هرولة طافحة.. ماذا وراء اتفاقيات التوأمة بين مدن مغربية ومستوطنات صهيونية؟
بعد توقيع المغرب مع الكيان الإسرائيلي العديد من اتفاقيات التعاون على المستوى الاقتصادي والعسكري والتجاري والعلمي، انتقل التطبيع إلى البلديات والمحافظات، ضمن اختراق كبير لقي انتقادات واسعة.
تطبيع العلاقات بشكل رسمي بين الجانبين جاء بعد توقيع "الإعلان الثلاثي المشترك" بين المغرب والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، في 22 ديسمبر/كانون الأول 2020 بالعاصمة الرباط.
وفي 7 فبراير/شباط 2023، أدرج مجلس بلدية فاس (العاصمة العلمية للمغرب)، نقطة ضمن جدول أعمال أشغال دورته العادية ترتبط بمشروع اتفاقية توأمة مع بلدية "كفار سابا" في إسرائيل.
اتفاقية التعاون والتوأمة تأتي بعد زيارة عمدة بلدية فاس عبد السلام البقالي المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يرأسه عزيز أخنوش رئيس الحكومة، إلى بلدة كفار سابا المحتلة (شمال شرق تل أبيب).
وفي 8 ديسمبر 2022، بحث عمدة فاس مع رافي ساعر، رئيس بلدية كفار سابا، سبل تعزيز علاقات التعاون والشراكة بين المجلسين.
رفض عام
إعلان رئيس مجلس بلدية فاس عزمه توقيع اتفاقية تعاون وتوأمة مع إحدى بلديات الاحتلال الإسرائيلي أثار غضبا واستنكارا شعبيا وسياسيا ومدنيا.
حزب العدالة والتنمية الإسلامي (معارض)، أكد أن هذه الخطوة تحمل إساءة كبيرة لرمزية فاس في الدين والعلم والتاريخ والمقاومة.
وفي 6 فبراير 2023، حذر الحزب الإسلامي، في بيان له، مما تشكله هذه الخطوة من خطورة على حاضر ومستقبل فاس.
كما نظم فريق العدالة والتنمية ببلدية فاس، ندوة صحفية، ندد فيها بالارتماء في أحضان الكيان الصهيوني من طرف العمدة ومكتبه، في شرعنة لاغتصاب الأراضي والجرائم الصهيونية في حق الفلسطينيين.
ورأى فريق العدالة والتنمية، أن رئيس بلدية فاس، يسبح عكس التيار، بتوقيعه اتفاقية مع مستوطنة لا تجمعها مع مدينة فاس أي نقطة مشتركة.
بدوره، ندد فريق فيدرالية اليسار الديمقراطي ببلدية فاس (معارض)، بهذه الاتفاقية، مؤكدا أن إدراج المصادقة عليها في جدول الأعمال وضعت المجلس في حرج، خاصة مع تباين مواقف بعض الأحزاب التي ارتأت التصويت على هذه النقطة.
وبعد أن طالبت فيدرالية اليسار الديمقراطي، بسحب نقطة المصادقة على هذه الاتفاقية التطبيعية من جدول الأعمال، شددت على أنها تهين كرامة المواطن المغربي والفاسي، مشيرة إلى أن هناك مدنا أخرى عمدت إلى سحب نقاط مماثلة.
التنديد بالهرولة التطبيعية لمجلس بلدية فاس لم يقف عند الهيئات السياسية والحزبية، بل استنكرت، بدورها فعاليات المجتمع المدني "الإقدام على إدراج نقطة غريبة وخطيرة في جدول أعمال المجلس دورة فبراير 2023، موضوعها الموافقة على اتفاقية شراكة مع إحدى قرى الكيان الصهيوني".
وأكدت الفعاليات في بلاغ، حمل توقيع العديد من الجمعيات والمنظمات المدنية بفاس، أن الرئيس المقدِم على الخطوة ضرب بعرض الحائط الرمزية التاريخية والعلمية والدينية والثقافية للمدينة وجذورها المقاومة عبر التاريخ لكل ما يهدم الثوابت الوطنية وعمقها الحضاري.
وأعلنت هيئات المجتمع المدني "رفضها المطلق لكل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني"، و"استنكارها للمجازر الدموية التي يرتكبها في حق الفلسطينيين".
وشددت الهيئات الموقِعة على دعمها المطلق والثابت واللامشروط لنضالات الشعب الفلسطيني المقاوم وحقه في الدفاع عن أرضه.
ودخل على الخط أيضا، المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، الذي أدان بشدة "هذه السابقة التطبيعية الخطيرة التي يراد بها تدنيس تاريخ ورصيد ورمزية مدينة فاس عاصمة الحركة الوطنية ضد الاستعمار وعاصمة جامعة القرويين الشامخة وتوأم القدس".
وفي 5 فبراير 2023، وجه المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، في بلاغ له، تحية إجلال لـ"الأحرار والحرائر في فاس ممن يقفون بوجه عملية قرصنة الإرادة الشعبية وتهريبها نحو خدمة أجندة الاختراق الصهيوتطبيعي والصهينة الشاملة للبلاد عبر منتخبين فاقدين لكل شرعية أو امتداد شعبي".
وأشار المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، إلى أن برمجة عقد اتفاقية تطبيعية مع إحدى بلديات الاحتلال الصهيوني يأتي بعد أسابيع من زيارة سرية أجراها العمدة رفقة أحد نوابه دون إخبار أعضاء المجلس البلدي أو الرأي العام.
التطبيع خيانة
وإلى جانب كل ما سبق، احتشد ناشطو عشرات الجمعيات أمام مقر مجلس بلدية فاس في وقفة احتجاجية تنديدا بإدراج رئيس الجماعة وأعضاء مكتبه لنقطة الموافقة على اتفاقية التعاون بين جماعة فاس ومستوطنة (بلدية) "كفار سابا" في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي 7 فبراير 2023، ندد المحتجون بالاتفاقية التطبيعية، مشددين على أن القضية الفلسطينية وطنية، وأن الشعب المغربي والفلسطيني شعب واحد.
ورفع المحتجون شعارات مستنكرة للتطبيع والاختراق الصهيوني من قبيل "فلسطين أمانة والتطبيع خيانة" و"من المغرب لفلسطين شعب واحد ماشي اثنين" و"الشعوب تقاوم والمجلس يساوم".
وفي تعليقه على هرولة مجلس بلدية فاس لتوقيع اتفاقية تعاون وتوأمة مع بلدية للاحتلال الإسرائيلي، قال الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع عزيز هناوي، إنها "خطوة تطبيعية مجانية قام بها عمدة بلدية فاس بطريقة فاقدة للشرعية السياسية التدبيرية والقانونية".
وأضاف هناوي، في حديث لـ"الاستقلال"، أنه من المفروض قانونيا قبل توقيع أي اتفاقيات تعاون أو شراكة بين بلدية مغربية وأخرى أجنبية، أن يجرى عرض مشروع الاتفاق على أعضاء المجلس البلدي للموافقة عليه.
وأردف أن "الذي جرى هو أن عمدة فاس فاجأ أعضاء المجلس البلدي وساكنة المدينة بهذه الزيارة المشؤومة"، مضيفا أنه بعد رجوعه من تلك الزيارة تحدى كل معارضي التطبيع عبر فرض جدولة هذه النقطة في دورة فبراير 2023.
وسجل هناوي، أن اجتماع بلدية فاس لتمرير "اتفاقية التوأمة" عرف احتجاجا كبيرا من قبل أعضاء المجلس البلدي وساكنة المدينة والمجتمع المدني.
وأشار إلى أن "رئيس المجلس أقدم على طرد وسائل الإعلام ومنعها من متابعة أشغال الدورة لتمرير هذه الاتفاقية في الظلام دون اطلاع الرأي العام".
واستغرب أنه في الوقت الذي تلغي فيه دول عالمية اتفاقيات توأمة مع الاحتلال الإسرائيلي من قبيل مدينة برشلونة، يأتي رئيس بلدية فاس ليعلن توقيع اتفاقية توأمة مع مستوطنة لا تتجاوز مساحتها 14 كيلومترا مربعا.
وعلقت مدينة برشلونة الإسبانية، علاقاتها المؤسسية مع الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك التوأمة مع بلدية تل أبيب، بسبب الانتهاكات المتواصلة ضد الفلسطينيين.
جاء ذلك في رسالة وجهتها رئيس بلدية برشلونة الإسبانية آدا كولاو، إلى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في 9 فبراير 2023.
ورأى هناوي، أن توقيع عمدة بلدية فاس لاتفاقية توأمة مع مستوطنة كفار سابا، المنطقة التي احتلتها العصابات الصهيونية سنة 1948 وعملت على قتل وطرد وتشريد ساكنيها، هو "دعم ومباركة" لجريمة احتلال هذه البلدة.
وقال إن "الخلفية الأخرى لهذه الخطوة هي أن العمدة يريد تقديم خدمات تطبيعية للصهاينة في ظل هرولة طافحة يقود ركبها عدد من المطبعين بالمغرب والذين يبحثون عن رضا في إسرائيل وعن رضا من طرف سدنة التطبيع بالمغرب".
وتابع أنه أصبح اليوم بعض رؤساء البلديات من بعض المنتخبين المشكوك في شرعيتهم الانتخابية يريدون أن يقدموا خدمات تطبيعية حتى يجرى الرضى عنهم من طرف رعاة التطبيع بالمغرب.
وخلص إلى أن التطبيع الذي يجرى اليوم هو "رقصة في الفراغ فاقدة للشرعية الشعبية"، مشددا على أنها "هرولة مشؤومة غبية وفاقدة لكل عناصر الأصالة والانتماء والهوية والمسؤولية السياسية".
وبخصوص خطورة هذه الخطوة على النسيج الاجتماعي المغربي، يرى هناوي، أن "تمرير التطبيع إلى الأدوات المحلية عبر البلديات والجماعات الترابية المنتخبة هو عملية تسخين للتطبيع ومحاولة إعطائه "شرعية شعبية" عبر هؤلاء المنتخبين".
وأضاف أن "اتفاقيات التوأمة والتعاون" على مستوى البلديات، محاولة لتمرير التطبيع إلى المستويات الدنيا التي لها علاقة مباشرة مع المواطن على مستوى الخدمات البلدية.
وأردف أن المواطن سيصبح أمام الحضور الصهيوني في البلديات وليس فقط على المستوى السياسي المركزي في الدولة عبر الاتفاقيات العسكرية والأمنية والدبلوماسية التي هي بعيدة عن ملامسة المواطن بشكل مباشر.
ودعا هناوي، القوى السياسية والمجتمع المدني وأحرار البلد إلى "الوقوف في وجه هذه الهرولة التطبيعية التي تستهدف البلديات، خاصة وأنه يتم بأدوات فاقدة للشرعية السياسية ومبتورة عن نبض الشارع".