استطلاعات الرأي تعري المسؤولين في المغرب.. هل تتجه الحكومة لحظرها؟

12

طباعة

مشاركة

سجلت ثلاثة استطلاعات رأي مع مطلع العام 2023، تدني مستوى ثقة المواطنين المغاربة في الحكومة والمؤسسات الرسمية.

وركزت الاستطلاعات المذكورة، على سوء تدبير حكومة عزيز أخنوش وتدهور الوضع المعيشي وأظهرت تفضيل المواطنين المغاربة للهجرة من البلاد.

هذه الاستطلاعات دفعت رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار (حزب رئيس الحكومة) بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) إلى التلويح باللجوء للقانون لوضع حد لها تحت ذريعة "التشكيك" في الوطن، والمس باستقراره. 

الباروميتر العربي

رسم تقرير الباروميتر العربي، المنشور في يناير 2023 صورة غير جيدة عن المغرب، فمواطنو البلد متخوفون من الأوضاع الاقتصادية.

والباروميتر العربي، هو شبكة بحثية مستقلة وغير حزبية، بحسب موقع الشبكة على الإنترنت، وتنجز استطلاعات للرأي في جميع أنحاء العالم العربي.

وبين أن نسبة ثُلثَ المغاربة يرغبون في الهجرة إلى الخارج، بينما يذهب 72 بالمئة إلى أن الفساد منتشر في البلاد.

وتابع التقرير "يتفق المواطنون على أن القضايا الاقتصادية هي التحدي الأبرز الذي يواجه المغرب".

فهم يطالبون بعودة المساعدات والدعم، الذي جرى التخلص منه تدريجيا على مدار العقد الماضي لتجاوز التحديات الاقتصادية.

وهنا يرى المواطنون أن على الحكومة التركيز على تهيئة فرص العمل ورفع الأجور بالنسبة للعاملين الموظفين حاليا، وخفض نفقات المعيشة، وفق التقرير. 

وتابع "من السبل التي يراها الناس فعالة لمواجهة التحديات الاقتصادية في بلدهم، البحث عن مستقبل أفضل في بلد آخر. أكثر من ثلث المغاربة يرغبون في هذا الحل".

وأردف: "تبلغ الرغبة في الهجرة أقصاها في أوساط الشباب (من الذكور) وفي صفوف الشرائح الأعلى تعليما".

من المدهش أن أكثر من نصف من يفكرون في الهجرة من المغرب – وهي أعلى نسبة في جميع الدول المشمولة بالاستطلاع – يقولون إنهم قد يهاجرون حتى في غياب الوثائق الرسمية اللازمة لذلك، وفق التقرير.

وبين أن 72 في المئة من المواطنين المغاربة يعترفون بتفشي ممارسات الفساد في مؤسسات الدولة والهيئات الوطنية.

وأكدوا أن الفساد عامل مهم يؤثر على جودة الخدمات الاجتماعية ويعرقل كذلك الثقة في المؤسسات العامة.

وحسب نتائج الاستطلاع الوارد في التقرير الذي يتناول نبض المغرب خلال سنتيْ 2021 و2022، قال أكثر من سبعة مغاربة من كل عشرة إن الفساد منتشر بشكل كبير في البلد؛ وهي نسبة مماثلة لنتيجة الاستطلاع الذي أجرته الشبكة في 2018 (71 في المئة). 

استطلاع المركز العربي

في ذات الاتجاه ذهب المؤشر السنوي الذي ينجزه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ونشره في 3 يناير 2023.

وأظهر استطلاع المركز (مقره الدوحة) أن رأي المغاربة حول الوضعية الاقتصادية للمملكة يتسم بتعادل الرؤية السلبية مع نظيرتها الإيجابية.

وأعلن الاستطلاع أن 48 في المئة من المغاربة يرون الأوضاع الاقتصادية سلبية (بين سيئ، أو سيئ جدا)، في حين أن 48 في المئة من المغاربة قيموا الوضع الاقتصادي لبلدهم بأنه إيجابي (بين الجيد، أو الجيد جدا). 

وبلغت نسبة المستجوبين المغاربة الذين يرون أن الاقتصاد المغربي جيد جدا 12 في المئة، ورأى 36 في المئة أنه جيد.

بينما اعتبر 29 في المئة منهم أنه سيئ، ويرى 19 في المئة أنه سيئ جدا، فيما ذهب 4 في المئة أنهم لا يعرفون شيئا، أو رفضوا الإجابة.

تظهر النتائج ارتفاع نسبة من عرفوا الديمقراطية من خلال إرساء قواعد ومؤسسات الحكم الديمقراطي (تداول، ورقابة، وفصل بين السلطات)، وخاصة في بلدان مثل مصر، والكويت، وموريتانيا، والمغرب، والسودان.

ولم يخرج المغاربة عن دائرة أشقائهم العرب، الذين أفادوا بأن الأمور تسير في الاتجاه الخاطئ للعديد من الأسباب.

وعزا 40 بالمئة منهم ذلك إلى أسباب اقتصادية، و14 في المئة ذكروا أن السبب هو الأوضاع السياسية غير الجيدة وغير المستقرة، مثل التخبط السياسي وعدم اضطلاع النظام السياسي بما يجب أن يضطلع به.

وأفاد 9 بالمئة أن السبب هو سوء الإدارة والسياسات العامة للدولة، وأشار 7 في المئة إلى عدم وجود استقرار بصفة عامة.

ورصد المركز انقسام الرأي العام حول الاستقرار السياسي في البلدان العربية، إذ إن نسبة من يرون أنه إيجابي بشكل عام (جيد جدًا – جيد) بلغت 44 في المئة، بينما بلغت نسبة من وصفوه بالسلبي (سيئ جدًا – سيئ) 49 بالمئة.

المركز المغربي للمواطنة

وفي 7 يناير أصدر المركز المغربي للمواطنة، نتيجة استطلاع رأي، كانت نتائجه كاشفة لتدني درجة الثقة التي تحظى بها الحكومة والأحزاب على السواء.

وكشف 82 بالمئة المستطلعة آراؤهم، أنهم لا يثقون نهائيا في الحكومة، في مقابل أنها تحظى إلا بثقة 5 في المئة منهم فقط، فيما 13 في المئة يثقون فيها نسبيا.

جاء وفق استطلاع رأي شمل نحو 2000 مغربي كعينة من جميع جهات المغرب، شاركت في الاستطلاع الذي أجراه المركز المغربي للمواطنة خلال الفترة ما بين 20 أكتوبر/تشرين الأول و12 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

وسجل الاستطلاع أن 95 بالمئة من المشاركين عبروا عن استيائهم من تدبير الحكومة لملفي ارتفاع ثمن المحروقات وارتفاع الأسعار، و93 في المئة غاضبون من غياب حماية الطبقة الوسطى.

وكشف الاستطلاع أن 91 بالمئة من المستطلَعين مستاؤون من تدبير حكومة عزيز أخنوش لملف محاربة الفساد، و90 في المئة فيما يتعلق بتدبير ملفي العدالة الجبائية وإصلاح التعليم.

كما أن 88 في المئة غير راضين عن ملفي تطبيق مبدأ الدولة الاجتماعية والحوار الاجتماعي.

الاستياء الذي رصده الاستطلاع، يمتد إلى طريقة تواصل الحكومة، إذ عبر 90 بالمئة من المشاركين عن استيائهم بهذا الخصوص، و88 في المائة غير راضين عن حضورها.

وعبر 82 بالمئة عن عدم ثقتهم في الحكومة، وأكد 77 في المئة أنهم لا يثقون في المعارضة، في حين أن 81 بالمائة يرون أن الأحزاب السياسية لا تؤدي دورها.

وتزعم رئيس حكومة عزيز أخنوش صدارة الشخصية العمومية الأكثر مساهمة في فقدان الثقة في العمل السياسي، بحوالي 49 بالمئة.

تبعه عبدالإله بنكيران وعبداللطيف وهبي بأزيد من 13 في المئة، في حين عبر نحو 9 بالمئة من المشاركين في الاستطلاع عن كون جميع السياسيين يسهمون في فقدان الثقة.

والمركز المغربي للمواطنة، جمعية تأسست سنة 2021، وتعمل على إشراك المواطنين فـي عملية تتبع وتقييم السياسات العمومية، من خلال تطوير مبادرة "بارومتر المواطنة" لقياس رضى المواطنين عن الخدمات العمومية المقدمة لهم. 

الغضب من الاستطلاعات

الاستطلاع الأخير من المركز المحلي، فجر غضب الأغلبية الحكومية على فكرة استمزاج الآراء في المغرب. إذ تحولت جلسة تشريعية في مجلس النواب، إلى محطة جديدة للهجوم عليها.

وخلال جلسة 9 يناير، انتقد رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار (حزب رئيس الحكومة)، محمد غياث، تأخر الأخيرة في إصدار قانون خاص باستطلاعات الرأي.

وقال "إذا كانت الحكومة عاجزة عن تقنين استطلاعات الرأي فإن الأغلبية البرلمانية تعتزم تقديم مقترح قانون لسد هذا العجز".

وأشار إلى ترويج استطلاع رأي "يشكك في مؤسسات الدولة"، ويجرى نشر نتائجه في منصات التواصل الاجتماعي، مشيرا إلى أن استطلاعات الرأي ينبغي أن تحترم ضوابط ومنهجية موثوقة بها ومقاييس متعارف عليها.

بعدها بساعات، أصدر محمد غياث، تصريحا مكتوبا، دعا فيه الحكومة إلى "الإسراع في إخراج مبادرة قانونية، وإن لم تستطع ذلك، فالأغلبية مستعدة لتقديم مقترح قانون وإغلاق هذه الثغرة القانونية التي تستغلها بعض المراكز للترويج للشائعات".

وتابع أن "استطلاعات الرأي يلزمها إطار قانوني، وأن تحترم ضوابط ومنهجية علمية، وإلا فإنها ستسهم في التدليس على الرأي العام الوطني وفي التشكيك في مؤسسات الدولة".

وهاجم الاستطلاعات قائلا، إنه "جرى الترويج خلال الأيام الماضية في شبكات التواصل الاجتماعي لاستطلاع رأي تبنته إحدى الجمعيات والتي لا نعرف الأهداف التي تريد أن تصل لها، ونشك في نزاهتها".

 

وجدل اليوم يعيد إلى الأذهان أجواء 2014، وبالضبط في 23 يناير، حينما تقدم حزب الاستقلال (كان في المعارضة) بمقترح قانون إلى مجلس النواب، يهدف إلى "إنجاز ونشر استطلاعات الرأي الخاصة بالاستفتاء والانتخابات في المغرب".

ودعت المادة 8 من مقترح القانون إلى "منع استعمال نتائج كل استطلاع للرأي خلال الحملة الانتخابية، سواء في الخطابات الانتخابية، أو الوثائق المعدة للتوزيع، أو من خلال المواقع الإلكترونية".

القانون الذي فشلت في تمريره المعارضة البرلمانية آنذاك، نجحت وزارة الداخلية في إقراره ببلاغ في سبتمبر/أيلول 2016.

وبحسب القرار، منعت نشر وسائل الإعلام نتائج استطلاعات الرأي السياسية، وذلك شهرا واحد قبل موعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في السابع من أكتوبر من السنة نفسها، وتوعدت المخالفين بالملاحقة القانونية التي قد تصل إلى السجن سنة.

وقال بيان وزارة الداخلية "لوحظ أخيرا إعداد ونشر بعض وسائل الإعلام استطلاعات للرأي ذات طابع سياسي، تتطرق لاسيما لنوايا التصويت وأداء الفاعلين السياسيين حفاظا على مصداقية ونزاهة الانتخابات".

وسجلت الداخلية "في غياب إطار تشريعي يقنن استطلاعات الرأي ومراقبتها، فإن هذه الاستطلاعات تبقى غير مضبوطة ومنحازة في كثير من الأحيان، يمنع إنجاز أو نشر استطلاعات الرأي ذات الطابع السياسي بأي وسيلة كانت". 

وهددت الوزارة بالملاحقة القانونية التي "ستصبح ذات طبيعة جنائية (السجن) بالنسبة لكل نشر في الفترة الممتدة من اليوم الخامس عشر السابق للتاريخ المحدد لانطلاق الحملة الانتخابية إلى غاية انتهاء عمليات التصويت وفقا للمقتضيات".

قرار وزارة الداخلية، جاء في أعقاب صدور استطلاعات رأي، منحت حزب العدالة والتنمية آنذاك التقدم الكبير في الانتخابات. 

تكميم الأفواه

تعليقا على هذه القضية، قال رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان نبيل الأندلوسي، إن "طرح مسألة تقنين استطلاعات الرأي تحكمه رغبة في تكميم الأفواه والتضييق على الحقوق والحريات".

وتابع الأندلوسي في تصريح لـ"الاستقلال": "هذا نوع من جس النبض لقراءة مدى تفاعل المواطنين مع مثل هذه المبادرات التي تستهدف الحريات بالدرجة الأولى".

وأوضح أنه "ليست جميع استطلاعات الرأي منصفة وذات مصداقية، ولكن الحسم في جديتها ومصداقيتها يجب أن يكون للمواطنين".

وانتقد محاولات ممارسة "الحكومة الرقابة على أنفاس وتحركات الناس"، مبينا أن تنظيم الأمر "لا يتم بالتضييق على مراكز الأبحاث والتفكير والجمعيات والباحثين بقوانين وإجراءات تحد من حرية المبادرة".

وشدد الفاعل الحقوقي على أن "الحرية تبقى هي الأصل والمواطن المغربي قادر على التمييز بين الاستطلاعات الجادة والموضوعية وبين تلك التي تخدم أجندة أو الموجهة".

في الاتجاه ذاته سار الصحفي والباحث في العلوم السياسية، أمين الري، الذي عدّ "منع استطلاعات الرأي، تقييدا لحرية التعبير".

وزاد أمين الري في تصريح لـ"الاستقلال"، "المتابع يتساءل كيف للحزب الذي كان يشيد بالاستطلاعات لصالح حزبه ويروج لها، قبل الانتخابات، أن يضرب اليوم في مصداقيتها ويعمل على تشريع قانون لمنعها؟".

وأوضح الري، "صحيح أنه يتعين على استطلاعات الرأي التحلي بالمنهج العلمي والصرامة الأكاديمية، لكن منعها يعني منع المواطنين من التعبير عن قناعاتهم، سواء كانوا متضررين أم راضين عن الأوضاع".

وخلص إلى أن "الخوف اليوم من منع استطلاع الرأي سيتبعه من دون شك المزيد من التضييق ضد التعبير، وسنتجه لحكومة أكثر تشددا ومنعا للتعبير وهو لا يخدم المغرب ولا عمل الحكومة".

في خضم ذلك، يعاني المواطن المغربي من تفاقم معدلات الفقر وزيادة الأعباء المعيشية عليه، وذلك على الرغم من زيادة الحد الأدنى من الأجور.

وأظهرت دراسة نشرتها المندوبية السامية للتخطيط (حكومية)، في 13 أكتوبر 2022، أن 3.2 ملايين شخص إضافي انضموا إلى "لائحة الفقر أو الهشاشة" جراء تبعات الجائحة وآثار أزمة التضخم.

وتتوقع الهيئة الحكومية ارتفاع معدل الفقر في المغرب بفعل الانكماش في مستوى المعيشة والآثار السلبية لجائحة كوفيد-19.