لغربلة المهاجرين.. هذه صفات "الأخيار والأشرار" في مشروع قانون فرنسي

12

طباعة

مشاركة

محاصرة المهاجرين والتضييق على الأجانب في فرنسا، أهم معالم مشروع قانون جديد أعلنته حكومة باريس يخص الوضعية القانونية اللاجئين والمقيمين والعاملين بطريقة غير نظامية.

ويتساءل مراقبون عن الأهداف الحقيقية للمشروع الجديد، وهل يعد خطوة لتسهيل الاندماج المهني للعمال المهاجرين، أم آلية جديدة للتخلص منهم، خاصة بعد رفض الدول المغاربية قرار ترحيلهم من فرنسا؟

إنهاء التحفظات

وفي الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2022، كشف وزيرا الداخلية جيرالد دارمانان، والعمل أوليفييه دوسوبت، في مقابلة مع صحيفة "لوموند" الفرنسية، عن الخطوط العريضة لمشروع قانون بشأن الهجرة.

ويتضمن المشروع الجديد قرارا يسمح بمنح تصريح إقامة خاص لـ"المهن المطلوبة" لتسوية وضعية المهاجرين غير النظاميين الموجودين على الأراضي الفرنسية العاملين في القطاعات التي تعاني نقصا في اليد العاملة. 

الحكومة الفرنسية، أشادت عند كشفها عن الخطوط الرئيسة لمشروع قانون الهجرة الجديد، بما يتضمنه من "توازن" بين اليد الممدودة للعمال المهاجرين وعمليات ترحيل أكثر صرامة.

وخلال الحوار، قال وزير الداخلية: "سنكون أشرارا مع الأشرار وطيبين مع الطيبين".

ومن المقرر أن يشمل مشروع القانون بشأن اللجوء والهجرة سلسلة من التدابير من بينها جعل "الالتزام بمغادرة الأراضي الفرنسية" أكثر صرامة.

وتعتزم الحكومة الفرنسية إجراء اختبار لغة للمهاجرين غير النظاميين، المطلوبين في مهن منصوص عليها في مشروع القانون، وإنهاء "تحفظات النظام العام" التي تمنع إبعاد الأشخاص الذين وصلوا قبل 13 عاما إلى فرنسا، لتترك للقاضي "اتخاذ قرار ما إذا كان ينبغي عليهم البقاء أم لا".

ومشروع القانون الجديد، يأتي عقب أزمة مع بلدان مغاربية (المغرب، الجزائر، تونس) التي رفضت استقبال مهاجرين، قررت باريس ترحيلهم وفق شروط معينة، مما أدى إلى تشديد فرنسا لشروط منح التأشيرات منذ عام 2021.

وتعليقا على مشروع القانون، وجهت صحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية انتقادات لسياسة رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون، ووزير داخليته، متهمة إياهما بالتحامل على المهاجرين في وضعية غير نظامية أو في انتظار استلامهم تصاريح الإقامة.

وعدت الصحيفة في مقال نشر في 3 نوفمبر 2022، أن "ماكرون ودارمانان يتحاملان على المهاجرين".

قانون انتقائي

وأمام عزم الحكومة عرض مشروع قانون الهجرة الجديد على التصويت في البرلمان، يبدو أن وضعية المهاجرين والأجانب الذين يعيشون في فرنسا، "ستتعقد أكثر فأكثر".

ويرى الباحث في الهجرة وعضو المرصد الأوروبي المغربي للهجرة، رشيد المدني، أن "المشروع الجديد خطوة لتسهيل اندماج المهاجرين، لكن بشكل انتقائي وجزئي".

وأوضح المدني لـ"الاستقلال"، أنه "سيكون اندماجا مهنيا من خلال بعض الوظائف التي تعرف خصاصا من قبيل الفندقة، البناء، والنظافة والمطاعم...".

ولفت إلى أن "المشروع الجديد، حتى وإن كان يبدو كما يدعي الساسة ومن هم خلف القانون أنه ينطلق من بعد إنساني، فإن الخلفية الحقيقية هي براغماتية وإن صورت في وجه إنساني".

وشدد المدني على أن "الاستفادة من هذا المشروع ستكون ضعيفة التأثير على عموم المهاجرين غير النظاميين".

وأمام الانتقادات الموجهة للقانون الجديد، أوضح نائب العمدة السابق لبلدية "أتيس-مونس" الفرنسية، عمر المرابط، أن "القانون لا يزال مشروعا ولم يطرح بعد من الناحية القانونية".

وعد المرابط، في حديث لـ"الاستقلال"، أن إعلان الحكومة عن هذا المشروع هو "بالون اختبار لمعرفة رد الرأي العام".

وأشار إلى أن "الحكومة استقبلت أرباب العمل خاصة في المجالات المعنية، مثل البناء والمخابز والنظافة، لاستطلاع آرائهم"، مردفا أنه "لحد الآن لا يعرف بالضبط ماذا في هذا القانون".

وأفاد المرابط بأن "مشروع القانون في طور التفكير وجمع المقترحات، لتأتي بعدها البلورة قبل طرحه أمام البرلمان، إن طرح، لأن اليمين المتطرف يتهم الحكومة بأنها تقوم بعملية تسوية قانونية لملف المهاجرين".

وأوضح أن "الإشكال الحقيقي يتمثل في معارضة حزب الجمهوريين لمشروع القانون"، مضيفا أن "هذا الحزب اليميني مقبل على انتخاب رئيسه قريبا ومن المرشحين الاثنين إيريك سيوتي المتطرف يمينا".

وقال المرابط، إنه "إذا علمنا أن الحكومة يمكن أن تسقط في أي وقت إذا صوت هذا الحزب مع حجب الرقابة، فهذا يعني أن الحكومة لا تريد أن تدخل في مواجهة مع حزب يمارس المساندة النقدية ولو من خلف كرسي المعارضة".

وخلص إلى أن "هذا القانون جاء لحل مشكلة المهاجرين وليس كخدعة"، وعد أن هذا القانون "جاء لحل إشكالية نقص اليد العاملة في بعض المجالات".

وذكر المرابط أن "الإشكالية الاقتصادية حاضرة في هذا القانون قبل كل شيء، وهذا الأمر"دفع الحكومة إلى نوع من الواقعية السياسية والخروج من النفاق، لأن تسوية وضعية تعني أيضا مدخولا إضافيا في خزينة الدولة بأداء الاقتطاعات الاجتماعية والضرائب...".

سبب ظاهري

مشروع القانون الجديد يأتي في سياق يتواصل فيه الجدل في فرنسا حول موضوع الهجرة، خاصة بعد جريمة الطفلة "لولا" على يد مهاجرة من أصل جزائري.

وفي 14 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أعلنت سلطات باريس العثور على جثة الطفلة الفرنسية "لولا" في حقيبة شمال البلاد، واتهمت بقتلها مهاجرة جزائرية مقيمة بدون وثائق. 

المحلل السياسي والقانوني، مجيد بودن، يرى أن "السبب الظاهري لتصاعد ملف الهجرة هو الجريمة الشنعاء التي ذهبت ضحيتها الطفة لولا، لكن المسألة أوسع من جريمة القتل".

وخلال مشاركته في "بودكاست" على إذاعة "مونت كارلو الدولية" (مقرها باريس)، في 5 نوفمبر 2022، أكد بودن، أن "السبب الأساسي لتصاعد النقاش بخصوص هذا الملف هو الوضع الاقتصادي المتأزم بفرنسا". 

وأوضح أن "فرنسا تعاني من شح اليد العاملة في الكثير من المؤسسات"، مبينا أن "هناك ضرورة للمؤسسات الاقتصادية بأن تفتح الباب أمام استقبال عدد أكبر من المهاجرين، خاصة الذين ليست لهم وضعية نظامية".

وعد أن "موضوع المهاجرة التي ارتكبت جريمة ما هو إلى جانب عرضي، بينما المسألة الحقيقية هي أن المجتمع الفرنسي والأوروبي في حاجة كبيرة للمهاجرين، وهو شيء سيكون دائم الوجود، لذا يجب القبول به"، على حد تعبير بودن.

القبول بهذا الوجود هو "مربط الفرس"، إذ هناك عدة انتقادات للسياسة التمييزية لفرنسا في هذا الملف، فإذا كنت أوكرانيا يتم استقبالك بالورود، أما إذا كنت عربيا أو إفريقيا فإنك تجد التضييق والمحاصرة، وفق تعليقات متابعين على منصات التواصل الاجتماعي.

آلية للتخلص

الباحث في الهجرة وعضو المرصد الأوروبي المغربي للهجرة، المدني، عد أن "التمييز العنصري موجود قبل هذا القانون، لأنه ثابت في السياسة الفرنسية". 

وأكد المدني، لـ"الاستقلال" أن "مشروع القانون هو آلية للتخلص من المهاجرين"، مضيفا أن "هذا هو منطقه الأساس".

وعدد أسباب هذا الرأي بأن الحديث عن هذا القانون جاء بعد حادثة مقتل الطفلة الفرنسية، والمتهمة في الجريمة هي مهاجرة غير نظامية من أصل جزائري. 

وبين المدني أن "هذه الحادثة الأليمة خلفت نقاشا برلمانيا ومجتمعيا واسعا داخل فرنسا خاصة من جهة اليمين المتطرف".

وأردف: "لذلك جاء مشروع القانون في إطار مقاربة أمنية لضبط التراب الفرنسي ومعرفة من يوجد عليه من مهاجرين غير نظاميين، لتتم بعد ذلك غربلة المهاجرين عبر هذا الإجراء في إطار التسوية القانونية على أساس دراسة كل ملف على حدة، ثم منح المقبولين إقامة مؤقتة، وترحيل باقي المهاجرين غير النظاميين".

وأوضح عضو المرصد الأوروبي المغربي للهجرة أن "خطورة القانون تتجلى في تقليص موانع الترحيل القانونية من 12 مانعا إلى 4 فقط، مما يدفع إلى طرح سؤال حول خرق فرنسا لالتزاماتها الأوروبية في إطار حق التنقل بين دول الاتحاد".

وكشف المدني، أن "ما سرب من معطيات عن مضمون مشروع القانون يجعله يشبه عملية دس السم في العسل".

وأشار إلى أن "الوجه المقدم به هو تسهيل اندماج المهاجرين غير النظاميين (الأخيار) والذين لا يعادون القيم الفرنسية، لكن الوجه الآخر هو توسيع الصلاحيات والإمكانات القانونية أمام الحكومة لطرد وترحيل المهاجرين غير النظاميين (الأشرار) الذين يعادون القيم الفرنسية".

وخلص المدني إلى أن "عملية وضع ملفات طلب التسوية القانونية هي عملية ذكية للضبط الأمني لمجال الهجرة الذي أضحى بحسب عدة معطيات خارج التحكم الأمني، كونه أصبح يعرف ضعفا في المعلومة".