث

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

استفاق العالم في 6 فبراير/ شباط 2023، على زلزال مدمر ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا، بقوة 7.7 درجات على مقياس ريختر، أعقبه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجات، فضلا عن مئات الهزات الارتدادية العنيفة، مما خلف خسائر كبيرة بعشرات الآلاف من القتلى والجرحى، فضلا عن الممتلكات.

وعرف يوم الزلزال في البلدين بـ"الإثنين الأسود"، وأعلنت الولايات المتحدة في 10 فبراير/ شباط 2023، أن "الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا من أقوى الزلازل خلال القرن الأخير"، وذلك في مؤتمر صحفي لمتحدث الخارجية، نيد برايس.

وخلف الزلزال دمارا في 10 ولايات تركية، هي كهرمان مرعش وغازي عنتاب، وشانلي أورفة، ودياربكر، وأضنة، وآدي يامان، وعثمانية، وهطاي، وكليس، وملاطية.

أكبر كارثة

وفي 11 فبراير 2023، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن زلزال كهرمان مرعش "أكبر كارثة في تاريخ البلاد" منذ عام 1939.

وفي اليوم التالي للزلزال، أعلن الرئيس أردوغان حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر في الولايات العشر المتضررة.

من جانبه، توقع مسؤول الطوارئ في منظمة الصحة العالمية، أديلهيد مارشان، خلال كلمته في اجتماع للمنظمة بمدينة جنيف السويسرية في 7 فبراير 2023، أن يصل عدد المتضررين من الزلزال المدمر في تركيا وسوريا إلى "23 مليون شخص، بينهم 1.4 مليون طفل".

فيما كتب الباحث في علم الزلازل بجامعة "إمبريال كوليدج" بلندن، ستيفن هيكس، على تويتر في 9 فبراير 2023، أن "الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا، يوازي شدة الزلزال الذي أودى بحياة أكثر من 30 ألف شخص في ديسمبر/ كانون الأول 1939 شمال شرق تركيا، والمعروف تاريخيا بزلزال أرزنجان".

ومع مرور الأسبوع الأول على الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا، لا يتوقف العالم عن دعمهما بمواجهة الكارثة، وذلك عبر زيارات مسؤولين وإصدار بيانات الدعم وتبرعات رسمية وشعبية وتواصل إرسال مساعدات إغاثية وفرق بحث وإنقاذ.

وفتحت تلك الفاجعة الباب للبحث في أشد الزلازل فتكا في التاريخ الحديث سواء داخل تركيا أو خارجها، ولطالما عرف العالم قديما وحديثا مئات الزلازل المدمرة التي أبادت أمما وفرقت شعوبا وغيرت أنظمة حكم وممالك عتيقة. 

زلزال أرزنجان 

مدينة أرزنجان شرقي تركيا، ضربها أحد أعنف الزلازل قسوة في تاريخ البلاد، وظل حاضرا بقوة في ذاكرة الأتراك حتى مع نكبة "كهرمان مرعش" الأخيرة. 

في 27 ديسمبر/ كانون الأول 1939، وفي تمام الساعة الواحدة صباحا، ضرب المدينة زلزال بقوة 7.8 درجات على سلم ريختر، وتبعته هزات ارتدادية عنيفة، خلفت قرابة 33 ألف قتيل، وإصابة حوالي 100 ألف جريح.

بلغ عدد المباني المتضررة من الزلزال 12 ألف مبنى، وكان لسوء العوامل الجوية أثر في زيادة آثار الكارثة وارتفاع أعداد الضحايا، حيث وصلت درجة الحرارة في ذلك التوقيت إلى 30 درجة تحت الصفر. 

وامتدت التصدعات الزلزالية الناجمة عنه إلى أكثر من 400 كلم غربا. 

أحدث الزلزال تغيرات ديموغرافية كبيرة في المنطقة، حيث هجرت مدينة أرزنجان تماما ولم تعد صالحة للمعيشة، وأنشئت بالقرب منها مستوطنة جديدة، وهي التي تعرف بـ"أرزنجان" الحالية.

بعد هذا الزلزال والدمار الكبير الذي خلفه، اعتمدت تركيا أول عريضة للوائح البناء الزلزالية. 

زلزال إزميت 

كان التوقيت يشير إلى الساعة الثالثة صباحا في 17 أغسطس/ آب 1999، وعلى مقربة من إسطنبول، تحديدا في مدينة "إزميت" بولاية "كوجالي" ضرب زلزال مدمر المنطقة بمعدل 7.6 درجات على مقياس ريختر. 

الزلزال كان مأساويا ومميتا حتى أطلقوا عليه "كارثة القرن"، وخلف وراءه زهاء 17 ألف قتيل، وإصابة 50 ألفا، وتضرر أكثر من 285 ألف منزل، وقرابة 43 ألف مكان عمل.

ووصل عدد المتأثرين بالزلزال بشكل مباشر أو غير مباشر إلى 16 مليون شخص.

ومن شدة الزلزال أنه سحب المناطق الساحلية في مدينة "غولجوك" باتجاه عرض البحر، لتتشكل مدينة بحد ذاتها في قاعه.

وضمت "المدينة الغارقة" فندقا، ومرسى سفن، ومقهى، ومنازل، كلها تجمعت في قاع البحر بفعل الزلزال المدمر.

في إسطنبول دمر جزء كبير من حي "أفجلار" في الجانب الأوروبي من المدينة، وخرجت منازل كثيرة من أهليتها كمبانٍ صالحة للسكن.

ووصل عدد المشردين في عموم تركيا بسبب الزلزال إلى 250 ألف شخص، بينما تجاوزت الخسائر المادية أكثر من 20 مليار دولار. 

زلزال المحيط الهندي

وفي خارج تركيا، وقعت كوارث مماثلة خلال العقود الأخيرة لا تقل فجاعة وبعضها يزيد من حيث القوة والخسائر. 

يأتي على رأس تلك الكوارث زلزال وتسونامي المحيط الهندي، الذي وقع في 26 ديسمبر/ كانون الأول 2004، وكان مركزه جزيرة سومطرة الإندونيسية، وضرب 14 دولة بقوة 9.3 درجات، وعد من أشد الزلازل في التاريخ، لدرجة أنه هز كوكب الأرض بقدر 10 مم. 

وقدر هذا الزلزال بأنه ثالث أكبر زلزال مسجل على الإطلاق، ووصلت فترة تصدعه إلى 10 دقائق، وهي الأطول على الإطلاق.

ذلك الزلزال الرهيب مع موجات تسونامي الهائلة التي بلغ ارتفاع بعضها 30 مترا، حصدا أرواح 230 ألف إنسان، وخلفا دمارا هائلا غير مسبوق في منطقة جنوب شرق آسيا. 

كانت إندونيسيا هي أكثر البلدان المتضررة، فمثلا بلدة "لوكنغا" محيت بالكامل من على وجه البسيطة، بعدها حل الدمار بسريلانكا، والهند، وتايلاند.

وقدرت الأمم المتحدة أن عملية الإغاثة ستكون الأكثر تكلفة في تاريخ البشرية.

وصرح الأمين العام للأمم المتحدة (آنذاك) كوفي أنان، أن إعادة الإعمار ستستغرق على الأرجح 10 سنوات. 

وخشية أن يتضاعف العدد النهائي للقتلى نتيجة للأمراض، دفع ذلك الحكومات إلى استجابة إنسانية ضخمة، وصلت قيمتها لأكثر من 14 بليون دولار. 

زلزال هايتي 

وفي 12 يناير/كانون الثاني 2010، وقبل دقائق من تمام الساعة الخامسة مساء بالتوقيت المحلي للعاصمة الهايتية "بورتو برنس" كانت البلاد على موعد مع واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية في التاريخ. 

وضرب هايتي زلزال مدمر بقوة 7 درجات على مقياس ريختر، أودى بحياة 316 ألف شخص، ودمّر 80 ألف مبنى في العاصمة والمدن المحيطة بها.

وأعلن وقتها رئيس البلاد (الأسبق)، رينيه بريفال، أن "المشهد لا يمكن تخيله فالبرلمان انهار، ومصلحة الضرائب والمدارس والمستشفيات انهارت". 

حتى إن القصر الرئاسي الوطني نفسه، دمر جزء كبير منه، وأصبح غير مؤهل للعمل.

وممن قتل في هذا الزلزال طبيبة الأطفال البرازيلية الشهيرة وعاملة الإغاثة، زيلدا أرنس، التي كانت مرشحة لجائزة نوبل للسلام عام 2006.

على إثر الزلزال المدمر، غادر أكثر من 600 ألف شخص مناطقهم الأصلية، وكان هناك مليون ونصف شخص يعيشون في مخيمات.

وسادت حالة من الفوضى والهلع بين سكان العاصمة المدمرة، وتجمع ملايين الناس في الشوارع خشية انهيار منازلهم، فيما حل الظلام الدامس على المدينة بالتزامن مع انقطاع شبه دائم للتيار الكهربائي، ليزداد الخوف والخراب. 

زلزال توهوكو

يعد هذا الزلزال الأعنف في تاريخ اليابان منذ بدء توثيق سجلات الزلازل عام 1871.

ففي الساعة الثالثة من صباح يوم 11 مارس/ آذار 2011، ضرب زلزال قوته 9 درجات على مقياس ريختر سواحل "مياغي" اليابانية.

ونتج عنه تسونامي على امتداد طوله 1200 ميل من الساحل الياباني، وفي غضون 30 دقيقة وصلت الأمواج إلى أقصى ارتفاع يبلغ 130 قدما، ودمرت العديد من المناطق الساحلية.

وتعرضت محافظة "مياغي" لأعلى ارتفاع للأمواج بلغ 6 أمتار، وأغرق التسونامي مساحة إجمالية تبلغ نحو 561 كيلومترا مربعا في اليابان.

دمر الزلزال مطار "سنداي" الواقع قرب ساحل محافظة "مياغي"، وشوهدت الأمواج العاتية تجرف السيارات والطائرات وتغمر العديد من المباني أثناء توجهها نحو الداخل.

ورغم أن اليابان رائدة على مستوى العالم في التأهب للزلازل، لكن كارثة "توهوكو" تسببت في قتل 20 ألف شخص وأجبر ما يقرب من 500 ألف على إخلاء مدنهم.  خاصة وأن انهيار محطة للطاقة النووية، أدى إلى حدوث حالة طوارئ نووية كبرى، ساهمت في زيادة معدلات الإخلاء والتهجير.

وقدرت الخسائر الاقتصادية المباشرة من الزلزال والتسونامي والكارثة النووية بنحو 360 مليار دولار.

فيما أعلن "المعهد الإيطالي للجيوفيزياء ودراسات البراكين"، أن زلزال توهوكو "أدى إلى إزاحة محور دوران الأرض عشرة سنتيمترات".

سبب الكارثة 

وقال الباحث بقسم الجيولوجيا-كلية العلوم في جامعة أسيوط المصرية، محمد الأدهم، إن "الزلزال ظاهرة يصعب التنبؤ بها وقتيا، لكن يمكن توقعها ورصدها من خلال مجموعة من المظاهر، ودراسة التاريخ الجيولوجي للمناطق وتعرضها للزلال، وطبيعة تربتها، وقربها أو ابتعادها عن الصفائح التكتونية".

وأضاف الأدهم لـ"لاستقلال" أن "الزلزال في الأساس ناجم عن احتكاك صفيحتين لفترة زمنية وهو الذي يطلق عليه فالق (مثل فالق الأناضول)، وتداخل تلك الصفائح بقوة مع بعضهما البعض هو الذي يتسبب في الزلزال".

و"فالق شرق الأناضول" أو "صدع شرق الأناضول"، مصطلح يشير إلى منطقة التلاقي بين صفيحة اليابسة العربية والإفريقية وصفيحة أوراسيا.

وأشار الباحث المصري إلى أنه "في منطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط، فإن تركيا واليونان وقبرص وإيطاليا، إضافة إلى الجزء الشمالي من الشام والعراق وإيران من أكثر المناطق المعرضة للزلازل والزلازل المدمرة، بسبب الحركات المعقدة للصفائح التكتونية لتلك المناطق". 

وذكر أن "الزلزال ظاهرة طبيعية لا يمكن منعها أو تفاديها، لكن يمكن التخفيف من حدة آثارها قدر المستطاع، مثلما فعلت اليابان التي تعد أكثر الدول تقدما في التعامل مع الكوارث الطبيعية كالزلازل وتسونامي". 

وأوضح الأدهم أن "اليابان عملت على تغيير الديموغرافيا، بتخفيف السكان وطبيعة الأبنية والنشاطات في مناطق الزلازل، وتفعيل الحماية المدنية بشكل مكثف، وخلق وعي عام لدى المواطنين للتعامل مع الكارثة".