في معاركهم بمحافظة درعا.. لماذا ارتدى عناصر الأسد ملابس تنظيم الدولة؟

12

طباعة

مشاركة

تعود محافظة درعا مهد الثورة السورية، إلى واجهة المشهد العسكري من جديد، لكن هذه المرة عبر تنظيم الدولة، الذي يزجه نظام بشار الأسد لمواجهة ما تبقى من فصائل المعارضة هناك.

وبدا النظام السوري هو "المحرك والمستفيد الأكبر" من اشتعال هذه المواجهات في هذا التوقيت بدرعا الواقعة جنوب البلاد، وفق مراقبين.

وخاصة بعد فشل نظام الأسد منذ مطلع عام 2022 بحصر سلاح بعض مقاتلي المعارضة بدرعا تحت قبضته، حينما رفضوا الدخول في تسويات أمنية طالت المقاتلين أواخر أغسطس/آب 2021.

معارك جديدة

وأطلقت فصائل محلية و"اللواء الثامن" المدعوم من روسيا، في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، عملية عسكرية على مجموعة عناصر من تنظيم الدولة يتحصنون في منطقة حي طريق السد ضمن درعا البلد.

وجاءت العملية بعد "تفجير انتحاري" بحزام ناسف نفذه شخص يتبع لتنظيم الدولة، في 29 أكتوبر، استهدف منزل القيادي السابق في الجيش السوري الحر المعارض "غسان أبازيد"، ما أدى إلى مقتل 4 أشخاص وإصابة 5 آخرين بجروح.

و"اللواء الثامن" هو جزء من مليشيا الفيلق الخامس الروسي، وباتت تبعيته الإدارية لشعبة المخابرات العسكرية "265" في السويداء.

وشكل القيادي البارز أحمد العودة "اللواء الثامن"، وهو تجمع لمقاتلين وفصائل معارضة، عقب توقيع اتفاق التسوية مع روسيا بمحافظة درعا في يوليو/ تموز 2018، وكان مدعوما من روسيا قبل أن تنقل تبعيته للنظام مطلع عام 2022، مع احتفاظ قائده "بخط ساخن" مع الروس.

ويتحصن في حي طريق السد داخل مدينة درعا قادة من تنظيم الدولة ومنهم شخصيات متورطة في عمليات اغتيال بحق قادة وعناصر سابقين في فصائل المعارضة.

وكذلك متورطون بعمليات أخرى لصالح تجار مخدرات، وتسهيل تنقل عناصر وقادة التنظيم مقابل مبالغ مالية، وفقا لموقع "تجمع أحرار حوران" المعارضة.

القتال الجديد بين تنظيم الدولة وفصائل محلية برفقة "اللواء الثامن"، سبقها في 14 أكتوبر، اندلاع اشتباكات في مدينة جاسم شمال درعا بين مقاتلين للمعارضة ما يزالون يرفضون الانضمام لأجهزة الأسد عقب تسوية عام 2018، ومجموعة تنتمي لتنظيم الدولة تحصنت في عدد من منازل المدينة.

وحينها استمر التصعيد لأقل من أسبوع قبل أن يتمكن مقاتلو المعارضة من طرد وأسر وقتل عدد من عناصر تنظيم الدولة بينهم قياديون.

وسرعان ما كشفت العملية الأمنية في جاسم ما لم يكن يتوقعه النظام السوري، إذ نشر أبناء المدينة شريطا مصورا لقيادي في تنظيم الدولة، يؤكد فيه علاقتهم بالأمن العسكري.

ويتحدث كذلك عن لقائه برئيس فرع الأمن العسكري العميد لؤي العلي، وتوجيهه له بتصفية عدد من أبناء جاسم بينهم معارضون لنظام بشار الأسد.

وأسفرت اشتباكات جاسم عن مقتل أحد أبرز قيادات تنظيم الدولة في الجنوب السوري، وهو عبد الرحمن العراقي (عراقي الجنسية)، وبرفقته عنصران من التنظيم بعد مداهمة منزل كانوا يتحصنون بداخله يوم 17 أكتوبر.

انكشاف العلاقة

وللمفارقة فإن قناة "سما" الموالية للنظام أعلنت مقتل العراقي في 15 أكتوبر، الأمر الذي نفاه قيادي محلي في مدينة جاسم، قائلا إن "إعلان مقتله محاولة تمويه من قبل النظام السوري لتهريبه خارج المدينة".

وحينئذ كشف القيادي المذكور "لتجمع حوران" ارتباط قيادة التنظيم بضباط من أجهزة النظام الأمنية في مدينة درعا، وذلك بعد أسر أعداد منهم.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن التحقيقات كشفت أن "نظام الأسد سمح لقادة وعناصر التنظيم بالدخول أخيرا إلى مدينة جاسم ليكون ذلك ذريعة لاجتياح المنطقة".

وبحسب صفحات محلية، فقد أسس قادة من تنظيم الدولة بعد دخولهم إلى جاسم العديد من المقرات في المزارع القريبة من مدينة جاسم، وداخل الأحياء السكنية فيها، إذ إن بعض المقرات كانت لا تبعد عن النقاط العسكرية لقوات النظام أكثر من 3 كيلومترات.

واتهم "تجمع حوران" نظام الأسد بتسهيل إدخال قادة وعناصر تنظيم الدولة إلى درعا من مناطق الشمال السوري، مبينا أن هؤلاء كثفوا عمليات الخطف والقتل وطلب الأموال من المدنيين.

ووصل بهم التضييق على الأهالي إلى تأسيس "محكمة شرعية" في إحدى المزارع القريبة من مدينة جاسم، والطلب من الأهالي مراجعة الأمراء للمحاكمة، في خطوة تشبه إلى حد بعيد نشأة التنظيم في منطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي أواخر عام 2014.

وكل هذا الضغط من قبل نظام الأسد على أهالي مدينة جاسم هو نتيجة رفض أبنائها المقاتلين الانخراط داخل أجهزة النظام الأمنية، في عرض قدمه العميد لؤي العلي خلال اجتماع مع ممثلي المدينة في المركز الثقافي بتاريخ 7 سبتمبر/أيلول 2022.

وتركت أجهزة مخابرات الأسد خلايا تنظيم الدولة تسرح وتمرح في درعا ضمن "سيناريو أمني مدروس" يهدف في النهاية لإخضاع بقايا المعارضة لسلطة الأسد.

ووثق "تجمع حوران" أكثر من 100 عملية نفذتها خلايا التنظيم في جاسم ودرعا البلد وغربي المحافظة، واستهدفت في معظمها معارضين للنظام، أو أصحاب رؤوس أموال بعد امتناعهم عن دفع الإتاوات المفروضة عليهم لصالح التنظيم.

اللافت أن التنظيم لم يستهدف طوال فترة وجوده غرب درعا قوات النظام واقتصرت عملياته على استهداف قادة سابقين في الجيش الحر ومدنيين.

خطة مخابراتية

وفي هذا السياق يؤكد الخبير العسكري السوري العميد عبد الله الأسعد أن "ما جرى في درعا أخيرا يتماشى مع انتقال إدارة اللواء الثامن إلى مخابرات الأمن العسكري التابعة لنظام الأسد بعد انشغال الروس بحرب أوكرانيا، وأصبح بالتالي اللواء تحت تصرف النظام".

وأضاف الأسعد لـ "الاستقلال": "وكذلك وجود مقاتلين سابقين من المعارضة ما يزالون في درعا رفضوا التسوية والمصالحة مع النظام وتسليم سلاحهم له في أكثر من بلدة بريف درعا".

ورأى أن "رفض مقاتلي المعارضة التفاوض مجددا مع نظام الأسد حول الدخول في تسوية جديدة وتسليم سلاحهم، دفع مخابرات الأسد لإلباس عناصر من المخابرات وبعض العملاء لهم لباس تنظيم الدولة وأدخلوهم إلى مدينة جاسم التي يتحصن بها هؤلاء المقاتلون وفتحوا معركة ضدهم هناك تحت شماعة التنظيم في المرحلة الأولى".

واستدرك العميد قائلا: "إن الرأي العام في درعا هو ضد تنظيم الدولة، ولذلك عمدت المخابرات إلى الالتفاف على مقاتلي المعارضة بهذه الطريقة".

وأوضح أن "المرحلة الثانية كان مسرحها مدينة درعا عبر تنفيذ المخابرات تفجيرا انتحاريا داخل منزل أبازيد عبر إرسال أحد الأشخاص القذرين الذين غسلت دماغهم، وعقب ذلك قاموا أي المخابرات ببربوغندا إعلامية بأن هناك وجودا لتنظيم الدولة في حي طريق السد".

وألمح الأسعد إلى أن "مخابرات الأسد عمدت إلى عملية تجييش ضد مقاتلي المعارضة من قبل رجال دين يتبعون لها في درعا وأججت الوضع العسكري هناك".

وذهب الخبير العسكري للقول: "قامت مخابرات الأسد بإدخال اللواء الثامن من أجل قتل أبناء درعا فيما بينهم بحجة وجود طرف ثالث في درعا ويزعمون أنه تنظيم الدولة، ولكن الحقيقة أن هذا الطرف هو مزيج من اللواء الثامن ومخابرات الأمن العسكري وتنظيم الدولة".

ويسعى النظام السوري لتفكيك وإضعاف "اللواء الثامن" بشتى الطرق، عبر ضغوط كثيرة وزجه في معارك تضعف شوكته، بهدف زعزعة هيكلته وفق خطة مرسومة من أجهزة المخابرات السورية، التي بدا أن اللواء ما يزال يقطع الطريق أمام تنفيذها.

وأمام ذلك بات أهالي درعا يفقدون الثقة بالتفاوض مع النظام السوري، وخاصة بعد حادثة اغتيال القيادي في صفوف المعارضة خلدون الزعبي، في أثناء عودته من اجتماع مع لؤي العلي، في 26 أغسطس 2022.

تغيير المعادلة

ويتذرع النظام السوري بين الفينة والأخرى بوجود خلايا لتنظيم الدولة في بعض البلدات بدرعا التي يرفض شبابها قبول التسويات الأمنية.

وكانت قد حاصرت قواته في 27 يوليو 2022 الأحياء الجنوبية من مدينة طفس شمال درعا، مطالبة بخروج مطلوبين من المدينة، قبل أن يتوصل وجهاء من طفس مع اللجنة الأمنية، في 15 أغسطس لاتفاق يقضي بخروج المطلوبين، مقابل انسحاب قوات النظام من أطراف المدينة.

اللافت أنه بعد ادعاءات نظام الأسد القضاء على تنظيم الدولة في منطقة حوض اليرموك غرب درعا منتصف عام 2018، أطلقت المخابرات الجوية والفرقة الرابعة سراح العشرات من قادة وعناصر التنظيم بعد أشهر من الاعتقال.

ولهذا أثبتت الوقائع أخيرا وجود علاقة بين تنظيم الدولة ولؤي العلي، ومليشيات إيران، ولا سيما أن القيادي في تنظيم الدولة رامي الصلخدي، الذي اعتقله عناصر محليون، في 22 أكتوبر 2022، اعترف بتورط عناصره في تنفيذ عمليات اغتيال لصالح الأجهزة الأمنية وإيران.

وطالت تلك العمليات عددا من المعارضين من بينهم الشيخ محمد جمال الجلم وهو المسؤول في "لجنة درعا المركزية" التي تتولى مهمة التواصل بين الأهالي وقوات النظام في محافظة درعا، والذي اغتيل في 11 سبتمبر 2022 بإطلاق النار عليه في مدينة جاسم.

كما اعترف الصلخدي باجتماعه مع العميد لؤي العلي، الذي طلب منه اغتيال شخصيات من أبناء مدينة جاسم، وإدخال عدد من عناصر التنظيم إليها.

وفي محاولة من العلي للتغطية على "الفضيحة" التي فجرها الصلخدي، لجأ بعد أيام إلى تهديد أهالي بلدة اليادودة بدرعا خلال اجتماع معهم باقتحام البلدة وشن عملية عسكرية فيها، بذريعة وجود عناصر من خارجها ينتمون لتنظيم الدولة.

الأمر الذي نفاه أبناء البلدة، وبينوا أن هذا الاتهام بات أسلوب العلي للمدن والبلدات التي لا تزال ترفض وجود قوات النظام السوري فيها.

وفي هذا الصدد، عد "تجمع حوران"، أن "النظام السوري ومن خلفه إيران قادرون على توظيف تنظيم الدولة لتحصيل مكاسب يعجزون عنها من خلال استعمال القوة العسكرية.

وخاصة بفرض شروط على لجان التفاوض المحلية لتقديم تنازلات مستمرة للنظام الذي بات من المؤكد أنه يسعى لتغيير شروط التسوية الأمنية لعام 2018، ومحاولة إعادة الأوضاع في درعا إلى ما قبل 18 مارس 2011 يوم تفجر الثورة السورية.

ويرى موقع "تجمع أحرار حوران" المعارض، أن "مخابرات الأسد وإيران تدرك أن الهدف الأول لتنظيم الدولة سيكون التخلص من معارضي النظام بتهم الردة والعمالة وهي مصلحة للنظام وإيران في المقام الأول".

وعد التجمع في تقرير له نشره في 8 نوفمبر 2022 حول تطورات درعا، أن "ارتباط بعض قادة تنظيم الدولة بمخابرات النظام تسهل عليه التحكم بالعناصر وتوجهيهم لتحقيق الأهداف التي أطلق سراحهم من أجلها".