ما دلالات خوض فاغنر الروسية معارك بمفردها ضد الجيش الأوكراني؟

12

طباعة

مشاركة

بعد سلسلة انتكاسات عسكرية روسية في ساحة المعركة الأوكرانية، وبحث موسكو عن "نصر ميداني"، تبرز مجموعة مرتزقة "فاغنر" شبه العسكرية الخاصة كقوة قادرة على قلب موازين الخارطة العسكرية

ففي ظل معارك هي "الأشرس" بين القوات الأكرانية والقوات الروسية، أعلن يفغيني بريغوزين رجل الأعمال الروسي البارز وقائد "فاغنر" سيطرة مقاتليه في 11 يناير/كانون الثاني 2023، على بلدة سوليدار الإستراتيجية شرق أوكرانيا.

وقال بريغوزين على تلغرام: "مرة أخرى أريد أن أؤكد التحرير الكامل والتطهير الكامل لإقليم سوليدار من وحدات الجيش الأوكراني"، مشيرا إلى أن "500 جندي أوكراني قتلوا بعد أن رفضوا الاستسلام".

اللافت أن بريغوزين المعروف أيضا بـ"طباخ الرئيس فلاديمير بوتين"، صرح بأنه "لم تشارك أي وحدات غير مقاتلي فاغنر في تحرير مدينة سوليدار"، في إشارة إلى غياب القوات البرية الروسية عن المعركة المهمة.

ولم يكتف بذلك بل ظهر بريغوزين بشكل علني باللباس العسكري إلى جانب مرتزقة "فاغنر" من أرض معركة سوليدار، التي تشكل بوابة للقوات الروسية للتقدم إلى مدينة باخموت بالجنوب الغربي، الأكثر إستراتيجية والتي تبعد نحو 10 كيلومترات فقط عن تلك المنطقة.

ويشكل إعلان "فاغنر" دخول بلدة سوليدار وتثبيت السيطرة عليها لاحقا، أحدث تقدم روسي ميداني منذ صيف 2022.

كما يعد أول انتصار لموسكو مهم بعد أشهر من النكسات العسكرية التي استعاد فيها الجيش الأوكراني منذ خريف 2022، بسرعة هائلة مئات الأميال المربعة من الأراضي في الشمال والجنوب التي احتلها روسيا عقب الغزو الذي اندلع في 24 فبراير/شباط من العام المذكور.

لكن النقطة المحورية بالسيطرة، هو نسب هذا الإنجاز العسكري لمجموعة "فاغنر"، بما يشي برغبة الكرملين بإكساب المجموعة سمعة عسكرية جديدة.

ولا سيما أن مجموعة "فاغنر" التي جندت سجناء وجلبت مرتزقة جددا من عدد من الدول للقتال في صفوفها، أصبحت القوة الرئيسة التي تقود الهجوم "بشكل وحشي" على أوكرانيا. 

أهمية سوليدار

وتكتيكيا، وفق الخبراء العسكريين فإن الاستيلاء على سوليدار سيمنح القوات الروسية مواقع جديدة لوضع المدفعية وتمركز الأسلحة، بالقرب من مواقع الجيش الأوكراني.

فضلا عن الضغط على خطوط إمداد الأخير التي تمتد باتجاه كل من باخموت ومدينة سيفرسك التي تسيطر عليها أوكرانيا إلى الشمال.

ولهذا تجد القوات الروسية، أن إعادة التموضع العسكري في سوليدار، سيجعل التركيز على مدينة بخموت الصغيرة التي جرى إخلاؤها من سكانها بعد قصف روسي عنيف مرحلة فارقة في سير المعارك.

ويقول محللون عسكريون هنا، كما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في تقرير لها نشرته بتاريخ 12 يناير 2023، إن قيمة باخموت الإستراتيجية تمثل مفترق طرق لبعض الطرق السريعة في المنطقة.

إذ سيؤدي الاستيلاء على باخموت إلى وضع القوات الروسية في وضع أفضل للتقدم في المدن الكبرى التي تسيطر عليها أوكرانيا في دونباس، والمراكز الصناعية في سلوفيانسك وكراماتورسك إلى الشمال الغربي.

كما أن السيطرة على سوليدار هي جزء من عملية أكبر لبسط السيطرة الروسية على مقاطعة دونيتسك التي تصل مساحتها إلى 26500 كيلومتر مربع، وهي المنطقة الأوكرانية التي يسعى الانفصاليون الموالون لروسيا للسيطرة عليها منذ 2014.

ودونيتسك التي يقدر عدد سكانها بحوالي 2.2 مليون نسمة هي واحدة من أربع مناطق في شرق أوكرانيا ضمتها روسيا في سبتمبر/أيلول 2022، إثر استفتاءات مثيرة للجدل لم تعترف بها كييف وحلفاؤها الغربيون.

وقال محللون في هذا الإطار، إن القوات الروسية منهكة منذ ما يقرب من عام من القتال العنيف، وينبغي أن تركز بدلا من ذلك على تحقيق الاستقرار في خط أمامي يمتد لأكثر من 600 ميل، ولهذا يعتقد أن "بريغوزين يريد انتصارا في باخموت لتعزيز مكانته السياسية في الداخل الروسي".

ولاحظ معهد دراسة الحرب، وهو مجموعة بحثية مقرها واشنطن، في تحليل نشره في 10 يناير  2023، أن "بريغوزين يواصل استخدام تقارير نجاح مجموعة فاغنر في سوليدار لتعزيز سمعة مجموعة فاغنر كقوة قتالية فعالة".

ولا يخفى أن ضواحي سوليدار الغربية يقع فيها منجم الملح، حيث رصد مرتزقة فاغنر الأنفاق هناك والتي يمكن أن تستوعب القوات والعربات المدرعة، مما يشكل درع حماية بقصد تثبيت "التقدم التكتيكي" الجديد.

وبالنسبة إلى يفغيني بريغوزين، فإن السيطرة على سوليدار توفر له الوصول إلى الثروات المعدنية هناك، فضلا عن مخابئ من الأسلحة النارية.

تكتيك سوريا

وللمفارقة، فقد استخدمت روسيا التي تدخلت عسكريا عام 2015 لإنقاذ نظام بشار الأسد من السقوط، ذات التكتيك الجديد في أوكرانيا سابقا في سوريا.

وذلك حينما سمحت القوات الروسية التي تدير العمليات العسكرية من قاعدة حميميم الجوية الروسية بريف اللاذقية، لمجموعات مرتزقة فاغنر بالتقدم للسيطرة على مواقع تحتوي على حقول للنفط والغاز والفوسفات شرقي حمص.

ومنذ عام 2017 تسيطر مجموعات فاغنر على حقول الغاز في مناطق توينان وآراك والشاعر ومنجم الفوسفات في خنيفيس بحمص السورية.

كما أن روسيا لم تكتف بذلك، بل حاولت منح مجموعات فاغنر أوراق جديدة بسوريا تدر عليها عوائد مالية، حينما وجهتها منفردة في 7 فبراير/ِشباط 2018 للسيطرة على حقل كونيكو للغاز شرقي دير الزور الذي تديره واشنطن شرقي سوريا.

وآنذاك فشلت فاغنر بالهجوم الذي "يعد مغامرة انتحارية"، وتصدت المقاتلات الأميركية للمرتزقة، ووقتا قدرت الاستخبارات المركزية الأميركية عدد القتلى بـ 200 مرتزق.

وقاتلت "فاغنر" إلى جانب قوات الأسد، مما مكن الأخيرة من استعادة مساحات شاسعة من المناطق كانت بيد المعارضة السورية، وقلبت الكفة العسكرية إلى يومنا هذا لصالح النظام السوري.

وجرى آنذاك توثيق ارتكاب مليشيا فاغنر جرائم حرب بحق السوريين، خاصة أنهم أصبحوا قوة بأعداد لا يستهان بها وهي من تقود عناصر قوات الأسد بالمعارك.

وبقيت مجموعة "فاغنر" منذ تأسيسها عام 2014 كيانا غامضا للغاية تحرك روسيا قطعانها من المرتزقة لخدمة مصالحها في ساحات المعارك.

وبعد سنوات من النفي الشديد، أقر يفغيني بريغوزين، في 26 سبتمبر/أيلول 2022، في منشور على حسابات شركته "كونكورد" عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بأنه أسس مجموعة فاغنر في مايو/أيار 2014 للقتال في أوكرانيا، واعترف بانتشار عناصر منها في إفريقيا وسوريا وأميركا اللاتينية خصوصا.

والتطورات الميدانية التي أحدثتها معارك سوليدار الشرسة، تحولت لساحة "معركة كسر عظم" بعد خلوها من المدنيين.

إذ إن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي قال في خطاب ليلي في 10 يناير 2022: "المنطقة القريبة من سوليدار مغطاة بجثث الغزاة... هذا ما يبدو عليه الجنون".

ويشير كلام زيلينسكي إلى حجم الخسائر والمحرقة التي كلفت موسكو، طمعا بانتزاع "نصر بسيط" على حساب جثث المرتزقة وليس الجنود الروس النظاميين، حيث يعاني الكرملين من نفقة كبيرة للتعويضات المالية لعوائلهم.

"استعراض العضلات"

ولهذا يرى الخبير العسكري والإستراتيجي، فايز الأسمر، أن "مجموعة فاغنر تشارك وبقوة في المعارك الأوكرانية بعد أن جرى جمع المرتزقة من عدة بلدان ومنها سوريا وليبيا والسودان".

وأضاف الأسمر لـ "الاستقلال": "استعان الجيش الروسي بمرتزقة فاغنر للعمل مع قوات إقليم الدونباس كرأس حربة ومجموعات اقتحام وقتال مدن في المعارك التي تدور هناك وخاصة على الجبهة الشرقية ضد القوات الأوكرانية".

واستدرك الخبير قائلا: "إذ يصل عدد مرتزقة فاغنر على تلك الجبهة من 15 إلى 20 ألف مرتزق وهم من المتطوعين الذين اكتسبوا خبرات قتالية في مناطق ساخنة حول العالم".

وذهب الأسمر للقول: "لكن هذا كله لا يعني أن القوات الروسية النظامية غير موجودة وخاصة ما يخص وحدات المدفعية والمدفعية الصاروخية وصنوف القوات الأخرى التي تدعم وتمهد لمجموعات فاغنر".

ومضى يقول: "أما قائد فاغنر، يفغيني بريغوزين فقد أطلق التصريح حول احتلال سوليدار بهدف استعراض العضلات وهو ليس أكثر من تصريح إعلامي".

ويشير مراقبون أيضا، إلى أن موسكو بحاجة إلى نصر، إن لم يكن انتصارا إستراتيجيا، فعندئذ على الأقل يمكن الترويج شعبيا له على شبكات التلفزيون في الاتحاد الروسي التي يسيطر عليها الكرملين وتروج للدعاية الرسمية حول مبررات غزو أوكرانيا.

وضمن هذا السياق، قال اللفتنانت جنرال إيهور رومانينكو، النائب السابق لرئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية، لقناة الجزيرة بالإنجليزية في 11 يناير 2023: "هناك وجهة نظر دعائية، إذا كانت مدينة باخموت لا يمكن أن تؤخذ فعندئذ تحتاج روسيا إلى إظهار شيء ما على الأقل لأن بريغوزين وعد (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين بذلك".

وتزامن التقدم الروسي، مع إجراء موسكو أحدث تغيير بالقيادة العسكرية لها بعد إعلان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في 11 يناير 2023، تعيين رئيس هيئة الأركان العامة فاليري غيراسيموف قائدا للقوات الروسية في أوكرانيا، خلفا لسيرغي سوروفيكين، إذ سيتولى مهمة الإشراف على "الحملة العسكرية الروسية".

وبينت وزارة الدفاع الروسية أن هذه التعيينات مرتبطة بالنطاق الأوسع للمهام، والحاجة إلى تنسيق أوثق بين جميع الفروع والخدمات العسكرية، لكنها قالت إن سوروفيكين سيظل نائبا لغيراسيموف.

وسوروفيكين (56 عاما) الملقب بـ"جنرال حرب نهاية العالم" في وسائل الإعلام الغربية، جرى في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2022، تعيينه قائدا للحرب الروسية في أوكرانيا، في محاولة وقتها من الكرملين ووزارة الدفاع لإعادة الجهود الحربية إلى مسارها بعد انتكاسات عديدة.

حتى أن "قائد فاغنر" يفغيني بريغوزين، علق على تعيين سوروفيكين قائدا لعملية أوكرانيا، بقوله: "الجنرال هو القائد الأكثر كفاء في الجيش الروسي".

وفي أوكرانيا لجأ القائد الروسي إلى تطبيق أعمال مماثلة أجراها في سوريا، وهي ترويع السكان المدنيين بشدة القصف من أجل كسر إرادتهم في المقاومة، واتباع سياسة الأرض المحروقة، وحصار المدن وفتح ممرات إنسانية مشروطة.

فاليري غيراسيموف هو أيضا رئيس هيئة الأركان العامة الروسية، وقد لعب دورا أساسيا في الحملات العسكرية في حرب الشيشان عام 1999، كما أنه كان على خط الجبهة في مجال التخطيط العسكري بالنسبة لأوكرانيا أيضا.

فضلا عن أن غيراسيموف أشرف على التدريبات العسكرية الروسية التي جرت في دولة بيلاروسيا حليفة روسيا الأولى بالمنطقة في ديسمبر/كانون الأول 2022.