قبل الانتخابات.. صحيفة روسية ترصد احتمالات نشوب صراع بين تركيا واليونان

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

بين آن وآخر، يتصاعد التوتر بين الجارتين تركيا واليونان، على خلفية نزاعاتهما التقليدية فيما يتعلق بحدودهما البحرية، فضلا عن مشاحنات الإرث التاريخي الثقيل.

ومؤخرا، صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن بلاده لن تستخدم القوة ضد اليونان حتى تقدم أثينا على استخدامها.

من جانبها، رأت صحيفة "موسكوفسكايا غازيتا" الروسية أن هذه التصريحات كانت ستبدو سلمية تماما، لولا أمرين.

أولهما أن هذه التصريحات أطلقت بالتزامن مع إجراء تجارب صاروخ "طيفون" الباليستي المطور بإمكانات تركية محلية.

أما الأمر الثاني فهي الأنباء التي تتوارد بين الفينة الأخرى عن احتمالية اللجوء إلى القوة بين تركيا واليونان، عضوي حلف شمال الأطلسي "ناتو". 

وهو ما يعني احتمال التصادم بين الحليفين اللذين من المفترض -بحكم القانون الذي يحكم تحالفهما كعضوين في الناتو- أن يتحدثا عن حماية بعضهما بعضا من أي هجوم خارجي، بدلا من الأحاديث المتكررة حول تصادمهما. 

توتر تاريخي

لكن هذا المفترض لم يكن هو الواقع على مدار أزمنة طويلة، إذ اتسمت العلاقات التركية اليونانية -غالب الوقت- بالتوتر.

كان السبب الرئيس لهذا التوتر هو التنازع حول حدودهما البحرية في بحر إيجة، حيث ترفض تركيا الاعتراف بالحدود الجوية والبحرية التي تزعم بها اليونان لنفسها، الأمر الذي تبرره أثينا بامتثالها للقانون الدولي.

وردا على ذلك، عززت اليونان قواتها الدفاعية في عدد من جزرها المتاخمة للحدود التركية، خوفا من أي تحرك تركي. 

وفي المقابل، أثارت هذه التعزيزات استياء الجانب التركي، لأن ذلك يعد انتهاكا لاتفاقيات نزع السلاح في هذه المنطقة.

وفي 5 يناير/كانون الثاني 2023، أطلقت طلقات تحذيرية من قبل خفر السواحل التابع لكل من الدولتين.

وحاولت القوات اليونانية طرد قوارب صيد تركية من المناطق التي تعدها مياهها الإقليمية، وهو ما قابلته تركيا بإرسال إحدى فرقها البحرية بالقرب من تلك المنطقة.

وآنذاك، طالب وزير الدفاع التركي خلوصي أكار حلف الناتو بالضغط على اليونان لوقف استفزازاتها، وكذا تقدم الجانب اليوناني بدعوات مماثلة.

وحسب الصحيفة، بات معروفا اليوم أن أثينا شرعت في بناء جدار على حدودها البرية مع تركيا، متهمة إياها بالتساهل في ملف الهجرة غير الشرعية.

تروج الصحافة اليونانية بأن الأتراك هم من يقدمون على تصعيد التوترات مع الجانب اليوناني، زاعمين أن الهدف من ذلك رفع الأرصدة الانتخابية للرئيس أردوغان قبيل الانتخابات الرئاسية التركية، المزمع إجراؤها في يونيو/حزيران 2023.

لكن الصحيفة الروسية تستدرك قائلة: "قد يكون سبب التصعيد الحقيقي بين البلدين هو رغبة تركيا في نزع السلاح من الجزر في بحر إيجه".

وأخيرا، صرح وزير الدفاع اليوناني السابق إيفانجيلوس أبوستولاكيس بأن أي اشتباك مسلح مع الجانب التركي قد يخرج الأمور عن السيطرة، كما أنه سيتسبب في زعزعة استقرار المنطقة بأكملها.

ولذا، يواصل مراقبون دعوة الجانب اليوناني إلى ضبط النفس، حسب الصحيفة. وذكرت بأن اليونان حصلت على استقلالها من الدولة العثمانية منتصف القرن التاسع عشر، نتيجة حرب الاستقلال اليونانية.

وعقبت: "تعد النزاعات الإقليمية والمظالم التاريخية سببا مهما في حد ذاته للتوتر والنزاع بين البلدان". وأتبعت: "لكن يوجد كذلك أسباب اقتصادية بحتة وراء تصعيد التوتر بين اليونان وتركيا".

أسباب اقتصادية وانتخابية

ففي شرق البحر الأبيض المتوسط، اكتشف العديد من حقول الغاز الطبيعي في السنوات الأخيرة.

وأشار الخبير في الشأن السياسي التركي يشار نيازباييف، إلى أن التنافس على هذه الثروات يعد أحد الأسباب الرئيسة للمواجهة بين الطرفين.

وتريد اليونان تعزيز احتياطياتها من الغاز الذي عثر عليه، بموافقة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في حين تحاول تركيا عدم تفويت مصلحتها لدعم قطاع الطاقة لديها.

ولفتت الصحيفة إلى أن ملف الغاز الطبيعي اكتسب أهمية خاصة، إثر الأزمة الأوروبية الروسية على خلفية الحرب في أوكرانيا.

وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعار الغاز عدة مرات خلال العام الأخير. وأيضا دفع الأوروبيين إلى البحث عن مصادر جديدة لإمدادهم بالطاقة.

ووفقا للصحيفة، تمكنت بعض الدول من الاستفادة من تلك الفرصة السانحة، وهو ما سيعود عليها بأرباح مالية كبيرة، فضلا عن وجودها الممتد في أكثر الأسواق قدرة على الوفاء بالتزاماته، وهو السوق الأوروبي.

فعلى الأرجح، يعد ذلك سببا رئيسا -حسب رؤية التقرير- في تذكر تركيا لمطالباتها الإقليمية ضد اليونان، وإعادتها هذا الملف بشكل حازم على رأس جدول أعمالها.

بدورها، لا تنوي أثينا التنازل، لا سيما أنها تتمترس بالقانون الدولي وقانون البحار، وكذلك معاهدة لوزان عام 1923، التي جرى بموجبها نقل الجزر المتنازع عليها حاليا إلى الملكية اليونانية.

وبالرغم من ذلك ، يعيد التقرير التأكيد على ضرورة عدم استبعاد العامل الانتخابي المذكور أعلاه، خاصة أن  الصراع الانتخابي احتدم إلى أقصى حد في الآونة الأخيرة.

ففي ديسمبر/كانون الأول، حكم على رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الذي وصف بأنه المنافس الرئيس لأردوغان، بالسجن بناء على تهم وصفتها الصحيفة بأنها "غريبة تتعلق بإهانة أعضاء لجنة الانتخابات".

وقد أدى ذلك إلى انقسام المجتمع التركي إلى معسكرين؛ يرى أحدهما أن الحكم محاولة للقضاء على خصم أردوغان، بينما يؤمن آخرون بعدالة قرار المحكمة.

ومع ذلك، زعمت الصحيفة أن ذلك قد يكون غير ذي جدوى بالنسبة لأردوغان، حتى لو جرى استبعاد إمام أوغلو بالفعل.

واستندت في زعمها إلى استطلاعات رأي أجريت أخيرا، أفادت أنه في حال إجراء انتخابات رئاسية في الوقت الحالي، فسيخسر أردوغان أمام أي من قادة المعارضة الثلاثة، بما في ذلك رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش، وزعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشتدار أوغلو.

وأردفت: "بسبب الوضع المذكور أعلاه، وكذلك عدم استعداد أردوغان لترك الرئاسة، أثير الحديث عن استعداده لكسب شعبية لدى ناخبيه المحليين من خلال افتعال مواجهة خارجية مع اليونان"، وفق زعمها.

السياسة الخارجية

وفي وقت سابق، اعتمد الزعيم التركي -حسب التقرير- بشكل متكرر على نجاحاته في السياسة الخارجية، إذ شارك بنشاط في المشهدين الليبي والسوري.

كما دعم أذربيجان في نزاعها مع أرمينيا حول إقليم قرة باغ، وكذلك حقق نجاحات في دوره كوسيط في الصراع الأوكراني الروسي.

وعقبت: "ربما قرر أردوغان جعل اليونان ميدانا آخر لانتصاراته الدولية"، مؤكدة أن "السياسة الخارجية قادرة حقا على تشتيت انتباه المواطنين الأتراك عن الأوضاع الاقتصادية والإخفاقات السياسية الداخلية". وتساءلت: "بأي ثمن سيحقق الرئيس التركي ذلك؟"

يعتقد الخبير السياسي التركي إقبال دوري أن "الرئيس التركي قد يطلق عملية محدودة في بحر إيجة إذا لم يتمكن من التعامل الإيجابي مع الأزمة الاقتصادية وارتفاع التضخم قبل الانتخابات".

وأوضح: "إذا رأى أن خسارة الانتخابات أمر لا مفر منه، فقد يختار بين الخسارة والحرب"، مشيرا إلى أنه "إن كان الصراع بين دولتين من الناتو أمرا مستحيلا قبل سنوات قليلة، فلا يمكن حاليا استبعاد مثل هذا السيناريو".

ووفقا للصحيفة، حتى لو رأى أردوغان أن الصراع مع اليونان هو الملاذ الأخير، فليس من المؤكد أن هذه الخطة ستتحقق.

فطوال تاريخ الناتو الممتد لـ 73 عاما، لم ينشب أي نزاع مسلح بين أعضائه، كما لم تتعرض أي من دوله لعدوان خارجي.

ومن الممكن النظر إلى هذه النتيجة أنها أكثر من مجرد نجاح، حسب التقرير. وأتبع: "يحتاج حلف الناتو في الوقت الحالي -أكثر من أي وقت مضى- إلى تأكيد قدرته على الاستمرار".

كما زعم أنه "على خلفية المواجهة مع روسيا، لم يعد بمقدور الكتلة العسكرية الغربية تحمل التناقضات الداخلية، لا سيما إن كان هذا التناقض في شكل اشتباكات مسلحة مباشرة".

وأرسلت واشنطن إلى الحكومة التركية، في ديسمبر/كانون الأول 2022، إخطارا بضرورة عدم التصعيد مع اليونان.

وقد فسرت الصحيفة ذلك بوضوح عزم واشنطن على استخدام كامل نفوذها لضمان عدم تجاوز الخلاف اليوناني التركي "خطوطا حمراء" معينة.

وأكملت: "لذلك، يصعب تخيل وضع يسمح فيه حلفاء الناتو لأردوغان بإطلاق العنان للصراع داخل الحلف من أجل طموحه السياسي وحقول الغاز"، بحسب تقديرها.

ومن زاوية أخرى، يوجد في جعبة الرئيس التركي -وفق رؤية الصحيفة- بطاقة أخرى فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.

فبعد سنوات من الجدل، قرر الزعيم التركي أخيرا إجراء اتصالات مع بشار الأسد. وحال نجحت المصالحة بين الجانبين، فقد تبدأ عودة اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا إلى وطنهم.

وحسب التقرير: "قد يستقبل الأتراك هذه النتيجة بشكل إيجابي، حيث سئموا من الأعباء غير المرغوب فيها، كما أن ذلك قد يرفع عبء دعم اللاجئين عن كاهل الاقتصاد التركي". 

ولذا، يرجح التقرير أن يصبح الاتجاه السوري هو المسار الرئيس في السياسة الخارجية للحكومة التركية في الأشهر القادمة.

وتختتم الصحيفة تقريرها بأنه حال عدم تغير مزاج الناخبين بشكل كبير، الذي ترى أنه ليس في صالح الرئيس، فيوجد احتمالية لأن "يصبح الأسلوب التركي الحازم في المسرح السياسي الدولي -الذي طوره الرئيس أردوغان- جزءا من الماضي".