جذورها ترجع لثلاثة آلاف عام و"جبريل نبيها".. ما قصة الديانة "الكاكائية"؟
ديانة غامضة تكتنف السرية أفكارها ومعتقداتها وطرق ممارسة شعائرها، تدعى بـ"الكاكائية" أو "اليارسانية"، وتنتشر بالدرجة الأساس بين العراق وإيران، إضافة إلى تركيا وأفغانستان وباكستان والهند.
وتداولت وسائل إعلام أنباء أخيرا عن "الكاكائية" التي تختلف تسميتها من بلد إلى آخر، تزامنا مع احتفالها في يناير/ كانون الثاني 2023، بعيد "قول تاس" (عهد السماء) بعد ثلاثة أيام من الصوم تؤديه في "منتصف أربعينية الشتاء" يمتنع معتنقوها فيه عن الأكل قبل الفجر وحتى غياب الشمس.
تسميات مختلفة
ويعتقد البعض أن الكاكائية إحدى فروع الديانة اليزدانية القديمة (كلمة يزدان تعني الرب أو الخالق أو الإله)، التي كانت معتنقة من قبل معظم الأكراد قبل الفتح الإسلامي في إيران، والتي تفرعت منها أيضا اليزيدية.
وهناك اعتقاد بأن معظم الأكراد كانوا معتنقين الديانة اليزدانية قبل اعتناقهم الإسلام، والتي اختلطت كثيرا مع الزرادشتية و لكنها حافظت على خطها العام المستقل عنها.
ويعتقد الكاكائيون أن الخالق يتجلَى بنفسه في سلسلة من المظهريات تُسمَى أدوارا، ويؤمنون أيضا بتناسخ الأرواح، ولديهم كتاب مقدس يعرف بـ"سنچنار" و هو كتاب باللغة الكردية ويعني بالعربية النتيجة العظمى.
ويطلق مصطلح الكاكائية على أتباع هذه الديانة الموجودين في العراق فقط، أما التسمية العامة للديانة فهي "اليارسانية"، وفي إيران، يطلق على أتباعها "أصحاب الحق".
في حين رأى موقع قناة "الحرة" الأميركية في 13 فبراير/ شباط 2021، أن هذه الطائفة مرتبطة بطوائف أخرى مثل "الذكرية" في أفغانستان وباكستان، و"السربستية" في الهند، و"العلوية" في تركيا.
والكاكائيون ليسوا مسلمين كما يعتقد كثيرون بسبب محاولتهم الدائمة للانصهار بمحيطهم خوفا من الاستهداف لهذه الأقلية الدينية.
ويعود تاريخ ظهور الديانة الكاكائية إلى ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، وفقا لمنظمة "ميثرا للتنمية والثقافة اليارسانية" (مقرها العراق)، حسبما نقل موقع "الحرة".
تتكون هذه الديانة من طبقات وهي: طبقة "السادة" وهم الأمراء ورؤساء الدين، وطبقة "الدليل" أو "البير" ويسمى الواحد منهم المرشد أو إمام أو بابا، وطبقة "الإخوان" وهم الباقون المعروفون بالعامة الكاكائية ويكون بينهم التعاون والمساعدة تطبيقاً لمبدأ الأخوة.
يتميز الكاكئيون بالشارب الطويل، والذي يعد إرثا ثقافيا ودينيا، يحافظون على استمراريته ويحرمون حلاقته، إضافة إلى زيهم المميز، الذي يتكون من "الصاية"، وهو رداء طويل يشبه العباءة البدوية، والسترة، وربطة الرأس التقليدية.
أعدادهم وانتشارهم
وفقا لآخر إحصائية غير رسمية نشرتها منظمة "ميثرا" في عام 2021، فإن عدد أتباع الديانة الكاكائية في العراق يبلغ أكثر من 120 ألف نسمة، يتوزعون على مناطق سهل نينوى والسليمانية وأربيل وحلبجة وخانقين وكركوك وديالى ومدن أخرى تقع ضمن هذا النطاق.
لكن رغم عدم وجود إحصائيات دقيقة وحديثة عن أعداد الكاكائيين في العراق، فإنه، وبحسب إحصائية أجراها الاتحاد الأوربي عام 2016 يبلغ عدد الكاكائيين في العراق نحو 200 ألف شخص.
وفي السياق ذاته، يقول المؤرخ العراقي عبد الهادي الشكيب في تصريح نقلته صحيفة "العالم الجديد" في 2 فبراير/ شباط 2023، إن التواجد الأكبر للكاكائيين في إيران، إذ يقدر عددهم بنحو مليوني شخص".
لكن إحصائيات غير رسمية تشير إلى أن عددهم في إيران يترواح بين مليونين وأربعة ملايين شخص، ينتشرون ضمن مناطق قزوين وأذربيجان وزنجان وشيراز وطهران وكرمنشاه وهمدان ومدن أخرى، بحسب "الحرة".
كذلك هناك أيضا تجمعات للكاكائية في مدن درسيم وسيواس في تركيا وتقدر أعدادهم بنحو 100 ألف نسمة، وأيضا أعداد غير معروفة في الهند وباكستان وأفغانستان وجورجيا وأرمينيا.
ويعترف إقليم كردستان العراق، بالكاكائية كديانة، وأيضا لديهم مقعد واحد "كوتا" في مجلس محافظة حلبجة ضمن الإقليم الكردي.
وكذلك يجرون تحركات للضغط على المشرعين العراقيين من أجل إدراج الكاكائية كمكون ديني حالها حال باقي الديانات كالإسلام والمسيحية والصابئة المندائية.
أما في إيران، فيعاني أتباع الديانة اليارسانية بشكل أكبر نتيجة قيام السلطات باضطهادهم والتقليل من شأنهم، وفي بعض الحالات مصادرة أملاكهم.
فوفقا لمنظمة "ميثرا" فإن الأمر لا يقتصر فقط على عدم الاعتراف بهم كديانة بل تتم مضايقتهم وإهانة معتقداتهم والاستيلاء على أماكن عباداتهم وتحويلها إلى حسينيات (مساجد الشيعة).
وكذلك يتم في بعض الأحيان الحكم على الكاكائيين في إيران بأحكام غريبة لا تستند إلى نصوص قانونية، ومنها إجبارهم على حلق شواربهم، بحسب منظمة "ميثرا" المختصة بحقوق هذه الديانة.
ويشير أتباع الديانة إلى أن هويتهم الدينية في خطر ومهددة بالزوال في العراق وحتى في مدن إقليم كردستان بدأت تتقلص، ولا يستطيع أطفال الديانة دراسة دينهم في المدارس ضمن مادة الدين.
ونقل تقرير "الحرة" عن الناشطة المختصة بحقوق الكاكائية، ليلى شريف، مطالبتها الحكومة العراقية بالاعتراف الرسمي بالديانة الكاكائية، وكذلك دعت حكومة الإقليم إلى منح أتباع الديانة حقوقهم المشروعة كافة دستوريا وقانونيا واجتماعيا ودينيا في الإقليم.
ديانة غامضة
رغم أن الكثير في العراق وغيره من البلدان يعتقدون أن الكاكائيين مسلمين،ولا سيما أنهم يسمون أبناءهم بمختلف الأسماء المعروفة لدى المسلمين.
إلا أنهم لا علاقة لهم بدين الإسلام، رغم أنهم يؤمنون بوجود خالق واحد، لكن لديهم طقوس عبادة خاصة بهم، ومنها الصوم والصلاة وضرورة أن يتحلى أتباع الديانة بـ"الطهارة والصدق والتواضع والقناعة".
ويعتبر الكاكائيون جبرائيل (أحد الملائكة) هو نبيهم، ومع ذلك لديهم مصلحون ومحدثون وآخرهم سلطان إسحاق، الذي يعتبر أيضا بمثابة النبي أو المرجع الأبرز للديانة الكاكائية.
وأثناء صومهم، يمتنع الكاكائيون عن الطعام والشراب لثلاثة أيام خلال النهار، ومن ثم يحتفلون بعدها بالعيد ليوم واحد، ويحصل ذلك في أيام معينة خلال فصل الشتاء.
ويحجون إلى مرقد سلطان إسحاق في قرية برديور في هورمان على الحدود العراقية الإيرانية، داخل الحدود الإيرانية.
أما صلاتهم، فهي عبارة عن أدعية ومناجاة يقومون بها في الفجر والمغرب، يؤدونها في البيوت لأنه لا معابد لهم.
ويحرمون تعدد الزوجات، إلا في حالات خاصة كالمرض المزمن الذي يتعذر معه المعاشرة الزوجية. ويحرمون الخمر، كما أنهم يقدسون يومي الاثنين والجمعة.
وللكاكائية ثلاثة أعياد، وهي عيد "خاوندكار"، ويأتي بعد ثلاثة أيام من الصوم في فصل الخريف، وعيد "قولتاس"، ويأتي بعد ثلاثة أيام من الصوم في فصل الشتاء، وعيد "نوروز"، وهذا العيد هو أول أيام السنة بحسب التقويم اليارساني.
كما أن للموسيقى مساحة شاسعة في الثقافة الكاكائية، وبالأخص آلة "الطنبور" (آلة وترية تعرف بالسمسمية أيضا).
حيـث يتم إلقاء التراتيل الدينية على أنغـام ومقامات خاصة بهم. كما تقوم الديانة الكاكائية في معتقداتها على أربعة أركان، أو شروط وهي: الطهارة، والصدق، والفناء، والعفو.
وتعد الكاكائية ديانة غير تبشيرية ومغلقة على أصحابها، ويحرص أتباعها على عدم الحديث عن أسس ديانتهم وتعاليمها وطقوسها، وعلى إبقاء نصوصها سرا في كتبهم وفي صدورهم، دون إطلاقها للناس.
والمجدد للديانة الكاكائية فخر العاشقين سلطان إسحاق البرزنجي، المولود عام 671 للهجرة أشار إلى أنّ من بين تعاليم الطائفة، عدم الكشف عن أسرار الديانة للعامة، كما يجب الحديث عنها من خلال الرموز والكنايات.
وقد ورد فيما هو مدون عن فخر العاشقين، مؤسس الكاكائية أنّه قال "لا تكشفوا الأسرار، فيا أيها الياران (أي الأنصار) إياكم وكشف الأسرار، فالحكمة يتلقاها الأهل برموز، لئلا تحترقوا في محرقة أعمالكم".
وتتعدد المزارات الدينية للكاكائية، ومن بينها: مزار سلطان إسحاق الموجود في جبل هورامان، ومزار شاه إبراهيم ببغداد، والباب الأوسط ببغداد، إضافة إلى دكان داود بقصر شيرين بإيران، ومزار باوة محمود في خانقين العراقية.
أما في محافظة نينوى العراقية، فيتركز وجود الكاكائيين في قرى سهل نينوى ومن بينها: قرية وردك ويقع فيها أقدس مزار وهو سيد هياس، وقرية تللبن وفيها مزار بابا يادكار، وكزنان وفيها مزار بابا حيدر وقرية المجيدية وزنكل وكبرلي.
المصادر
- ابناء الديانة الكاكائية يحتفلون بعيد الصيام ” قول تاس “
- وجودهما مهدد.. الصابئة والكاكائية حين تلاحقهما حملات التشويه والتهميش
- الكاكائية لا تكشف اسرارها
- مهمشون في العراق ومضطهدون في إيران.. من هم الكاكائيون؟
- الكاكائية.. قرون من الصمت والغموض تلف إحدى أقدم ديانات العراق
- الكاكائيون يحتلفون غدا بعيد "الخلق" في طقوس سرية دون معابد