صحيفة روسية: الصين غير مستعدة لأداء دور أميركا في الشرق الأوسط
سلطت صحيفة روسية الضوء على مجريات ونتائج الزيارة "التاريخية" التي أجراها الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى السعودية، خلال الفترة ما بين 7 و9 ديسمبر/ كانون الأول 2022.
ورأت صحيفة "إزفيستيا" أن هذه الزيارة "جعلت من البلدين شريكين إستراتيجيين شاملين بشكل رسمي".
وأشارت إلى "تصريح الرئيس الصيني، الذي قال فيه إن هذه حقبة جديدة في تطور الصداقة بين بكين والدول العربية".
وذكرت أن "هذا التصريح يعني أن دول الشرق الأوسط تعتزم تنويع علاقاتها الخارجية، لتشمل كذلك التقارب مع المنافس الرئيس والخصم الأساسي للولايات المتحدة الأميركية".
عصر جديد
وقالت إزفيستيا: "في الواقع، لطالما كانت العلاقات بين الصين والسعودية جيدة للغاية، وذلك بسبب العلاقات التجارية والاقتصادية التي تجمع البلدين".
وأوضحت أن "السعوديين كانوا موردا رئيسا للنفط بالنسبة لبكين التي تفتقر لموارد الطاقة الخاصة بها".
كما احتلت الصين مركز الشريك التجاري الأول للسعودية خلال السنوات الخمس الأخيرة، إذ كانت الوجهة الأولى لصادرات المملكة ووارداتها الخارجية منذ عام 2018.
وحسب مقال كتبه الرئيس الصيني لإحدى الصحف السعودية، فقد "حان الوقت لتوارث الصداقة الممتدة لآلاف السنين، والعمل سويا على خلق مستقبل أفضل".
ورأى أن هذه الزيارة "ستفتح عصرا جديدا للعلاقات بين الصين، وبين العالم العربي ودول الخليج".
وبهذه النية، توجه شي جين إلى الرياض، في 7 ديسمبر/ كانون الأول 2022، ليس فقط ليلتقي بالعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان، ولكن أيضا للمشاركة في القمة الخليجية الصينية للتعاون والتنمية، والتي شارك فيها قادة دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك المشاركة في القمة العربية الصينية للتعاون والتنمية.
وهو ما جعل هذه الزيارة ومجرياتها "أرفع حدث دبلوماسي" يُعقد بين الصين والعالم العربي منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، بحسب الصحيفة الروسية.
وصرحت وزارة الخارجية الصينية أن هذه الزيارة "ستكون علامة فارقة في تاريخ العلاقات الصينية العربية".
وإظهارا لمدى الود والصداقة بين الجانبين، السعودي والصيني، كتب المتحدث باسم الخارجية الصينية، وانغ وين بين، على منصات التواصل الاجتماعي، قبيل الزيارة، الحديث المأثور عن الرسول ﷺ: "اطلبوا العلم ولو في الصين".
مفارقة شي جين وبايدن
مقابل ذلك، سلطت الصحيفة الروسية الضوء على الاستقبال الحافل الذي نظمه السعوديون للرئيس الصيني، حيث استقبلت طائرات الرئاسة الصينية في الجو بأربع طائرات مقاتلة تابعة لسلاح الجو السعودي.
وبعد هبوطها، حلقت سبع طائرات سعودية حولها، تاركة خلفها ألوان العلم الصيني، تزين سماء الرياض.
وبعد هذا الاستقبال الفخم، منحت جامعة الملك سعود درجة الدكتوراه الفخرية للرئيس الصيني.
وأشارت الصحيفة إلى "التناقض الحاد" بين الطريقة التي استُقبل بها الزعيم الصيني، وتلك التي قوبل بها الرئيس الأميركي، جو بايدن، أثناء زيارته للرياض، في يونيو/ حزيران 2022.
ولاحظت وسائل الإعلام الأميركية هذه المفارقة، حيث قارنت شبكة "سي إن إن" بين استقبال بينغ، وبايدن الذي استقبله ولي العهد السعودي بسلام فاتر، دون مصافحة يد، ثم أحرجه علنا بإعلانه زيادة محدودة في إنتاج النفط، ثم ما لبث أن قرر السعوديون لاحقا تخفيض إنتاجهم النفطي.
وأشارت "إزفيستيا" إلى أن زيارة بينغ للسعودية "لم تكن ثرية من حيث حفاوة الاستقبال أو فخامة الترحيب فقط، بل كانت ثرية كذلك من حيث المضمون".
ووقع الطرفان اتفاقية شراكة إستراتيجية شاملة، كما اتفقا على عقد اجتماعات بين رئيسي البلدين كل عامين.
كذلك أعلنت وسائل الإعلام السعودية الحكومية توقيع 34 اتفاقية استثمار خلال الزيارة، في مجالات الهيدروجين الأخضر وتكنولوجيا المعلومات والنقل والبناء.
وشملت الاتفاقيات، التعاون في مجالات تقنيات الحوسبة السحابية وبناء مراكز التكنولوجيا الفائقة، بمشاركة مجموعة "هواوي" الصينية، علاوة على أن بكين ستقوم ببناء شبكات 5G في بعض دول الخليج، رغم التخوفات الأميركية.
وفوق ذلك، اتفق الطرفان على توسيع التعاون في سلاسل إمدادات الطاقة، من خلال إنشاء مركز إقليمي للمصانع الصينية، يتخذ من السعودية مقرا له.
ورجحت الصحيفة بأن الطرفين تباحثا حول إمكانية التحول إلى التعامل النقدي بالعملات المحلية في التبادل التجاري بينهما، لا سيما في مدفوعات إمدادات النفط.
ورغم أنه لم يتم الإعلان عن أي تفاصيل بهذا الشأن عقب الزيارة، لكن الصحيفة رجحت ذلك، استنادا إلى أن كثيرا من المحللين توقعوا أن هذه القضية ستكون حاضرة بشكل أساسي على الطاولة.
دور البديل
وترى "إزفيستيا" أن "ذروة نجاح الزيارة" هو اتفاق الطرفين على التنسيق المشترك بين أجندة الإصلاح السعودية "رؤية 2030" -والتي تسمح للمملكة بتنويع مصادر دخلها، وعدم الاعتماد بشكل أساسي على عائدات النفط فقط-، ومبادرة الصين العالمية "الحزام والطريق"، التي تسبب إزعاجا للأميركيين منذ فترة طويلة.
وتقوم المبادرة الصينية على أنقاض طريق الحرير القديم، وتهدف إلى ربط الصين بالعالم عبر استثمار مليارات الدولارات في البنى التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية، ليكون بذلك أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية، ويشمل ذلك بناء مرافئ وطرقات وسكك حديدية ومناطق صناعية.
ورأت الصحيفة الروسية أن "الزيارة لم تكن فقط إشارة إضافية على رغبة الرياض -التي لا تزال المستورد الرئيس للأسلحة الأميركية- في تنويع علاقاتها الخارجية، لكنها كانت كذلك دليلا على رغبتها بتجاوز التعاون التقليدي مع الصين في مجالات التجارة والطاقة، وتطوير هذا التعاون للشراكة في مجال التعاون العسكري".
وبالعودة بالزمن إلى الوراء قليلا، وتحديدا إلى عام 2017، حيث اتفقت الرياض وبكين على إنشاء مصنع لإنتاج طائرات بدون طيار، مقره الشرق الأوسط.
ووفقا لمعلومات غير مؤكدة أوردتها الصحيفة، فقد اشترى السعوديون بالفعل، خلال العام 2022، أسلحة صينية قيمتها 4 مليارات دولار، وتشمل مسيرات عسكرية وصواريخ مضادة للسفن وأنظمة ليزر مضادة للطائرات المسيرة.
وفي 2021، أعلنت مصادر استخباراتية أميركية أن الصين تساعد المملكة في تطوير صواريخها الخاصة.
وذكرت الصحيفة أن "زيارة الرئيس الصيني للمنطقة، أظهرت أن السعوديين، ومعهم دول الشرق الأوسط كافة، ينوون تنويع علاقاتهم الخارجية، والتقارب مع المنافس الرئيس للولايات المتحدة".
ولفتت إلى أن "الصين غير مستعدة بعد لتقوم بدور بديل للولايات المتحدة في المنطقة، فليس لديها الجهوزية للعمل كلاعب عسكري وسياسي كامل في منطقة الخليج، وإعطاء ضمانات أمنية للممالك الخليجية، والدول العربية بشكل عام".
وختمت الصحيفة مقالها بالقول: "السعودية وجيرانها يفضلون التوازن في العلاقات بين واشنطن وبكين، حتى لا يتم سحبهم عنوة إلى المواجهة المرتقبة بين القوتين العظميين".