تحولات جذرية متوقعة.. لماذا يثير الرئيس البرازيلي الجديد قلق الإسرائيليين؟
ويرى مراقبون أنه بصعود دا سيلفا إلى سدة الحكم في البرازيل، تكسب فلسطين صديقا قويا مؤيدا لحقوقها في أكبر دول أميركا اللاتينية وأكثرها تأثيرا داخل المنظومة الدولية.
خاصة أن دا سيلفا صاحب التوجهات اليسارية تعهد في معرض حملاته الانتخابية بأن يعمل لحلحلة الوضع الفلسطيني المتأزم، ومجابهة الظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
ويعقد كثيرون آمالا كبيرا على دا سيلفا، المعروف بلقب "بطل الفقراء"، إلى منصب الرئاسة الذي سبق أن شغله لفترتين متتاليتين بين عامي 2003 و2010، من أجل لعب دور ريادي جديد بشأن القضية الفلسطينية.
خاصة أنه يعد أول من اعترف بالدولة الفلسطينية، على حدود عام 1967 في أميركا اللاتينية،، وعلى خطاه تبعته بقية دول القارة، ومثلت مواقفه ومواقف حزبه (العمال) دعما واضحا دائما لفلسطين.
قلق إسرائيلي
على مدار السنوات الأخيرة حقق الكيان الإسرائيلي تقدما ملحوظا في أميركا اللاتينية، في محاولة لكسر حالة الكراهية والعداء ضده في القارة البعيدة.
وطورت إسرائيل مع البرازيل، علاقات قوية إبان حكم الرئيس اليميني المتطرف السابق جايير بولسونارو (2019- 2023)، الذي كان معروفا بحماسة شديدة في توثيق التعاون والتحالف مع تل أبيب.
حتى إن زوجته ميشيل بولسونارو، ظهرت خلال تصويتها في الانتخابات الرئاسية التي جرت في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، إلى جوار زوجها (الخاسر) مرتدية علم إسرائيل.
وفي 12 يناير 2023، سلطت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية الضوء على الصعود المقلق للولا دا سيلفا، وشكل العلاقات المستقبلية بين البرازيل والاحتلال.
وقالت إن "الرئيس البرازيلي الجديد اليساري لولا دا سيلفا قد شرع في إحداث تحولات جذرية على علاقات بلاده بإسرائيل بعد صعوده للحكم".
وأشارت إلى أن أولى القرارات التي اتخذها دا سيلفا تمثلت في الإطاحة بالسفير البرازيلي في تل أبيب الجنرال جريسا دا فرنتيس، الذي عينه سلفه بولسونارو.
وكان دا فرنتيس من المقربين بشدة للحكومة الإسرائيلية، وعمل على تعزيز التعاون العسكري بين الجانبين، إضافة إلى إعلانه نية نقل السفارة البرازيلية إلى القدس المحتلة.
وشددت الصحيفة العبرية على أن مستقبل العلاقات بين البلدين مبهم في ظل وجود لولا كرئيس للبرازيل.
وأضافت أنه "من الشواهد الباعثة على القلق من توجهاته تجاه إسرائيل، هو إعلان وزير خارجيته ماورو فييرا بأن بلاده "ستتعاون مع الدول العربية، وعلى رأسها فلسطين".
صاحب الكوفية
وترجع المخاوف الإسرائيلية إلى قناعتها أن البرازيل تحت حكم اليسار تكون من أقوى الدول المناصرة للقضية الفلسطينية.
حتى إنه في عام 2014، سحبت البرازيل سفيرها في تل أبيب احتجاجا على الحرب التي شنتها على قطاع غزة، وكانت الرئيسة آنذاك ديلما روسيف اليسارية.
لكن الفضل في تلك التوجهات يرجع لدا سيلفا نفسه الذي وضع خطا لسياسة خارجية برازيلية قوية مناهضة للاحتلال الإسرائيلي، وداعمة للشعب الفلسطيني.
وخلال ولايته الأولى، وتحديدا في ديسمبر/كانون الأول 2010، اعترف لولا بدولة فلسطينية على حدود 1967.
وجاء ذلك في رسالة نشرتها وزارة الخارجية البرازيلية آنذاك، أكدت فيها أن هذا الاعتراف يأتي منسجما مع المبادئ التي تدافع عنها البرازيل.
ولفتت الرسالة أن الرئيس البرازيلي يدعم التطلعات الشرعية للشعب الفلسطيني بدولة موحدة وآمنة وديمقراطية وقابلة اقتصاديا للحياة وتعيش بسلام مع إسرائيل.
لكن الأمر يتجاوز السياسة والبروتوكلات الرسمية إلى عقيدة للرئيس اليساري، الذي اتخذ مواقف أكثر قوة، منها أن ظهر في أكثر من مناسبة مرتديا الكوفية الفلسطينية الشهيرة، رمز النضال الفلسطيني المستمر.
ومنها أيضا تدشينه "شارع البرازيل" في رام الله خلال زيارته للضفة الغربية في 2010، إذ ظهر أمام وسائل الإعلام وهو يرتدي كوفية فلسطين.
وفي يونيو/ حزيران 2022، وخلال فعاليات حملته الانتخابية للرئاسة، التقى دا سيلفا بأفراد من الجالية الفلسطينية في ريودي جانيرو بحضور وفد من الاتحاد العربي الفلسطيني وآخرين من قادة الجالية الفلسطينية في البلاد.
وأكد دا سيلفا خلال اللقاء أن الفلسطينيين يستحقون كامل الاهتمام والتضامن، مشددا على أهمية العلاقات بين البرازيل وفلسطين.
وأشار إلى أن الشعب الفلسطيني له الحق في العيش بـ"دولة حرة وذات سيادة"، مضيفا أنه سيعمل على إعادة ترسيخ الدور القيادي للسياسة الخارجية البرازيلية في التوسط في النزاعات وحق الشعوب في الدفاع عن نفسها.
وبحسب وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا" يقدر أبناء الجالية الفلسطينية المقيمة في البرازيل بنحو 60 ألف مواطن، ينتظرون دورا برازيليا قويا تجاه وطنهم المحتل.
اختراق وصمود
هذا الجو الملبد بالتحديات وتبدل العلاقات الخارجية للبرازيل تجاه الأراضي المحتلة، في ظل عودة الرئيس دا سيلفا، أعاد للأذهان خطط إسرائيل التي وضعتها لإحداث نقلة نوعية لها في أكبر بلدان أميركا اللاتينية.
ففي أبريل/ نيسان 2019 استطاعت إسرائيل اختراق السياج البرازيلي، وحققت تقدما قويا في العلاقات، عندما أقنعت الرئيس البرازيلي آنذاك جايير بولسونارو بزيارتها، لتعزيز علاقات التعاون بين الجانبين.
وعند الزيارة افتتح بولسونارو لأول مرة مكتبا للتمثيل التجاري في القدس المحتلة، وبحث خلال الزيارة تعهده بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس.
وقام بولسونارو أيضا خلال الزيارة بانتهاك تقاليد طالما حرص الساسة البرازيليون على احترامها عند زيارتهم لإسرائيل.
كان أولها زيارته حائط البراق برفقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في خطوة مثلت انتهاكا للسياسة البرازيلية وللقرارات الدولية التي ترى أن القدس الشرقية أرض فلسطينية تحتلها إسرائيل.
كذلك لم يتصل بالسلطات الفلسطينية بينما حرص رؤساء البرازيل عادة على التواصل مع الفلسطينيين في مثل هذه المناسبات، لتأكيد توزان مواقفهم من الصراع العربي الإسرائيلي.
لكن الأمر داخل البرازيل لم يمر مرور الكرام، ففي 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، تم إطلاق أول جبهة برلمانية برازيلية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني.
حيث اجتمع عدد من نواب البرلمان البرازيلي الفيدرالي في جلسة مخصصة لإحياء ذكرى اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وأعلن خلالها عن إطلاق الجبهة.
وتألفت الجبهة من 210 نواب فيدراليين وأعضاء في مجلس الشيوخ من أصل 594، ممثلين عن أحزاب وتوجهات مختلفة يجمعهم إيمانهم بحق الشعب الفلسطيني في ممارسة حقوقه ضد سياسات إسرائيل التعسفية.
ضربة قوية
وفي قراءة تحليلية للمشهد، أكد الناشط اليساري المقيم في البرازيل فضل عدلي، أن "صعود اليسار مرة أخرى إلى الحكم بعد سنوات من حكم اليمين، نقلة حاسمة للعلاقات العربية الفلسطينية بعد سنوات من التراجع والتجاهل بل والتآمر ضدهم".
وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "اليمين في البرازيل ينتمي لطوائف دينية متعددة، أهمها الكنيسة الإنجيلية، التي كان ينتمي إليها الرئيس السابق جايير بولسونارو وزوجته وعائلته، حيث يرون التقارب مع إسرائيل عقيدة دينية واجبة لا يمكن التخلي عنها".
وأشار عدلي إلى فتح الكيان الصهيوني خلال السنوات الماضية مساحات كبيرة من التعاون السياسي والاقتصادي لدعم ذلك التيار ومد نفوذه، وجعله هو الحاكم والمتحكم في البلاد".
وتابع: "لذلك لم تكن المعركة الانتخابية الرئاسية الأخيرة سهلة وعابرة، بل كانت النتائج متقاربة جدا، فلولا دا سيلفا فاز بنسبة 50.9 بالمئة من الأصوات بفارق بسيط جدا عن بولسونارو، ما يعني أن هناك تيارا قويا مؤيدا لسياسات التقارب مع إسرائيل، وينتمي للفكر اليميني المتشدد،" ما يصعب من مهمة الرئيس الجديد.
لذا من حسن الحظ، وفق عدلي، وجود تيار يساري شرس في البرازيل يناهض سياسات الغرب والولايات المتحدة وإسرائيل الإمبريالية التوسعية، ويرى في قضية فلسطين البعد الأمثل للمقاومة بشكلها الكلاسيكي القديم المستمر، وهؤلاء أكثر نصرة لفلسطين من بعض العرب المطبعين.
وأوضح أن "صعود دا سيلفا أرجع إسرائيل سنوات للوراء في أميركا الجنوبية، وأنه سيشكل محورا مضادا لها مع رئيس تشيلي غابريال بوريك، ورئيس السلفادور من أصل فلسطيني نجيب بوكيلي.
وجميعهم سيكونون امتدادا للنضال اليساري هنا، وسيعملون على تقويض أي اختراق صهيوني، يؤكد الناشط اليساري.
وفي هذا السياق، طالب عدلي العرب والفلسطينيين بتقوية اللوبي الخاص بهم في تلك البلاد وأن يعملوا بشكل أكثر تنظيما، وأن يستغلوا العوامل التي في أيديهم.
وختم بالقول: "لأن هناك تيارا مضادا صاعدا، وليس ببعيد أن ينقلب ويمسك زمام الحكم مرة أخرى، ويوجه ضربات شرسة للوجود العربي والفلسطيني الواسع هنا".
المصادر
- "يديعوت أحرونوت": هل غير لولا دا سيلفا سياسات البرازيل تجاه إسرائيل؟
- كيف عاد لولا دا سيلفا إلى رئاسة البرازيل؟ وماذا يعني ذلك لفلسطين؟
- الرئيس دا سيلفا يعترف بدولة فلسطينية ضمن حدود 1967
- لولا دا سيلفا: لماذا تعتبر عودة مرشح اليسار لرئاسة البرازيل "لحظة تاريخية"؟
- ضد التوجه الحكومي.. جبهة برلمانية برازيلية لدعم حقوق الفلسطينيين
- الفلسطينيون في البرازيل
- العلاقات الإسرائيلية البرازيلية.. بين صراع الرؤساء والشعوب