"حالة استثنائية".. لماذا تأخر المغرب في مساعدة تركيا وسوريا بمحنة الزلزال؟
أمام هول المشاهد القادمة من جنوبي تركيا وشمالي سوريا جراء الزلزال الكارثي، هرعت معظم الدول العربية لتقديم العزاء والإعلان عن إنشاء جسور جوية وتقديم مساعدات إغاثية وطبية إلى بؤرة الدمار.
بالمقابل، اكتفى المغرب بتقديم التعزية لتركيا شعبا وحكومة، وبعدها بدأ الترقب "سيد الموقف" من مواطني المملكة بشأن طبيعة وحجم المساعدات التي ستقدم عليها الرباط.
لكن تأخر الإعلان طويلا عطفا على الحاجة العاجلة للمبادرة السريعة نظرا للحدث المميت، دفع مغاربة للتعبير عن الاستغراب من تخلف المملكة عن "اللفيف العربي المتضامن" الذي أرسل فرقا للبحث والإنقاذ.
وفجر 6 فبراير/ شباط 2023، ضرب زلزال جنوبي تركيا وشمالي سوريا بلغت قوته 7.7 درجات، أعقبه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجات ومئات الهزات الارتدادية العنيفة.
وخلف الزلزال عشرات آلاف القتلى والمصابين، وخسائر فادحة بالممتلكات في البلدين، فيما لا تزال مئات العوائل تحت أنقاض الأبنية المدمرة.
ظرف عصيب
وغداة الزلزال، بعث العاهل المغربي الملك محمد السادس برقية تعزية ومواساة إلى الرئيس رجب طيب أردوغان.
وقال الملك في التعزية: "تلقيت بعميق التأثر وبالغ الأسى نبأ الزلزال العنيف الذي ضرب مناطق جنوب شرق بلدكم الشقيق، مخلفا العديد من الضحايا والمصابين وخسائر مادية جسيمة”.
وأعرب الملك عن التعازي لتركيا وأسر الضحايا، مؤكدا "تضامن بلاده الفاعل ووقوفها إلى جانب الشعب التركي في هذا الظرف العصيب"، بحسب وكالة الأنباء المغربية الرسمية.
وأضاف: “بهذه المناسبة الأليمة، أعرب لفخامتكم، باسمي وباسم الشعب المغربي، عن أحر التعازي وأصدق مشاعر المواساة، راجيا منكم أن تنوبوا عنا في إبلاغ الأسر المكلومة مشاعر تعاطفنا وتضامننا معهم إزاء هذه الكارثة الطبيعية”.
وتابع: “كما أسأل الله العلي القدير أن يلهمكم وإياهم جميل الصبر وحسن العزاء، وأن يمن على المصابين بالشفاء العاجل، وأن يتغمد الضحايا بواسع رحمته وغفرانه، ويسكنهم فسيح جنانه، وأن يحفظ بلدكم وشعبكم الشقيق من كل مكروه”.
وبعد برقية التعزية، انتظر المغاربة بيان وزارة الخارجية بشأن طبيعة المساعدات التضامنية وانضمام كوادرها لفرق الإنقاذ والإغاثة، لكن مرور الساعات دفع المواطنين لطرح التساؤلات.
وفي تفاعل مع هذا التأخر، قال الكاتب نورالدين اليزيد عبر تدوينة في 8 فبراير: "شيء مثير للاستغراب حقا.. أين المغرب التضامني من زلزال تركيا وسوريا؟"
وأضاف اليزيد: "ما معنى أن تهرع دول صغيرة وضعيفة بل وحتى حكومة طالبان أفغانستان لتقديم المساعدة ويغيب المغرب الذي له مؤسسة محمد الخامس للتضامن (حكومية تعنى بالدعم) التي تسير بها الركبان؟".
بدوره، قال الإعلامي يونس مسكين: "نعيش منذ بضع سنوات فترة فراغ كبير بدأ الغطاء الذي استعمل لإخفائه في التمزق وإظهار ما خفي".
وأضاف في تدوينة عبر فيسبوك في 8 فبراير، "فراغ مؤسساتي مهول وانسداد في قنوات اتخاذ القرارات الحيوية، وإلا ما تفسير هذا الغياب في موضوع الزلزال التركي-السوري؟".
وتساءل مسكين: "هل من الطبيعي أو من المعقول أن ترسل الجزائر وتونس وليبيا شحنات مساعدات ويغيب المغرب؟"
ورأى أن "ما يتهامس به رجالات الدولة المبعدون والسياسيون المخضرمون والأساتذة الأكاديميون في صالونات النقاشات (السرية) يجب أن يخرج إلى العلن من أجل مصلحة المغرب والمغاربة".
وفي تدوينة عبر حسابه بفيسبوك في 7 فبراير، قال المدون يوسف بناصرية أيضا: "دول تعيش مآسي مثل لبنان وفلسطين ترسل المساعدة بعد زلزال تركيا وسوريا، أما المغرب المستقر فلا يحرك ساكنا.. غريب!!".
وعقب الزلزال وعلى مدار يومي 6 و7 فبراير 2023، أعلنت 13 دولة عربية إنشاء جسور جوية وتقديم مساعدات إغاثية وطبية عاجلة لدعم تركيا.
وتشمل هذه الدول، قطر والكويت والإمارات ومصر ولبنان والجزائر والأردن والبحرين وليبيا وتونس وفلسطين والعراق والسعودية، وفق بيانات رسمية.
غير مفهوم
وتفاعلا مع هذا الغياب، قال الباحث المغربي في العلوم السياسية أمين الإدريسي، إن "حالة الاستغراب التي أبداها المغاربة بخصوص تأخر السلطات في إرسال المساعدات لضحايا الزلزال، أو على الأقل التعبير عن إرسال هذه المساعدات، يرجع إلى أن المواطنين ألفوا أن يكون بلدهم سباقا إلى مبادرات فعلية، ومبادرات أكبر من بعض الدول التي لها إمكانيات أكبر من المغرب".
وأضاف الإدريسي لـ"الاستقلال" أنه "أمام حجم الدمار والمأساة الإنسانية التي يشاهدها العالم والمغاربة يوميا في الشاشات ومقاطع الفيديو المنتشرة والقادمة من مناطق الزلزال، كانوا يتوقعون أن تتجاوب السلطات سريعا مع هذا الدمار الإنساني الفظيع".
وتابع: "لعل آخر ما استحضره ما قام به المغرب في ظل انفجار مرفأ بيروت، ومخيم الزعتري الذي أقامه المغرب لسنوات على حدود الأردن لفائدة اللاجئين السوريين".
وفي أغسطس/آب 2012 وحتى سبتمبر/أيلول 2020، أقام الجيش المغربي مستشفى ميدانيا بمخيم "الزعتري" بهدف تقديم الدعم الصحي للاجئين السوريين على الحدود مع الأردن.
وفي 7 أغسطس 2020، أرسلت السلطات المغربية مساعدة طبية وإنسانية عاجلة للبنان، بعد 3 أيام فقط من الانفجار المفجع الذي وقع في مرفأ بيروت، مخلفا العديد من الضحايا وخسائر مادية جسيمة.
ولفت الإدريسي إلى أن "المغرب مع تركيا علاقته سياسيا ودبلوماسيا ممتازة، وليس هناك ما يعيق إرسال المساعدات".
واستدرك: "بالنسبة لحالة سوريا، العلاقات مقطوعة وهناك حديث عن أن الجانب للنظام في دمشق يشترط مرور المساعدات حصرا من طرفه إلى الشمال، وبالتالي إرسالها لسوريا وفق هذه الظروف استحالة".
ويعد المغرب أول دولة عربية تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع رئيس النظام السوري بشار الأسد من خلال طرد سفيره المعتمد نبيه إسماعيل، منتصف يوليو/تموز 2012.
تحرك شعبي
وأمام الصمت الرسمي للمغرب، لم تظل الجالية المغربية في تركيا مكتوفة الأيدي أمام هذه الفاجعة.
فمنذ الساعات الأولى للزلزال العنيف، تحرك مغاربة تركيا لجمع المساعدات الإنسانية التي سيتم إرسالها إلى ساكنة المناطق المنكوبة، وهرعوا إلى مراكز التبرع بالدم بمختلف المدن التي يقطنون بها، بحسب وكالة الأنباء المغربية الرسمية.
وأضافت في تقرير نشرته في 8 فبراير: كما التحقوا بمطار إسطنبول الدولي، على غرار آلاف الأتراك، على أمل التمكن من ركوب طائرات المتطوعين المتجهة إلى الجنوب التركي، لتقديم يد المساعدة في عمليات الإنقاذ.
وعبر عدد من أفراد الجالية المغربية في تركيا، في تصريحات للوكالة، عن حزنهم الشديد عقب هذه المأساة، ووقوفهم إلى جانب الأتراك في هذه الفترة الصعبة على الجميع، مؤكدين استعدادهم في المساهمة قدر الإمكان في تخفيف وطأة هذا الزلزال على الضحايا وعائلاتهم.
وفي هذا السياق، قالت خديجة سلمان، رئيسة جمعية (اليد في اليد) بإسطنبول، إن "الجالية المغربية تتقاسم مع أشقائهم الأتراك جميع مسراتهم وأحزانهم كشعب واحد"، مشيرة إلى "وقع الصدمة التي تركها خبر الزلزال على نفسية المغاربة، لا سيما عائلاتهم في المغرب".
وأكدت سلمان أن "أعضاء الجمعية يحاولون طمأنة عائلات المغاربة وكذلك تكذيب الأخبار الزائفة التي تروج في الشبكات الاجتماعية، لا سيما خبر أن مدينة إسطنبول تضررت كذلك بالزلزال".
من جانبه، أكد رئيس "مؤسسة المغرب"، أيوب سالم، أن "الأهم في هذه المرحلة هو تكوين فريق من المتطوعين من أفراد الجالية المغربية بتركيا، للمساهمة في جهود الإنقاذ والبحث عن الناجين".
وأضاف سالم للوكالة الرسمية أن "مؤسسة المغرب" تساند تركيا في هذه المحنة العصيبة، وتعد نفسها صلة وصل بين السلطات التركية والبعثات الأجنبية بحكم التعدد اللغوي والثقافي للمغاربة القاطنين بتركيا.
بدوره، أكد مهدي همام، أحد مؤسسي (ماغريب بروفيسيونالز)، وهي شبكة مهنية تجمع بين المهنيين المغاربة المستقرين بتركيا، على "التعبئة الفردية والجماعية لأفراد الجالية في جمع المساعدات والتشجيع على التبرع بالدم"، مؤكدا أن "مغاربة تركيا يعدون هذا البلد، بلدهم الثاني".
وأضاف للوكالة أن "أفراد الجالية يعملون بجهد على الاطمئنان على المغاربة القاطنين بولايات تركيا الجنوبية، إلى جانب العمل الجبار التي تقوم به خلية الأزمة التي وضعتها سفارة المملكة المغربية بأنقرة".
بالموازاة مع هذا التعاطف الشعبي، وعلى مدار يومي 6 و7 فبراير 2023، نشرت مواقع مغربية استعداد الرباط لإرسال مساعدات عاجلة لتركيا.
ومن بين المواقع نشر "أنا الخبر" قائلا "تضامنا مع الشعب التركي في محنته إثر الزلزال الذي هزّ جنوبي البلاد، ينتظر أن يشحن المغرب مساعدات طبية ولوجستيكية عاجلة إلى تركيا".
وأضاف "في الوقت الذي يرتقب أن تصدر وزارة الشؤون الخارجية بلاغا حول هذا الموضوع، يرجح أن تشمل المساعدات المغربية المواد الطبية وفرق الإنقاذ المُختصة ووحدات للإنعاش الطبي".
هذه الأخبار على المواقع المحلية ومنصات التواصل الاجتماعي ظلت تعرف مشاركات وانتشارا بين مستعملي الإنترنت.
وختم الإدريسي حديثه لـ"الاستقلال" بالقول: "ليست هناك معطيات تقنية ولوجيستية أو حتى سياسية بشأن عدم إعلان المغرب الدعم الفعلي للمتضررين من الزلزال، لكن لحد الآن التأخر غير مفهوم، لكن هذا الاستغراب الشعبي مشروع، ولا سيما إذا استبعدنا عدم وجود الموانع السياسية للتضامن".