"رؤوس خنازير".. كوريا الجنوبية تدفع الجالية المسلمة لشكايتها بالأمم المتحدة

12

طباعة

مشاركة

كان ملفتا لجوء بعض الهاربين من بطش الأنظمة في دول الربيع العربي عقب انقلابات الثورات المضادة، إلى دولة كوريا الجنوبية، رغم التعنت في قبول بعضهم كلاجئين سياسيين.

لكن هذا الأمر لم يخل من صعوبات ارتبطت بهوية هؤلاء اللاجئين وعقيدتهم، حتى أصبحت كوريا الجنوبية واحدة من الدول التي تضيق على المسلمين.

وطالبت الجالية المسلمة في كوريا الجنوبية، الأمم المتحدة في 27 ديسمبر/كانون الأول 2022 بالتدخل والمساعدة على تنفيذ أمر إحدى المحاكم المحلية عام 2020 ببناء مسجد.

ويحث الالتماس المقدم إلى الأمم المتحدة بشأن بناء المسجد، حكومة كوريا الجنوبية والسلطات المحلية على "الإدانة العلنية لجميع أشكال التمييز على أساس الدين أو العرق".

ويطالبها بتثقيف الشعب الكوري الجنوبي حول واجب الحياد الديني ومناهضة العنصرية لجميع الموظفين العموميين في منطقة دايغو.

بحسب ما نشرت وكالة الأناضول التركية في 27 ديسمبر، تقاعست السلطات المحلية عن تنفيذ حكم قضائي لصالح المسلمين ببناء مسجد معطل منذ عامين، قرب جامعة كيونغ بوك الوطنية، ولا يزال البناء معلقًا.

هذا الطلب الأول من نوعه الذي توجهه أقلية مسلمة للأمم المتحدة للمساعدة في تنفيذ حكم قضائي لبناء المسجد، فتح الباب أمام التساؤل حول حجم الجالية المسلمة هناك، والعقبات التي تواجهها.

وتاريخ كوريا الجنوبية مع الإسلام، يعود إلى منتصف القرن السابع حيث كانت التجارة مزدهرة ما بين العرب والتانغ في الصين.

ما المشكلة؟

الأزمة بدأت حين اشترى ستة مسلمين من باكستان وبنغلاديش عقارا في منطقة "دايغو" (دايهيونغ دونغ) بالعاصمة سيول، عام 2020، وشرعوا في تحويله إلى مسجد، حسبما تقول صحيفة "ذا كوريا هيرالد" 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

فكرة بناء المسجد جاءت كي يصلي فيه ما يقرب من 150 مسلما، معظمهم من الطلاب في جامعة كيونغ بوك الوطنية القريبة، حيث كانوا يصلون في منزل صغير منذ عدة سنوات، بحسب ما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مطلع مارس/آذار 2022.

كان الطلاب المسلمون يصلون في هذا المنزل القديم في دايهيون دونغ لمدة سبع سنوات، وفي أواخر 2020، بعد هدم المنزل، وبدأوا في بناء مسجد بعقار آخر، فتحول الحي إلى مركز لحملة مناهضة للهجرة.

عقب أول شكوى لسكان الحي، أصدر مكتب المنطقة أمرا إداريا في فبراير/شباط 2021 بوقف بناء المسجد، فرفع المسلمون دعوى أمام القضاء.

في ديسمبر 2021، فاز الملاك المسلمون بأمر محكمة ألغى قرار مكتب المقاطعة، وفي سبتمبر/أيلول 2022 أيدت المحكمة العليا قرار المحكمة السابق، مما مهد الطريق لبناء المسجد قانونيا.

بعد الحكم لهم، فوجئوا بأهل المنطقة المتطرفين الذين لا يملكون وسائل قانونية لمنعهم، يلجؤون إلى إجراءات فجة لطردهم ومنع بناء المسجد، رغم أنه يوجد في الحي 15 كنيسة.

بدأوا يسدون الطريق الواصل للمسجد، وتشغيل موسيقى صاخبة أثناء وقت الصلاة، ثم وضع رؤوس خنازير أمام مدخله، وإقامة حفلات شواء للخنازير ورفضت الشرطة منعهم أو إزالة الخنازير بدعوى أنه أمر يحبه السكان.

وقد حاول المسلمون تلافي حجج السكان مثل الضجيج والضوضاء وتقديم أطعمة ذات روائح شرقية يشكون من رائحتها في المناسبات الدينية، دون جدوى، حيث جرى بناء 60 بالمئة من المسجد، الذي سيبلغ ارتفاعه 20 مترا بما في ذلك المئذنة.

الجالية المسلمة قدمت اقتراحات لتخفيف مخاوفهم، مثل تجهيز المسجد بجدران ونوافذ عازلة للصوت لكن لم يجر قبول أي من اقتراحاتهم وأصروا على طردهم من الحي، بحسب ما قال معاذ رزاق وهو طالب دكتوراه يدرس علوم الكمبيوتر في جامعة كيونغ بوك لصحيفة "ذا كوريان هيرالد" 11 نوفمبر 2022.

وقالت مجموعة "فرقة العمل للتسوية السلمية" التي تدافع عن المسجد، في بيان إن السلطات المحلية "لم تلتفت إلى مطالب الجالية المسلمة بإزالة رؤوس الخنازير من الشارع الذي يستخدمه أولئك الذين يزورون موقع البناء".

واشتكى المسلمون من حالة العداء تجاههم من السكان المسيحيين المتطرفين ليس فقط بوضع رؤوس الخنازير في موقع المسجد ومنع وصولهم له للصلاة فيه، ولكن أيضا كتابتهم لافتات معادية لهم.

وصل الأمر إلى كتابة جيرانهم الكوريين على اللافتات الاحتجاجية: "المسجد سيجلب المزيد من الضوضاء ورائحة الطعام من ثقافة غير مألوفة، مما سيؤدي لهجر السكان الكوريين للمنطقة"، وفق ما نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية مطلع مارس 2022.

ورفع سكان من جماعات بروتستانتية متطرفة لافتات مليئة بخطاب الكراهية المعادية للإسلام، مثل "المسلمون يقتلون الناس بوحشية ويقطعون رؤوسهم.. اخرجوا يا إرهابيين من هذه المنطقة"، وفق وصفهم.

كما رفعوا شعارات كتبوا عليها: "الإسلام دين شرير يقتل الناس"، بحسب صحيفة "كوريان تايمز" 3 مايو/أيار 2022.

ووصف المسلمون هذه التحركات بأنها "إسلاموفوبيا"، ودعوا المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحرية الدينية إلى حث حكومة كوريا الجنوبية على التدخل، بحسب ما قال موقع South China Morning Post في 27 ديسمبر 2022.

إسلاموفوبيا وعنصرية

حين سألت صحيفة نيويورك تايمز "لي هيونج أو" أحد زعماء شبكة Refugee Out (طرد المهاجرين)، والمعارض لبناء مسجد في دايغو، عن سبب عدم ترحيبهم بالمسلمين، قال "ارتداء نسائهم الحجاب سبب كافٍ لرفض دخولهم بلادنا أبدًا".

وأضافت الصحيفة أن "أولئك الذين يعارضون بناء المسجد والهجرة على نطاق أوسع يزعمون أن تدفق الأجانب (المسلمين) من شأنه أن يهدد الدم النقي والتجانس العرقي لكوريا الجنوبية، لذلك لا يريدون الاختلاط بالآخرين"، وفق قولهم.

وسبق أن تظاهر كوريون رفضا لوجود لاجئين عرب مسلمين وهتفوا: "لا نريد المسلمين كارهي النساء حفاظا على القيم الكورية".

بحسب ما قالت نيويورك تايمز مطلع مارس 2022 كشفت أزمة بناء المسجد، زيف ما يسمي "التعددية الثقافية" في كوريا الجنوبية بسبب رفضهم الترحيب بالثقافات الأخرى خاصة المسلمين.

أوضحت أن الكوريين يتمتعون بتأثير عالمي أكبر من أي وقت مضى في العالم، حيث يتوق المستهلكون في جميع أنحاء العالم لقيادة سيارتهم وشراء هواتفها، لكن بلادهم تتصارع مع موجة شرسة من الحماسة المعادية للمهاجرين والإسلاموفوبيا. 

وتروي السيدة الكورية "سونغ بورا" التي اعتنقت الإسلام عام 2007، بعد أن قرأت عن الدين لسنوات، ووجدت أن "الإسلام هو الدين المناسب لي" كما قالت أسباب هذه العنصرية ضد الحجاب، مشيرة لمفاهيم مغلوطة لدى الكوريين.

قالت إن الكثير من الكوريين سألوها عن سبب ارتداء الحجاب؟، فهم يعتقدون أنه "يُستخدم للسيطرة على المرأة وحريتها"، وسمعت تعليقات مؤذية عن دينها بحسب موقع "ستريتس تايمز" الآسيوي 3 مايو 2021.

وأعربت عن أسفها لأن "الحجاب غالبا ما يُنظر إليه على أنه رمز للإرهاب، لذلك سُئلت عما إذا كانت تدعم تنظيم الدولة في العراق وسوريا، وما إذا كانت قد التقت بأعضائه"، وكانت ترد عليهم ضاحكة ثم توضح لهم.

ويقول "يي سوهون"، أستاذ علم الاجتماع في جامعة كيونغ بوك الوطنية، والذي يدعم بناء المسجد: "لدى الكوريين معتقدات راسخة معادية للأجانب ويرونهم أدنى منزلة منهم"، بحسب "نيويورك تايمز".

ويشير تقرير موقع "ستريتس تايمز" في 3 مايو 2021، نقلا عن مسلمين كوريين أن الشعب الكوري متحيز ضد الإسلام بسبب ما يرونه في وسائل الإعلام من اتهامات عنصرية وأخبار سلبية عن أفغانستان والعراق وأماكن الحروب.

يؤكد أن كل ما يعرفه ويسمع عنه الكوريون حول الإسلام هو كلمة "الإرهاب"، و"العنف" والحروب.

وأغضب الكوريين الذين تنطلق من بلادهم بعثات تبشيرية مسيحية، اختطاف حركة طالبان 23 مبشرا كوريا جنوبيا عام 2007، ثم إعدام اثنين منهم، قبل أن تتوصل الحكومة الكورية لاتفاق للإفراج عن الباقين.

وسيطرت هذه الواقعة وردود الفعل الغاضبة بشأنها حينئذ على عناوين الصحف لأسابيع، وخلقت انطباعا سلبيا عن الإسلام استمر حتى اليوم.

كما أثار وصول 500 طالب لجوء يمني إلى جزيرة جيجو عام 2018 أول سلسلة من الاحتجاجات المنظمة المناهضة للمهاجرين في كوريا الجنوبية. وردت الحكومة على المخاوف من إيواء طالبي اللجوء للإرهابيين بمنعهم من مغادرة الجزيرة.

وكان هناك مشروع قانون مناهضة للتمييز في البرلمان، لكنه تعطل لسنوات بسبب معارضة مجموعة ضغط مسيحية قوية، لذا لا يُمنح الأشخاص المهاجرون الحقوق نفسها مثل أولئك الموجودين في كوريا الجنوبية بشكل قانوني.

تاريخ المسلمين 

يعود تاريخ كوريا الجنوبية مع الإسلام إلى منتصف القرن السابع حيث كانت التجارة مزدهرة ما بين العرب والتانغ في الصين ومن هناك امتد هذا الرباط الثقافي والتجاري إلى هذا البلد، بحسب موقع "إسلام أون لاين".

وفي القرن التاسع اتخذ بعض تجار العرب والفرس من كوريا الجنوبية مكانا دائما لهم للإقامة وأسسوا المدن التي يطغى عليها الطابع الإسلامي، ومع مرور الزمن اندمج المسلمون مع الشعب الكوري وكان الزواج من الكوريات أهم عامل لتثبيت الإسلام.

ويبين موقع "ستريتس تايمز" في 3 مايو 2021 أنه جرى حظر الإسلام في كوريا لعدة قرون خلال عهد أسرة جوسون (1392-1910) كجزء من سياسة انعزالية.

لكن الإسلام بدأ ينتشر للمرة الأولى في شبه الجزيرة الكورية بين القرنين التاسع والحادي عشر من قبل العرب الذين يسافرون على طريق الحرير، ثم أعيد إحياؤه من قبل القوات التركية المسلمة التي بقيت بعد خوض الحرب الكورية 1950-1953.

وتطوع حوالي 15 ألف جندي تركي تحت مظلة الأمم المتحدة هناك، وبقي الكثير منهم بعد الحرب، ونشروا الدين الإسلامي بين الكوريين الجنوبيين.

في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2020، قال اتحاد المسلمين الكوريين في سيول في بيان إن عدد الذين يدينون بالإسلام في كوريا الجنوبية يزداد ارتفاعا ويبلغ أكثر من 260 ألف مسلم.

وأوضح أن من بين هذا العدد يوجد 60 ألفا من المسلمين الكوريين، بزيادة حوالي 5 آلاف خلال السنوات الـ 5 الأخيرة، وغالبية تعرفوا على الإسلام خلال إقامتهم وعملهم في دول عربية، خلال السبعينيات والثمانينيات.

 وبين الاتحاد أن كوريا الجنوبية بها حاليا 16 مسجدا و80 مصلى صغيرا، أغلبها في عاصمة البلاد والمدن الرئيسية.

والبوذية هي الديانة الرسمية في كوريا الجنوبية حيث يشكل البوذيون 52 بالمئة من عدد السكان، فيما يمثل المسيحيون 20 بالمئة أما النسبة المتبقية فلا تنتمي إلى أي ديانة.

وجرى افتتاح أول مسجد في كوريا الجنوبية عام 1955. وعام 1962 أعطت الحكومة الماليزية هبة مالية لبناء مسجد في سيول والذي جرى افتتاحه لاحقا عام 1976، في منطقة "اتايوان" التي يوجد بها الكثير من مطاعم الأكل الحلال والمتاجر الإسلامية.

في سنة 1967 اعترفت وزارة الإرشاد الكوري بالاتحاد الإسلامي في كوريا، وتبرعت الحكومة بقطعة أرض لإقامة المسجد والمركز الإسلامي الرئيس بسيول ووضع الحجر الأساسي لهذا المشروع في سنة 1971.

واليوم، يعاني طالبو اللجوء في العاصمة الكورية الجنوبية سيول، من مصاعب تواجههم من قبل السلطات ورفض منحهم اللجوء بسبب الخلفيات المعادية للإسلام هناك.

وأصبح قبول اللاجئين المسلمين والعرب في كوريا الجنوبية غير مرغوب فيه لدرجة أنه عندما منحت الحكومة حق اللجوء لـ 390 أفغانيا هاربين من طالبان عام 2021، رفضت تسميتهم لاجئين، وبدلا من ذلك أطلق عليهم "المساهمون الخاصون"، وقبلتهم لإرضاء أميركا.

وقد اعتقلت أو ضيقت سلطات كوريا الجنوبية عام 2017 على عدد من طالبي اللجوء العرب الهاربين من بطش الأنظمة القمعية وهددتهم بالترحيل، وبينهم مصريون.

رغم توقيع كوريا الجنوبية على الاتفاقية الخاصة باللاجئين، فإنها لا تقبل كل المتقدمين بطلب اللجوء، بل تنتقيهم وفق معايير، ليست إنسانية أو سياسية.