رغم انتهاكاتها.. ما الهدف من استقبال الصين وفدا إسلاميا عربيا في "شينجيانغ"؟
في الفترة ما بين 8-11 يناير/كانون الثاني 2023، زار وفد مكون من نحو 30 شخصية إسلامية وعلماء دين بارزين، مناطق أورومتشي وألتاي وكاشغر في شينجيانغ.
ضم الوفد ممثلين عن كل من مصر والسعودية والكويت وموريتانيا وإندونيسيا وجنوب السودان والبوسنة والهرسك، إضافة إلى ممثلين عن المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة.
وشينيجيانغ أو "تركستان الشرقية"، هي منطقة تتمتع بالحكم الذاتي، أغلب سكانها من الإيغور المسلمين.
ويواجه المسلمون هناك تعنتا كبيرا من قبل السلطات الصينية، التي تمارس عليهم أشد أنواع التعذيب والتمييز العنصري، من خلال احتجاز الملايين منهم في معسكرات سرية.
وهو ما أدى إلى انفصال الآلاف عن أسرهم، إما بسبب الاعتقالات والعمل الإجباري في ما يسمى بمعسكرات التثقيف، أو الاضطرار إلى مغادرة وطنهم هربا من الاستبداد والقمع.
"واقع مختلف"
صحيفة الشعب الصينية الحكومية ذكرت أن هذه الزيارة كانت بهدف "الاطلاع على التطورات والتغيرات الاجتماعية في شينجيانغ".
بدورهم، قال أعضاء الوفد إن "سلطات الإقليم بذلت جهودا كبيرة في مكافحة الإرهاب وإزالة التطرف".
وأضافوا أن "الناس -من مختلف العرقيات والأديان والمذاهب- يعيشون معا في وئام وسلام"، كما أكدوا أن "حقوق المسلمين ومصالحهم تحمى وتصان بشكل كامل"، وفق زعمها.
ونقلت الصحيفة عن أعضاء الوفد قولهم إن "الواقع الحقيقي في شينجيانغ مختلف عما تنقله وسائل الإعلام الأجنبية".
وإثر عرض المضيفين لمقاطع فيديو، أظهروا فيها مشاهد لـ"مكافحة الإرهاب والتطرف في الإقليم"، ذكرت الصحيفة أن أسامة السيد، مستشار رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي للشؤون الدينية، تأثر بشدة.
وصرح بأن "الإرهاب ألحق أضرارا كبيرة للغاية لشينجيانغ في الماضي"، كما ناشد الجميع بأن يروا بوضوح ما أسماه "أعمال التطرف القبيحة"، وفق وصفه.
وأضاف: "كدول شقيقة، نأمل أن تزدهر الصين وتتطور، ونتمنى لشينجيانغ مستقبلا أفضل".
وتعقب الصحيفة: "نفذت السلطات على المستويات كافة في شينجيانغ سياسة حرية المعتقد الديني، من شاء آمن بالدين، ومن شاء لم يؤمن، فذاك قرار متروك اتخاذه بحرية تامة للمواطنين، في ظل حماية الأنشطة الدينية العادية وفقا للقانون".
ويعتقد عضو اللجنة الإندونيسية للتنمية الأيديولوجية عبد الله محمد أمين، أن الحكومة المحلية تحترم المعتقدات الدينية وتحافظ عليها.
وصرح بالقول: "أعتقد أن الناس هنا يتمتعون بحرية المعتقد الديني"، لافتا إلى أن "بعض المساجد القديمة رُمّمت بمساعدة الحكومة".
بدوره، قال الأمين العام للمجلس العالمي للمجتمعات المسلمة محمد بشالي، إن "شينجيانغ هي منطقة تتعايش فيها الأديان المتعددة وتتسامح مع بعضها بعضا".
وأكد أن المسلمين يتمتعون بحرية تامة واحترام كامل من قبل السلطات، مشيرا إلى أن ذلك يعد دليلا على "حماية الصين لحقوق الإنسان بموجب القوانين والأعراف". وأردف: "بذلت الحكومة الصينية جهدا كبيرا للقيام بذلك".
وحسب الصحيفة، كانت شينجيانغ، منذ العصور القديمة، منطقة تمتزج فيها الثقافات المتعددة معا.
وقد قدم المضيفون عرضا تاريخيا للإقليم، لتعريف الوفد على السياق التاريخي للأحداث هناك.
جهود كبيرة
من جهته، قال الكاتب والباحث الموريتاني باش عبد الله سعيد، إن الحكومة الصينية بذلت جهودا كبيرة لحماية الإرث الثقافي للمجموعات العرقية والدينية المختلفة.
وأضاف: "شينجيانغ واحدة من أجمل المناطق في الصين، وفيها جرى استعادة الفن والثقافات القديمة وحمايتها بشكل حضاري صحيح".
ونقلت الصحيفة عن كاتب وإعلامي كويتي يدعى محمد أ. محمد أن "الثقافة الصينية لها تاريخ طويل وجذور ممتدة، كما أنها تلعب دورا فريدا في العصر الحالي".
وأتبع: "تساعد الحكومة الصينية شعبها على مقاومة تسلل الأفكار المتطرفة من خلال الترويج للفن والثقافة ونشرهما على أوسع نطاق".
وفي بازار أورومتشي الدولي الكبير، تقول الصحيفة إن أعضاء الوفد رأوا هناك بأعينهم مشاهد للثقافة الشعبية، والتقطوا صورا مع السياح والمواطنين المحليين.
وأوضح رئيس المجلس الإسلامي لجنوب السودان، كوت عبد الله بالاج، أن "منطقة شينجيانغ تختلف في عينيه عما كان يعلمه عنها من قبل الإنترنت ووسائل الإعلام الأجنبية".
وبعد تجوله في الشوارع وتواصله مع السكان المحليين من جميع المجموعات العرقية، وجد أن الناس ودودون ومنسجمون مع بعضهم بعضا، وفق الصحيفة.
وأكد أن "الاحترام والود هما ما يربط علاقة الجالية المسلمة الموجودة بغيرها من الجاليات، إذ يحافظ الجميع على الوحدة الوطنية".
ونقلت الصحيفة عن أعضاء الوفد أن ما رأوه وسمعوه خلال الزيارة يختلف جذريا عن الصورة الذهنية التي تصدرها وسائل الإعلام الأجنبية.
كما صرح المفتي السابق للبوسنة والهرسك، مصطفى سيليش، الذي زار الصين 3 مرات، بأن الزيارة ذات قيمة كبيرة.
وأتبع: "الصين دولة كبيرة، والجميع يريد معرفة ما يدور على هذه الأراضي". وأكمل: "لكن لا يمكننا معرفة ما يحدث من خلال المشاهدة من الخارج، فالأخبار التي تصلنا تكون متحيزة بلا شك".
أما وزير التربية والتعليم السعودي الأسبق عبد الله صالح العبيد، فقد أشاد بالتقدم الملحوظ الذي حققته حكومة شينجيانغ في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
كما أثنى على جهود الحكومة المحلية المستمرة في القضاء على العنف، مضيفا أن "العالم بأسره، لسوء الحظ، يواجه خطر الإرهاب والتطرف"، وفق قوله.
وأعرب عن أمله في تعزيز التبادلات بين الصين والعالم الإسلامي، مما يحقق المصلحة للجانبين.
وفي السياق ذاته، يعتقد رئيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة علي راشد النعيمي، أن الإرهاب والتطرف يمثلان خطرا عالميا لا يمكن لأي دولة النأي بنفسها عنه.
وبغض النظر عن مصدر ومنشأ هذه المنظمات الإرهابية وأهدافها ودوافعها، فإنها تشكل -حسب النعيمي- تهديدا للبشرية جمعاء.
وهو ما يستوجب الكف عن النزاعات والألعاب السياسية، وتوحد المجتمع الدولي على محاربة الإرهاب، بحسب قوله.
ومنذ 1949، تسيطر بكين على تركستان الشرقية الذي يعد موطن أقلية الإيغور المسلمين، وتطلق على الإقليم اسم شينجيانغ أي الحدود الجديدة.
وبالرغم من هذه الدعاية للسلطات الصينية، تقول مؤسسات حقوقية إن بكين تنفذ ممارسات قمعية وتمييزية في تركستان الشرقية تجاوزت الحدود.
وتوضح أن العديد من الأشخاص انفصلوا عن أسرهم بسبب الاعتقالات والعمل القسري في معسكرات التثقيف أو اضطروا إلى مغادرة بلادهم هربا من القمع.
وفي أغسطس/آب 2018، أفادت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بأن الصين تحتجز نحو مليون مسلم من الإيغور في معسكرات سرية بإقليم تركستان الشرقية.
وفي تقريرها السنوي لحقوق الإنسان لعام 2018، أكدت وزارة الخارجية الأميركية أن احتجاز الصين للمسلمين بمراكز الاعتقال، "يهدف إلى محو هويتهم الدينية والعرقية".