منع رئيس موريتانيا السابق من السفر إلى فرنسا.. محاولة هروب أم تصفية حسابات؟

عالي عبداتي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

يتواصل مسلسل شد الحبل بين الرئيس الموريتاني السابق محمد بن عبدالعزيز والحكومة الحالية، والتي كان آخر أطوارها منعه من السفر إلى فرنسا، كما منعته قبلها قوات الأمن من دخول ولاية الترارزة (جنوب غرب) في 31 ديسمبر/كانون الأول 2022.

وفي 4 يناير/ كانون الثاني 2023، أعلن ولد عبدالعزيز، الذي سيحاكم اعتبارا من نهاية يناير بتهمة "الفساد"، أنه مُنع من السفر إلى الخارج، منددا بما عده "إجراء غير قانوني في حقه".

وفي بث مباشر عبر صفحته على فيسبوك، قال ولد عبدالعزيز: "كنت في المطار لأسافر، لكن الشرطة السياسية منعتني من المغادرة، رغم أني لست خاضعا للرقابة القضائية أو أية وضعية يمكن أن تمنعني من السفر".

جدل قانوني

وردا على تصريحات ولد عبدالعزيز، قالت شرطة "الجرائم الاقتصادية"، إن الرئيس السابق ولد عبدالعزيز مُنع من السفر "بصفة قانونية استجابة لحيثيات الاستدعاء القضائي الموجه إليه".

وأفادت الشرطة، في بيان نقله موقع "الصحراء" المحلي في 5 يناير 2023، بأنها توصلت من محكمة مكافحة الفساد باستدعاءات موجهة للمتهمين المشمولين فيما بات يعرف إعلاميا بـ"ملف العشرية" للمثول أمامها في 12 يناير/ كانون الثاني 2023

وأشارت إلى أنه "بمجرد رفع الرقابة القضائية التي كان يخضع لها المتهم خلال الأشهر الماضية، جرى تمكينه من حقوقه كافة وسمح له بحرية التنقل والسفر خارج البلاد".

من جانبها، قالت هيئة دفاع ولد عبدالعزيز، إن موكلهم لم يتلق أي استدعاء لحد الساعة، مردفة أنه "حتى لو استدعي فإن ذلك لا يجيز بحال منعه من السفر ولا حجز جواز سفره، وإنما يحدد له موعدا للمثول، فإذا لم يمثل صدر ضده أمر بالقبض، وذلك بصريح المادة 253 من قانون الإجراءات الجنائية".

وبحسب موقع "الأخبار" المحلي في 5 يناير/كانون الثاني 2023، وصفت هيئة الدفاع منع موكلها من السفر خارج البلاد بأنه "استمرار لخرق القوانين وانتهاك لحقوق موكلهم وحرياته في هذه المرحلة قبيل المحاكمة".

وشددت على أن "ذلك لم يبق أي أمل في محاكمة عادلة، خصوصا بعد أن تأكد للجميع أن هذا الملف سياسي يدار في دهاليز الأمن لا في أروقة العدالة".

واتهمت هيئة الدفاع النيابة العامة بـ"التواري وترك الضبطية القضائية تتصرف خارج القانون، منتهكة أبسط الحقوق والحريات التي يضمنها الدستور، وتنص عليها القوانين الوطنية فضلا عن الاتفاقيات الدولية"، وترى أن "هذا هو ما يتم عادة في الملفات السياسية".

وذكرت هيئة الدفاع بمنع موكلهم من السفر إلى ولاية "الترارزة"، دون أي سند قانوني أيضا، مشيرة إلى أنه "لم يدع أحد حينها أنه بسبب استدعاء من المحكمة، مما يدل على أن الملف لا يعدو كونه استهدافا سياسيا بهدف تصفية حسابات مع خصم سياسي".

كما ذكرت بأن "الحرية لا تقيد إلا بقانون طبقا للمادة 10 من الدستور، ولا يوجد نص قانوني في مجموع نصوص القانون الموريتاني يجيز تقييد حرية موكلهم بموجب استدعاء".

وأوضحت هيئة الدفاع أن بيانها جاء عقب اطلاعها على بيان توضيحي منسوب لمديرية مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية، يدعي أن منع موكلهم من السفر وحجز جواز سفره هو منع قانوني لأنه جاء "استجابة لاستدعاء قضائي موجه إليه".

تهم الفساد

وأكد الباحث الأكاديمي الموريتاني، عبدالرحمن الشنقيطي، أن "القضية التي يتابع على ضوئها ولد عبدالعزيز، والتي بموجبها تم اعتقاله أو منعه من السفر هي قضايا فساد، غير خافية على أحد من المواطنين".

وقال الشنقيطي لـ"الاستقلال"، إن "ولد عبدالعزيز وإن كانت له بعض الأمور الجيدة التي تحسب له خلال رئاسته للدولة، إلا أن السمة الغالبة لسلوكه السياسي أنه كان رجلا منخرطا في الفساد"، وفق تعبيره.

ولم يخف المتحدث أن يكون المنع من السفر "له خلفيات انتخابية"، قائلا إن "مرد ذلك أن ولد عبدالعزيز بتحركاته الميدانية والتواصلية، أصبح يلفت الانتباه ويشوش على الحزب الحاكم (الإنصاف)".

والأمر الثاني لتفسير المنع من السفر، وفق الشنقيطي، يتعلق بـ"البعد الاستفزازي"، ذلك أن هناك جهات "تصفي حساباتها مع ولد عبدالعزيز، وهي بذلك تقتص منه ديونا سابقة من الإهانات والإقالات الوظيفية، وربما السجن ونحو ذلك، لأنه أكثر الرؤساء الموريتانيين خصومات على الإطلاق".

زد على ذلك، يتابع الباحث الأكاديمي، أن "الرجل –ولد عبدالعزيز- سرق أموالا هائلة بواسطة الصفقات والسمسرة، بطريقة ذكية وخبيثة، دون أن يسرق أوقية دخلت خزينة الدولة، فهو بذلك يسرق أموال الدولة قبل أن تدخل الخزينة، وله في ذلك عجائب وغرائب"، وفق تعبيره دون مزيد من التوضيحات.

من جانبه، يرى الناشط السياسي الموريتاني، طارق ولدنوح، أن "سعي ولد عبدالعزيز للسفر إلى الخارج، هو محاولة منه للهروب من العدالة".

وأضاف ولدنوح في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك في 4 يناير 2023، أن "الرئيس السابق يحاول الهروب، بعد ساعات من تحديد موعد لمحاكمته والأشخاص المشمولين معه، بما يعرف بملف العشرية (10 سنوات قضاها ولد عبدالعزيز في السلطة من 2009 إلى 2019)".

خلفيات سياسية

الحكومة الموريتانية عبّرت عن امتعاضها من النشاط التواصلي الذي ينخرط فيه الرئيس السابق ولد عبدالعزيز، وترى أن "الأمر فيه تأثير على المسار القانوني" لملفه المعروض أمام القضاء.

ونقل موقع "الصحراء ميديا" المحلي، في 4 يناير 2023، تأكيد الحكومة أن "كل نشاط يهدف إلى نشر البلبلة والتشويش والضغط على مسار قضائي قائم فهو يتنافى مع إطار ومهام وصلاحيات الأحزاب".

جاء ذلك في تصريح للناطق باسم الحكومة، الناني ولد أشروقة، خلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي للتعليق على نتائج اجتماع مجلس الوزراء، والذي ذكر أن "حماية الحريات الفردية والعامة وأمن المواطنين ركائز أساسية ومهام أولوية تحرص الحكومة عليها كل الحرص".

وجاءت تصريحات ولد أشروقة ردا على سؤال حول منع الرئيس السابق من عقد مهرجان في مقاطعة روصو جنوبي البلاد.

بدوره، قال مستشار وزير الداخلية، محمد يحيى ولد سعيد: "منذ الإعلان عن قرار المحكمة العليا القاضي بتأكيد إحالة الملف 2021/001 أمام المحكمة الجنائية المختصة بجرائم الفساد وأبرز المتهمين في هذا الملف مصاب بنشاط إعلامي هستيري، فيما يبدو مسعى لمحاولة إيهام الرأي العام بأنه متابع بسبب نشاطه السياسي والإعلامي".

وأوضح ولد سعيد، في تدوينة عبر فيسبوك مطلع يناير 2023، أن "قرار الإدارة في مقاطعة روصو أتى لمنع ذلك المسار السيئ، مع التأكيد أن حرية التجمع مكفولة قانونا، ولكن لا يمكن السماح باستغلالها للتشويش على سير الإجراءات القضائية ومحاولة التأثير على قرارات القضاء".

ويرى ولد سعيد أنه "من غير المقبول تنظيم أنشطة تستخدم للتحريض على العنف والشغب، وهو سلوك استعراضي دأب عليه المتهم المشار إليه مع كل تطور يطرأ على الملف القضائي المتابع فيه".

اختزال معيب

وفي السياق، أكد الناشط السياسي، المرتضى ولد اطفيل، أن "السلطة الحاكمة منزعجة من نشاط ولد عبدالعزيز، ولا سيما أن البلاد مقبلة على انتخابات محلية ونيابية، والمنتظر تنظيمها في مايو/أيار 2023".

وفي حديث لـ"الاستقلال"، عبر ولد اطفيل عن انتقاده الشديد لـ"اختزال ملف الفساد في منظومة الحكم السابقة في شخص الرئيس السابق فقط".

وقال إن "الملف بهذا الاختزال أفرغ من محتواه، بعد أن أصبح يضم شخصا واحدا لا منظومة بكاملها أو عموم المتورطين في الفساد".

ويواجه ولد عبدالعزيز اتهامات بالفساد وغسيل الأموال والإثراء غير المشروع، خلال مرحلة حكمه 2009-2019.

وحسب ما هو معلن، فإن العدالة الموريتانية جمدت إلى نهاية 2022 ما مجموعه 41 مليار أوقية قديمة، أي أكثر من 100 مليون دولار، في إطار ملف العشرية، أكثر من نصفها كان من ممتلكات ولد عبدالعزيز وأفراد عائلته.

بدوره، انتقد الباحث الأكاديمي، الشنقيطي، اختزال المتابعة بتهم الفساد والمنع من السفر وغيرها في شخص الرئيس السابق، مبديا تفسيره للأمر بكون الرئيس الحالي، محمد ولد الغزواني، لا يوافق على محاكمة ولد عبدالعزيز وباقي المتهمين أو المعنيين بالفساد "خوفا من البلبلة الأمنية".

لكن، يردف المتحدث ذاته، "أقطاب النظام الحالي تحث الخطى لأجل محاكمة ولد عبدالعزيز، وقد تقررت هذه المحاكمة أواخر يناير 2023".

ويرى أن "اختزال المحاكمة في ولد عبدالعزيز، وإن كان يستحق المتابعة القضائية على ما قام به وعُرف به من فساد، إلا أنها لن تكون محاكمة شفافة، نظرا لأن العديد من المعنيين غير متهمين، وأيضا لأن فيها تصفية حسابات واضحة".

والدليل، يقول الشنقيطي، إن "لا أحد من رموز حُكم ولد عبدالعزيز طالهم النقد أو التشهير أو التضييق، رغم تورطهم معه فيما اقترف من جرائم مالية".

وتابع: "مما يعني أن الاستهداف الشخصي أمر واقع، وإن كان المطلوب اليوم ليس أن يتم تبرئته أو العفو عنه مما يتهم به، بل أن يتابع أيضا كل الذين كانوا يشاركونه الفساد وسوء الإدارة والاستهتار بموارد البلاد".

وعن إمكانية عودة ولد عبدالعزيز إلى الحياة السياسية ولا سيما بين قوى المعارضة عقب هذا التحرك الميداني والإعلامي الذي ظهر به، وفي ظل متابعته قضائيا، قال رئيس "المركز المغاربي"، ديدي ولد السالك، إن "حظوظ الرئيس السابق في العثور على مكان وسط المعارضة ضئيلة جدا، إن لم تكن منعدمة".

وفسر ولد السالك هذا الأمر لموقع "أصوات مغاربية" (مقره واشنطن) في 13  ديسمبر 2022، بـ"الأخطاء والتجاوزات الكبيرة التي ارتكبها ولد عبدالعزيز طيلة فترة حكمه".

وأشار إلى أن "الحكم القيمي لا يتوقف عند المعارضين السياسيين، بل إن شريحة واسعة من المواطنين تكن له كرها شديدا بسبب سياساته الاجتماعية والاقتصادية التي ألحقت أضرارا كبيرة بهم".

وشكك في "النوايا الحقيقية لولد عبدالعزيز ورغبته في العودة مجددا إلى ممارسة السياسة" بالقول إنه "يسعى للقيام بذلك في محاولة للتملص والهروب من المتابعات القضائية التي تلاحقه من خلال تحويل الملف من طابعه الجنائي إلى السياسي حتى يكسب تعاطف بعض الجهات في الداخل والخارج".

ويرى ولد السالك أن "فراغ الساحة السياسية من معارضة حقيقية هو عامل سمح أيضا بعودة الرئيس السابق إلى المشهد، والنظام الحالي يعد أيضا مستفيدا من ظهوره، حيث يسمح ذلك بإلهاء الشعب عن القضايا والملفات الحقيقية التي تهم البلاد".