"عودة الدولة العميقة".. حصيلة 40 يوما من رئاسة السوداني لحكومة العراق

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع مرور أربعين يوما على حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، برزت العديد من التساؤلات عما حققه الأخير خلال هذه المدة التي أثارت الكثير من الجدل، لا سيما بشأن القرارات الكثيرة التي اتخذتها والمتعلقة بهيكلية الأجهزة الأمنية والوزارات.

وفي 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، صوت البرلمان على حكومة السوداني، التي شكلتها "قوى الإطار التنسيقي" الحليفة لإيران، وذلك بعد 4 أشهر من استقالة كتلة "التيار الصدري" النيابية بعدما عجزت عن تشكيل حكومة الأغلبية السياسية كونها تمتلك الأغلبية.

قرارات شعبوية

وبخصوص طبيعة القرارات التي اتخذها السوداني منذ توليه الحكومة وانعكاسها على العراقيين، قال الأكاديمي والباحث في الشأن السياسي، أحمد الواثق، إن "أغلب القرارات التي صدرت أخيرا عن رئيس الحكومة ذات طابع شعبوي زادت من رصيده الانتخابي ربما، لكنها أضرت بالدولة".

وأوضح الواثق لـ"الاستقلال" أن "قرار تعيين مئات الآلاف من العراقيين في مؤسسات الدولة، تحت عنوان تثبيت المتعاقدين؛ رغم استحقاقهم منذ سنوات- لكنها في الوقت الحالي تزيد من ترهل الوظائف والبطالة المقنعة في الوزارات، إضافة إلى ثقلها المادي على موازنة المالية".

وأشار إلى أن "الأمر الآخر هو قرار تحول جنس الأراضي الزراعية إلى سكنية، والتي جرى تقطيع وبيع معظمها من مافيات الأحزاب والمليشيات، يعد قرارا صائبا في جانب، لأنها تضم العديد من الساكنين الذين لم يجدوا مأوى آخر لارتفاع أسعار الأراضي السكنية وبدلات الإيجار، ومن جانب آخر قرار يضر بالتصميم الهندسي للعاصمة بغداد".

وفي 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وجّه السوداني بـ"اتخاذ الإجراءات اللازمة لاستكمال متطلبات وزارة المالية في تثبيت الذين تزيد خدمتهم عن سنتين من المتعاقدين، الذين صدرت أوامر التعاقد معهم قبل 2 أكتوبر 2019"، كما اتخذ قرارا بتحويل جنس الأراضي الزراعية إلى سكنية، حسب بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء.

ورأى الواثق أن "قرارات السوداني المتعلقة بإقالة واستبعاد العديد من المسؤولين من مناصبهم ونقل أعداد أخرى، والإتيان بآخرين يمثلون قوى الإطار التنسيقي ما هي إلا عودة إلى تأسيس الدولة العميقة التي أسسها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وتسببت بكوارث في البلاد".

وفي السياق ذاته، كتب الإعلامي العراقي، حسام الحاج تغريدة على تويتر في 1 ديسمبر/ كانون الأول 2022، قال فيها: "سيذكر التاريخ أن السوداني قد مارس أكبر مجزرة في تغيير المناصب الإدارية العليا في الدولة في أول 40 يوما من عمر حكومته".

وأوضح الحاج أنه "غّير أكثر من 900 منصب، حيث مّكن السوداني جهة سياسية واحدة على حساب جهات أخرى، في 40 يوما فقط أعاد الرجل إنتاج الدولة العميقة التي استغرق تفكيكها 8 سنوات متتالية"، في إشارة إلى الحكومات التي جاءت بعد المالكي وفككت دولته العميقة.

وتولى المالكي رئاسة الحكومة لولايتين متعاقبتين من 2006 إلى 2014، اتسمت بالاحتقان الطائفي واستهداف المكون السني ومطاردة رموزهم بتهم عدة، والتي انتهت باجتياح "تنظيم الدولة" وسيطرته على ثلث مساحة العراق في يونيو/حزيران 2014.

الدولة العميقة

وبخصوص حقيقة إعادة انتاج الدولة العميقة التي أسسها المالكي في العراق، كشفت وسائل إعلام محلية عن حجم التغييرات التي أجراها السوداني، ضمن هيكلية الوزارات والأجهزة الأمنية، خلال شهر واحد من تسلمه رئاسة الحكومة.

وقالت قناة "وان نيوز" العراقية في 2 ديسمبر 2022، إن "الدولة العميقة التي أسسها زعيم ائتلاف دولة القانون، المالكي، تظهر للعلن، وذلك بعدما اتخذ السوداني قرارا بتغيير 900 منصب كبير في البلاد غالبيتهم من السنة والأكراد والتيار الصدري".

وأوضحت أن "السوداني رشح مكان السنة والأكراد والصدريين الذي أقصاهم من مناصبهم، شخصيات أخرى تنتمي إلى الفصائل المسلحة الموالية لإيران، بحجة مكافحة الفساد والمتورطين فيه".

ولفتت القناة العراقية إلى أن "التغييرات شملت وزارات وهيئات مستقلة ومحافظات، إضافة إلى تغيير مناصب أخرى داخل جهاز المخابرات، منها، إدارة الأمن والمراقبة والفنية والإدارية".

وضمن القرارات، كان إقالة وكيل الاستخبارات في وزارة الداخلية، أحمد أبو غيف، إضافة إلى أسماء عشرات الضباط، إلى جانب قائد حرس الحدود ووكيل الشرطة وجهاز مكافحة المخدرات، وعشرات القيادات في الشرطة الاتحادية.

وأصدر السوداني قرارا أيضا، بإحالة "جميع الضباط برتبة فريق إلى التقاعد، ونقل ضباط الجيش العاملين ضمن وزارة الداخلية ممن هم برتبة لواء إلى ملاك وزارة الدفاع وإحالة من تجاوزت خدمتهم 30 عاما إلى التقاعد، وكذلك نقل ضباط الجيش في الداخلية من رتبة عميد فما دون إلى الحدود والشرطة الاتحادية وقوات الرد السريع والطوارئ".

تمكين المليشيات

وفي بداية عهده، ضم السوداني إلى حكومته وزيرين ينتميان لمعسكر إيران المسلح، الأول زعيم مليشيا "جند الإمام" أحمد الأسدي، وزيرا للعمل والشؤون الاجتماعية، والثاني، القيادي في "عصائب أهل الحق" نعيم العبودي، وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي.

ولم يكتف السوداني عند هذا الحد، فسلم إدارة مكتبه الإعلامي الخاص إلى الصحفي ربيع نادر الذي عمل في وسائل إعلام مختلفة تابعة للمليشيات، أبرزها "قناة الاتجاه" التابعة لـ"كتائب حزب الله" و"قناة العهد" المملوكة لـ"عصائب أهل الحق"، واللتان تصنفهما واشنطن "جماعتين إرهابيتين".

وفي أكتوبر 2019، عندما كان عادل عبدالمهدي رئيسا للحكومة التحق نادر بالمكتب الإعلامي لرئاسة الوزراء، لكنه بقي في هذا القسم طوال فترة ولاية عبدالمهدي، ثم جرى تهميشه لاحقا عندما تولى مصطفى الكاظمي منصب رئيس مجلس الوزراء.

ومن ضمن تغييرات السوداني، تعيين النائب السابق إحسان العوادي مديرا لمكتب رئيس الوزراء، بعدما كان مديرا لدائرة دول الجوار في وزارة الخارجية، وهو متهم بالسرقة ونهب المال العام، إضافة إلى سوء الإدارة.

وفي إجراءات وصفت بأنها عملية تطهير لقادة ومسؤولين ومستشارين معروفين بموقفهم المضاد لسياسات طهران بالعراق، أقدم السوداني في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 على إعفاء 400 مسؤول من منصبه، واستبدال بعضهم بمجموعة من الموالين لإيران.

كما قرر السوداني الذي يمثل قوى الإطار التنسيقي القريب من إيران إلغاء جميع الأوامر الديوانية الصادرة عن حكومة الكاظمي بعد 8 أكتوبر 2021، بحجة أنها صدرت عن حكومة تصريف للأعمال بعد الانتخابات المبكرة التي جرت في الشهر نفسه.

وشملت حركة الإعفاءات كلا من رئيسي جهاز المخابرات، رائد جوحي وجهاز الأمن الوطني حميد الشطري، ومستشار رئيس جهاز الأمن الوطني مهند نعيم، وكذلك إعفاء المستشار السياسي لرئيس الوزراء مشرق عباس، ومحافظي النجف وذي قار وبابل الجنوبية وصلاح الدين الغربية.

ويتولى رئيس الوزراء العراقي الحالي، مسؤولية رئاسة جهازي المخابرات والأمن الوطني بالوكالة، بعد صراع بين مليشيا عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله العراقية، المواليتين لإيران، للحصول على قيادة هذه الأجهزة الأمنية الحساسة.

وأقال السوداني بصفته القائد العام للقوات المسلحة الفريق الركن حامد الزهيري من منصب قائد الفرقة الخاصة المسؤولة عن حماية المنطقة الخضراء، وكذلك أعفى صفية السهيل، وعمر البرزنجي من منصبهما كوكيلين لوزارة الخارجية.

كما أحال السوداني الفريق محمد البياتي، إلى إدارة الإمرة، وهي وظيفة هامشية في وزارة الدفاع، بعد أن كان السكرتير العسكري للكاظمي، وعين بدلا منه الفريق الركن سعد العلاق.   

وبرر السوداني قراراته بإعفاء 400 من كبار المسؤولين من مناصبهم في الوزارات، بالقول إن "حكومة تصريف الأعمال (برئاسة سلفه الكاظمي) ليس لديها صلاحية إصدار أوامر التعيين والاتفاقات وفقا لقرار المحكمة الاتحادية".

وأوضح رئيس الوزراء خلال مؤتمر صحفي في نوفمبر 2022 أن "إلغاء قرارات تعيين رؤساء أجهزة ومستشارين ليس ضمن حسابات سياسة أو إقصاء جهات معينة"، مؤكدا أن "قرارات المحكمة الاتحادية واجبة التطبيق، وأن منهج عمل هذه الحكومة سيكون باتجاه تنفيذ القانون والقرارات القضائية".