خارج الثكنات.. ما أوجه التشابه بين الجيش الجزائري ونظيره المصري؟

12

طباعة

مشاركة

منذ عقود، لم يغب نفوذ الجيش الجزائري عن الحياة السياسية بالبلاد، خصوصا بعد إلغاء نتائج انتخابات عام 1991 التي فازت بها "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" برئاسة عباسي مدني، وأعقبتها حرب أهلية وسيطرة عسكرية.

وهذا الوجود بات يتوغل في مفاصل الدولة في السنوات الأخيرة بعدما نجح الجيش في إجهاض الحراك الشعبي الذي اندلع 2019 وأطاح بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وكان أهم مطالبه دولة مدنية وتقليص نفوذ العسكر.

لكن على عكس المراد، بات الجيش الجزائري بجانب نفوذه العسكري والسياسي، ينخرط رويدا رويدا في الحياة الاقتصادية، كما يسعى أخيرا للتدخل في تشكيل العقل الجزائري عبر التوجيه الديني والإعلامي.

توغل لافت

وفي 3 و4 ديسمبر/ كانون الأول 2022، نظمت قيادة أركان الجيش الجزائري ملتقى حول التطرف الديني لاستعراض "جهود الدولة في الحرب على الإرهاب ميدانيا وفكريا، وتجفيف المنابع الأيديولوجية للظاهرة"، ما عده كثيرون تحولا لافتا في مهام المؤسسة.

الملتقى الذي عقد بعنوان "جيوسياسية التطرف: المنطلقات والتهديدات والتحديات وآليات المجابهة"، نظمه الجيش برعاية الرئيس عبد المجيد تبون بمعهد الدراسات العليا في الأمن الوطني الجزائر، وفق وزارة الدفاع الجزائرية.

وتناول الملتقى "الآليات الدستورية والقانونية والإعلامية والدينية الكفيلة بالوقاية من ظاهرة التطرف بمختلف أشكاله، واستعراض التجربة الجزائرية في التعامل مع هذه الظاهرة".

وكذا دور الإعلام في التصدي للتطرف الديني، ووضع تصور شامل لأبعاد ظاهرة التطرف والآليات الكفيلة بمكافحتها والوقاية منها، في محاولة واضحة لشيطنة التيارات والأحزاب الإسلامية ونعتها بالتطرف لحصارها شعبيا.

وفي كلمته بالملتقى، ركز قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أول سعيد شنقريحة على "إفشال الإستراتيجيات الخبيثة التي استهدفت كيان الدولة" وشدد على انتصار الجيش علي "عشرية الإرهاب" منذ 1992، رغم أن انقلاب الجيش على الديمقراطية وما تبعه من عنف كان السبب فيها.

وكان هذا الملتقى شبه السياسي البعيد عن دور الجيش التقليدي هو الثاني الذي تنظمه المؤسسة العسكرية خلال أسبوع واحد.

إذ سبقه ملتقى آخر حمل عنوان "دور الإعلام في الحفاظ على الذاكرة الوطنية" وعبر عن رسائل مبطنة للدوائر السياسية والإعلامية.

وتعليقا على هذا التطور، أكدت صحيفة "العرب" اللندنية، أن "الجيش الجزائري يسير نحو استنساخ تجربة نظيره المصري في توسيع نفوذه ومهامه داخل مفاصل الدولة".

وأضافت أنه يبدو أن الجيش الجزائري بصدد توسيع حضوره ومهامه لتشمل مختلف القضايا والملفات، رغم ما يثار حول ما يعرف بتغوّل المؤسسة العسكرية والاستحواذ على دور المؤسسات الأخرى، بينما تراه هي انفتاحا على المجتمع وإسهاما إيجابيا في بنائه".

وأوضحت أن "الانتقال إلى بحث الأسباب الفكرية والأيديولوجية التي أدت إلى بروز العنف والعمل المسلح، يعد تحولا لافتا في نشاط ومهام الجيش الجزائري الذي بات يزاحم المؤسسات السياسية والأهلية في مهامها ونشاطها".

الجيش والسياسة

كان الفوز الساحق لـ"الجبهة الإسلامية للإنقاذ" في انتخابات 1991 أمرا غير مقبول لدى جنرالات الجيش الجزائري، فأجبروا الرئيس الشاذلي بن جديد على إلغاء نتائج الانتخابات.

لكنه رفض، قائلا إنه وعد بأن تكون النتائج من اختيار الشعب، فأُجبر على الاستقالة في 11 يناير/ كانون الثاني 1992 وانقلب الجيش على التجربة الديمقراطية بعدما فاز فيها الإسلاميون وخسر الحزب الحاكم.

وعقب الانقلاب، سعى الجيش للسيطرة على الرئاسة الجزائرية مباشرة فاستدعي الجنرال محمد أبو ضياف كواجهة رئاسية له، لكنه اغتيل بعد خمسة أشهر فقط، ثم عُين الجنرال "على كافي" مكانه ومكث حتى 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 1995.

وحاول الجيش الاستمرار في السيطرة على الرئاسة بطريقة ملتوية بإجراء انتخابات رئاسية صورية فاز بها مرشح الجيش الجنرال "اليمين زروال" في 16 نوفمبر 1995 وقالت المعارضة إنها انتخابات مزورة.

ومع انتهاء "العشرية السوداء"، أي السنوات العشر التي دارت فيها معارك بين النظام وفصائل متعددة تتبنى أفكارا موالية للجبهة الإسلامية للإنقاذ ومجموعات أخرى منذ الانقلاب (1992-2002)، انسحب الجيش ظاهريا من الرئاسة.

وانسحب الجيش شكليا، بعدما اكتشف الجزائريون أبشع صور حكم العسكر خلال سنوات هذه الحقبة السوداء من تاريخهم، التي سُلمت فيها البلاد بأكملها لضباط الجيش وأجهزته.

مجلة جون أفريك الفرنسية كشفت جانبا من فساد الجنرالات حين نشرت فضيحة حسابات بنك "كريدي سويس" السرية لوزير الدفاع الأسبق خالد نزار، الذي قاد انقلاب 1992 ضد الجبهة الإسلامية، وغيره ممن نهبوا ملايين الدولارات.

أشارت إلى أن خالد نزار، الرجل القوي السابق في الجيش بين عامي 1990 و1993 كان لديه حسابان في كريدي سويس بين عامي 2004 و2005، بما يعادل مليوني دولار بخلاف شركة ابنه "سمارت لينك" أول مزود خدمة إنترنت في الجزائر.

ومع إعادة تجربة الانتخابات التعددية جزئيا، استدعى الجيش، الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ليتولى الحكم عام 1999 كوجه قومي مقبول نسبيا ومناسب لهم.

واستمر بوتفليقة حتى الحراك الشعبي الذي دفعه للاستقالة في 22 فبراير/ شباط 2019، لتعود المنافسة ويأتي وجه مدني جديد للعسكر هو الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، الذي يظهر الجيش في كل تفاصيل قراراته.

واجهة الجيش

وسمح الجيش باعتلاء تبون سدة الرئاسة الجزائرية، بالتزامن مع إجهاض الحراك الشعبي من قبل القيادة السابقة للجيش بزعامة الجنرال الراحل أحمد قايد صالح، والتفافها على مطالب الحراك.

وساهم إجهاض الحراك وضعف الرئيس تبون الذي يوصف بأنه "واجهة للجيش"، للمؤسسة العسكرية بتصدر المشهد في الجزائر من جديد.

مع استعادة الجيش نفوذه، عاد لتوسيع سيطرته على مفاصل الدولة تدريجيا، حتى إن كثيرا من القرارات التي نُسبت للرئيس تبون خرجت ببصمة المؤسسة العسكرية التي تحتل الواجهة السياسية والدعائية، وفق مراقبين.

وحتى حين عاد حلم صعود الإسلاميين إلى الحكم بعد 29 عاما من الانقلاب، وفازت ثلاثة أحزاب إسلامية بـ 106 مقاعد من أصل 407 في انتخابات 12 يونيو/ حزيران 2021، جرى التحايل لإبعادها عن السلطة.

وشرح رئيس حركة مجتمع السلم "حمس" الدكتور عبد الرزاق مقري في حوار سابق مع "الاستقلال" ما أسماه "دور العصابة" في تزوير النتائج لصالح مرشحي الدولة العميقة وفلول حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم سابقا الوثيق الصلة بالجيش.

من جانبها، أكدت وكالة رويترز الدولية في 21 أبريل/ نيسان 2021 أنه ستظل للجيش الجزائري السلطة والهيمنة النهائية رغم الجميع وبغض النظر عن نتائج الانتخابات.

الأمر ذاته أكده مركز "كارنيغي" للأبحاث في تقرير بعنوان "الدور السياسي للقوات المسلحة في الجزائر الجديدة"، رأى فيه أن "الجيش مازال الحاكم الفعلي في الجزائر بواجهة مدنية"، وأنه "يلعب دورا في تحديد السياسة الخارجية للبلاد".

وقال في تقرير بتاريخ 17 مارس/ آذار 2021 إنه "لا يمكن لأي رئيس في الجزائر، حتى لو كان منتخبا بطريقة ديمقراطية، أن يحدث تغييرا بارزا ما لم تتعاون معه النخبة العسكرية".

وأضاف أن الجيش حول مطلب الشعب بالتغيير  إلى تغيير ضمن نفس النظام ووفق الثقافة السياسية القائمة على سيادة المؤسسة العسكرية على الحكم المدني.

ملف الاقتصاد

اقتصاديا أيضا، توجد أوجه شبه بين الجيش الجزائري ونظيره المصري، فكلاهما ينافس القطاع الخاص بمنتجات رخيصة السعر، لعدم دفعهما ضرائب للدولة أو رواتب للجنود، ولا تخضع ميزانيتهما للرقابة البرلمانية.

وبلغ الأمر إلى دعوة رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبد الرحمن في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2021 بافتتاح معرض الإنتاج الجزائري في طبعته الـ29 إلى تزاوج الصناعات العسكرية مع المدنية.

وامتدح الجهود التي تبذلها مصانع الجيش في مجال تطوير مختلف الفروع الصناعية، ومستوى الإدماج العالي الذي حققته بعض الوحدات، والذي يتراوح بين 15 و30 بالمئة، وطالب بوصول نسبة إدماج تصل 45 بالمئة في ظرف قريب، والتكامل مع الصناعة المدنية لبلوغ نسبة إدماج تصل 60 بالمئة مستقبلا.

وأكدت صحيفة "الشروق" الجزائرية في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أن حجم استثمارات مؤسسة الجيش بلغت 10 آلاف مليار سنتيم (الدينار الجزائري = 100 سنتيم).

وتنتج المصانع المنضوية تحت لواء المؤسسة العسكرية الجزائرية الألبسة والأحذية والمنسوجات وتسوقها للجزائريين بدعوى تعويض النقص في الأسواق، وتقليص فاتورة الاستيراد، وفق "الشروق".

وكان الجيش يسعى لإبرام صفقة لإنتاج سيارات "مرسيدس بنز" للوزن الثقيل بداية من عام 2022 لكن ظروف وباء كورونا أخرتها.

مع هذا لا يزال الجزء الأكبر من الصناعات العسكرية للجيش الجزائري في صورة معدات عسكرية خاصة والعربات المدرعة، ما يميزه نسبيا عن نظيره المصري المزاحم للقطاع الخاص.

وتشير دراسة لموقع الجزيرة نت في 8 مارس/ آذار 2021 إلى أن الجيش الجزائري منخرط كمؤسسة في الحياة الاقتصادية، لكنه لا يسير على المسار المصري المتحكم في جزء كبير من اقتصاد البلاد.

وأوضحت أن المركب الصناعي العسكري الجزائري يتكون من 15 مؤسسة، موزعة على مختلف القطاعات الإنتاجية (صناعات ميكانيكية، وإلكترونية، وكيميائية، ونسيجية، ومواد متفجرة وذخيرة...).

لكن "على عكس الجيش المصري، لم يستفد الجيش الجزائري من الخصخصة وإنما يطور شراكات مع مؤسسات عمومية ويسيطر على تلك المهددة بالإفلاس، فضلا عن شراكات مع مؤسسات أجنبية"، وفق الدراسة.