رسائل مشفرة.. ما خلفيات مد أنبوب لنقل الغاز من الجزائر إلى إيطاليا؟

أحمد الزاهي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

بهدف زيادة صادرات الطاقة الجزائرية إلى أوروبا، وقعت إيطاليا مع الجزائر، عددا من الاتفاقيات في هذا المجال، في ظل العقوبات الغربية المفروضة على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا.

وكانت روسيا، قد أوقفت في أغسطس/آب 2022 بشكل كامل ضخ الغاز إلى أوروبا عبر خط أنانيب نورد ستريم 1.

وفي 23 يناير/كانون الثاني 2023، أعلن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، عن توقيع اتفاق مع إيطاليا لبناء خط لنقل الطاقة، متوقعا إنجازه خلال مدة قصيرة.

وقال تبون، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني بالجزائر العاصمة، إن "الأنبوب الذي سيربط خط الجزائر وسردينيا سيكون خاصا، وأن مدة إنجاز هذا الأنبوب ستكون قصيرة ".

وبعد أن وصف المشروع بـ"الهام جدا"، رأى أنه "سيجعل من إيطاليا موزعا لهذه الطاقات عبر أوروبا"، مؤكدا حرص الجزائر على تعزيز مكانتها كشريك إستراتيجي لإيطاليا، في المجال الطاقوي.

وأوضح تبون أن "الخط الجديد ينقل الغاز والأمونياك (نوع من أنواع الغاز) والكهرباء والهيدروجين إلى إيطاليا التي توزعها بدورها إلى أوروبا". 

من جهتها، قالت جورجيا ميلوني، إن "الجزائر هي المورد الأساسي للطاقة، ونسعى لزيادة نقل الطاقة منها إلى إيطاليا وأوروبا عبر أنبوب غاز جديد، يسمح بنقل الهيدروجين، مع خط نقل الكهرباء تحت البحر".

وتعد زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية إلى الجزائر الأولى لها على المستوى الخارجي منذ تسلمها مهام رئاسة السلطة التنفيذية لبلدها في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

ورأت ميلوني، أن تركيز إيطاليا تعاونها مع الجزائر يأتي لكون الأخيرة "البلد الأكثر استقرارا في شمال إفريقيا، ويمكن أن تصبح رائدة في المنطقة والعالم في الطاقة، وهي نموذج كبير للتطور يجب أن تستفيد منه الدول الإفريقية لتحول أزماتها إلى فرص".

أنبوب "قديم"

وفي نفس اليوم، كشفت الشركة الجزائرية للمحروقات "سوناطراك"، عن مذكرة تفاهم وقعتها، مع مجموعة إيني الإيطالية، تتضمن مد خطوط أنابيب جديدة لنقل الغاز والهيدروجين والأمونيا الزرقاء والخضراء والكهرباء.

وأوضحت الشركة، في بيان لها، أن "مذكرة النوايا الإستراتيجية الأولى، تهدف إلى تحديد أفضل الخيارات لزيادة صادرات الجزائر من الطاقة نحو أوروبا، بغرض ضمان أمن الطاقة مع التركيز على دعم انتقاله المستدام".

وأضاف البيان، أن المذكرة تعتمد على تقييم أربعة محاور، وهي: "رفع قدرة نقل الغاز الحالية، ومد خط أنابيب غاز جديد لنقل الغاز الطبيعي والهيدروجين والأمونيا الزرقاء والخضراء بالتناوب، ومد كابل كهربائي بحري، ورفع قدرة تسييل الغاز الطبيعي الحالية".

وفي المقابل، ستحدد مذكرة النوايا الإستراتيجية الثانية، فرص الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الجزائر، وأفضل التقنيات لتنفيذ هذا التخفيض.

وتزود الجزائر من خلال سوناطراك، إيطاليا بالغاز الطبيعي عبر خط أنابيب "ترانسميد - إنريكو ماتاي" الذي يصل إيطاليا عبر البحر المتوسط مرورا بتونس، وتبلغ طاقة نقله السنوية 32 مليار متر مكعب.

ويأتي تسارع التقارب بين الجزائر وإيطاليا في ظل سعي روما لتعزيز أمنها الطاقي والتخلص من اعتمادها على الإمدادات الروسية.

في المقابل تطمح الجزائر إلى رفع صادراتها الغازية من حوالي 56 مليار متر مكعب في 2022 إلى 100 مليار متر مكعب في 2023.

فهل يسهم مد خطوط أنابيب جديدة لنقل الغاز والهيدروجين بين الجزائر وإيطاليا في تحقيق أهداف الطرفين؟

أم أن لهذا الأمر أيضا خلفيات سياسية، خاصة في ظل الأزمة القائمة بين الجزائر وإسبانيا منذ يونيو/حزيران 2022، بسبب موقف مدريد بشأن النزاع في الصحراء الغربية (المتنازع عليها بين جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر وبين المغرب في الجهة الأخرى)؟

الخبير الاقتصادي الجزائري سليمان ناصر، قال إن "ما تحدث عنه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون بأنه أنبوب جديد هو في الحقيقة مشروع قديم يسمى أنبوب "كلاكسي" يمر مباشرة من الأراضي الجزائرية من ولاية الطارف إلى جزيرة سردينيا ومنها إلى إيطاليا".

 وأضاف ناصر، في حديث لـ"الاستقلال"، إن هذا المشروع القديم جرى تجميده منذ عدة سنوات من قبل الحكومات الإيطالية المتعاقبة، مبينا أن حكومة روما الحالية أرادت إحياءه لنقل أشياء أخرى إضافة للغاز من قبيل الهيدروجين والأمونياك وحتى الكهرباء.

بديل غاز روسيا

الخبير الاقتصادي، أكد أن هناك طموحا جزائريا بأن تكون إيطاليا منطقة عبور للتصدير إلى باقي أوروبا في حال وجود كميات إضافية من المواد الطاقية، مبينا أن "إيطاليا ستكون الموزع لدول أخرى، إضافة لما يكفي حاجتها".

وأشار ناصر، إلى أنه سبق للرئيس الجزائري أن أعلن في تصريح سابق عن سعي الجزائر لرفع الطاقة التصديرية للغاز إلى 100 مليار متر مكعب، علما أن الطاقة التصديرية حاليا لا تتجاوز حوالي 53 إلى 55 مليار متر مكعب. 

وأوضح أن هذا الأنبوب القديم/الجديد يضاف إلى الأنبوب القديم الذي ينقل الغاز من الجزائر إلى إيطاليا عبر تونس، مسجلا التزايد المستمر للطاقة التصديرية لهذا الأنبوب حيث وصل إلى حوالي 25 مليار متر مكعب في نهاية سنة 2022 ويمكن أن تصل طاقته التصديرية حسب الخبراء إلى حوالي 30 مليار متر مكعب.

وذكر ناصر، أن الجزائر لن تعتمد مستقبلا على تصدير غازها فقط وإنما لديها خطط بعد بناء الأنبوب العابر للصحراء الذي يمتد من نيجيريا إلى النيجر إلى الجزائر على مسافة طويلة.

وبين أنه بعدها "سيجري عبر هذا الأنبوب ضخ الغاز من نيجيريا إلى أوروبا عبر الجزائر، وبالتالي فهي تحتاج لزيادة الطاقة التصديرية لأنابيبها".   

وعد الخبير الاقتصادي، أن تنفيذ هذه الإجراءات وخاصة في مجال تصدير الطاقة، تعكس صفاء العلاقات السياسية بين الجزائر وإيطاليا، مبينا: "نحن نعلم أنه كلما كانت العلاقات السياسية صافية كان لها تأثير واضح على العلاقات الاقتصادية". 

ويرى ناصر، أن المستفيد من هذه الاتفاقيات هما البلدان معا الجزائر وإيطاليا ومن ورائهما أوروبا في ظل المتاعب التي سببها (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين بعد قطع الغاز الروسي عن أوروبا، حيث كان يزودها بـ40 بالمئة من احتياجاتها".

وبين أن هذه الأنابيب ستلبي احتياجات إيطاليا وبعض الدول الأوربية المتضررة من العقوبات الروسية.

من جهته، رأى الخبير في العلاقات الدولية أحمد نور الدين، أن إيطاليا تسعى من خلال الصفقات التي أبرمتها مع الجزائر لاستغلال المزيد من حقول النفط والغاز والحصول على حصة أكبر من الكعكة الجزائرية التي تصل حاليا إلى 12 بالمئة من واردات روما من الغاز الطبيعي.

وأضاف نور الدين، في حديث لـ"الاستقلال"، أن إيطاليا تطمح لرفع وارداتها من الغاز الطبيعي لتعويض الغاز الروسي على المدى المتوسط والبعيد.

ولفت إلى أن روما تهدف أيضا لتعزيز دورها الجيوسياسي داخل الاتحاد الأوروبي من خلال تزويد دول أوربية أخرى تعاني من أزمة الغاز الروسي.

وتابع أن الدور الذي تسعى روما للعبه، "يدخل في إطار منافسة مع مشروع فرنسي آخر كشف عنه الرئيس إيمانويل ماكرون في القمة الأوروبية في أكتوبر/تشرين الأول 2022".

وأعلن ماكرون وقتها أن بلاده بالتعاون مع البرتغال وإسبانيا تريد بناء خط جديد لنقل الغاز والهيدروجين أيضا بين برشلونة ومارسيليا. 

وفي 20 أكتوبر 2022، أعلنت فرنسا وإسبانيا والبرتغال، عن التوصل لاتفاق بخصوص بناء خط أنابيب للطاقة يربط شبه الجزيرة الإيبيرية ببقية أوروبا.

وسيستخدم خط الأنابيب الجديد مبدئيا لنقل الغاز الطبيعي، ولكن بمرور الوقت سيجري استخدامه بشكل أكبر لنقل الهيدروجين.

رسالة مشفرة

 وفي قراءته للخلفيات السياسية لهذا الاتفاق، خاصة في ظل الأزمة القائمة مع إسبانيا، قال نور الدين، إن "الجزائر تسعى لابتزاز الدول الأوروبية بالطاقة لمساندة طرحها ومشروعها الانفصالي في الصحراء المغربية"، وفق تعبيره.

 وأضاف نور الدين، أن "هذا ما شاهدناه في أزمة الجزائر مع إسبانيا في مارس/آذار 2022 حيث سحبت سفيرها لدى مدريد وأوقفت التعاملات البنكية وهددت بمراجعة الأسعار التفضيلية للغاز الذي تقدمه لمدريد".

وتابع نور الدين أن هذه القرارات جاءت "في نفس اليوم الذي أعلن فيه رئيس الحكومة الإسبانية (بيدرو) سانشيز دعمه للموقف المغربي في نزاع الصحراء، متهمة إسبانيا بالانقلاب في موقفها من الصحراء رغم أنه قرار سيادي إسباني لا يخص الجزائر في شيء".

وفي يونيو/حزيران 2022، اندلعت أزمة غير مسبوقة بين الجزائر وإسبانيا بسبب موقف مدريد من النزاع في إقليم الصحراء الغربية.

وهو الأمر الذي احتجت عليه الجزائر وأعلنت تعليق العمل بـ"معاهدة الصداقة" مع إسبانيا، في خطوة شلّت المبادلات الاقتصادية بين البلدين.

ويأتي الخلاف بشأن موقف مدريد من منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها، مع تزايد أهمية إمدادات الغاز من شمال إفريقيا إلى أوروبا في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا.

وتستورد مدريد "فعليا كل" احتياجاتها من الغاز، وفقا لوكالة الطاقة الدولية. وقررت الجزائر، في العام 2022، أيضا عدم تمديد اتفاق لتصدير الغاز من خلال خط أنابيب يمر عبر المغرب لإسبانيا كان يشكل كل الإمدادات المغربية من الغاز تقريبا. 

وتراجعت الإمدادات، التي يجري توصيلها الآن عبر خط أنابيب تحت البحر وبالسفن، إلى ما يزيد قليلا على ربع واردات الغاز الإسبانية خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى أبريل/نيسان من العام 2022، نزولا من حوالي النصف قبل عام.

‎ وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا في إقليم الصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو جبهة "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير‎ المصير، وهو طرح تدعمه الجارة الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.

أما الخبير الاقتصادي سليمان ناصر، فيرى أن الاتفاقيات بين الجزائر وإيطاليا في مجال الطاقة "رسالة مشفرة للجارة إسبانيا التي توترت علاقاتها كثيرا بالجزائر وتعرضت لعقوبات اقتصادية خاصة في مجال التصدير".

وشدد ناصر، على أن "تحسين العلاقات الجزائرية الإيطالية هي رسائل مرسلة إلى إسبانيا حتى تتحمل مسؤوليتها".