"طالب بإطلاق المعتقلين".. لماذا التقى بلينكن مع حقوقيين في مصر قبل السيسي؟  

12

طباعة

مشاركة

إشارات جديدة من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بعد بدء زيارته إلى مصر في 29 يناير/كانون الثاني 2023، بلقاء مجموعة من الشباب في مقر الجامعة الأميركية بالقاهرة، قبل أن يلتقي رئيس النظام عبد الفتاح السيسي لاحقا في اليوم التالي.

اللقاء الذي عقد في مقر الجامعة القديم بميدان التحرير، المكان الذي انطلقت منه "ثورة يناير 2011"، لا مقرها الجديد بالتجمع الخامس شرق القاهرة، وحديثه عن ضرورة إطلاق معتقلين سياسيين، "كان محل رصد واهتمام المصريين".

وبدا هذا الترتيب كأنه رسالة أميركية ضمنية للنظام وللمصريين في زيارته تقول: "لن نتواصل مع السيسي وحده".

أهمية الرسالة أنها تأتي في ظل تفاقم أزمة النظام الاقتصادية والسياسية، وتوقع تقارير عالمية بـ"أيام صعبة" يواجهها السيسي.

إشارات في الأفق

حديث بلينكن عقب اجتماعه مع السيسي ونظيره سامح شكري عن ضرورة إطلاق المعتقلين، ولقاؤه قبيل مغادرته القاهرة عددا من الحقوقيين وممثلي المجتمع المدني، بينهم مدير "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، حسام بهجت، ورئيس حزب "الدستور" السابق، خالد داوود، أعطى الرسالة "مذاقا آخر".

ناشطون ربطوا بين زيارة وزير الخارجية الأميركي مصر وحديثه القوي عن إطلاق المعتقلين السياسيين، وأن قرارات لجان العفو الرئاسي "ليست كافية"، وزيارة مدير المخابرات الأميركية، وليم بيرنز، إلى مصر أيضا قبلها بأسبوع.

وعدوا ذلك ضغوطا أميركية على النظام لتحسين الأوضاع في مصر "خشية الانفجار"، بسبب زيادة حالة السخط والغضب الداخلي، وإطلاق معتقلي تيارات ليبرالية ويسارية، وأنها ربما إشارات لأمر قادم في الأفق.

آخرون حذروا من التفاؤل بما قد يبدو كأنه "ضغوط" على السيسي في ذروة ضعفه بسبب انهيار الاقتصاد، ورأوا أن أي ضغط أميركي على السيسي هدفه "الخشية من انهيار مصر ومعها مصالح أميركا ليس أكثر".

وكان لافتا أنه للمرة الأولى يصدر تصريح عن شكري خلال المؤتمر الصحفي مع بلينكن، يعترف فيه أن "الأزمة التي تواجهها القاهرة تحتاج تدخلا من أميركا لرفع الضغوط"، وينوه إلى أن استقرار مصر في صالح أميركا، و"كأنه يهدد بفوضى".

فريق ثالث ربط زيارات المسؤولين الأميركيين بدور مصر المتمثل في حماية مصالح واشنطن في فلسطين المحتلة عبر الضغط على المقاومة في الضفة وغزة لوقف التصعيد ضد دولة الاحتلال، وأن الحديث عن حقوق الإنسان أو لقاء شباب "مجرد ديكور".

الناشط السياسي سام يوسف، ربط زيارات المسؤولين الأميركيين برفض دول الخليج اقتراحات صندوق النقد لمساعدة مصر، وتصاعد حملة الهجوم على السيسي من جانب كتاب ومعلقين خليجيين، وعدم حضور السعودية والكويت "مؤتمر أبو ظبي" لمساعدة مصر في 18 يناير 2023.

وفسر يوسف عبر تغريدة في 29 يناير 2023، ما سبق بجانب ظهور المعارض والنائب الناصري السابق أحمد طنطاوي وتقديم نفسه بديلا للسيسي فجأة بخطة الإصلاح، بأنه "علامات لما هو قادم".

فما هي الرسائل التي سعي بلينكن لتوصيلها إلى نظام مصر من لقائه شبابا وحقوقيين وحديثه عن إطلاق المعتقلين، قبل وبعد لقائه السيسي وشكري لبحث دور القاهرة في تهدئة الأوضاع في فلسطين، خاصة أنه حرص على الحديث عن "مصالح" بين البلدين؟.

ولماذا وصل للقاهرة قبل يوم من عودة السيسي من جولة خارجية شملت كلا من الهند وأذربيجان وأرمينيا ليلتقي شبابا مصريين ويؤكد في حواره معهم أنهم "هم المستقبل ومن سيحكم مصر مستقبلا بحكم أن 60 بالمئة من المصريين شباب؟"

فحوى اللقاء

كان لافتا لقاء بلينكن بمن أسمتهم السفارة الأميركية "قيادات شبابية" قبل أن يجري محادثات مع السيسي وشكري، لبحث قضايا ثنائية وأخرى إقليمية مثل فلسطين والسودان وليبيا.

وفسر بلينكن لقاءه بهذه القيادات الشبابية المصرية في الجامعة الأميركية بالقاهرة للصحفيين بقوله إنه يريد تعزيز "شراكة واشنطن الإستراتيجية" مع مصر.

وفي كلمته بالجامعة الأميركية 29 يناير 2023 والتي نشرها موقع الخارجية الأميركية، قال: "أردت أن أبدأ هنا (مع الشباب بالجامعة الأميركية قبل لقائه السيسي) لعدة أسباب، الرئيس منها الشراكة بين الولايات المتحدة ومصر".

وأوضح أن "المضي قدما في هذه الشراكة وبناءها واستدامتها وتقويتها سيتم في النهاية من قبل الأشخاص الموجودين هنا اليوم (الشباب) والأشخاص الذين يمثلون 60 بالمئة من سكان مصر يبلغون من العمر 25 عاما أو أقل!".

وتابع: "من المهم بالنسبة لنا ليس فقط إشراك الحكومة (في الشراكة) لكن على نفس القدر من الأهمية مشاركة كل قطاع من قطاعات المجتمع".

وأضاف: "نريد أن نعرف ما يدور في ذهنك (الشباب)، وماذا تفكر فيه، وما الذي يقلقك، وكيف تنظر إلى الأشياء، لأن الشيء الأكثر أهمية بالنسبة لي هو ألا نفعل ما فعلناه على مدار الخمسين عاما الماضية بطريقة واحدة وأن نغيره خلال الخمسين عاما القادمة".

ونصح بلينكن "من يشغلون مناصب المسؤولية" بالاستماع لأسئلة الآخرين، والتفكير في طرق جديدة ومختلفة للقيام بالأشياء.

ونقلت عنه الخارجية الأميركية قوله: "هذا البلد ديناميكي وشبابي إلى حد كبير، ويهمنا ألا نتشارك مع مصر على المستوى الحكومي فحسب، بل مع كل قطاعات المجتمع أيضا، خاصة الجيل الصاعد الذي يشكل جزءا كبيرا من هذا البلد وسيستكمل العلاقات مع الولايات المتحدة في المستقبل".

أيضا كتب بلينكن عبر تويتر: "استمتعت بالاستماع إلى هؤلاء الرواد الشباب الذين يروجون لقيمنا المشتركة ويعززون علاقتنا الثنائية المهمة، وهذا يجعلني متفائلا بشأن مستقبلنا". 

لكن الطيار السابق المقيم في أميركا والذي أفرجت عنه الإمارات بعد اعتقاله أخيرا شريف عثمان، علق على تغريدة بلينكن قائلا: "عن أي قادة (شباب) تتحدث؟ لا أعرف أيا من القادة في هذه الصورة".

وأضاف: "تحت أي برنامج هم؟ ما هي الرؤى التي يشاركونها؟ هل تعتقد حقا أنه يمكنهم مشاركة أي شيء أثناء لقائك في مصر؟".

وعلمت "الاستقلال" أن من التقاهم بلينكن هم "رواد أعمال"، قالت السفارة إنهم حققوا نجاحات مجالاتهم، أو ممثلين عن الطلاب في الجامعة، أي لا علاقة لهم بالسياسة.

وأكد عدد ممن حضروا اللقاء عقب انتهائه أنه "كان قصيرا للغاية"، تضمن تلقي بضعة أسئلة فقط، دارت حول قضية المناخ، ونصائح من الوزير وحديثا وديا مع الشباب، وغابت عنه أي أسئلة سياسية.

وغاب الحقوقيون عن اللقاء مع الشباب الذي كان قصيرا لمدة لا تتجاوز الـ30 دقيقة، لكنهم اجتمعوا لاحقا بوزير الخارجية الأميركي في لقاء خاص بسفارة واشنطن، "ما يشير لبحث أمور أكثر سرية ربما لا تقال علنا"، وفق مراقبين.

وتُعد مبادرات الترويج لـ"ريادة الأعمال والاقتصاد المبدع"، واحدة من عدة طرق تعمل من خلالها الولايات المتحدة لبناء علاقات ثقافية مع المصريين، وخاصة الشباب، وهناك "أكاديمية رائدات الأعمال" تابعة لوزارة الخارجية الأميركية.

وأشار المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، في تغريدة 29 يناير، إلى فوائد برامج التبادل في مصر مع الشباب ورواد الأعمال، قائلا إنه يضم حتى الآن أكثر من 21 ألف خريج مصري من برامج تبادل اللغة الإنجليزية والأكاديمية.

ولم يُسمح للصحفيين بحضور اللقاء بين الوزير والشباب، واقتصر الوجود على حضور الكلمة الافتتاحية، حيث طلب منهم بلينكن الانصراف مع مسؤول السفارة قبل أن يبدأ حواره مع الشباب، حسبما أوضح موقع الخارجية الأميركية.

المعتقلون السياسيون

ورغم أن لقاء بلينكن مع السيسي هدفه المُعلن هو تبريد الأجواء في فلسطين المحتلة، وممارسة دوره الذي رسمته له إدارة بايدن منذ أول تواصل معها لأول مرة في مايو/أيار 2021، "لم يخل" اللقاء من الحديث عن حقوق الإنسان.

ولفت لهذا بلينكن بنفسه عقب لقائه السيسي، مشيرا عبر حسابه على تويتر إلى مناقشة "الشراكة الإستراتيجية ودور مصر المهم في الاستقرار الإقليمي وأهمية التقدم في حقوق الإنسان".

وعقب لقائه شكري في 30 يناير 2023، كان الوزير الأميركي أكثر وضوحا، حيث قال خلال المؤتمر الصحفي إن "ملف حقوق الإنسان كان في صدارة القضايا على جدول الأعمال في المحادثات مع قادة مصر".

وشدد على أن "الولايات المتحدة ستستمر في الضغط على مصر فيما يتعلق بحقوق الإنسان"، مطالبا بضرورة إطلاق سراح "السجناء السياسيين"، واتخاذ "إصلاحات" تتيح حرية التعبير، بحسب وكالة "رويترز" في 30 يناير 2023.

وفي كلمته للصحفيين قال بلينكن إن بلاده ترحب بعقد الحوار الوطني (الذي دعا له السيسي) وإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي، مؤكدا استمرار الحديث مع النظام المصري "لاتخاذ إجراءات لتحقيق تقدم في مجال حقوق الإنسان".

لكنه استدرك: "المخاوف لا تزال قائمة، لذا تحدثنا عن ذلك (مع السيسي وشكري) بروح الصراحة وروح الشراكة وبوضوح شديد، وأثرنا قضايا السجناء الأفراد".

وأفاد بلينكن بأن "إصلاح أمور مثل الاحتجاز السابق للمحاكمة (الاختفاء القسري) وممارسات إنفاذ القانون الأخرى، وحماية عمل المجتمع المدني، كانت من بين المجالات التي ستسعى فيها واشنطن إلى تحقيق تقدم ملموس فيها".

وألمح إلى عدم تنفيذ القاهرة مطالب أميركية سابقة بإطلاق معتقلين، مؤكدا أن "إدارة بايدن أثارت في الماضي قضايا محددة لمعتقلين سياسيين"، لافتا إلى أنه أثار "ذكر أسمائهم مرة أخرى في اجتماعاتنا (مع السيسي)".

وسبق أن أكدت مصادر حقوقية مصرية أن واشنطن أرسلت أسماء محددة لمعتقلين سياسيين لإطلاقهم، وتردد أن الرئيس بايدن سلم السيسي ورقة بها أسماء محددة خلال لقائهما الأخير، وعقب إطلاق سراح صاحب شركة جهينة، صفوت ثابت، ذكرت تسريبات أن إطلاقه جاء بضغط أميركي.

وقال بلينكن: "لا يزال هناك آلاف الأشخاص في السجون لأسباب سياسية، وبدء العملية (حقوق الإنسان) وإكمالها هما شيئان مختلفان، ومن المهم أن تمضي هذه العملية قدما"، بحسب موقع "مدى مصر" الإنجليزي في 30 يناير 2023.

تجاهل رسمي

وتجاهل المتحدث باسم رئاسة النظام المصري ما قاله بلينكن عن حقوق الإنسان، وذكر أن "واشنطن تعول على التنسيق الحثيث مع مصر لاستعادة الاستقرار وتحقيق التهدئة واحتواء الوضع ما بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي".

وأشار ضمنا إلى مطالبة واشنطن من السلطة الفلسطينية إعادة التنسيق الأمني مع إسرائيل، بحديثه عن "أهمية العمل بشكل فوري في إطار المسارين السياسي والأمني لتهدئة الأوضاع والحد من اتخاذ أي إجراءات أحادية من الطرفين".

وهو ما يعني أن بلينكن طلب من السيسي بالفعل الضغط على السلطة الفلسطينية لإعادة التنسيق الأمني ضمن دور مصر لدى إدارة بايدن القائم على رعايتها التهدئة في فلسطين سواء غزة أو الضفة الغربية، قبل لقائه الرئيس محمود عباس.

لكن رئيس تحرير صحيفة "رأي اليوم"، عبد الباري عطوان، عبر تغريدة في 29 يناير 2023، تنبأ بفشل هذا الضغط المصري الأميركي للجم الانتفاضة ضد الاحتلال، والتهدئة التي يأمل بلينكن تحقيقها لإنقاذ إسرائيل "لأن صاحب القرار هم المقاومون وعرين الأسود وكتائب جنين".

لقاء حقوقي

لم يقتصر الأمر على تأكيد وزير الخارجية الأميركي أن ملف حقوق الإنسان كان على رأس أولويات زيارته، ومطالبة مصر علنا وبوضوح بإطلاق سراح المعتقلين وتحسين سجلها الحقوقي، بل التقى معارضين سجنتهم أو حققت معه سلطات السيسي.

وكالة "رويترز" كشفت في 30 يناير 2023 أنه أثناء وجوده في مصر، التقى بلينكن بمجموعة من النشطاء، بينهم حسام بهجت، والصحفي، رئيس حزب "الدستور" السابق، خالد داود.

"الاستقلال" علمت أن الوزير الأميركي التقى أيضا، المحامي محمد رمضان، والمحامية راجية عمران.

ونقلت "رويترز" عن بهجت بعد اجتماعه مع وزير الخارجية الأميركي: "كان يعلم بالفعل (بلينكن) حجم أزمة حقوق الإنسان في مصر، وأن عدد السجناء السياسيين الجدد المعتقلين يفوق عدد من يزعم النظام أنه أصدر عفوا عنه".

وأضاف: "إدارة بايدن تدرك أنه بعد عامين من مشاركتها السيسي قلقها بشأن قضايا حقوق الإنسان، لم تؤد (ممارسات السيسي) إلى الكثير من التحسن".

وسبق في 20 أبريل/ نيسان 2021 أن التقى بلينكن، ثمانية مدافعين عن حقوق الإنسان من دول مختلفة، عبر "الفيديو كونفرانس"، وكان من بينهم بهجت الذي اشتكى من القمع.

ورأى مراقبون ذلك بداية التمهيد لمراجعة انتهاكات السيسي لحقوق الإنسان، حيث جاء اللقاء حينئذ بعد ثلاثة أشهر كاملة مرت على تنصيب بايدن (20 يناير 2021)، دون أي اتصال برئيس النظام السيسي.

ومصر بين طليعة الدول التي تتلقى مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة، لكن هذا التعاون يواجه تحفّظا من جانب بعض الشخصيات في إدارة بايدن الديمقراطية، بسبب سجل السيسي على صعيد حقوق الإنسان.

ومنعت إدارة بايدن ملايين الدولارات من المساعدات العسكرية لمصر بسبب تقاعسها عن تلبية شروط حقوق الإنسان، رغم أن جماعات الدفاع ضغطت من أجل حجب المزيد قائلة إن "انتهاكات واسعة النطاق تقع بما في ذلك التعذيب والاختفاء القسري".