قرار المعارضة الفنزويلية حل حكومة غوايدو.. ينهي الصراع أم يمهد لآخر جديد؟

في 30 ديسمبر/ كانون الأول 2022، صوّتت المعارضة الفنزويلية لصالح قرار بحل حكومتها الموازية، وعزل زعيمها خوان غوايدو، على أمل ضبط صفوفها من جديد للاستعداد لانتخابات 2024.
وجاءت هذه الخطوة بعد أربع سنوات من إعلان غوايدو نفسه رئيسا، إثر إعادة انتخاب نيكولاس مادورو رئيسا للبلد الواقع بأميركا الجنوبية، في انتخابات عام 2019.
ومنذ ذلك الحين، اعترف بغوايدو العديد من الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، لكنه فشل في الإطاحة بالرئيس اليساري، الذي خدمته التطورات الجيوسياسية في السنوات الأخيرة.
إزاحة العقبة
وأرجع موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي قرار المعارضة الفنزويلية إلى أنها رأت وجود غوايدو عقبة أمامها، خصوصا أنه لم يتمكن، خلال أربع سنوات، من بناء شرعية ترقى إلى مستوى التطلعات.
وأشار إلى أن الزعيم السابق لحزب الإرادة الشعبية، خسر مكانته بعد أن تضاءلت نفوذه في مواجهة قدرة الرئيس مادورو على الحفاظ على السلطة من خلال التعويل على قطاعات الطاقة والجيش أولا ثم الاستفادة من فترة الهدنة التي كفلتها أزمة الطاقة العالمية.
وهو ما دفع فرنسا بقيادة إيمانويل ماكرون وإسبانيا إلى بدء التحدث مرة أخرى مع كاراكاس وكذلك الولايات المتحدة ما أضفى الشرعية على مادورو في ظل أزمة الطاقة التي تسببت فيها الحرب الروسية في أوكرانيا.
وفي 30 ديسمبر، صوت نواب البرلمان السابق الذي تسيطر عليه المعارضة لصالح حل الرئاسة والحكومة المؤقتين بـ72 صوتا ، فيما عارض ذلك 29 نائبا، بينما امتنع ثمانية عن التصويت.
وتعليقا على القرار، قالت صحيفة نيويورك تايمز إن "غوايدو فشل في تعزيز دعمه الشعبي وانقسمت المعارضة على مر السنين".
وأضافت أن " القرار أوضح أن المعارضة فقدت الثقة في قدرة غوايدو على تحقيق أهدافها للإطاحة بحكومة مادورو الاستبدادية واستعادة الديمقراطية وأنها كانت تهدف بذلك اتباع إستراتيجية مختلفة".
وشرح الموقع أن هذه الإستراتيجية ترتكز على محاولة استمالة كل الطاقات الديمقراطية في فنزويلا بالانطلاق من الفوز الساحق في الانتخابات التشريعية لعام 2015 ضد مادورو والتي عجزت القوى المعادية للنظام الرئاسي الذي أسسه هوغو شافيز عن متابعتها.
وأضاف أن غوايدو أصبح يشكل عقبة لأنه جسد لسنوات إستراتيجية المواجهة المباشرة لمادورو بدعم من الولايات المتحدة خلال إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
من جهتها، لاحظت مجلة "أميركاز كوارترلي" أنه "لسنوات، ركزت الإستراتيجية بين المعارضة الفنزويلية والمجتمع الدولي على دعم غوايدو كرئيس مؤقت في إطار محاولة الإطاحة بنظام مادورو ".
لكن مع مرور الوقت، بدا أن هذه الإستراتيجية تأخذ مسارها، تاركة خلفها عدم وجود توافق في الآراء بشأن كيفية المضي قدمًا.
إعادة تموضع
ورأى الموقع الإيطالي أن فشل محاولات الانقلاب التي خطط لها غوايدو مع مسؤولي البيت الأبيض مثل جون بولتون، أظهر عجز المعارضة في تجذرها في الجيش الفنزويلي والبيروقراطية الاشتراكية العليا.
وتغيرت الإستراتيجية اليوم، خاصة أن الهدف هو خلق جبهة مشتركة ضد مادورو والحزب الاشتراكي الموحد الفنزويلي الحاكم، والمنافسة في الانتخابات الرئاسية لعام 2024 بترشيح مشترك للمعارضين.
ويبرز في هذا الصدد، المعارض البارز ليوبولدو لوبيز، المقرب من واشنطن والخصم التاريخي للرئيس السابق هوغو تشافيز.
كذلك هنريك كابريل، المرشح السابق للانتخابات الرئاسية في مناسبتين في 2012 و 2013 ضد تشافيز ومادورو، وكان قد توقع في 19 ديسمبر إقالة غوايدو .
في الواقع، تريد المعارضة الموحدة في عام 2023 الترويج للانتخابات التمهيدية المشتركة للانتخابات الرئاسية لعام 2024، لتكرار نموذج باريناس، مسقط رأس هوغو شافيز.
حيث تفوق مرشح المعارضة سيرجيو غاريدو في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، وبشكل مفاجئ في السباق على منصب حاكم الولاية على صهر مادورو ومرشح الحزب الاشتراكي الموحد الفنزويلي.
وأصبح غوايدو غير مقبول، من وجهة النظر هذه، لأنه بديل سياسي لهذه العملية كما أن الرياح السياسية اليسارية الجديدة التي أدت إلى إعادة إضفاء الشرعية على مادورو والدبلوماسية الفنزويلية في منطقة أميركا اللاتينية ليست في صالحه، وفق الموقع الإيطالي.
رياح مغايرة
وقال إن "مادورو يحظى بدعم الرئيس المكسيكي أندريس ميغيل لوبيز أوبرادور منذ عام 2019، كما أعادت بوليفيا بعد انتخاب لويس أرس في عام 2020 وبيرو بعد تولي بيدرو كاستيلو، الذي أطيح به أخيرا من السلطة، في عام 2021، إقامة علاقات كاملة مع كاراكاس.
وفي عام 2022، تبع ذلك اختيار مماثل لغوستافو بيترو، رئيس كولومبيا المتحالفة تاريخيا مع الولايات المتحدة.
وقد يحل هذا العام دور اثنين من أهم زعماء أمريكا الجنوبية، وهما الرئيس الأرجنتيني ألبرتو فيرنانديز، وخاصة البرازيلي لولا داسيلفا.
على أي حال، يتوقع الموقع أن إعادة إضفاء الشرعية الدولية لمادورو ستعني اهتمامًا متزايدًا من حلفاء فنزويلا اليساريين بقضية الديمقراطية الداخلية وبالتالي المراقبة الدقيقة للعملية الانتخابية التي تريد المعارضة المتماسكة المشاركة فيها.
وأردف أن رئيس الحكومة المنحلة غوايدو كان قد أثار سلسلة من القضايا السياسية غير المهمة التي أصبحت بالنسبة لبلد يخنقه ارتفاع الأسعار والجريمة وعدم المساواة أمرًا مزعجًا في نظر الرأي العام.
ويذكر أن دعوات غوايدو المستمرة لفرض عقوبات على حكومة مادورو، وبشكل غير مباشر، الشعب الفنزويلي، وكذلك التحركات مثل مصادرة ذهب كاراكاس في بنك إنجلترا من قبل حكومة لندن، تسببا في جدل داخلي مما سمح لحكومة مادورو بالبروز كضحية للمؤامرات.
وبالنسبة للمعارضة، بدا أن التوجه نحو الديمقراطية هو طريق النجاح لتجنب تقديم خدمة سهلة للنظام وفي الوقت نفسه تجنب المواقف المتطرفة مع ما يترتب عنها من نتائج انتخابية سيئة.
وخلص إلى أن نهاية الأزمة الرئاسية الفنزويلية ستكون بمثابة انتصار تكتيكي لمادورو الذي تريد المعارضة الإطاحة به عبر انتصار إستراتيجي في انتخابات عام 2024.
وأضاف أن الوضع السياسي الداخلي الهش للغاية لبلد غالبًا ما حل التعسف فيه محل سلطة القانون والدستور على مر السنين، سيكون محل اختبار من خلال العودة إلى اللعبة الديمقراطية التي سيضطر مادورو إلى احترامها.