"جحر الأفاعي".. الغارديان: هذه دوافع التفاف فقراء بيرو حول رئيسهم المعزول

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تتجه أنظار العالم إلى غربي أميركا اللاتينية، حيث دولة بيرو بعد إزاحة الرئيس اليساري بيدرو كاستيو عن منصبه من قبل البرلمان في 7 ديسمبر/ كانون الأول 2022، وتوقيفه بأمر من النيابة العامة في البلاد.

ورأت صحيفة الغارديان البريطانية، أن السر وراء تواصل احتجاجات فقراء بيرو ضد قرار عزل كاستيو "رغم انقلابه"، يرجع إلى "بغضهم برلمان البلاد المتواطئ مع جماعات الضغط وأصحاب المصالح الخاصة".

نهاية مأساوية

ومنذ الإطاحة بكاستيو، اندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، حيث أغلق المتظاهرون الداعمون له الطرق وأوقفوا المطار في أركويبا، ثاني أكبر مدينة في بيرو.

وقادت حالة التوتر التي عمت البلاد شركات الطيران لإلغاء رحلاتها إلى أركويبا، وإلى كوسكو، عاصمة السياحة في بيرو.

وبعد تحفظ النيابة العامة على كاستيو، الذي حكم البلاد لمدة 17 شهرا فقط، اندلعت التظاهرات في المناطق الفقيرة في جنوب بيرو، لكنها بمرور الوقت امتدت لتشمل شمالي وشرقي البلاد.

وتشوب تلك الاحتجاجات أعمال تخريب ونهب واسعة النطاق، حيث أُحرقت مراكز الشرطة، ومقرات للنيابة، ومكاتب للضرائب، حسب الصحيفة البريطانية.

كما لقي سبعة متظاهرين على الأقل– منهم خمسة فتيان- مصرعهم، متأثرين بإصابات بأعيرة نارية في اشتباكات مع الشرطة، ستة منهم في مدينة أنداهوايلاس الجنوبية، التي أصبحت بؤرة الاحتجاجات.

وفي 14 ديسمبر 2022، أعلن وزير الدفاع ألبرتو أوتارولا، حالة الطوارئ لمدة 30 يوما بسبب "أعمال التخريب والعنف وقطع الطرق".

وأوضح أوتارولا أن الإجراء يشمل "تعليق حرية الحركة والتجمع"، ويمكن أن يشمل أيضا حظر التجول ليلا".

وتشير الصحيفة البريطانية إلى أن الأزمة بدأت مع قرار كاستيو حل البرلمان، الذي كان مجتمعا للتصويت على عزله، بتهمة "العجز الأخلاقي" والتورط في قضايا فساد.

وفي خطاب متلفز إلى الأمة، أعلن الرئيس– البالغ من العمر 53 عاما- حلّ البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وفرض حظر تجول، مشيرا إلى أنه سيحكم بمراسيم تشريعية، إلى حين إجراء انتخابات تشريعية مبكرة.

ولكن في غضون ساعات، انهارت محاولة كاستيو غير القانونية للسيطرة على البلاد، حسب وصف صحيفة الغارديان.

فقد تخلى عنه وزراؤه المقربون فور حله للبرلمان، واستنكروا انقلابه على القانون، ثم تبعهم حلفاؤه السياسيون، والقوات المسلحة والشرطة وحتى محاميه.

وحاول كاستيو تقديم طلب للجوء في السفارة المكسيكية، لكن حرسه الأمني حوّل مسار سيارته إلى مركز للشرطة، حيث تم اعتقاله واتهامه فيما بعد بـ"التمرد".

وبالتزامن مع اعتقال كاستيو، وفي جلسة على الهواء مباشرة، أعلن البرلمان رفضه لقرار الرئيس بحله، وصوت بأغلبية 101 من النواب على عزل كاستيو من منصبه، مع اعتراض 6 أعضاء وامتناع 10 عن التصويت.

وأدت دينا بولوارت، نائبة الرئيس، اليمين الدستورية كبديل له، بينما نُقل كاستيو إلى سجن بارباديلو، في قاعدة للقوات الخاصة بالعاصمة ليما.

وهو المكان نفسه الذي يقضي فيه الرئيس السابق ألبرتو فوجيموري (1992-2000) أحكاما بالسجن لارتكاب جرائم ضد الإنسانية واتهامات بالفساد.

هل كان انقلابا؟

وادعت الغارديان أن الكثير من مواطني بيرو يصفون إقدام كاستيو على حل البرلمان بأنه انقلاب، شبيه بالذي نفذه الرئيس ألبرتو فوجيموري عام 1992.

إذ اتخذ فوجيموري حينها قرارا مثيلا "بحل البرلمان بشكل مؤقت"، وسرعان ما أحاطت الدبابات بمبنى البرلمان، ليحوز الرئيس بتلك الخطوة سلطات مطلقة.

واستمر فوجيموري في اعتقال الصحفيين وقادة المعارضة، وفرض الرقابة على الصحف ومحطات التليفزيون، ليؤسس نظاما استبداديا استمر لما يقرب من عقد من الزمان.

وترى الصحيفة أن كاستيو حاول اتباع الخطة ذاتها، غير أن تنفيذه لها كان "مهزلة"، للدرجة التي دفعت المحلل السياسي، إيفان لانيغرا، بالقول إن "بيدرو كاستيو كان ديكتاتورا لمدة ساعتين فقط".

"وبالنسبة لكثيرين، فإن هذه النهاية كانت مناسبة للفترة الكارثية التي ترأس فيها كاستيو البلاد، فقد استعان بحوالي 80 وزيرا"، ما يدل على عدم استقرار حكومته.

كما واجه كاستيو – الذي عمل مدرسا في السابق- اتهامات بالفساد، ينظر المدعي العام في ستٍ منها، وفق الصحيفة.

ورغم تصريح خبراء دستوريين بأن إعلان كاستيو حل البرلمان كان انتزاعا غير قانوني للسلطة، فإن حكومات الأرجنتين وبوليفيا وكولومبيا والمكسيك رفضت الاعتراف بـ"بولوارت" كرئيسة شرعية لدولة بيرو.

وتؤكد الغارديان أن محاولة كاستيو للاستيلاء على السلطة لم تشفع لتقليل الغضب الشعبي المترتب على الإطاحة به، والتي أحدثت صدمة في معاقله بجبال الأنديز الريفية، والأحياء الفقيرة في العاصمة.

وأوضحت أن أنصاره يعتقدون أن "البرلمان البغيض" انقلب على زعيمهم، ابن القرية ونجل الفلاحين الأميين، وأول فرد من فقراء الريف يصل لرئاسة بيرو.

مفارقة بيرو

ويفسر أستاذ علم الاجتماع بالجامعة البابوية الكاثوليكية في بيرو، عمر كورونيل، هذا التأييد بالقول إن هناك "رغبة لدى البعض في تصديق كاستيو".

وتابع: "من الأسهل تصديق السجين كاستيو، أو الشهيد كاستيو، مقارنة بكاستيو المحاط بجميع أنواع الاتهامات بالفساد".

وتتوقع الغارديان أن تتلاشى الاحتجاجات في نهاية المطاف مع نفاد الموارد، واقتراب عطلة عيد الميلاد.

وادعت الصحيفة البريطانية أن المتاريس المنتشرة في الشوارع تتسبب في ارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل أكبر، مثل الأرز وزيت الطهي والقمح.

لكنها تؤكد أن المشاكل الأساسية التي حركت الاضطرابات لن تختفي، فلا تزال هناك فجوة رهيبة بين العاصمة القوية ليما، وكثير من أنحاء البلاد التي ارتبطت بكاستيو.

فالمواطنون في هذه المناطق يشعرون بالإهمال من قبل مؤسسات الدولة، بل ومن البرلمان نفسه، الذي لا يحظى بشعبية كبيرة، حسب التقرير.

إذ ينظر جزء كبير من شعب بيرو إلى برلمان بلادهم على أنه جحر الأفاعي، الذي تعشش فيه جماعات الضغط الفاسدة، وأصحاب المصالح الخاصة.

وأشارت إلى أن الرئيسة الجديدة ربما تكون قد اختارت بعض الوزراء الأكفاء، غير أن الأزمة السياسية تجاوزت التحديات التي تخص معيشة المواطن اليومية.

وقد تجد بولوارت نفسها في أي وقت في مواجهة نهاية مأساوية بالتصويت على عزلها من السلطة، وفق الغارديان.

وتضيف الصحيفة البريطانية أنه "لطالما تحدث المحللون عن مفارقة بيرو، التي تتمثل في وجود استقرار اقتصادي برغم انعدام الاستقرار السياسي، لكن ربما يصبح هذا شيئا من الماضي".

"فالنظام السياسي المعطل في بيرو سيؤدي حتما إلى انخفاض الاستثمار الأجنبي، الذي يعتمد عليه الاقتصاد بشدة، وعلى هذا، فقد يزداد الوضع سوءا"، تختم الغارديان.