حملة السوداني ضد مافيا النفط في العراق.. إنجاز حقيقي أم "شو إعلامي"؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

أثارت الحملة التي تقودها حكومة محمد شياع السوداني في العراق ضد عمليات تهريب النفط، تساؤلات عديدة عن مدى جدية رئيس الوزراء الجديد في معالجة هذا الملف المهم، وإنهاء سيطرة المافيات على "الذهب الأسود" في بلد يمتلك ثالث أكبر احتياطي نفطي بالعالم.

وأعلن السوداني، في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 عن تفكيك أكبر شبكة لتهريب النفط بمحافظة البصرة جنوبي البلاد، عبر "توجيه الأجهزة الأمنية بتعقب شبكات تهريب النفط وتنفيذ أوامر القبض بحق العصابات التي تجرأت وتغولت في سرقة حق العراقيين".

"شبكة حكومية"

وفي 3 نوفمبر، أفادت وكالة الأنباء العراقية "واع" نقلا عن جهاز الأمني الوطني، بالقبض على "أكبر شبكة تهريب للنفط الخام في البصرة"، موضحة أن شبكة التهريب التي يقودها "أحد التجار"، ضمت "ضباطا برتب عالية وموظفين كبارا"، اعتقلوا بموجب مذكرات صادرة عن القضاء.

وكشفت "واع" أن شبكة التهريب "قامت بإحداث ثقوب بخطوط تصدير النفط الخام بحقل الزبير النفطي حيث كانت تهرب بحدود 5-7 صهاريج بسعة 50 ألف لتر يوميا، وبما يصل إلى 75 مليون لتر شهريا".

ومن بين المعتقلين ضمن شبكة تهريب النفط، كان مدير عام شرطة الطاقة في وزارة الداخلية اللواء غانم الحسيني، ومدير شرطة الطاقة في محافظة البصرة وعدد من الضباط والمنتسبين.

وصادرت الأجهزة الأمنية 49 خزانا وعجلة شحن كانت معدة للتهريب، وضبطت 93 وكرا و496 خزانا كانت تستخدم لتخزين المشتقات النفطية، إضافة إلى إغلاق 11 محطة مخالفة للضوابط.

وعلى الصعيد ذاته، اتهم عضو لجنة النفط والغاز في البرلمان العراقي، علاء الحيدري حكومة رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي بالتواطؤ في عمليات تهريب النفط، بالقول إن "هذه العمليات ازدادت في حكومة تصريف الأعمال من خلال رعاية حقيقة وتوجيه مباشر من مكتب رئيس الوزراء".

وقال خلال مقابلة تلفزيونية في 10 نوفمبر: "من غير المعقول أن تخرج الشاحنات بأسطول كامل محملة بالنفط المهرب من البصرة إلى حدود الإقليم (كردستان العراق) ولم تفتش أو تعترضها سيطرة وهذا يدل على وجود تنسيق مع بعض الأمنيين من قبل مكتب الكاظمي".

وأشار إلى أن "البرلمان شكل لجنة تقصي حقائق وسوف تباشر مهامها بالتنسيق مع وزارة النفط وكذلك الوزارات الأمنية"، متسائلا: "لماذا لا توجد أجهزه لتتبع الصهاريج والحوضيات المحملة بالوقود والمشتقات النفطية؟"

ولفت الحيدري إلى أن "لجنته وجهت بالابتعاد عن الحماية الكلاسيكية للأنابيب المتشعبة في الصحراء من خلال نصب سيطرة او مجموعة من القوات الأمنية فهي غير كافية بل نحتاج إلى تقنيات حديثة من الطائرات المسيرة وكذلك أجهزة الرصد والكاميرات الحرارية".

"تهريب مليشياوي"

وبينما كانت حكومة السوداني تتحدث عن عمليات تهريب تقودها جهات تنتمي إلى الأجهزة الأمنية، استهدف قصف جوي إسرائيلي رتلا لمليشيات موالية لإيران في 8 نوفمبر، خلال عبوره من العراق إلى سوريا عند معبر القائم قبالة ناحية البوكمال بريف دير الزور.

وأفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في 9 نوفمبر نقلا مصادر مطلعة، بأن إسرائيل نفذت غارات جوية استهدفت مركبات بعد عبورها حدود العراق، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 10 أشخاص، بينهم إيرانيون.

ولفتت إلى أنه كانت هناك قافلة من 22 مركبة، في منطقة القائم الحدودية في العراق، وتنتظر العبور إلى سوريا، حيث أشار مسؤول عراقي (لم تكشف هويته) إلى أن "الهجوم وقع حوالي منتصف ليل الثلاثاء بعد عبور أول 10 ناقلات إلى سوريا".

وأوضح أنه "تم تدمير ناقلتين بعد أن قطعتا عدة مئات من الأمتار داخل الأراضي السورية، بينا بقيت المركبات الـ12 المتبقية في القائم".

من جهته، ذكر موقع قناة "صابرين نيوز"، المقرب من المليشيات العراقية المدعومة من إيران على "تلغرام"، أن القصف أدى إلى تدمير 20 شاحنة ومقتل 25 من عناصر المليشيات مع جرح آخرين.

ولفت إلى أن "الشاحنات المستهدفة كانت تقل مادة الكاز (الكيروسين) كمساعدات من الجانب الإيراني إلى الشعب اللبناني".

فيما كشف عضو "تحالف الأنبار الموحد" العراقي عبد الله الجغيفي، خلال مقابلة تلفزيونية في 9 نوفمبر عن قصف قوات التحالف الدولي رتلا من الصهاريج يحمل نفطا مهربا في منفذ القائم الحدودي بمحافظة الأنبار، غربي العراق، كان متجها إلى سوريا.

وقال الجغيفي إن قصفا استهدف رتلا يحمل نفطا مهربا فور خروجه من منفذ القائم الحدودي، باتجاه سوريا بعد عبوره المنفذ بنحو 25 مترا. وأوضح أن الأرتال تهرب النفط إلى سوريا ولبنان في الليل بشكل دائم، مبينا أنه "لا يعرف عدد الصهاريج في الرتل التي تعرضت للقصف"، مرجحا أن تكون 15 أو 20 صهريجا.

ولفت السياسي العراقي إلى "وجود عملية تهريب منظمة للنفط من منفذ القائم الحدودي، رغم أننا نسمع ضبط عمليات التهريب بين الفترة والأخرى في البصرة أو غيرها". 

"حركة دعائية"

وعن مدى جدية حكومة السوداني في مكافحة تهريب النفط، قال الباحث في الشأن العراقي وائل عباس لـ"الاستقلال"، إن "إعلان السوداني اعتقال أكبر شبكة لتهريب النفط في البصرة ما هو إلا حركة دعائية يريد من خلالها كسب تأييد الشارع، من خلال بعض الشو الإعلامي".

ولفت عباس إلى أن "شبكات تهريب النفط الحقيقية في العراق هي التي تديرها المليشيات سواء في البصرة أو في القيارة بمدينة الموصل وكُشف عن الكثير منها في تقارير إعلامية دولية، وهي مصدر تمويلها الأول".

وأكد أن "السوداني لو كان صادقا في العمل على منع تهريب النفط، فعليه فتح الملفات بشكل كامل وألا يقتصر على جهة دون أخرى، لأن أهالي البصرة التي تعد أكبر مدينة نفطية بالعراق، يعرفون المليشيات التي تهرب نحو 300 ألف برميل يوميا".

واستبعد الباحث العراقي أن "يوقف السوداني تهريب النفط، لأنه يعرف أن مصيره في المنصب مرهون بالتغاضي عن أعمال المليشيات سواء من تهريب أو تجارة في الممنوعات أو أخذ الإتاوات من المواطنين، وكذلك الفساد الذي يديرونه في مؤسسات الدولة".

وقال إن "حكومات ما بعد عام 2003، تتحدث عن محاربة الفساد، لكنها مهما فعلت وأعلنت عن اعتقال شبكات وشخصيات فاسدة، فلن يقتنع الشعب بذلك ما لم تقدم الرؤوس الكبيرة المسؤولة عن تهريب النفط أو غيرها من عمليات الفساد، لا أن يتم تقديم شخصيات صغيرة على أنها هي من نهبت أموال العراقيين طيلة السنوات الماضية".

من جهته، اقترح الخبير القانوني، المفتش العام السابق بالداخلية العراقية، جمال الأسدي خلال حديث لموقع "أربيان بزنس" العراقي في 9 نوفمبر، تعقب صهاريج تهريب النفط عن طريق تقنيتي "جي بي إس" و"جبي بي آرس إس"، مدعيا أنها "قد تكون فعالة للقضاء على 90 بالمئة من حالات التهريب".

وعن نجاح هذه الطريقة في القضاء على التهريب في ظل وجود عدد كبير من الصهاريج والمركبات في العراق، قال الأسدي، إن "كل عمليات التهريب تتم بسيارات حوضية، ولا توجد في العراق سيارات حوضية بعشرات الآلاف وإنما بأعداد محدودة ويمكن حصرها والسيطرة عليها".

مبالغ طائلة

ويشكل تهريب النفط أحد أكبر الموارد المالية للأحزاب والمليشيات الشيعية الموالية لإيران، وكشف نواب عراقيون في السابق عن عمليات تهريب يومي للنفط في أنحاء متفرقة من العراق، مقابل مبالغ طائلة تصل إلى مئات الملايين من الدولارات.

النائب العراقي السابق عن محافظة البصرة رامي السكيني، كان قد كشف خلال مقابلة تلفزيونية في أكتوبر 2018، عن ضلوع أحزاب وجهات متنفذة لتهريب نفط البصرة خارج العراق، مبينا أن العملية التي تحولت إلى ظاهرة وخطر كبيرين يهددان ثروة البلاد ومستقبلها.

وقال السكيني: "ليست هناك جهة واحدة تعمل بمفردها على تهريب النفط، إنما جهات عدة تنسق أعمالها فيما بينها، والمقلق أنها بدأت تتحول من مجرد حالة إلى ظاهرة واسعة الانتشار تقف خلفها أحزاب وعصابات ومسؤولون متنفذون".

من جهته، قال النائب عن البصرة صادق المحنا خلال مؤتمر صحفي بمبنى البرلمان في يناير 2017، إن "سرقة نفط البصرة يتراوح ما بين 100 - 300 ألف برميل يوميا، بقيمة 20 مليون دولار، أي بما يعادل سبعة مليارات دولار سنويا".

وأشار إلى أن "الحكومة تبحث عن قروض تصل لمليار دولار، بينما يُسرق سنويا من نفط العراق سبعة مليارات دولار، لافتا إلى أن "الباخرات التي تخرج من الميناء تكون محملة بضعف حمولتها المسجلة".

وكشفت قناة "الحرة" الأميركية في تحقيق تلفزيوني، بثته في ديسمبر/ كانون الأول 2018، عن تورط مليشيا عصائب أهل الحق المنضوية تحت الحشد الشعبي، والمعروفة بولائها اللامحدود لإيران، في تهريب نفط البصرة.

وقال التحقيق، الذي جاء بعنوان "نفط البصرة المنهوب على يد المليشيات"، إن أربعين ألف برميل من النفط الخام ومشتقات البترول، يتم تهريبها من العراق، وتحديدا من البصرة الغنية بالنفط إلى دول الجوار.

وحسب القناة الأميركية، فإن أرقاما متضاربة وصلت بعض تقديراتها إلى 300 ألف برميل يوميا من النفط المهرب إلى خارج العراق، لقاء مئات ملايين الدولارات تدخل إلى جيوب المليشيات وقادة الأحزاب الدينية التي تحكم قبضتها على البصرة.

ونقلت عن سكان محليين من البصرة، أن "عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي، هي إحدى المليشيات التي تنشط في تهريب النفط من البصرة بأوراق وأختام رسمية ومواكبة من الحرس الثوري الإيراني.

وأوضح تحقيق القناة الأميركية، أن غالبية شحنات النفط التي تقوم المليشيات بتهريبها تذهب إلى ميناء بوشهر في إيران، حيث أنشأت طهران من أموال النفط المهرب ميزانية مالية للمليشيات والأحزاب الموالية لها بالعراق.

أما في محافظة نينوى (مركزها الموصل)، فقال النائب عن المحافظة أحمد الجبوري، خلال مقابلة تلفزيونية في يناير 2019، إن مليشيا "كتائب الإمام علي" تسيطر على ثلاث آبار في حقول نجمة تعد من أجود أنواع الآبار النفطية بالعراق.

وقال الجبوري إن "رجلا يدعى أبا رقية ينتمي للكتائب يسيطر على منفذ عبور صهاريج النفط التي تخرج من آبار القيارة باتجاه البصرة، ويطالب بحصته منها مقابل مرورها".

وشدد الجبوري على أن "نفط العراقيين يسرق يوميا ويتم تهريبه من هذه المليشيات المسلحة، التي من المفترض أن تكون رواتب للعراقيين كون البلد يعتمد على تصدير النفط في الوقت الحالي فقط".

وأكد النائب أن "حقول آبار النفط في محافظة نينوى ويبلغ عددها 72 حقلا كانت تصدر 30 ألف برميل يوميا قبل عام 2012"، لافتا إلى أن "هذا الفصيل المسلح بدأ بالتوسع بعد دخوله المحافظة بالتعاون مع عدد من أبناء المنطقة، حتى سيطر في بداية عام 2018 على آبار النفط في حقل نجمة وبدأ في استخراج النفط وتهريبه".