بعد فترة هدوء مع قوات الحكومة اليمنية.. لماذا عاد الحوثيون لاستهداف مأرب؟
عادت جبهات القتال في اليمن للتصعيد من جديد بعد فترة من الهدوء الحذر بين مليشيا الحوثيين وقوات الحكومة، مع تعثر التوصل إلى اتفاق جديد لتمديد الهدنة التي انتهت في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2022.
وشن الحوثيون في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2022، هجوما على مواقع القوات الحكومية جنوبي محافظة مأرب النفطية، بعد هجمات بطائرات مسيرة على ميناء "الضبة" النفطي بمحافظة حضرموت في 21 نوفمبر/تشرين الثاني.
وأدى الهجوم الذي استخدم فيه الطرفان مختلف أنواع الأسلحة، إلى مقتل وجرح العشرات من الجانبين، وتمكنت قوات الحكومة من صد هجوم الحوثيين بحسب مصادر عسكرية حكومية.
وأعلن المركز الإعلامي للقوات المسلحة أن قوات الجيش مسنودة بالمقاومة الشعبية كسرت عملية هجومية لمليشيا الحوثي في الجبهة الجنوبية لمحافظة مأرب.
وأضاف في حسابه على "تويتر" أن الهجوم أدى إلى "استشهاد عدد من أبطال الجيش والمقاومة أثناء تصديهم للهجوم الإرهابي، ومصرع وإصابة عدد من عناصر المليشيا الإرهابية بنيران أبطال الجيش والمقاومة، إلى جانب خسائر أخرى في العتاد".
ويعد هذا أول هجوم للحوثيين في منطقة العكد إلى الجنوب الشرقي من جبل "البلق" الإستراتيجي، جنوبي مأرب، عقب فترة من الهدوء حتى 3 أكتوبر.وفي ذلك التاريخ، شنت مليشيا الحوثي في الساعات الأولى لانقضاء الهدنة هجمات في المنطقة ذاتها ومناطق مجاورة في المنطقة الصحراوية، والتي شهدت عمليات عدة خلال فترة الهدنة.
ولم يصدر عن الحوثيين أي تعليق على الهجوم الذي يأتي في ظل استمرار الأمم المتحدة في بذل المزيد من الجهود المتعثرة لتمديد هدنة استمرت 6 أشهر.
حرب نفطية
ويسعى الحوثيون من وراء التصعيد في مأرب إلى السيطرة على منابع النفط والغاز، بالتزامن مع استمرار إيقاف تصدير النفط الخام بسبب هجوم المليشيا على موانئ التصدير في شبوة وحضرموت.
ويهدف هذا إلى محاولة خنق الحكومة اليمنية وإفشال خططها في زيادة الإنتاج النفطي ودفع فاتورة الرواتب في مناطق سيطرتها.
واستهدفت مليشيات الحوثي ليلتي 18 و19 أكتوبر 2022، ميناء النشيمة بمحافظة شبوة، وفي 21 من الشهر نفسه، هاجمت ميناء الضبة لتصدير النفط بمحافظة حضرموت (شرق اليمن) بطائرتين مسيرتين.
وكان هذا هو التصعيد العسكري الأول من نوعه ضد الموانئ النفطية اليمنية منذ بدء النزاع عام 2015 وأيضا الأول بهذا الحجم منذ انتهاء الهدنة.
وهو الأمر الذي دفع مجلس الدفاع الوطني اليمني، إلى تصنيف مليشيا "الحوثي" منظمة إرهابية، في 22 أكتوبر 2022.
وفي 21 نوفمبر 2022، أعلنت وزارة الدفاع اليمنية عن تصديها واعتراضها عددا من الطائرات المسيرة التابعة لمليشيا الحوثي هاجمت ميناء الضبة النفطي. فيما أصابت إحداها منصة تصدير النفط في الميناء وألحقت أضرارا مادية فيها.
كما استهدف الحوثيون سفينتي "هانا" و"التاج بات بليو ووتر" الراسيتين في ميناء رضوم بمحافظة شبوة، غرب حضرموت، في 18 و19 أكتوبر، بدون خسائر، وفق بيان لوزارة النفط اليمنية.
وتصف مليشيا الحوثيين تصدير الحكومة اليمنية للنفط والغاز بأنه "نهب لموارد اليمنيين". وخلال العامين الأخيرين حاولت جاهدة لوضع يدها على الحقول والمنابع في مدينة مأرب شرق العاصمة صنعاء لكن لم تنجح في ذلك.
ويصل إجمالي عدد الحقول في مناطق الامتياز باليمن إلى نحو 105 منها 13 حقلا تخضع لأعمال استكشافية و12 منتجة وحوالي 81 حقلا مخصصة قطاعات مفتوحة للاستكشاف والتنقيب.
وحول الهجوم الحوثي قال رئيس تحرير موقع "مأرب برس" الإخباري، محمد الصالحي إن "الهدف منه محاولة تضييق الخناق على مأرب وإحداث اختراقات في الجبهة الجنوبية والجبهة الشمالية".
وأضاف في حديث لـ"الاستقلال": "استطاعت المقاومة الشعبية والجيش الوطني التصدي لهذا الهجوم الحوثي رغم التضحيات الكبيرة التي رافقت الهجمات والتي أدت إلى سقوط 15 شهيدا خلال يومين".
وشدد على أن "هدف الحوثي منذ اليوم الأول للحرب هو السيطرة على مأرب وحقول النفط وإمدادات الغاز والمحطة الغازية الكهربائية، لذلك يزج بالكثير من أتباعه في هذه المعارك".
انتزاع مكاسب
وكشف الصالحي أن "المجلس الرئاسي ووزارة الدفاع ليست حتى الآن على مستوى المسؤولية فيما يحدث من قبل مليشيات الحوثي".
فالحوثي يعد العدة ويجهز ويحشد المعدات والجنود نحو الجبهات خصوصاً جبهة مأرب في ظل تقاعس من المجلس الرئاسي ووزارة الدفاع.
ومضى يقول: "هناك جريمة ترتكب بحق الأبطال وهو توقيف المخصصات الخاصة بعلاج الجرحى في الخارج".
وأردف: "هناك مئات الجرحى يعالجون في مصر وفي غيرها من الدول، جرى توقيف مخصصاتهم وهذه الخطوة من شأنها أن تقتل الروح المعنوية لدى الجندي في الدفاع عن اليمن عندما يرى حال زملائه".
واستدرك بالقول: "هذه رسالة خطيرة جدا وليست بريئة ولا بد من التحقيق فيمن يقف وراء هذه الخطة التي تهدف إلى قتل الروح المعنوية لدى الجيش اليمني".
ويرى الصالحي أن "الهدنة التي كان يخترقها الحوثي باستمرار، أتت لتقويته ولم تكن لصالح الشرعية بالمطلق".
وختم الصحفي اليمني حديثه بالقول: "للأسف التجهيزات الموجودة لدى الجيش الوطني والمقاومة الشعبية لا توازي خطورة المعركة".
لذلك لا بد أن يخطو المجلس الرئاسي خطوات جدية وحاسمة في هذا الملف وفي إسناد الجيش الوطني ودعمه لأن الوضع إذا استمر على ما هو عليه سيكون خطيرا جدا.
ويحاول الحوثيون من خلال تركيز الهجمات على مأرب التقدم في المنطقة الصحراوية المفتوحة وصولا إلى مناطق النفط والطريق الإستراتيجي الذي يربط مأرب بمحافظات شرقي اليمن ومنفذ الوديعة البري مع السعودية.
وهو المنفذ الإسفلتي الأخير للمدينة المطوقة من جهاتها الثلاث (جنوب، غرب، وشمال).
ومن أجل تجديد الهدنة، يشترط الحوثيون دفع رواتب الموظفين والمقاتلين في مناطق سيطرتهم ورفع القيود عن ميناء الحديدة، بينما ترفض الحكومة ذلك.
مخاوف تصعيدية
وكشف وزير الخارجية اليمني الأسبق، أبو بكر القربي عن توقف المفاوضات بين التحالف السعودي الإماراتي، والحوثيين، لوقف الحرب الدائرة منذ 8 أعوام، مشدداً على ضرورة التدخل العاجل للأمم المتحدة.
وكتب القربي في حسابه على "تويتر" في 3 ديسمبر/كانون الأول 2022، أن "مفاوضات وقف حرب اليمن توقفت بسبب الخلاف على توزيع موارد الدولة وصرف المرتبات وتأخر مفاوضات الحل السياسي".
وأيضا نتيجة للوجود العسكري الدولي في المطارات والجزر اليمنية وتهديد موانئ تصدير النفط وما قد يؤدي إليه من تصعيد عسكري، وفق قوله.
ما نقلته مصادر عن توقف المفاوضات لوقف حرب اليمن بسبب الخلاف على توزيع موارد الدولة وصرف المرتبات وتأخر مفاوضات الحل السياسي ونتيجة للوجود العسكري الدولي في المطارات والجزر اليمنيه والتهديد لموانئ تصدير النفط وما قد يؤدي اليه من صعيد عسكري يستدعي تحركًا امميا سريعًا لمنع تداعياته
— Dr Abubaker Alqirbi. الدكتور ابوبكر القربي (@AAlqirbi) December 3, 2022
وبحسب مصادر عسكرية يمنية فإن موقف الحكومة من التصعيد الحوثي على مأرب ليس بالمستوى المطلوب، مشيرة إلى أن الجيش الوطني يعاني من ضعف شديد في التسليح والتموين، والجنود من دون مرتبات منذ أشهر.
وخلال الفترة الماضية، عادت المفاوضات بين السعودية والحوثيين بشكل علني ومباشر، بعدما كانت تجرى سابقا بوساطة عمانية أو بصورة سرية بين الجانبين.
وزار وفد سعودي العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة المليشيا، في 12 أكتوبر 2022، لإجراء محادثات بشأن ملف الأسرى، فيما زار وفد آخر من "الحوثيين" الرياض للأمر نفسه.
وتوقفت الهجمات الجوية للتحالف السعودي الإماراتي على الحوثيين بعد انتهاء الهدنة بداية أكتوبر، وهو ما يشير إلى وجود تفاهمات سرية بين الجانبين وفق متابعين للشأن اليمني.
وعلى الرغم من الهجمات الحوثية في عدة جبهات فإن طيران التحالف لم يشن أي غارات جوية مساندة لقوات الحكومة اليمنية في جبهات تعز ومأرب والحديدة، طوال الفترة الماضية.
كما توقف طيران التحالف عن استهداف تعزيزات ومواقع الحوثيين في العاصمة صنعاء وبقية المناطق.
ومنذ أكثر من 7 سنوات يشهد اليمن حربا مستمرة بين القوات الموالية للحكومة، مدعومة بتحالف سعودي إماراتي، وبين الحوثيين المدعومين من إيران والمسيطرين على محافظات بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ سبتمبر/أيلول 2014.