أسوشييتد برس: "سذاجة قيس سعيد" تُنذر بانهيار اقتصادي مريع في تونس
حذرت وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية من أن جنوح الرئيس التونسي، قيس سعيد، نحو الاستبداد، لا يهدد الديمقراطية- التي كان يُنظر إليها على أنها نموذج للعالم العربي فحسب- بل إنه يدفع الاقتصاد أيضا نحو الانهيار.
وذكرت الوكالة أن صندوق النقد الدولي جمد اتفاقا، في ديسمبر/كانون الأول 2022، كان يهدف إلى مساعدة الحكومة التونسية في الحصول على قروض لدفع رواتب القطاع العام وسد عجز الموازنة العامة.
كما أن المستثمرين الأجانب يغادرون تونس، والتضخم والبطالة آخذان في الارتفاع، والعديد من التونسيين- الذين كانوا في يوم من الأيام فخورين بالازدهار النسبي لبلدهم- يكافحون الآن لتغطية نفقاتهم.
وأدت الكارثة الانتخابية، التي حدثت في 17 ديسمبر 2022، إلى تفاقم الأمور، في البلد الذي يترأسه مستبد يجنح نحو السلطوية يوما بعد يوم، حسب أسوشييتد برس.
فقد شارك 11 بالمئة فقط من الناخبين في الجولة الأولى من التصويت لاختيار برلمان جديد، يهدف إلى استبدال الهيئة التشريعية، التي حلها قيس سعيد في 2021.
وفي 25 يوليو/ تموز 2021، بدأ سعيد فرض إجراءات استثنائية منها إقالة الحكومة وتعيين أخرى وحل مجلس القضاء والبرلمان وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وتمرير دستور جديد وتبكير الانتخابات البرلمانية.
تغيير النظام السياسي
وتطالب كيانات معارضة، بما في ذلك حركة النهضة الإسلامية ذات الشعبية الواسعة، بتنحي "سعيد"، وتهدد النقابات بإضراب عام، غير أن الأخير مصمم على قلب النظام السياسي في البلاد، وفق التقرير.
وتؤكد الصحيفة أن "سعيد" صمم بنفسه الأساس الذي أجريت عليه الانتخابات الأخيرة، ليعيد هيكلة برلمان البلاد، كجزء من إجراءات واسعة تعزز سلطاته، التي يدعي أنها ستمكنه من حل الأزمات المتعددة في تونس.
غير أن خيبة أمل الناخبين من النظام الحاكم، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية الحادة، أسهمت في مقاطعة الانتخابات، وفق أسوشييتد برس.
وأعرب حلفاء تونس الغربيون، مثل الولايات المتحدة وفرنسا، عن قلقهم، وحثوا الرئيس على إقامة حوار سياسي شامل من شأنه أن ينتشل الاقتصاد من ركوده، في البلد الذي كان مهد ثورات الربيع العربي قبل 12 عاما.
أما سعيد، فقد رفض الانتقادات بشأن قلة الإقبال على التصويت، قائلا إن ما يهم حقا هو الجولة الثانية، المقرر عقدها في 19 يناير/كانون الثاني 2022.
وزعم أن إصلاحاته ضرورية لتخليص البلاد من الطبقة السياسية الفاسدة وأعداء تونس في الخارج، كما هاجم خصومه السياسيين في حركة النهضة، التي كان لها أكبر عدد من النواب في البرلمان السابق.
علاوة على ذلك، أمر سعيد باعتقال نائب رئيس الحركة، رئيس الوزراء السابق، علي العريّض، في 20 ديسمبر 2022، لتهم تتعلق بالإرهاب.
بدورها، قالت الخبيرة في الشأن التونسي وأستاذة سياسات الشرق الأوسط في جامعة نيويورك، مونيكا ماركس: "يبدو أن سعيد لا يبالي بالانتقادات الموجهة له، وعازم على شق طريقه نحو نظام سياسي جديد، متجاهلا ضعف التأييد الشعبي لقراراته".
وتابعت: "لم يطلب أي تونسي من سعيد إعادة اختراع عجلة السياسة التونسية، وكتابة دستور جديد وتعديل قانون الانتخابات".
وأكدت أن "ما يطلبه التونسيون يتمثل في حكومة أكثر فعالية، تلبي احتياجاتهم المعيشية، وتوفر قدرا من الحياة الكريمة".
وعود كاذبة
وذكرت "أسوشييتد برس" أن سعيد، وأثناء حملته الانتخابية في 2019، وعد بتحقيق استقرار اقتصادي، الأمر الذي ساعده على تأمين فوز ساحق في الانتخابات الرئاسية.
لكنه لم يقدم بعد أي خطة أو إستراتيجية للتعافي الاقتصادي، سواء على مستوى تقليل الديون، أو تأمين الأموال اللازمة لدفع إعانات الغذاء والطاقة.
وبدلا من ذلك، همش الرئيس التونسي رجال الاقتصاد في مؤسسات الدولة، ما أدى إلى تعثر ميزانيتها، وإفساد البيئة التي يتطلبها الاستثمار الأجنبي.
وخلال الأشهر الأخيرة، عانى التونسيون من ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية، ونقص في الوقود، والسلع الأساسية مثل السكر والزيت النباتي والأرز.
ووصل التضخم إلى 9.1 بالمئة، وهو الأعلى منذ ثلاثة عقود، وفقا للمعهد الوطني للإحصاء في تونس، كما بلغت البطالة نسبة 18 بالمئة، بحسب البنك الدولي.
بدوره، عزا جيف بورتر رئيس "شركة شمال إفريقيا لاستشارات المخاطر" وأستاذ العلوم السياسية بجامعة فوردهام، هذا الفشل الاقتصادي إلى "سذاجة قيس سعيد".
وقال بورتر: "يبدو أن الرئيس سعيد يفكر بشكل ساذج، معتقدا أنه إذا تمكن فقط من استكمال خارطة الطريق السياسية الخاصة به، فإن الاقتصاد سيصلح نفسه بنفسه".
وكانت الحكومة التونسية، المثقلة بالديون، قد توصلت إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض قيمته 1.9 مليار دولار في أكتوبر/تشرين الأول 2022، ما سيمكنها من الحصول على قروض من مانحين آخرين على مدى أربع سنوات.
وذلك في مقابل إصلاحات اقتصادية شاملة، تتضمن تقليص قطاع الإدارة العامة- أحد أكبر القطاعات في العالم- والرفع التدريجي للدعم، الأمر الذي من شأنه إثقال كاهل المواطنين.
وكان هذا الاتفاق ينتظر موافقةَ المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، الذي عُقد في 19 ديسمبر 2022، غير أن القرار جرى تأجيله.
وذكرت "وكالة تونس إفريقيا للأنباء" أن الحكومة وصندوق النقد الدولي اتفقا على تأجيل القرار النهائي بشأن القرض؛ بهدف منح المسؤولين التونسيين المزيد من الوقت لتقديم خطة إصلاح جديدة للاقتصاد التونسي الراكد.
ويرى بورتر أن تونس بحاجة ماسة للحصول على القرض من أجل تجنب التخلف عن سداد الديون الخارجية وتحقيق الاستقرار في الاقتصاد، مضيفا أنه "بدون تمويل صندوق النقد الدولي، ستتسارع وتيرة تدهور الاقتصاد التونسي".
تعنت وانسداد
لكن الرئيس فقد الدعم المبدئي الذي قدمته النقابة العمالية الأقوى في البلاد "الاتحاد العام التونسي للشغل"، الذي نفى أي صلة له بمشروع الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه السلطات التونسية.
وقال اتحاد الشغل، في 12 ديسمبر 2022، إنه "غير ملزَم باتفاقات لم يشارك فيها لا من بعيد ولا من قريب، فضلا عن كونها تزيد من معاناة الشعب وتضر بمصالح تونس"، محملا رئيس الدولة والحكومة "ما قد ينجر عن سياسة التعنت والانسداد".
وندد الاتحاد بما وصفها بـ"المغالطات المفضوحة الواردة على ألسنة كل من محافظ البنك المركزي ووزيرة المالية ووزير الاقتصاد والتخطيط وادعائهم تلميحا أو تصريحا بمشاركة الاتحاد العام التونسي للشغل في صياغة برنامج الحكومة".
وأكدت وكالة "أسوشييتد برس" أن القلق ينتاب المستثمرين الأجانب في تونس، إذ غادرت عدة شركات أدوية البلاد، منها، "نوفارتس"، و"باير"، و"غلاكسو سميث كلاين"؛ لأنهم لا يحصلون على مستحقاتهم المالية من الموزع الحكومي.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، قررت شركة "رويال داتش شل" النفطية، مغادرة البلاد في نهاية عام 2022،.
وهذه الشركة كانت تنشط في تونس منذ نحو 90 عاما، وتشغل حقلي غاز يشكلان 40 بالمئة من الإنتاج المحلي التونسي.
وختم بورتر بالقول إنه "على الرغم من الضجيج حول قطاع الهيدروجين في البلاد، لم تُتخذ أي خطوات لجذب المستثمرين".
وأرجع السبب في ذلك إلى أن "تحركات قيس سعيد السياسية أصابت مؤسسات الدولة بالشلل".
وترى قوى تونسية أن إجراءات سعيد الاستثنائية تمثل "انقلابا على دستور 2014 وترسيخا لحكم فردي مطلق"، بينما ترى قوى أخرى أنها "تصحيح لمسار ثورة 2011" التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي.
أما سعيد، الذي بدأ عام 2019 فترة رئاسية تستمر خمس سنوات، فقال أكثر من مرة إن إجراءاته قانونية وضرورية لإنقاذ تونس من "انهيار شامل"، وفق زعمه.