تجاهل العطش و"طفّش" الخبراء.. سياسات قيس سعيد تقود تونس إلى الجفاف

12

طباعة

مشاركة

إعلان "حالة الطوارئ المائية" مطلب في تونس ينادي به خبراء ومهندسون؛ لمواجهة أزمة ندرة المياه التي تشهدها البلاد خلال السنوات الأخيرة.

وتواجه تونس في الفترة الأخيرة "أزمات عطش"، بسبب تقادم السدود وشح الأمطار، ما خلف احتجاجات مهنية وشعبية واسعة.

وأمام المخاطر التي تهدد الأمن القومي المائي، فإن البلاد قد تواجه خطر الجفاف والعطش، وما لذلك من تداعيات سلبية تهدد السلم الاجتماعي، في ظل ما تعانيه تونس من معضلات على المستوى السياسي والاقتصادي والمالي، أدت إلى "تطفيش" الخبراء ودفعهم للهرب.

ويسود صمت الرئيس قيس سعيد عن هذا الوضع الخطير، رغم سيطرته على السلطات التنفيذية والتشريعية بل والقضائية منذ انقلابه على الدستور في 25 يوليو/ تموز 2021.

"تطفيش الخبراء"

وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، دعا مهندسون في ندوة عن "التوتر المائي في تونس ومسارات الحلول"، إلى إعلان "حالة الطوارئ المائية" وتطوير سياسات ترشيد استغلال المياه وتعزيز الكميات القابلة للاستغلال، وذلك ضمن حزمة حلول تهدف للحد من تداعيات هذه الأزمة.

ونقلت مواقع محلية عن عميد المهندسين كمال سحنون، قوله إن "هذه "الدعوة الملحة" تأتي بعد أن بينت دراسة بإشراف مجلس علوم الهندسة التابع لعمادة المهندسين التونسيين (منظمة مهنية غير حكومية) أن الوضع المائي الحالي بلغ درجة "التوتر المائي".

وأكد سحنون أن ذلك يستوجب "التفكير في اتخاذ إجراءات استثنائية لضمان عيش الأجيال القادمة، موضحا أن دراسة الوضع المائي في تونس والحلول الممكنة له أجريت بين يوليو/تموز ونوفمبر/تشرين الثاني 2022 بمشاركة 28 مهندسا وخبيرا، تحت إشراف مجلس العلوم الهندسية.

وأشار إلى أن الدراسة أرسلت إلى رئاسة الجمهورية والحكومة ووزارة الفلاحة.

وأوضح عميد المهندسين، أن أهم ما ورد في المقترحات الواردة في الدراسة هو "ضعف حوكمة (المياه) والعقلية التونسية التي لا تعرف السيطرة والاقتصاد في المياه".

وسجل سحنون أن "تونس لديها كفاءات هندسية يمكن أن تساعد في حماية الموارد وتطويرها وتحقيق التنمية"، مستدركا: "لكنها بحاجة إلى تحسين ظروف عملها ووضعها".

ونبه إلى أن "حوالي 6 آلاف و500 مهندس يغادرون البلاد سنويا للعمل في الخارج".

ولفت إلى "مغادرة 7 مهندسين قبل بضعة أشهر للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه (رسمية) للعمل بالخارج".

دراسة "مجلس علوم الهندسة" بيّنت أنه خلال الستينيات كان لدى الفرد التونسي إمكانية الوصول إلى 1000 متر مكعب من المياه سنويا كمتوسط ​​عام، لكنه الآن يصل إلى 450 مترا مكعبا سنويا، في حين أن أدنى مستوى دولي هو 1000 متر مكعب، وما دون هذا المستوى هو الشح المائي.

وبحسب الدراسة، فإن 55 بالمئة من المياه الطبيعية المتوفرة على سطح الأرض من الأمطار في تونس "تتبخر أو تذهب إلى البحار".

بدورها، كشفت وزارة البيئة، أن تونس تسجل سنة جافة كل ثلاث سنوات وأن 75 بالمئة من التراب الوطني مهدد بالتصحر، خاصة بمناطق الوسط والجنوب، وهو ما يؤثر بصفة مباشرة على الإنتاج الفلاحي وعلى قطاعات إستراتيجية، أبرزها الزراعات الكبرى وتربية الماشية.

وأكدت الوزارة عبر بيان نشرته في 17 يونيو/حزيران 2022، بمناسبة "اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف"، أن ظاهرة الجفاف "أصبحت واقعا حقيقيا ملموسا ومقلقا وجب التكيف معه وإدارته للحد من تأثيراته السلبية".

وحسب الوزارة، فقد تضمنت الإستراتيجية الوطنية لمكافحة التصحر للفترة 2018-2030، هدفا وطنيا لحماية 2.2 مليون هكتار من الأراضي من التدهور بحلول سنة 2030.

تحذيرات دولية

ولا تقتصر التحذيرات بخصوص صعوبة الوضع المائي بتونس على الصعيد المحلي فحسب، بل سبق لمقرر الأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في الحصول على مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي، بيدرو أروخو-أغودو، أن دعا تونس إلى منح الأولوية في توزيع المياه للاستعمالات الشخصية والمنزلية.

كما دعا إلى ضمان حصول المواطنين على مياه الشرب، في ظل شح الأمطار وتناقص الموارد المائية.

وفي 29 يوليو 2022، قال أروخو-أغودو، في بيان عقب اختتام زيارته إلى تونس خلال الفترة ما بين بين 18-29 يوليو، إنه "لا يمكن لندرة المياه أن تبرّر عدم الامتثال لحقوق الإنسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي".

وشدد على "ضرورة أن تضع الحكومة التونسية حدا للاستغلال المفرط لطبقات المياه الجوفية كخطوة نحو التأقلم مع التغيرات المناخية، إلى جانب مكافحة وغلق الآبار غير القانونية التي يتزايد عددها، والتحكم في استخراج المياه من خلال فرض استخدام العدادات".

وأضاف المقرر الأممي، أن "طبقات المياه الجوفية هي رئة الطبيعة المائية ويجب إدارتها كاحتياطات إستراتيجية لمواجهة حالات الجفاف غير العادية التي تميل لأن تصبح أكثر طولا وشدة".

وأعرب أروخو-أغودو، عن قلقه إزاء "التسرُبات التي تؤدي إلى الانقطاعات المتكررة ودخول مواد ملوثة إلى الشبكات بما يؤثر على صلاحية مياه الشرب"، داعيا السلطات إلى "وضع خطة لتجديد الشبكات".

واقترح "توفير كميات قليلة من مياه الشرب الآمنة لصالح المجتمعات المحلية الريفية والمدارس بشكل أسبوعي، لمنع تفشي الأمراض وعدم دفعهم لشراء الماء من الأسواق".

ودعا الخبير الأممي، إلى أن "تتبلور عملية اللامركزية بشكل تلعب فيه البلديات دورا متزايد الأهميّة في الخدمات المتعلّقة بالمياه والصرف الصحي".

وقف النزيف

وفي تفسيرها لأسباب الدعوة إلى إعلان "حالة الطوارئ المائية"، دقت عضوة مجلس علوم الهندسة لعمادة المهندسين التونسيين، الخبيرة في الموارد المائية والتأقلم مع التغيرات المناخية، روضة القفراج، ناقوس الخطر، بسبب "تدني كل المؤشرات المتعلقة بكمية ونوعية المياه المتوفرة للمواطنين".

ورأت القفراج، في حديث لـ"الاستقلال"، أن إعلان "حالة الطوارئ المائية" يمثل مفتاحا أساسيا لوقف النزيف في قطاع الماء أولا، ثم العمل على تنفيذ إجراءات استعجالية لتجنب مخاطر حدوث حالة انهيار مائي قبل عام 2030. 

وأكدت أن إعلان "حالة الطوارئ المائية يهدف إلى تسهيل اتخاذ تدابير استثنائية مدعومة بإطار قانوني وتنظيمي مرن، يمكن تكييفه بسهولة مع الظروف المتغيرة للمياه وفعالية التدابير الُمنفذة لوقف النزيف الحالي في القطاع".

وكشفت الخبيرة في الموارد المائية أن مؤشر التوتر المائي بتونس ارتفع بشكل كبير من 66 بالمئة عام 2000 إلى 109 بالمئة في 2020.

ونبهت القفراج إلى أن "التوقعات المناخية تشير إلى زيادة درجة الحرارة وانخفاض هطول الأمطار وتواتر فترات الجفاف وانخفاض كبير في التدفقات إلى السدود وفي الحجم الإجمالي للمياه الجوفية مما سينتج عنه تدهور خطير في الوضع المائي بالبلاد بحلول سنة 2050".

وبينت أنه "رغم مؤشرات التوتر المائي المفزعة فإن ضياعا كبيرا وخسائر كبرى في المياه لا تزال تحدث في القطاع الفلاحي وبدرجة أقل بالنسبة لمياه الشرب".

وذكرت أن "أزمة المياه الحالية ستؤثر بصورة متزايدة على القطاع الفلاحي مما سينعكس سلبا على فرص العمل ونوعية الحياة في المناطق الريفية، مما يؤدي إلى مخاطر ارتفاع وتيرة الهجرة من الريف إلى المدينة ومن هجرة الشباب إلى الخارج".

وبخصوص كيفية تجاوز أزمة شح المياه، قالت القفراج، إن "الحفاظ على أمن المياه الذي يشكل عنصرا أساسيا في الأمن القومي لتونس، يتطلب تطوير بدائل مؤسساتية وتكنولوجية مستدامة لتلبية الاحتياجات الكبيرة من الطاقة لتعبئة المياه ونقلها وتوزيعها والحفاظ على إمكانية توفير مياه الشرب الجيدة وبأسعار معقولة على الأمن الغذائي للبلاد".

ودعت إلى "ضرورة تحسين الحصول على المياه وسلامة استخدامها، وتعزيز فعالية الوظائف الشاملة للحوكمة والبحث والابتكار في مجال المياه حسب احتياجات وتوقعات مشغلي المياه ومستخدميها في سياق الجفاف والتوتر المائي".

وشددت عضوة مجلس علوم الهندسة لعمادة المهندسين التونسيين، على ضرورة إنشاء مؤسسة شاملة لحوكمة وإدارة المياه من قبيل "مجلس أعلى للأمن المائي" يعمل على تطوير إستراتيجية المياه الوطنية والسياسات العامة، في إطار الترابط بين الماء والطاقة والغذاء.

وأوضحت القفراج أن "إنشاء هذه المؤسسة سيؤدي إلى إدخال التغيير اللازم على صعيد الحوكمة والإدارة وإلى توسيع نطاقها ليشمل الجهات الفاعلة الأخرى".