موقع إيطالي: التعامل مع زلزال تركيا سيحدد مشهد الانتخابات المقبلة
يعتقد موقع إيطالي أن الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في 6 فبراير/شباط 2023، ما تسبب في خسائر بشرية ومادية جسيمة وهدد حياة الملايين من الناس، ستكون له عواقب تتجاوز بكثير حالات الطوارئ الفورية.
وقال موقع "إنسايد أوفر" إن "كارثة بمثل هذه الحجم تسبب فيها أقوى الزلازل في العصر الحديث حول البحر الأبيض المتوسط، لا يمكن إلا أن يكون لها تداعيات في منطقة مثل الشرق الأوسط الهشة للغاية على المستوى السياسي".
وأضاف أن الصدمة التي خلفتها الكارثة تخاطر بأن تكون العنصر الجديد من عدم الاستقرار في الشرق الأوسط والذي من شأنه أن يضاف إلى عوامل أخرى مثل العواقب الناجمة عن تداعيات الوباء، والحرب في أوكرانيا وكذلك ارتفاع أسعار الضروريات الأساسية.
وحتى مساء 7 فبراير، أعلن فؤاد أوقطاي نائب الرئيس التركي، ارتفاع عدد وفيات الزلزال الذي ضرب جنوبي البلاد إلى 5894، لافتا إلى ارتفاع عدد الإصابات إلى 34 ألفا و810، فيما لاتزال عمليات البحث والإنقاذ عن المئات العالقين تحت الأنقاض مستمرة.
من جانبها، قالت منظمة الصحة العالمية إن عدد المتضررين من الزلزال المدمر قد يصل إلى 23 مليونا، بينهم نحو 5 ملايين من الفئات السكانية الضعيفة.
العواقب في تركيا
أشار الموقع الإيطالي إلى أن الزلزال حدث في خضم حملة انتخابية في تركيا تسبق توجه الناخبين في 14 مايو/أيار إلى مكاتب الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
ووصف الموعد الانتخابي بالحاسم خصوصا أن الرئيس الحالي، رجب طيب أردوغان، لا يضمن بأي حال من الأحوال إعادة انتخابه، وفق تقدير الموقع.
ويذكر بأنه حزبه (العدالة والتنمية) تكبد هزيمة في الانتخابات البلدية التي أقيمت عام 2019 في مدن كبرى مثل إسطنبول وأنقرة وإزمير.
وزعم أن التوتر شديد للغاية على خلفية الحكم بالسجن لمدة عامين الصادر بحق رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو المنافس الرئيس المحتمل لأردوغان.
وإمام أوغلو، القيادي البارز في حزب الشعب الجمهوري المعارض، أدانته محكمة تركية بإهانة مسؤولي الانتخابات خلال حملته الانتخابية المثيرة للجدل لعام 2019.
وقال الموقع إن "الزلزال وما خلفه يشكل اختبارا حقيقيا للرئيس التركي، قد يؤدي إلى تعزيز قيادته للبلاد أو على العكس من ذلك، قد يتسبب في تضاؤل التأييد الذي يحظى به".
وستمثل استجابة الحكومة في التعامل مع حالات الطوارئ المستعجلة المفتاح لفهم الديناميكيات الانتخابية المقبلة، على حد تعبيره.
ولفت إلى أن "الخطر الشديد للغاية بالنسبة لأردوغان يتمثل في عدم امتلاك البلاد جميع الموارد اللازمة لمجابهة تأثير الزلزال في ظل وقوعها تحت ضغوط اقتصادية وعدم تجاوزها بعد بالكامل أزمة ما بعد وباء كورونا وارتفاع معدل التضخم إلى 83 بالمئة على أساس سنوي".
يذكر الموقع أن تركيا عانت بالفعل من زلازل مدمرة أخرى في الماضي القريب على غرار زلزال إزميت عام 1999 الذي أودى بحياة 17 ألف قتيل في حصيلة يمكن أن تبلغها الكارثة التي حدثت هذه الأيام.
لذلك، يفترض أن "آلة الإغاثة التركية لديها الكثير من الخبرة ويمكن أن تتفاعل بسرعة"، مستدركا أن "أنقرة قد تواجه صعوبات في مساعدة وإيواء النازحين وإدارة مرحلة الطوارئ بأكملها وهو ما قد يؤدي إلى تراجع الدعم للرئيس أردوغان".
ومن هنا، يدرك أردوغان جيدًا المخاطر وأهمية التحرك في أسرع وقت ممكن وأن يتقدم إلى انتخابات مايو بخطط إعادة إعمار دقيقة، على حد قوله.
الصراع السوري
حذر إنسايد أوفر من أن أسوأ العواقب للزلزال قد تحدث في شمال سوريا على الرغم من أن مركز وقوعه كان في تركيا.
خاصة أن الانهيارت والدمار لحقا المباني والبنية التحتية في محافظات حلب واللاذقية، مدينتين على بعد أكثر من 200 كيلومتر من مركز الزلزال.
وتعيش سوريا حربا أهلية مستمرة منذ عام 2011، كما أن الصراعات لاتزال قائمة في المناطق المتضررة من الزلزال.
في هذا الصدد، يشير الموقع إلى أن محافظة إدلب تعد من أكثر المحافظات تعرضا للدمار جراء الكارثة كما أنها الوحيدة الخارجة عن سيطرة نظام دمشق حاليًا.
وبحسب الموقع، استنادا إلى دروس قدمها التاريخ، تكون عواقب الكوارث التي تشمل مناطق في حالة نزاعات مؤثرة أكثر على الديناميكيات السياسية والعسكرية التي تدور حول الصراعات.
وأشار إلى أن هذا حدث أخيرا في جنوب شرق آسيا بعد أن أثرت كارثة زلزال وتسونامي 26 ديسمبر/كانون الأول 2004 على نزاعين مدنيين في المنطقة في سومطرة وكذلك في سريلانكا.
في الحالة الإندونيسية، أدت الكارثة إلى تسريع محادثات السلام بين الحكومة والمتمردين، بينما فاقمت من الكراهية المتبادلة في النزاع السريلانكي.
دمر الزلزال قرى بأكملها في جميع أنحاء شمال سوريا سواء في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام أو في تلك التي تسيطر عليها المعارضة.
ورأى الموقع الإيطالي أن المأساة الواحدة يمكن أن تفرض استجابات مشتركة لتجنب ارتفاع عدد الضحايا وتشكيل مخيمات للنازحين والوقاية من ظهور الأوبئة والأمراض بين من فقدوا منازلهم.
واستدرك بأنه في الوقت نفسه، قد تشكل الظروف الاجتماعية الأكثر هشاشةً عاملا مفجرا لمزيد من التوترات التي من شأنها أن تتسبب في تجدد الصراع بعنف أكبر. ويستنتج الموقع بأن ما هو مؤكد أن تأثير الزلزال كبير على الأزمة السورية بطريقة أو بأخرى.
بحسب الموقع الإيطالي، تتجاوز الكارثة الحدود التركية والسورية مستدلا على ذلك بالقول "إن وباء كوفيد 19 والحرب في أوكرانيا، وهما أزمتان نشأتا خارج الشرق الأوسط، لا تزالا تؤثران على الحياة السياسية في المنطقة اليوم".
وبين أنه من المنطقي الاعتقاد بأن زلزالا كارثيا مثل الذي حدث أخيرا يمكن أن يمثل بلاء جديدا لجميع البلدان في المنطقة.
وأكد أن ضعف تركيا أو تفاقم الوضع غير المستقر لسوريا عنصران قد يتسببان في اضطراب أكبر لفسيفساء الشرق الأوسط بأكملها، وفق تعبيره.
في الختام، أشار الموقع إلى أن أعمال البحث والإنقاذ تجرى اليوم على أمل العثور على ناجين ولانتشال آلاف الأشخاص من تحت الأنقاض.
ولكن "في الغد سيكون للعواقب السياسية والاجتماعية للزلزال تأثير كبير على منطقة الشرق الأوسط بأكملها"، بحسب تقديره.