هجمات متكررة.. لماذا صعد الحوثيون من استهداف موانئ النفط اليمنية؟

12

طباعة

مشاركة

تحول جديد في حرب مليشيا الحوثي ضد الحكومة اليمنية، هو الأخطر منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء عام 2014، إذ صعدت هجماتها على موانئ تصدير النفط في اليمن بصورة غير مسبوقة.

وشن الحوثيون في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، هجوما بطائرات مسيرة على ميناء "الضبة" النفطي بمحافظة حضرموت شرقي البلاد، بعد هجوم وقع في الوقت نفسه من أكتوبر/تشرين الأول.

وألحق القصف الحوثي أضرارا مادية بمنصة تصدير النفط في الميناء، لمنع تصديره إلى الحكومة اليمنية، بعد تعثر التوصل إلى اتفاق جديد لتمديد الهدنة التي انتهت في الثاني من أكتوبر.

وانتهت الهدنة بسبب اشتراط الحوثيين دفع رواتب الموظفين والمقاتلين في مناطق سيطرتهم ورفض الحكومة ذلك.

وتصف مليشيا الحوثيين تصدير الحكومة اليمنية للنفط والغاز بأنه "نهب لموارد اليمنيين". وخلال العامين الأخيرين حاولت جاهدة لوضع يدها على حقول ومنابع النفط في مدينة مأرب شرق العاصمة صنعاء لكن لم تنجح في ذلك.

ويهدد الهجوم بانتكاسة خطط الحكومة اليمنية لزيادة الإنتاج النفطي بغية تحسين أدائها المالي ودفع فاتورة الرواتب وتحسين الخدمات.

هجمات متكررة

وأعلنت وزارة الدفاع اليمنية، في 21 نوفمبر 2022، عن تصديها واعتراضها عددا من الطائرات المسيرة التابعة لمليشيا الحوثي هاجمت ميناء الضبة النفطي. فيما أصابت إحداها منصة تصدير النفط في الميناء وألحقت أضرارا مادية فيها.

ونقل المركز الإعلامي للقوات المسلحة اليمنية، عن مصدر مسؤول في وزارة الدفاع، قوله إن "الدفاعات الجوية للقوات تصدت لاعتداءات إرهابية جديدة شنتها المليشيات الحوثية بدعم من النظام الإيراني على ميناء الضبة النفطي بمحافظة حضرموت، شرق البلاد".

وأضاف المصدر أن "الهجمات الإرهابية المتكررة لا تستهدف فقط المؤسسات الاقتصادية الوطنية، وإنما تستهدف أمن واستقرار المنطقة وإمدادات الطاقة وحرية الملاحة البحرية والتجارة العالمية".

من جانبه قال الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة التابعة لمليشيا الحوثي، يحيى سريع إن قواتهم نجحت في إجبار سفينة نفطية حاولت الاقتراب من ميناء الضبة على المغادرة.

وأضاف في تغريدة على "تويتر"، أن "السفينة التي كانت في مهمة نهب كميات كبيرة من النفط رفضت الاستجابة لتحذيرات القوات المسلحة"، حسب تعبيره.

وبحسب ما نقل مسؤول محلي في محافظة حضرموت، فإن الهجوم الحوثي على الميناء أوقف عملية تصدير شحنة تبلغ نحو مليوني برميل من النفط الخام وتسبب في أضرار مادية بالميناء دون أي خسائر بشرية.

وأضاف أن "فرقا فنية تعكف على إصلاح أضرار الميناء، والحكومة تقوم بمزيد من الترتيبات لتأمين الميناء في مواجهة الهجمات الحوثية". وفق ما نقلت وكالة الأناضول التركية.

وتفتقر المواقع الإستراتيجية والنفطية وموانئ تصدير الطاقة في اليمن لأي منظومات دفاعية، للتصدي لهجمات الحوثيين، بسبب عدم تزويد التحالف السعودي الإماراتي الذي يقود حربا ضد الحوثيين، أي منظومة دفاعية للحكومة الشرعية.

ويتحكم التحالف السعودي الإماراتي بالقرار السياسي والعسكري في اليمن منذ تدخله لمحاربة الحوثيين عام 2015، بطلب من الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، بعد سيطرة المليشيا المدعومة من إيران على الدولة بقوة السلام في 21 سبتمبر/ أيلول 2014.

ولم يكن هذا الهجوم الأول من نوعه، إذ استهدف الحوثيون سفينتي "هانا" و"التاج بات بليو ووتر" الراسيتين في ميناء رضوم بمحافظة شبوة، غرب حضرموت، في 18 و19 أكتوبر، بدون خسائر، وفق بيان لوزارة النفط اليمنية.

تحول خطير

وشن الحوثيون في 9 نوفمبر 2022، هجوما على ميناء قنا النفطي الواقع بمديرية رضوم في محافظة شبوة، جنوب شرقي اليمن، لاستهداف باخرة وقود أثناء إفراغ حمولتها، وتمكنت قوات حماية الميناء من إسقاط المسيرة الحوثية دون خسائر.

وتعليقا على هذا التصعيد الحوثي ضد موانئ تصدير النفط، قال مصطفى نصر رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي اليمني (غير حكومي)، إن "استهداف موانئ تصدير النفط أمر خطير ويؤثر بصورة كبيرة على الوضع الاقتصادي والإنساني بشكل عام".

وأضاف لـ"الاستقلال": "خلال الفترة الأخيرة ارتفعت حجم الصادرات النفطية وكانت من أهم العوامل الرئيسة لاستقرار العملة في اليمن إضافة إلى تسليم المرتبات في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً والنفقات التشغيلية المختلفة".

وينتج اليمن منذ بداية العام الحالي في المتوسط 55 ألف برميل يوميا عبر ميناءي الضبة في حضرموت، والنشيمة في شبوة، شرق البلاد، بزيادة عن 51 ألف برميل يومياً عام 2021، وفقا لتقرير نشره مركز أبعاد للدراسات والبحوث في 5 نوفمبر 2022.

وأشار نصر إلى أن "استهداف هذا المورد يضع اليمن أمام تحد صعب ويضع الحكومة أمام وضع خطير وقد تعجز عن تسليم المرتبات إذا لم يكن هناك دعم من مصادر أخرى".

وقد يكون البديل كارثيا في حال لجأت الحكومة إلى الإصدار النقدي وهذا سيؤثر بصورة كبيرة على سعر صرف الريال اليمني مقارنة بالعملات الصعبة، وفق قوله. 

ومضى يقول: "هذا التصعيد يعيد اليمن إلى مربع الصفر فيما يتعلق بالحرب بعد أن شهد الاقتصاد اليمني حالة من الاستقرار النسبي".

وأردف: "كانت التوقعات بأن يكون مستوى النمو إيجابي خلال العام الحالي، لكن هذا يفتح مآلات سيئة للاقتصاد اليمني وللوضع الإنساني". 

وشدد نصر على أن "استهداف منشآت اقتصادية عامة يعد من الأعمال المحظورة وفق القانون الدولي".

وخلص إلى أن "هذا الاستهداف يضع ملايين من المواطنين أمام تحد اقتصادي وإنساني صعب وسيكون لهذه الأعمال تداعيات وستساهم في زيادة مستويات الفقر".

تبعات اقتصادية

وقبل الحرب التي دمرت الاقتصاد المحلي، كان اليمن يحصل على إيراد سنوي يتجاوز 2.2 مليار دولار من تصدير النفط الخام.

وتشكل حصة الحكومة اليمنية من تقاسم الإنتاج مع شركات النفط الأجنبية نحو 70 بالمئة من موارد الموازنة العامة للدولة و63 بالمئة من إجمالي صادرات البلاد، و30 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وحذرت تقارير حديثة من أن هجمات الحوثيين على الموانئ النفطية في اليمن من شأنها أن تؤدي إلى عزوف السفن عن الرسو في الموانئ اليمنية والتعامل معها.

وأيضا هناك خطورة من ارتفاع نسبة التأمين على السفن وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع في أسعار السلع بما في ذلك المواد الأساسية.

وأوضح تقرير لـ"مركز ابعاد للدراسات والبحوث"، في 5 نوفمبر 2022، أن الهجمات الحوثية ستؤدي إلى تراجع قيمة العملة الوطنية، التي انهارت بالفعل خلال سنوات الحرب وفقدت ثلثي قيمتها، وقد تفقد الحكومة اليمنية مصدر الموازنة الوحيد المتبقي الذي يُدر عملة صعبة".

وانخفضت القيمة الشرائية للعملة إلى مستويات قياسية بعد أن فقدت قيمتها أمام الدولار وتجاوزت الألف ريال للدولار الواحد.

وكان الدولار قبل الحرب يساوي 215 ريالا يمنيا، لكن الحرب وتصاعد معدلات التضخم أوصلاه إلى مستويات كارثية.

ومنذ نقل البنك المركزي في 18 سبتمبر 2016، من مركزه الرئيس بالعاصمة صنعاء إلى مدينة عدن وإعادة تشكيل مجلس إدارته، انقسم النظام المالي إلى قسمين، وتسبب باضطراب النظام المصرفي وفجوة كبيرة في أسعار صرف العملات الأجنبية.

وتزايد الانقسام المالي في البلاد مع اتخاذ الحوثيين قرارا نهاية 2019، بمنع الحكومة الشرعية تداول الطبعات الجديدة من العملة المطبوعة في مناطق سيطرتها.

وهو القرار الذي وسع الهوة بإيجاد سعرين مختلفين للعملة المحلية، كما أدى إلى ارتفاع رسوم التحويلات النقدية من مناطق الحكومة إلى الحوثيين أكثر من 150 بالمئة من المبلغ المرسل.

من جانبه حذر فريق الإصلاحات الاقتصادية باليمن "القطاع الخاص اليمني"، خلال بيان في 21 نوفمبر 2022، من تداعيات كارثية على الوضع الاقتصادي والإنساني جراء تعثر المفاوضات والتصعيد الحاصل في البلد.

وبين أن ذلك سينعكس بصورة مباشرة على الاقتصاد الوطني بشكل عام وحياة المواطن اليمني بشكل خاص.