انهيارات متزامنة.. ما سر تراجع عملات إيران ودول نفوذها أمام الدولار؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع تراجع الدينار العراقي أمام الدولار بفعل إجراءات جديدة أجبرت أميركا البنك المركزي في بغداد على اتخاذها، للحد من تهريب العملة الصعبة وغسيل الأموال، شهدت العملات المحلية في إيران وسوريا ولبنان انهيارا تاريخيا غير مسبوق أمام الدولار.

وفي 27 ديسمبر/ كانون الأول 2022 وصل سعر الصرف بالعراق إلى 1600 دينار مقابل الدولار الواحد، بعدما كان قبل شهر مستقرا عند 1480، وفي نفس اليوم تهاوت عملات دول محور إيران (سوريا ولبنان) بصورة متزامنة كأحجار الدومينو، ما أثار تساؤلات عن سر علاقتها بأزمة بالدولار بالعراق.

انهيار سريع

ومنذ سنوات تشهد إيران والنظام السوري وحزب الله في لبنان أوضاع اقتصادية مريرة، لأسباب عدة، أبرزها الحصار الأميركي وانخراطها في حروب طائفية وجرائم ضد الإنسانية في سوريا والعراق.

ففي إيران وصل سعر الصرف إلى 44 ألف تومان أمام الدولار الواحد، الأمر الذي دفع إلى استقالة رئيس البنك المركزي الإيراني علي صالح آبادي، من منصبه في 29 ديسمبر 2022.

وأكدت وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية، أنه "في اجتماع مجلس الوزراء الإيراني برئاسة إبراهيم رئيسي استقال علي صالح آبادي، وجرى تعيين محمد رضا فرزين خلفا له".

وتزامنا مع تغيير محافظ البنك المركزي، شدد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، على ضرورة التنسيق الكامل للفريق الاقتصادي الحكومي من أجل استقرار سعر الصرف والتضخم.

وأكد ضرورة استفادة المحافظ الجديد للبنك المركزي من أفكار جميع الخبراء، لافتا إلى أن السياسات المنسقة والإجراءات المتماسكة للحكومة ستؤدي إلى إحباط مؤامرات الأعداء كما في الماضي.

أما الليرة السورية فلم تكن أحسن حالا من نظيرتها الإيرانية، فقد شهدت انهيارا تاريخيا هي الأخرى، حيث وصلت إلى 7150 ليرة مقابل الدولار في 27 ديسمبر 2022.

وفي محاولة لمعالجة الأزمة، أعلن البنك المركزي السوري في 2 يناير 2023 أنه خفض سعر الصرف الرسمي للعملة المحلية إلى 4522 ليرة للدولار، في حين يبلغ سعر السوق السوداء المستخدم في معظم الأنشطة الاقتصادية أكثر بكثير، وكان السعر الرسمي السابق 3015.

وقال بنك سوريا المركزي التابع لحكومة النظام، عبر موقعه على الإنترنت، إنه رفع سعر صرف الدولار لمعاملات البدل العسكري من 2800 ليرة مقابل الدولار إلى 4500 ليرة.

وبحسب البنك، سيكون سعر صرف الدولار للحوالات الخارجية 4522 ليرة بعدما كان في السابق 3015، وبنسبة ارتفاع نحو 50 بالمئة في سعر الدولار.

وعلى صعيد مشابه، تدهورت الليرة اللبنانية إلى أدنى مستوياتها لتصل إلى 48 ألفا مقابل الدولار، في 27 ديسمبر 2022.

وللحد من انخفاض الليرة، أعلن مصرف لبنان المركزي، عن خفض حاد لقيمة الليرة إلى 38 ألف ليرة للدولار على منصته "صيرفة"، في محاولة لتخفيف انخفاض العملة إلى مستويات قياسية في السوق الموازية.

وقال البنك في بيان: "يشتري مصرف لبنان كل الليرات اللبنانية ويبيع الدولار على سعر صيرفة (عند) 38 ألف ليرة للدولار. ويمكن للأفراد والمؤسسات، ودون حدود بالأرقام، أن يتقدموا من جميع المصارف اللبنانية لتمرير هذه العمليات.. وذلك حتى إشعار آخر".

وادعى المركزي اللبناني، أن "تخفيض قيمة الليرة خلال فترة الأعياد يرجع إلى "عمليات مضاربة وتهريب الدولار خارج الحدود".

ارتباط وثيق

وبخصوص مدى ارتباط تراجع العملات المحلية في هذه البلدان مع انخفاض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار، قال الباحث في الشؤون الاقتصادية عبد الكريم الحميري لـ"الاستقلال" إن "إيران وسوريا بالدرجة الأساس ثم لبنان يعتمدون على الدولار المهرب من العراق".

وأوضح أن "أميركا تعلم بعمليات تهريب الدولار من العراق إلى هذه البلدان، لكنها أرادت أن تضع حدا لهذا ربما لأهداف سياسية، وذلك عبر وضع منصة إلكترونية يمر من خلالها كل سنت خارج من العراق، ولا بد أن يكون بوثائق استيراد حقيقية، وذلك بعد بيع البنك المركزي العراقي الدولار للمصارف وشركات الصرافة المحلية".

ولفت الحميري إلى أن "العراق يعد بمثابة الرئة التي تتنفس منها سوريا وإيران في ظل العقوبات الأميركية المشددة عليهما، إضافة إلى أن حزب الله اللبناني لديه مصالح في العراق ومتعاونين معه من المليشيات الشيعية الموالية لإيران، وهي من تهرب إليه الدولار، كونه أيضا معاقبا أميركيا".

وفي السياق ذاته، قال عضو البرلمان العراقي، مثنى أمين، إن الولايات المتحدة، بعد تأكيد دخول مبلغ كبير من الدولارات إلى إيران من العراق، طالبت البنك المركزي العراقي بمعاقبة جميع البنوك العراقية التي تتعامل سرا مع إيران.

وأضاف أمين خلال حديث لموقع "إيران إنترناشيونال" الإيراني المعارض في 29 ديسمبر 2022 إنه "مع تهريب الدولار إلى إيران، حذرت أميركا بغداد من اتفاق بقيمة أربعة مليارات دولار بين إيران والعراق".

وأشار مثنى أمين إلى أنه "إضافة إلى إيران، تم إرسال مبالغ كبيرة من الدولارات من العراق إلى سوريا ولبنان. كما أرسل العراق في عام 2022 نفطًا بقيمة نصف مليون دولار إلى لبنان مجانا".

لكن الخبير الاقتصادي اللبناني، نسيب غبريل، رأى أن إيران تخضع لعقوبات ولديهم صعوبة في تصدير النفط جراء ذلك، أما سوريا فلم تتعاف بعد من الحرب ولديها شح بالعملات الأجنبية"، مؤكدا أن "هناك ترابطا بين لبنان وسوريا من ناحية الطلب على الدولار إذ إن الأفراد يأتون لشرائه من لبنان".

وأوضح غبريل في حديث لموقع "جنوبية" اللبناني في 27 سبتمبر، أنه "لا يوجد ترابط مباشر بين المنحى التراجعي للعملات الثلاثة لـ(إيران، سوريا، لبنان)، كما أن ما يحصل في العراق محصور بالبلد ولا ينعكس على الأسواق المحلية في البلدان الأخرى".

وأكد الخبير اللبناني أن "التداعيات السياسية تنعكس على تلك البلدان، فالعقوبات في إيران لها تبعاتها والأزمة في سوريا نتائجها مستمرة كما في لبنان، حيث يستمر التأخر في تطبيق الإصلاحات وتأخير تنفيذ الاتفاق مع صندوق النقد ما يحول دون تدفق رؤوس الأموال".

رقابة أميركية

وعن أسباب تراجع الدينار العراقي الذي وصلت تداعياته إلى البلدان الثلاثة، قال البنك المركزي العراقي، إن من أسباب ارتفاع أسعار الصرف "بناء منصة إلكترونية ترفع المصارف طلبات زبائنها عبرها، والتي باشر المركزي منذ أشهر ببنائها عبر التنسيق مع الجهات الدولية لغرض إحكام وتنظيم عمليات نافذة بيع وشراء العملة الأجنبية لضمان فاعلية الرقابة عليها".

وأضاف المركزي العراقي خلال بيان له في 15 ديسمبر، أنه "تم تكليف شركة دولية متخصصة ببنائها وربط المصارف مع البنك المركزي من خلالها، وتتطلب المنصة تقديم معلومات عن الزبائن طالبي التحويل والجهات المستفيدة والمصارف المراسلة".

وتابع: "لحداثة استخدام هذه المنصة، فإن العديد من الأخطاء يجري اكتشافها مما يتطلب من المصرف إعادة تحميلها، وتأخذ تلك الإجراءات زمنا إضافيا لقبول الطلب وتمريره عبر النظام المالي العالمي".

وقبل ذلك، كان مستشار البنك المركزي العراقي، إحسان شمران الياسري قد شرح في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء العراقية "واع" في 12 ديسمبر آلية عمل منصة بيع العملات الأجنبية.

وقال "إن البنك المركزي أوجد في الآونة الأخيرة منصة لنافذة بيع العملة ترفع لها المصارف المجازة طلبات بالشراء باسم أشخاص ويتم النظر بالأسماء على مدار أسبوع ويحسم البنك موقفه قبل يوم من موعد مزاد بيع العملة المقدم للشراء فيه".

وأوضح أن ذلك يحصل "بعد تطبيقه لشروط تتضمن تقديم الأشخاص طلبات شراء دولار إلى المصارف المجازة ويثبت فيها نوع السلعة والحاجة المطلوب شراؤها وتفاصيل عن الجهة المستفيدة.

ولفت إلى أنه "يجب أن يذكر اسم البائع واسم الشخص الذي يطلب الشراء ويدخل الاسم في نظام عالمي يسمى (أوفاك) لبيان إن كان مطلوبا أو عليه إشكاليات، وكذلك يتم التواصل مع الجهة البائعة للبضاعة المستوردة للتحقق من تعاملاتها مع الشخص طالب شراء الدولار".

وزاد أن "البنك الفيدرالي الأميركي وضع شروطا مشددة في الآونة الأخيرة تلزمنا بعرض قوائم بالدولار المباع عليه تتضمن أسماء الأشخاص والجهات المستفيدة ويتم الانتظار 15 يوما لبيان موقفه من سلامة عملية الشراء للطرف مقدم الطلب، وتتوقف عملية البيع في حال اعترض البنك الفيدرالي على اسم معين كونه مطلوبا أو يوجد تشابه أسماء أو وجد شبهة بالهدف من شراء الدولار".

وكشف الياسري أن "الفيدرالي الأميركي بصدد إضافة 3 جهات رقابية على عمليات بيع الدولار للتدقيق حول وجهته بعد البيع وهم يقولون إنهم يدققون لمنع وصوله لجهات إرهابية أو محظورة".

وبسبب هذه الشروط والمحددات لا يستطيع البنك المركزي توفير الدولار لجميع من يطلبونه، ما يحدث تزاحما، يضيف المستشار العراقي.

وأكد قائلا: "نحن ملزمون ولمصلحة العراق بتطبيق هذه المعايير لمنع صدور قرار بوقف تدفق الدولار للعراق لأنه سيحدث كارثة وبيع الدولار في العراق خاضع لرقابة صارمة من الفيدرالي الأميركي لأنه الجهة المصدرة للدولار".

من جهته، شرح عضو اللجنة المالية في البرلمان العراقي النائب جمال كوجر، أن "الفيدرالي الأميركي، كان قد اتخذ قرارات خاصة بعد قضية تهريب الأموال وفساد بعض البنوك في العراق، إذ تم استبعاد سبعة بنوك من المشاركة في مزادات العملة، وفرض تشديدا أكبر على الحوالات التي لم تكن تخضع لأي تدقيق".

وزاد كوجر خلال تصريحات لقناة "الحرة" الأميركية في 16 ديسمبر، أن هناك "فقدانا للثقة والسيطرة في البنك المركزي العراقي، وهو ما تسبب في ازدهار سوق الصرافة الموازية لتخلق سوقا سوداء يستفيد منها أفراد يتحكمون في الأسعار وسط عدم التدخل بمنع مثل هذه الممارسات".

وبعد أيام من تولي مرشح الإطار التنسيقي التابع لإيران، محمد شياع السوداني الحكومة العراقية نهاية أكتوبر 2022، اضطر البنك المركزي العراقي، في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، إلى الرضوخ للمطالب الأميركية، وإيقاف التعامل بعملة الدولار مع عدة مصارف أهلية أثير حولها جدل أخيرا.

أهمها، "المصرف الأنصاري الإسلامي للاستثمار والتمويل" و"المصرف القابض الإسلامي للتمويل والاستثمار" و"مصرف آسيا العراق الإسلامي للاستثمار والتمويل" و"مصرف الشرق الأوسط العراقي للاستثمار"، وجميعها يدور حولها جدل بشأن ارتباطها بالمليشيات الشيعية الموالية لإيران.