لعبة متعددة الأطراف.. هل يستطيع العراق ضبط حدوده مع تركيا وإيران؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في خطوة تشي بتنفيذ تعهدات قطعها إلى طهران، أعلن العراق إعادة نشر قوات على حدود تركيا وإيران، في ظل استمرار قصف الأخيرة مواقع بإقليم كردستان بحجة وجود تنظيمات كردية إيرانية معارضة تتدخل بشؤونها.

وتأتي هجمات طهران على مواقع الجماعات الكردية الانفصالية في إقليم كردستان العراق، تزامنا مع احتجاجات مندلعة بإيران منذ 16 سبتمبر/ أيلول 2022، بعد وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاما) على يد "شرطة الآداب".

"دحض الحجج"

في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، قالت الحكومة العراقية، إنها قررت "وضع خطة لإعادة نشر قوات حرس الحدود العراقية لمسك الخط الصفري على طول الحدود مع إيران وتركيا".

وأوضحت في بيان صدر بعد اجتماع لمجلس الأمن الوطني أن "هذه الخطة ستوضع بالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان العراق ووزارة البيشمركة (قوات حماية الإقليم)".

وفي اليوم نفسه، التقى وفد من البيشمركة ممثلين عن وزارتي الداخلية والدفاع، واتفق الطرفان على "إستراتيجية تهدف إلى تعزيز أمن الحدود"، بحسب بيان صدر عن إقليم كردستان العراق.

ونقلت وكالة الأنباء العراقية عن الناطق باسم حكومة إقليم كردستان لاوك غفوري، قوله إن "حكومة إقليم كردستان سترسل تعزيزات من البيشمركة إلى الحدود".

وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أعلن خلال مؤتمر صحفي عقده ببغداد، في 22 نوفمبر أن "أي اعتداء على الأراضي العراقية مرفوض رفضا قاطعا من الحكومة، سواء من جانب تركيا أو إيران".

وأضاف: "سننشر قوات في بعض المناطق بشمال العراق لدحض الحجج بشأن عدم وجود قوات في هذه المناطق، ولا نسمح بإعطاء موافقة لضرب الأراضي والحدود العراقية"، مشيرا إلى أن "العراق طلب دراسة لإنهاء معوقات انتشار القوات العراقية مع دول الجوار".

وبالتزامن مع الإجراءات العراقية، أعلن الحرس الثوري الإيراني في 26 نوفمبر تعزيز قواته في المنطقة الكردية الإيرانية، بالقرب من الحدود الغربية مع العراق، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الرسمية "إرنا".

ونقلت الوكالة عن قائد القوات البرية في الحرس الثوري العميد محمد باكبور قوله، أن جناح النخبة في الجيش يعزز وحدات العمليات البرية والمدرعات والقوات الخاصة، في المناطق الشمالية الغربية والغربية من إيران في "إجراء وقائي".

وكان سفير إيران لدى بغداد محمد كاظم الصادق نفى خلال مقابلة مع قناة "العالم" الإيرانية في 21 نوفمبر، احتمال قيام قوات بلاده بتوغل بري عبر الحدود، وقال إن العراق طلب مهلة، لنزع سلاح الجماعات الكردية على الحدود الإيرانية-العراقية، وأن طهران أمهلت بغداد 10 أيام.

وأوضح السفير، أن إيران طالبت الحكومة العراقية بوضع جدول زمني لنزع سلاح الأكراد من منطقة الحدود، مشيرا إلى أن الحكومة العراقية ردت بطلب تحديد موعد نهائي لذلك، وفق ما أفادت به وكالة "إرنا".

وكانت وكالة "أسوشييتد برس" الأميركية قد كشفت في 19 نوفمبر عن أن قائد فيلق القدس في الحرس الإيراني، إسماعيل قاآني، نقل رسالة تهديد عندما التقى مسؤولين عراقيين في زيارة غير معلنة، الأيام الأخيرة.

وأفادت الوكالة الأميركية بأن قاآني، هدد المسؤولين العراقيين بشن عملية عسكرية برية في شمال العراق، إذا لم يقم الجيش العراقي بضبط الحدود بين البلدين، ومنع المعارضة الكردية من التسلل.

"قضية سياسية"

وعن مدى قدرة العراق على ضبط حدوده مع تركيا وإيران، قال السياسي العراقي المعارض أحمد الأبيض لـ"الاستقلال"، إن "قوات حرس الحدود العراقية موجودة أساسا، إلا أنها بشكل صوري فقط، ومن يمسك بالقرار هي قوات البيشمركة الكردية".

وأوضح الأبيض أن "إعلان العراق نشر قوات على الحدود يأتي للتغطية على عدم قدرة الحكومة العراقية للرد على القصف الإيراني والتركي، وأن هذه العملية ذر للرماد بالعيون في ظل ما يشاع من أن الحرس الثوري الإيراني يريد اجتياح إقليم كردستان العراق".

ولفت إلى أن "المشكلة ليست في حرس الحدود، لأن اليوم ما عادت الأمور في حماية الحدود تعتمد على وسائل تقليدية قديمة بنشر جنود على الربايا، وإنما هناك تطور كبير في الدول تتعلق بالرقابة الإلكترونية والطائرات المسيرة وتقنيات أخرى".

ورأى الأبيض أن "قضية مسك الحدود مسألة سياسية وسيادية، فهل يقبل إقليم كردستان أن يخنق من حكومة المركز في بغداد، لأن حدود الإقليم مع تركيا وإيران مفتوحة لتصدير الكثير من الأمور، وأغلبها تتم بطريقة غير قانونية".

وأشار إلى أن "الشعب الإيراني بعدما ثار ضد النظام يحاول الأخير أن يلقي التهمة على الآخرين، بدلا من إعلان أن السلاح الذي يحصل عليه الثوار هو من استهداف مقرات الحرس الثوري والباسيج، أي أن إمدادات السلاح تأتي بشكل ذاتي داخلي".

وأكد السياسي العراقي أن "مزاعم وجود مجاميع كردية في إقليم كردستان تمد المحتجين بالسلاح، غير صحيحة، فأين كانت هذه المجاميع قبل الاحتجاجات، ولماذا لم تتحدث طهران سابقا عن ذلك؟"

ومضى يقول: "إيران تريد مسألتين، الأولى لصق تهمة التدخل الخارجي على الثوار الإيرانيين، والثانية الضغط على أربيل، لأنها تتخوف من أن تساهم بعد أشهر في مشاكل لحكومة السوداني التي تراها طهران أفضل حالة سياسية لها بالعراق".

شكوى إيرانية

وبخصوص شكوى إيران في الأمم المتحدة ضد العراق، قال الأبيض: "صحيح أن إيران تهيمن على العراق عبر السياسيين الموالين لها، لكنها تريد أن تبرر عملياتها العسكرية عن طريق الأمم المتحدة".

وتابع: "العراق مسلوب الإرادة حاليا، لكن مطالب بالرد على شكوى إيران بدعوة مجلس الأمن للتحقيق فيما يجرى، خصوصا أن بغداد سبق أن رفعت شكوى ضد تركيا"، مستدركا: "لكن السياسيين الموالين لطهران يعدون العراق جزءا من إيران، لذلك الأخير تلعب بورقة الشكوى الدولية".

وفي 24 نوفمبر، طالبت البعثة الدبلوماسية الإيرانية الدائمة لدى منظمة الأمم المتحدة بتنفيذ الاتفاقات مع الحكومة العراقية في مجال إغلاق مقرات ونزع سلاح المجموعات المسلحة المناوئة لإيران في شمال العراق.

وأكدت البعثة أنه بعد المشاورات العديدة لم يبق أمام إيران خيار آخر سوى استخدام حقها المبدئي في الدفاع عن نفسها في إطار القانون الدولي بهدف حماية أمنها القومي، وبناء على ذلك فإنها قامت أخيرا بعمليات ضد "الجماعات الإرهابية" المتمركزة في المنطقة الشمالية من العراق.

وكانت الحكومة العراقية قد ألغت في أبريل/ نيسان 2022 مشروعا لتقديم شكوى للأمم المتحدة بشأن القصف الذي تبناه الحرس الثوري الإيراني على إقليم كردستان، وقال إنه "استهدف مركزا للموساد الإسرائيلي".

وكان الحرس الثوري الإيراني قد تبنى رسميا قصف أربيل فجر 13 مارس/ آذار 2022، مؤكدا في بيان له، أنه استهدف "مركزا إستراتيجيا للمؤامرة والشر للصهاينة بصواريخ قوية ودقيقة"، ويرى أن القصف جاء ردا على "الجرائم الأخيرة للكيان الصهيوني"، الأمر الذي نفاه العراق وأكد أن ما قصف هو بيت لرجل أعمال عراقي كردي معروف.

وكان العراق تقدم بطلب رسمي للجانب الإيراني لتقديم ما يثبت صحة مزاعم وجود مقرات للموساد في أربيل، بعد استدعاء وزارة الخارجية السفير الإيراني إيرج مسجدي، وتسليمه مذكرة احتجاج لكن الإيرانيين لم يقدموا أي معطيات تدعم روايتهم.

اتفاقية سنجار

وفي ظل تعهد العراق بمسك الحدود ومنع الاعتداءات على دول الجوار، عادت إلى الواجهة "اتفاقية سنجار" التي عقدت في أكتوبر 2020 بين بغداد وأربيل، بوساطة الأمم المتحدة، ونصت على إخراج حزب العمال الكردستاني "بي كاكا" من قضاء سنجار العراقية، لكنها لم تطبق على أرض الواقع.

و"بي كاكا" جماعة كردية مسلحة لها أذرع في سوريا أيضا، وتصنف "إرهابية" من قبل تركيا والولايات المتحدة، وتشن هجمات منذ عقود على الداخل التركي، ويقابلها قصف من أنقرة لأوكارها شمالي العراق.

وتقضي اتفاقية سنجار بتولي الشرطة العراقية إرساء الأمن في قضاء سنجار، وإنهاء وجود "بي كا كا" بالمنطقة، في حين تتعاون حكومتا بغداد وأربيل في إعمار ما دمرته الحرب في سنجار جراء الحرب ضد تنظيم الدولة الذي اجتاح البلاد عام 2014 وحتى 2017.

وتأسست "وحدات حماية سنجار" (اليبشة) بدعم من حزب العمال الكردستاني عام 2014 للدفاع عن المدينة بعدما سقطت بيد تنظيم الدولة، والتي تقع شمال غرب مدينة الموصل (400 كيلومتر شمال بغداد)، وتتبع إداريا محافظة نينوى.

ويسكن مدينة سنجار خليط من العرب والأكراد والطائفة الإيزيدية، التي نكّل بها تنظيم الدولة خلال سيطرته على القضاء لأشهر عدة عام 2014 حيث شهدت مجازر بحق الإيزيديين وتشريدهم في مخيمات النزوح، فضلا عن اختطاف التنظيم الآلاف من نسائهم وأطفالهم.

وفيما إذا كانت السلطات العراقية ستضبط بالفعل الحدود مع تركيا وإيران وعدم تسويف الأمر كما حصل في سنجار، قال الكاتب الكردي العراقي كفاح محمود، إن "هناك جدية من العراق بما يخص إيران؛ لأن الموضوع يهم أطرافا متنفذة في بغداد تريد أن تحمي إيران من احتمالية تهريب السلاح".

واستبعد خلال تصريح لصحيفة "عربي21" في 26 نوفمبر أن "يكون تهريب السلاح- إن صحت فبركات طهران- موضوعه سياسي ضد إيران، لأنه لا يمر أسبوع واحد في إقليم كردستان، دون إلقاء الأجهزة الأمنية القبض على إيرانيين ينقلون المخدرات من إيران إلى العراق، وكذا الحال فيما يتعلق بالسلاح".

وأكد محمود أن "هناك توافقا بين بغداد وأربيل على إعادة نشر قوات حرس الحدود، وأن الإقليم يريد أن يثبت للشركاء في العراق أن ادعاءات الجانب الإيراني مفبركة بأن هناك تعاونا من الإقليم مع جماعات مسلحة معارضة لإيران، وهذا غير موجود بالمطلق".

ولفت الكاتب الكردي إلى أن "الاتفاق الذي حصل على تفعيل قوات حرس الحدود العراقية، وقوامها ثلاثة ألوية، تتبع الحكومة الاتحادية في بغداد، بنشرها من المثلث العراقي التركي السوري إلى المثلث الإيراني العراقي التركي".

وأعرب محمود عن اعتقاده بأن "المسألة سياسية أكثر مما هي عسكرية، وتحتاج إلى مؤتمر سياسي بين أنقرة وطهران وأربيل وبغداد، والبدء بمحادثات جدية من أجل السلام، وليس القضاء على مجموعات من اللاجئين الذين لجؤوا إلى العراق منذ نحو 40 عاما".

وزاد: إن استطاعت هذه الأطراف الأربعة إخراج حزب العمال الكردستاني، فسيعم الخير على الجميع؛ لأن الأخير يحارب ضد الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني في إقليم كردستان، ويحارب ضد تركيا أيضا، وكذا الحال في سنجار، وهناك تعاون بين أذرع هذا الحزب والحشد الشعبي العراقي".

ويشن الحرس الثوري الإيراني منذ 14 نوفمبر ضربات صاروخية وهجمات بمسيّرات مفخّخة على مواقع تابعة لأكراد إيرانيين يتمركزون منذ عقود في كردستان العراق، الإقليم المتمتع بحكم ذاتي في شمال العراق.

بدورها شنت تركيا في 20 نوفمبر عملية عسكرية ضد مواقع لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية، اللذين تصنفهما أنقرة منظمات إرهابية، في شمال العراق وسوريا، ردا على التفجير الذي هز منطقة تقسيم في إسطنبول التركية قبل ذلك بعشرة أيام.