هتاف الحوثيين "الموت لأميركا".. لماذا لم يعد ينطلي على الشعب اليمني؟
معلومات مفاجئة كشف عنها رئيس مجلس النواب اليمني سلطان البركاني، في 4 ديسمبر/ كانون الأول 2022، بشأن دعم أميركا لجماعة الحوثي والضغط على الحكومة اليمنية لتوقيع الاتفاقيات مع المليشيا.
وأوضح البركاني أن توجيهات أميركية منعت تقدم الجيش اليمني والمقاومة الشعبية، نحو العاصمة اليمنية صنعاء وتحريرها من أيدي مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، بعد الوصول إلى مشارفها مطلع عام 2016.
وهاجم البركاني أميركا، واتهمها بالتواطؤ لصالح الحوثيين طيلة سنوات الحرب، واصفا "اتفاق السويد" المبرم برعاية غربية بين الحكومة اليمنية والحوثيين أواخر عام 2018 بـ"وثيقة الغدر، ولعنة ستوكهولم"، التي أنقذت المليشيا.
معلومات صادمة
وفي كلمة ألقاها بمدينة "المخا" الساحلية، بمناسبة إحياء الذكرى الخامسة لانتفاضة 2 ديسمبر، قال البركاني إن "هذه الدول تنقذ مليشيا الحوثي، كلما أشرفت على الزوال، من ستوكهولم إلى فرضة نهم".
وانتفاضة 2 ديسمبر أطلقها الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح عام 2017، وراح ضحيتها بعد أن اغتاله الحوثيون الذين تحالف معهم عند إسقاطهم للعاصمة عام 2014، بعد 4 أيام من المعارك العنيفة بين الحوثيين والقوات الموالية لصالح وسط صنعاء، أسفرت عن مئات القتلى والجرحى من الطرفين.
وقال البركاني: "حينما كان الجيش الوطني يحقق الانتصارات ويزحف على صنعاء "من نهم"، أبلغ السفير الأميركي آنذاك رئيس الوزراء السابق الدكتور أحمد بن دغر، بأن صنعاء خط أحمر".
وكانت قوات الجيش والمقاومة الشعبية قد تقدمت مطلع عام 2016 وبإسناد من التحالف السعودي الإماراتي إلى مشارف صنعاء في مديرية نهم، لتتوقف المعارك هناك قبل أن تتراجع نحو مأرب مطلع 2020، بعد هجوم حوثي واسع وأوامر عليا لقوات الجيش بالانسحاب.
وأشار رئيس البرلمان اليمني إلى تدليل المجتمع الدولي لمليشيا الحوثي، وقال: "ها هم اليوم يمدون الحوثي بكل سبل النجاة بالرغم أنه لم ينفذ بنداً واحداً من اتفاق ستوكهولم".
ومضى البركاني يقول: "لم نسمع لأصدقائنا في الغرب موقفاً صادقاً يكبح جماح المستهتر والمتخلف، بل على العكس يدللونه رغم أنه جعل اتفاق ستوكهولم مجرد ورقة بأيدينا فسقطت".
ووقع الحوثيون اتفاق ستوكهولم مع الحكومة اليمنية في 13 ديسمبر 2018، الذي أوقف تقدم القوات الحكومية نحو مدينة الحديدة الإستراتيجية على البحر الأحمر بعد أن كانت القوات على مشارفها.
وتضمن الاتفاق صفقة لإخلاء مدينة الحديدة من السلاح، بالإضافة إلى آلية لتبادل الأسرى، وتفاهم لتهدئة القتال في محافظة تعز (وسط) وفتح طرقها.
لكن الحوثيين تنصلوا من التزاماتهم بشأن فتح الطرق وإخلاء المدينة من المظاهر المسلحة، واكتفوا بصفقة تبادل أسرى مع القوات الحكومية في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، بوساطة الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
دوافع وأهداف
وأشار رئيس البرلمان اليمني إلى أن "الرهان على السلام الضائع ليس سوى زيادة في المعاناة للشعب اليمني، فالمليشيات الحوثية ليست شريك سلام".
وأكد أن "تحريك جميع الجبهات هي الطريقة الوحيدة، وتطهير الحديدة من رجس الوثنية الإيرانية وخبث السلالية المقيتة صار أمرا حتميا مثله مثل تعز، والضالع، وإب، والبيضاء، ومأرب، وصعدة، والجوف، وصولاً إلى صنعاء".
وفي تحليله لخطاب البركاني قال الباحث اليمني عادل دشيلة، إن "رئيس البرلمان يريد أن يرسل رسالة للداخل اليمني مفادها أن شعار الموت لأميركا الذي ترفعه جماعة الحوثي ما هو إلا مجرد شعار يُرفع ولو كان هذا الشعار حقيقياً ما وقف الأميركيون ضد الجيش اليمني ومنعوا اقتحام صنعاء".
وأضاف لـ"الاستقلال" أن " تصريحات البركاني أظهرت لنا أن قرار السلم والحرب ليس بيد الحكومة اليمنية وليس بيد التحالف وأن المصالح الدولية هي من تستطيع وقف الحرب في اليمن".
وعلى المستوى الإقليمي، يوضح دشيلة، أن هذه التصريحات أظهرت لنا أن الحكومة اليمنية لم يكن لها من الأمر شيء وأن الإقليم هو المسيطر على القرار اليمني.
ورأى الباحث اليمني، أن "هذه التصريحات لا تسمن ولا تغني من جوع ولن تنهي انقلاب مليشيا الحوثي ولا حتى تؤثر على سير الحوار والمفاوضات مع الحوثيين".
واستدرك بالقول: "لو كانت التصريحات قبل اليوم حينما تم إيقاف تقدم الجيش باتجاه صنعاء من خلال اجتماع البرلمان اليمني وإلقاء بيان واضح وصريح للشعب لكان أقوى من هذا التوقيت".
وبين أن "التصريح جاء في وقت متأخر بعد أن تعثر تمديد الهدنة في ظل الضغوط التي تمارس على الحكومة بضرورة تقديم المزيد من التنازلات لجماعة الحوثي، للمضي قدما في تمديد الهدنة والبحث في العملية السياسية المستقبلية".
وخلص دشيلة إلى أن "اللعبة ليست بيد اليمنيين، وأن القوى الإقليمية المنخرطة في الصراع اليمني لها دور كبير فيما يحدث في اليمن، وهي من تمتلك قرار السلم والحرب لا القوى اليمنية بما في ذلك الحكومة ومليشيا الحوثي".
تواطؤ دولي
وأخفق المجتمع الدولي في الضغط على الحوثيين لتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي، وعلى رأسها القرار 2216، الصادر في 14 أبريل/ نيسان 2015، بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
ويدعو القرار الحوثيين إلى الخروج من المدن والمناطق التي استولوا عليها بما فيها صنعاء، والامتناع عن أية استفزازات أو تهديدات للدول المجاورة.
بالإضافة إلى الإفراج عن وزير الدفاع اليمني اللواء محمود الصبيحي وجميع السجناء السياسيين والأشخاص الموجودين تحت الإقامة الجبرية والموقوفين تعسفيا، وهي البنود التي رفضها الحوثيون حتى اليوم ولم يتم تنفيذ أي منها.
وأسهم التواطؤ الدولي مع مليشيا الحوثي في تعقيد المشهد اليمني وتحويله إلى حالة مستعصية على الحل أو الحلحلة.
وهو ما تجلى في هجمات الحوثيين على موانئ تصدير النفط في أكتوبر ونوفمبر 2022، وقبلها عروضهم العسكرية في صنعاء والحديدة خلال فترة سريان الهدنة الأممية التي انتهت في 2 أكتوبر 2022.
فبعد 7 سنوات من الحرب المدمرة في البلد المنهك، يبدو الأمر وكأن العالم إزاء خصمين متعاركين تم تكبيل أحدهما وترك الآخر حرا طليقا ليواصل تسديد اللكمات لخصمه المقيد، وسط همسات استنكار وإدانة لا تغير من الواقع الأرض.
وبعد الحجة التي تذرع بها الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لوقف تحرير الحديدة، بأن تحرير الميناء سيؤثر على المساعدات الإنسانية التي يحتاجها نحو 20 مليون يمني.
زاد الوضع الإنساني تدهوراً بسبب عدم التزام مليشيا الحوثي بصرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها، من عائدات سفن المشتقات النفطية الواصلة عبر ميناء الحديدة الخاضع لسيطرتها بموجب اتفاق ستوكهولم.
ويحكم الحوثيون في مناطق يسكن فيها قرابة 15 مليون نسمة يمثلون 50 بالمئة من إجمالي سكان البلاد.
فيما تسيطر الحكومة على مناطق يعيش فيها نحو 12 مليونا بنسبة 40 بالمئة، وبقية المناطق يقطن فيها قرابة 3 ملايين نسمة يمثلون 10 بالمئة من السكان، وهي تحت نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا.
علاقة ملتبسة
وتثير الكثير من الدلالات والوقائع علامات استفهام حول العلاقة الملتبسة بين الحوثيين وأميركا، فالمعروف أن المليشيا تناصب واشنطن العداء، كما يبدو واضحا من خلال خطابها وأدبياتها وشعارها الذي يدعو بالموت لأميركا.
لكن تخادم مليشيا الحوثي والولايات المتحدة منذ سيطرتها على صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، وتنفيذها لأعمال عسكرية تدخل ضمن المصالح الأميركية يشير إلى وجود علاقة واقعية بين الطرفين.
فالمليشيا التي ترفع شعار "الموت لأميركا، الموت لإسرائيل"، فتحت الطرق بعد سيطرتها على الدولة أمام العربات المصفحة التي أقلت طاقم السفارة الأميركية بصنعاء إلى المطار ولم تعترض سيرهم، وتسلمت منهم السيارات الدبلوماسية.
وعند اجتياحهم لمناطق "قيفة" بمحافظة البيضاء مطلع 2017، ساند طيران الدرون الأميركي الحوثيين بغارات جوية على مواقع القبائل بحجة محاربة تنظيم القاعدة.
وعقب صعود بايدن للبيت الأبيض، أجرت الإدارة الأميركية مراجعة شاملة وإعادة تقييم لعلاقاتها مع السعودية، أدت إلى التراجع عن بعض صفقات السلاح، ووقف تقديم المعلومات الاستخباراتية للتحالف الذي تقوده المملكة في اليمن.
بالإضافة إلى إلغاء قرار إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بتصنيف مليشيا الحوثي على أنها منظمة إرهابية أجنبية.
لكن هذه الخطوات لم تدفع الحوثيين لتقديم تنازلات حقيقية باتجاه السلام، حيث شككوا في جدية الولايات المتحدة بوقف دعمها العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية.
ويرى خبراء أن الحوثيين استمدوا جزءا هائلا من قوتهم من ضعف خصومهم أو ارتباكهم وأحيانا من خلال الرسائل الخاطئة التي بعثت بها واشنطن.
والتي بدأت بشطب الحوثيين من قائمة الجماعات الإرهابية في فبراير/ شباط 2021، دون أي مقابل، وانتهت بالانسحاب الأميركي المذل من أفغانستان والذي عزز نموذج الاستهتار بقوة المجتمع الدولي وإمكانية كسرها على صخرة التصلب الأيديولوجي.
ومازال التدخل الإقليمي والدولي هو العامل الرئيس في الحرب الجارية في اليمن منذ 8 سنوات، وفي تحديد أهدافها ورهاناتها والمخرج منها.
وهو الأمر الذي أدى إلى إطالة أمد الحرب وتفاقم الأزمة الإنسانية في البلد المنهك، الذي أصبح 80 بالمئة من سكانه البالغ عددهم 30 مليونا، بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة بحسب الأمم المتحدة.
المصادر
- البركاني يدعو القوى الوطنية وكافة أبناء الشعب اليمني إلى وحدة الصف لإسقاط الانقلاب الحوثي الإرهابي
- خفايا التعاون الأمريكي مع جماعة الحوثيين
- سياسة أمريكية جديدة باليمن.. لتخفيف توترات وإنهاء انتقادات (تقرير)
- قبيل انقضاء الهدنة.. ما تأثير زيارة بايدن للسعودية على ملف الأزمة اليمنية؟
- بنود القرار الأممي رقم 2216 حول اليمن