بعد عجزها عن مواجهتهم .. بماذا أغرت السلطة الفلسطينية المقاومين للتخلي عن السلاح؟

12

طباعة

مشاركة

لا تتورع السلطة الفلسطينية عن تقديم عروض لمقاومين مطلوبين لجيش الاحتلال الإسرائيلي بالضفة الغربية، مقابل تسليم أسلحتهم وإنهاء دورهم في المواجهة، وتحويلهم إلى ما يسمى "العفو"، مقابل تشغيلهم في الأجهزة الأمنية، وحصولهم على إغراءات أخرى.

وسارعت السلطة برئاسة محمود عباس إلى التواصل مع مقاومين مطلوبين للاحتلال، مع اشتعال المواجهة المسلحة بمدن بالضفة الغربية، خاصة في جنين ونابلس (شمال)، بهدف العمل على تهدئة الأوضاع الأمنية، وتحقيق أبرز التزاماتها من التنسيق الأمني مع إسرائيل بعد عجزها عن ذلك ميدانيا.

وفقا لما كشفوه خلال برنامج عرض على قناة الجزيرة 6 يناير/كانون الثاني 2023، قدمت السلطة الفلسطينية اقتراحا للمسلحين، بتسليم أسلحتهم والبقاء تحت رعايتها من خلال اعتقالهم، لبضعة أشهر لتسوية وضعهم مع الشاباك (جهاز الأمن العام الإسرائيلي)، إضافة إلى تقديم إغراءات لهم كشقق سكنية وسيارات.

عروض سخية

وأكد مقاتلون من "عرين الأسود" التي نشطت بمدينة نابلس شمال الضفة الغربية، أنهم تلقوا عروضا من السلطة لتفكيك المجموعة، من خلال إغراءات مالية وشراء الأسلحة النارية مقابل شقق وسيارات. 

وقال قائد "عرين الأسود" الذي لقب باسم "أبو فلسطين" خلال برنامج "ما خفي أعظم" عبر قناة الجزيرة: "عرض علينا أن نسلم أنفسنا للسلطة مقابل الحصول على امتيازات، نحن رفضنا ذلك وهناك من قبل بذلك"، مضيفا: "أنا لن أسلم نفسي ولدينا الكثير من الجنود المجهولين في الأرض".

وأضاف، "لا نريد صداما مع الأجهزة الأمنية ونناشدهم بوقف اعتقال أفراد العرين والمقاومة وإطلاق سراح المعتقلين".

ومنذ مطلع عام 2022، أخذت ظاهرة المقاومة للاحتلال الإسرائيلي تتسع في البلدة القديمة من مدينة نابلس، ومخيم جنين شمال الضفة الغربية، مع ظهور مجموعات مسلحة منظمة.

وكان الظهور العلني الأبرز لـ "عرين الأسود" في 3 سبتمبر/أيلول 2022 على شكل مجموعة منظمة من عشرات المسلحين، وذلك في تأبين من قالت إنه مؤسسها محمد العزيزي، ومن وصفته بـ "أسد الاشتباكات المسلحة عبد الرحمن صبح"، بعد 40 يوما على استهدافهما، وفق بيان للمجموعة في حينه.

وينحدر أفراد المجموعة من خلفيات فصائلية مختلفة، وبينهم أعضاء سابقون في الأجهزة الأمنية الفلسطينية، لكنهم يرفضون نسبة أنفسهم إلى فصيل بعينه.

ونفذت المجموعات المسلحة بالضفة الغربية العديد من العمليات التي تسببت بمقتل جنود إسرائيليين وجرح آخرين، إضافة إلى مواجهة الاقتحامات الإسرائيلية المتكررة للبلدات والمخيمات الفلسطينية.

وفي المقابل، نفذ الجيش الإسرائيلي عدة اغتيالات مركزة بحق عناصر وقادة مجموعة "عرين الأسود" بينهم إبراهيم النابلسي الذي استهدف في 9 أغسطس/آب 2022، وتامر الكيلاني الذي استهدف بتفجير دراجة خلال مروره من شارع وسط البلدة القديمة من نابلس، إضافة إلى قادة "كتيبة جنين".

ونجحت السلطة خلال الفترة الماضية، في إقناع بعض المسلحين بتسليم أسلحتهم ووقف نشاطهم المقاومة ضد إسرائيل، مقابل تقديم أموال لهم.

وحول آخر تلك الصفقات، كشفت القناة العبرية الـ13 أنه بعد اغتيال بعض قيادات مجموعات مسلحة بالضفة واعتقال البعض الآخر، سلم جزء منهم نفسه للسلطة الفلسطينية وعددهم 60 مسلحا.

كما سلم 15 مطاردا من مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، أنفسهم للأجهزة الأمنية خلال شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2022، وفق ما أكده مصدر أمني مطلع رفض الكشف عن اسمه لحساسية موقعه الوظيفي لموقع "العربي الجديد".

وبين المصدر أن من بين من سلموا أنفسهم قيادي في المجموعة جرى فتح قناة اتصال معه عبر أقارب زوجته من أجل إقناعه بأن ديونه التي بلغت قيمتها 100 ألف شيقل (توازي 29 ألف دولار أميركي)، سيجرى تسديدها، وسيحصل على وظيفة في جهاز أمني بعد اعتقاله لثلاثة أشهر ومن ثم تسوية ملفه مع الاحتلال.

عار ووباء

وإلى جانب العروض والإغراءات التي تقدمها للمقاتلين بالضفة، تستخدم السلطة أسلوب الترهيب لمواجهة المقاومين الذين يرفضون تسليم أسلحتهم.

إذ اعتقلت في سبتمبر 2022، أحد مؤسسي مجموعة "عرين الأسود، والمحسوب على حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، مصعب اشتية.

ومارست السلطة تعذيبا قاسيا على اشتية وفقا للرسالة التي كشفها خلال برنامج قناة الجزيرة.

وقال اشتية في الرسالة: لا أعلم إن كانت رسالتي هذه ستصل إليكم أم أنها ستبقى حبيسة الجدران، والقلم يعجز عن وصف الحال والمعاناة في هذه المحنة، من زنازين ذوي القربى وما كان فيها من تحقيق من جهة وألم فقد الأحبة من جهة أخرى والمرض الذي استجد على حالتي من جهة ثالثة".

القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، خضر حبيب، يؤكد أن السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية تنفذ أجندة إسرائيلية من خلال تقديمها عروضا وإغراءات للمقاومين مقابل تسليم أسلحتهم والتنازل عن المواجهة.

ويقول حبيب في حديثه لـ"الاستقلال: "مقايضة المطاردين والمقاومين من أجل تسليم أسلحتهم أمر مؤسف، والسلطة مطلوب منها الدفاع عن الشعب الفلسطيني ومواجهة الاحتلال، خاصة في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية المتظرفة التي تظهر العداء لفلسطين، ولديها برنامج مخيف ومرعب".

ويرى أن السلطة بالضفة الغربية مطالبة برفع يدها "الثقيلة" عن المقاومة، وليس مساعدة جيش الاحتلال، فإسرائيل هي المستفيد من هذه الإجراءات، والمتضرر هو الشعب الفلسطيني.

ويستطرد بالقول: " التنسيق الأمني عار على السلطة ووباء على الشعب الفلسطيني، وهو يخدم مصلحة إسرائيل، وعلى حساب الأمن الفلسطيني، لذلك هناك قرارات في المجلسين الوطني والمركزي أكدت على وقفه مع الاحتلال (لم يجر تنفيذها)".

وكان المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية قرر في فبراير/شباط 2022 تعليق الاعتراف بإسرائيل وإنهاء التزامات السلطة الفلسطينية بالاتفاقيات كافة معها، لحين اعترافها بدولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، وعاصمتها شرق القدس.

والمجلس المركزي هيئة دائمة منبثقة عن المجلس الوطني الفلسطيني (أعلى هيئة تشريعية) التابع لمنظمة التحرير، ومخول بصلاحيات المجلس.

ويتوقع القيادي في حركة الجهاد الإسلامي، أن تشهد كل بؤر المقاومة الساخنة بالضفة خاصة نابلس مزيدا من الاقتحامات الكبيرة مع حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة. 

القيادي في حركة "حماس"، إسماعيل رضوان، يؤكد بدوره، أن الحكومة الإسرائيلية الحالية هي الأكثر تطرفا في دولة الاحتلال منذ تأسيسها.

لذلك مطلوب من السلطة وقف التنسيق الأمني وسحب الاعتراف بإسرائيل، وتحقيق الوحدة، ووقف ملاحقتها لقادة المقاومة بالضفة الغربية، ورفع يدها عنها، وفق ما قال رضوان لـ "الاستقلال".

وتابع "نرفض أي محاولة من السلطة للوقوف بوجه المقاومين، أو تقديم الإغراءات أو العروض لسحب أسلحتهم، لأن ذلك يعد خارجا عن أخلاق الشعب الفلسطيني ووطنيته".

ويوضح رضوان، أن السلطة مطالبة بإعداد الغطاء السياسي والوطني للمقاومين والمطاردين من أجل مجابهة الاحتلال، وليس التضييق عليهم، أو العمل على سحب أسلحتهم، ودعوتهم للاستلام.