مع تغلغل فرنسا في الجيش السعودي.. ماذا يفعل "لودريان" قرب ابن سلمان؟
أثار تعيين وزير فرنسي سابق مستشارا لشركة سعودية عاملة بالقطاع الدفاعي، ومقربة من ولي العهد محمد بن سلمان، تساؤلات عن طبيعة العلاقات العسكرية المتصاعدة بين الرياض وباريس.
وفي السنوات الأخيرة، استغل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، العزلة الدولية التي فرضت على ابن سلمان عقب انكشاف دوره في مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018، في تحقيق عديد من المكاسب.
ويأتي في مقدمة هذه المكاسب، التغلغل في القطاع الدفاعي والعسكري وتوقيع صفقات أسلحة بمليارات الدولارات في السعودية التي تخوض حربا عبثية منذ سنوات في جارتها الجنوبية اليمن.
لودريان
وفي 18 ديسمبر/ كانون الأول 2022، كشفت صحيفة "إنتيليجنس أونلاين" المتخصصة في شؤون الاستخبارات، أن وزير الدفاع الفرنسي السابق "جان إيف لودريان"، تم تعيينه مستشارا لقطاع الدفاع السعودي.
وذكرت الصحيفة الفرنسية أن لودريان سيعمل مستشارا في شركة المقاولات الدفاعية السعودية "سكوبا"، وهي شركة عسكرية بارزة في السعودية مملوكة بنسبة 100 بالمئة لمجموعة "عجلان وإخوانه" الخاصة.
وتأسست الشركة في مارس/ آذار 2022، وتسهم بشكل مباشر في "رؤية السعودية 2030″ من خلال إنشاء صناعات عسكرية محلية وتحديث القوات المسلحة السعودية والوصول إلى سوق الدفاع والأمن العالمية بالشراكة مع كبرى الشركات العالمية.
وأوضحت "إنتيليجنس أونلاين" أن هذا التعيين يأتي عقب اعتزال لودريان (75 عاما) العمل السياسي في مايو/ آيار 2022، وسيسهم في تعزيز التقارب بين باريس والرياض في قطاع الدفاع.
وعمل لودريان وزيرا للدفاع في فرنسا بين عامي 2012 و2017، كما شغل منصب وزارة الشؤون الخارجية بين عامي 2017 و2022.
وأوردت الصحيفة الفرنسية أن تعيين شركة "سكوبا" لودريان مستشارا بالقطاع الدفاعي السعودي جاء في مرحلة حساسة للمصنعين الفرنسيين، وسيحاول تجاوز خسارة المجموعة البحرية الفرنسية التي منيت بها في السعودية أمام شركة "نافانتيا" الإسبانية.
وكشفت أن لودريان لم يظهر للعلن بعد تركه العمل السياسي سوى مرة واحدة فقط في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 في أبوظبي خلال منتدى دبي للحوار، لكنه فضل أن تكون وجهته الحالية إلى قطاع الدفاع السعودي".
وجود متجذر
وفي إطار تصاعد التعاون بين الجانبين، تلقى وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان في 21 ديسمبر اتصالا هاتفيا من وزير القوات المسلحة الفرنسية سيباستيان ليكورنو.
وجرى خلال الاتصال استعراض العلاقات بين البلدين، وبحث التعاون والتنسيق المشترك في المجال العسكري والدفاعي وسبل تعزيزه.
وفي مطلع يناير/ كانون الثاني 2020، برز الوجود الفرنسي المتجذر في قطاع الدفاع السعودي، كمنافس لبقية القوى الدولية الممدة للجيش السعودي بالسلاح وأنظمة الدفاع.
حينها نشرت القوات المسلحة الفرنسية منظومة رادار على الساحل الشرقي للسعودية، وفق وكالة "رويترز" الدولية.
ونقلت الوكالة عن مسؤولين فرنسيين قولهم إن "بلادهم نشرت منظومة رادار على الساحل الشرقي للسعودية لتعزيز دفاعاتها.
وجاء هذا النشر بعد هجمات على معامل عملاق النفط السعودي أرامكو، نفذتها جماعة الحوثي المدعومة من إيران.
وقال حينها الرئيس إيمانويل ماكرون في كلمة للجيش الفرنسي، إنه "في شبه الجزيرة العربية والخليج، تتصاعد التوترات، ما دعانا في زمن قياسي، لنشر قوة مهام (جاغوار) التي ستسهم في طمأنة المملكة".
ولم تكن الأنظمة الدفاعية فقط هي معرض التعاون العسكري بين النظامين، إذ أمدت باريس الرياض بأسلحة هجومية متقدمة، استخدمتها الأخيرة في حربها داخل اليمن، وهو ما كشفته وثائق دفاعية سرية مسربة.
وفي 25 سبتمبر/ أيلول 2018، كشف موقع "ديسكولز" الفرنسي، حصوله على 15 وثيقة مسربة تحمل تصنيف "الدفاع السري"، أعدها ضباط من مديرية الاستخبارات العسكرية بعنوان "اليمن.. الوضع الأمني".
وأفاد بأن هذه الوثائق السرية أرسلت إلى ماكرون، ووزيرة الدفاع فلورنس بارلي، ووزير الخارجية جان إيف لو دريان، خلال جلسة عن الحرب في اليمن عقدت في 3 أكتوبر/ كانون الأول 2018 بقصر الإليزيه.
وذكر الموقع أن الوثائق تحتوي على جداول وخرائط تكشف لأول مرة عما تحاول الحكومة الفرنسية إخفاءه عن المواطنين، أي القائمة التفصيلية للأسلحة الفرنسية المستخدمة في حرب اليمن.
كذلك أورد أن الأسلحة المستخدمة هي دبابات لوكلير، وقذائف السهم، ومقاتلات (ميراج 2000-9) ورادار كوبرا، وعربات مدرعة من طراز ارافيس، ومروحيات كوغار ودوفان ومدافع سيزار.
وهو ما عزز أن صفقات السلاح الفرنسية متنوعة ومتعددة وذات حيثية بالغة، كما أكدت وسائل إعلام فرنسية في السابق.
ورغم أن ماكرون حاول نفي تورط بلاده في الحرب اليمنية والانتهاكات الحقوقية التي تخللتها، إلا أن علاقته المتقدمة بولي العهد السعودي، عززت من فكرة التوغل الفرنسي الملحوظ في شؤون المملكة، ولا سيما الجانب العسكري.
صفقات قذرة
وتعد صفقات السلاح من أبرز خطط ماكرون التي تحكم علاقته بابن سلمان، فرغم قيام بعض الدول مثل ألمانيا بحظر تصدير أسلحتها للمملكة بسبب حرب اليمن، إلا أن باريس كانت مختلفة طوال الوقت، وفي 9 مايو/ أيار 2019، أعلنت وزارة الدفاع الفرنسية موافقتها على صفقة أسلحة ضخمة للسعودية.
وفي نفس العام أشار تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) أن مبيعات باريس من السلاح للرياض ارتفعت بنسبة 50 بالمئة.
وفي 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، أكد موقع "سبوتنيك" الروسي، أن "فرنسا والسعودية تعملان بشكل مستمر على توقيع اتفاقيات لإبرام صفقات أسلحة".
وأضاف: "بدأت فرنسا إستراتيجية جديدة لتصدير السلاح للسعودية وأبرمت عقودا ضخمة مع الشركات الفرنسية المتخصصة بتصنيع الأنظمة الدفاعية (داسو – تاليس)".
وعقدت فرنسا وحدها سنة 2019، نحو 47 عقدا لتصدير ذخيرة إلى السعودية، ومن أهم الأسلحة الفرنسية الموردة إلى المملكة، الطوربيدات وصواريخ وقذائف موجهة ومواد متفجرة أخرى.
وكان إجمالي سعر الصفقات، مليار يورو، وفي العام التالي، 2020، قفزت هذه الصفقات وتضاعفت بنسبة 40 بالمئة.
وفي 29 سبتمبر/ أيلول 2022، كشفت اللجنة الوزارية الفرنسية، لدراسة صادرات المواد الحربية (CIEEMG)، أنه بين عامي 2015 و2021، سلمت الحكومة الفرنسية، معدات عسكرية وذخائر وخدمات صيانة بنحو 9 مليارات يورو إلى السعودية.