منظمة شنغهاي للتعاون.. ملامح الصعود واتجاهات التغيير
المحتويات
مقدمة
المحور الأول: منظمة شنغهاي للتعاون.. التكوين والأدوار
المحور الثاني: منظمة شنغهاي للتعاون.. الأثر الدولي
أ. موقف الأمم المتحدة
ب. تأثير المنظمة على الوضع في منطقة الشرق الأوسط
خاتمة
مقدمة
كان لافتا أن تسند "منظمة شنغهاي للتعاون" رئاسة "نادي الطاقة" الخاص بها لعام 2017 إلى دولة تركيا، رغم أنها ليست عضوة بالمنظمة، وتقف صفتها عند درجة "شريك حوار"، وهي درجة ثالثة من درجات الصلة مع المنظمة، ويأتي قبلها "مراقب"، ثم "عضو كامل" في المرتبة الأولى.
ويزيد من أهمية هذا الموقف أن هذه الرئاسة جاءت بعد تصريح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان ذكر فيه أنه يفضل عضوية "منظمة شنغهاي للتعاون" على عضوية الاتحاد الأوروبي.
هذا الوضع يفتح الباب أمام تساؤلات حول الخطط أو ربما النوايا المستقبلية لهذه المنظمة حيال النظام العالمي، إذ لا تكتفي بالعمل الوطيد لتشكيل نظام مواز لنظيره الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، بل تقدم يد العون للدول التي تعلن التمرد على هذا النظام.
ومن بين هذه الدول إيران وحتى أفغانستان؛ التي حصلت على العضوية الكاملة في المنظمة خلال "قمة سمرقند" التي عقدت في 15 سبتمبر/ أيلول 2022.
وعلى الرغم من أن لهذه المنظمة سياسات ثقافية واقتصادية، إلا أن المهيمن على مسارها البعدان الأمني الاستخباري والعسكري.
فما علاقة هذه المنظمة ذات الطابع الأمني بالجانب الاقتصادي والثقافي؟ وكيف تشكلت؟ وما وزنها على الصعيد العالمي؟ وكيف أسهمت في دعم التمرد "الإصلاحي" على نظام تهيمن عليه الولايات المتحدة؟
هذه الدراسة تقدم اجتهادا في الإجابة على هذه الأسئلة.
أولا. منظمة شنغهاي للتعاون.. التكوين والأدوار
لم تتأسس "منظمة شنغهاي للتعاون" أو "The Shanghai Cooperation Organization"، المعروفة اختصارا باسم "SCO" بصورة مباشرة، بل كانت وليدة تكتل آخر هو "مجموعة شنغهاي الخماسية"، واستدعت مقتضيات التطور المؤسساتي أن تعيد المنظمة تسمية نفسها وإعادة تعريف أدوارها.
بداية، تأسست "مجموعة شنغهاي الخماسية" في 26 أبريل/ نيسان 1996، في إطار دبلوماسي جماعي، أدى إلى توقيع رؤساء خمس دول آسيوية؛ هي الصين وروسيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان على معاهدة، تهدف إلى تعميق الثقة العسكرية في المناطق الحدودية[1].
ومع تطور الحاجة لنموذج التكاتف الإقليمي هذا، ولضمان الأمن الإقليمي بين الدول الأعضاء، اتجه رؤساء هذه الدول إلى توقيع معاهدة أخرى، في العاصمة الروسية موسكو، في 24 أبريل 1997، وتضمنت المعاهدة الجديدة اتفاقا على الحد من القوات العسكرية في المناطق الحدودية المشتركة بين الدول الأعضاء.
وعبر القمم التي نظمتها المجموعة سنويا، تطورت اتفاقات الدول الأعضاء على عدة قضايا؛ كان من أبرزها الاتفاق خلال "قمة دوشانبي" على معارضة التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بحجة حماية حقوق الإنسان.
ودعم جهود الأعضاء لبعضهم البعض في حماية الاستقلال الوطني والسيادة والسلامة الإقليمية والاستقرار الاجتماعي[2]، ما بدت معه المجموعة وكأنها تتجاوز الترتيبات الإقليمية لصالح دعم ترتيبات عالمية، تتعلق بعلاقات الأعضاء بالمجتمع الدولي.
وتمتعت المجموعة بصفة المراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ عام 2005. وفي أبريل 2010، وقعت أمانتا الأمم المتحدة و"مجموعة شنغهاي للتعاون" إعلانا مشتركا حول التعاون[3].
أ. منظمة شنغهاي للتعاون.. النشأة والتطور
ومع اتجاه المجموعة للزيادة الوئيدة في عدد أعضائها، وبعد طلب أوزبكستان الانضمام إليها، وهو ما أعلنت المجموعة قبوله في عام 2001، اتجه رؤساء الدول الست في 15 يونيو/ حزيران 2001 إلى إعلان إرهاصات مولد تنظيم جديد هو: "منظمة شنغهاي للتعاون".
وفي يونيو 2002، اجتمع رؤساء الدول الأعضاء في "منظمة شنغهاي للتعاون" في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية لتوقيع ميثاق المنظمة الجديدة.
وفي يوليو/ تموز 2015، وفي مدينة أوفا الروسية، قررت "منظمة شنغهاي للتعاون" قبول كل من باكستان والهند كعضوين كاملين.
ووقعت الهند وباكستان مذكرتي الالتزامات الخاصة بهما في يونيو 2016 في العاصمة الأوزبكية طشقند، وأعلنت المنظمة عن انضمام الدولتين في العاصمة الكازاخية أستانا، في 9 يونيو 2017.
وفي "قمة أستانا" المنعقدة في 5 يوليو 2005، حصلت إيران على صفة دولة مراقبة في المنظمة، وبدأت عملية الانضمام للحصول على العضوية الكاملة فيها بطلب قدمته للمنظمة في 24 مارس/ آذار 2008، ونوقش طلب عضوية إيران بشكل جدي خلال عام 2021.
وفي 15 سبتمبر 2022، وعلى هامش "قمة سمرقند"، وقع كل من وزير الخارجية الإيراني "حسين أمير عبد اللهيان"، والأمين العام للمنظمة، "تشانغ مينغ"، على وثيقة عضوية إيران الكاملة في المنظمة، لتصبح بذلك إيران العضو التاسع في المنظمة[4].
وبالحديث عن الدول التي تحوز صفة مراقب في المنظمة، فقد كانت منغوليا أولى الدول التي حازت هذه الصفة، وذلك خلال "قمة طشقند" في عام 2004.
وفي العام التالي، وخلال "قمة أستانا"، في 5 يوليو 2005 ، حصلت كل من باكستان وإيران والهند على صفة المراقب، ثم حصلت أفغانستان على هذه الصفة خلال "قمة بكين" في 6 يونيو 2012.
وأخيرا، حازت روسيا البيضاء صفة "شريك حوار" في عام 2009، وحازت لاحقا صفة المراقب في عام 2015.
وبشكل عام، فإن صفة "مراقب" هي امتياز تمنحه المنظمة وغيرها من المنظمات لغير أعضائها؛ بهدف منحهم القدرة على المشاركة في أنشطتها. وغالبا ما تمنح المنظمات الإقليمية صفة المراقب للمنظمات الدولية والدول غير الأعضاء. ويتمتع المراقبون عموما بقدرة محدودة، حيث يفتقرون إلى القدرة على التصويت أو اقتراح القرارات.
مستويات علاقة الدول الإقليمية غير العضو بالمنظمة مع "شنغهاي" لا تقتصر على صفة "المراقب"، بل هناك درجة ثالثة تسمى "شريك حوار"، أعلنت عنها المنظمة في عام 2008، وتعرف المنظمة هذه الصفة باعتبار من يطلب حيازتها أية دولة أو منظمة تتشارك أهدافها ومبادئها مع "منظمة شنغهاي للتعاون"، وترغب في إقامة علاقات شراكة معها.
كانت روسيا البيضاء أولى الدول حصولا على هذه الصفة في العام التالي مباشرة، على نحو ما أسلفنا إليه الإشارة. وحازت تركيا صفة شريك حوار خلال "قمة بكين" عام 2012، وتبعها كل من أرمينيا وأذربيجان ونيبال وكمبوديا خلال "قمة أوفا" عام 2015، وأعقبتها سريلانكا خلال "قمة يكاترينبورغ" عام 2009.
ويمكن الحديث عن وضع خاص لتركيا، رغم كونها "شريك حوار" للمنظمة. فمع تقدم تركيا بطلب الحصول على هذه الصفة، صرح رئيس الوزراء التركي، آنذاك، رجب طيب أردوغان، بأن تركيا قد تتخلى عن طلب ترشحها للعضوية في الاتحاد الأوروبي مقابل العضوية الكاملة في "منظمة شنغهاي للتعاون".
وأعاد "أردوغان" التأكيد على نفس الأمر مرة أخرى في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، وذلك بعد سلسلة من التوترات بين تركيا والاتحاد الأوروبي[5].
وكان لافتا أنه بعد يومين من هذا التصريح الأخير، وفي 23 نوفمبر 2016، تولت تركيا رئاسة "نادي الطاقة" الخاص بـ"المنظمة" لعام 2017، ما يجعلها أول دولة ترأس ناديا في المنظمة دون حصولها على العضوية الكاملة. وفي "قمة سمرقند" 2022، أعلنت تركيا، مجددا، رغبتها في الحصول على العضوية الكاملة في المنظمة[6].
وفي نفس القمة حازت كل من السعودية ومصر وقطر هذه الصفة[7]، فيما تترقب كل من الإمارات والكويت والبحرين الحصول عليها خلال القمة المقبلة[8].
وكانت مصر قد تقدمت بطلب للحصول على "صفة مراقب" في مارس 2016، تبعتها سوريا في أبريل من نفس العام. ورصد مراقبون تقديم الكيان الصهيوني طلبا بغية الحصول على هذه الصفة في يونيو 2016[9].
وعلى صعيد رابع، لا تمنح المنظمة لسائر المنظمات الدولية صفة "المراقب"، بل تمنحها صفة "الضيف". وتضم قائمة ضيوف "منظمة شنغهاي للتعاون" 4 منظمات دولية، هي: منظمة الأمم المتحدة، ومنظمة دول جنوب شرق آسيا "آسيان"، ومنظمة كومنولث الدول المستقلة "سي آي إس". كما تمنح المنظمة هذه الصفة كذلك لدولة تركمانستان، التي تعد الدولة الوحيدة في هذه الفئة.
ب. أنشطة المنظمة
تتعدد الأدوار والأنشطة التي تباشرها "منظمة شنغهاي للتعاون"، ويبرز دورها كفاعل دولي قوي ذي وزن سياسي وأمني وحتى عسكري واقتصادي. فما هي أهم الأدوار التي تباشرها هذه المنظمة[10]؟
1. التعاون الأمني الاستخباري: تعد عملية مواجهة التهديدات والمخاوف الأمنية الهدف الأول لـ"منظمة شنغهاي للتعاون"، حيث تركز بشكل أساسي على المخاوف الأمنية المتعلقة بمنطقة آسيا الوسطى. وتدور الاتفاقات الأمنية والخطط المعدة لمواجهة هذه التحديات حول عدة قضايا؛ أبرزها: مكافحة الإرهاب، والإرهاب الإلكتروني، والنزعة الانفصالية، والتطرف، والجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، والاتجار غير المشروع بالمخدرات، فضلاً عن تعزيز أمان المعلومات الدولية[11].
وفي "قمة طشقند"، بين 16 و17 يونيو 2004، دشنت المنظمة الهيكل الإقليمي لـ"مكافحة الإرهاب"؛ المعروف اختصارا باسم "راتس" أو "RATS". وفي 21 أبريل 2006 أعلنت المنظمة عن تبني خطة جماعية لمكافحة تهريب المخدرات عبر الحدود.
وفي أكتوبر 2007، خلال "اجتماع دوشانبي" في طاجيكستان، وقعت المنظمة اتفاقية مع منظمة "معاهدة الأمن الجماعي"؛ المعروفة اختصارا باسم "كستو" أو "CSTO"؛ لتوسيع التعاون في قضايا الأمن العابر للحدود وبخاصة فيما يتعلق بالجريمة المنظمة وتهريب المخدرات.
وفي إطار التنسيق من جانب الهيكل الإقليمي لمكافحة الإرهاب (RATS)، أعلنت السلطات في الدول الأعضاء بالمنظمة تمكنها من الحيلولة دون وقوع 20 هجوما "إرهابيا" كانت لا تزال في مراحل التخطيط. كما أعلنت عن تفاديها 650 جريمة "ذات طابع إرهابي ومتطرف"، علاوة على إزالتها 440 معسكرا لتدريب "الإرهابيين"، وتحييد 1700 من المنظمات الأعضاء في "الإرهابي الدولي".
ووفق مجلة "وقائع الأمم المتحدة"، تمكنت منظمة شنغهاي من القبض على أكثر من 2700 عضو من الجماعات المسلحة المحظورة، وشركائهم والأشخاص المشتبه في ارتكابهم أنشطة إجرامية، وأنه قد تم تسليم 213 شخصا ذوي صلة بمنظمات "إرهابية" أو متطرفة، مع الحكم على العديد منهم بالسجن لفترات طويلة؛ وتم وضع 180 مشتبها بهم على قوائم المطلوبين.
كما أنها تمكنت من الكشف عن 600 قاعدة سرية مزودة بأسلحة، واستطاعت مصادرة أكثر من 3250 جهازا للتفجير العشوائي، بالإضافة إلى نحو 10 آلاف قطعة سلاح، وحوالي 450 ألف قطعة ذخيرة، وأكثر من 52 طنا من المتفجرات[12].
2. التعاون العسكري: عبر مسيرتها غير البعيدة في التاريخ، اتجهت المنظمة لتوسيع أنشطتها باتجاه زيادة التعاون العسكري والاستخباري؛ وبخاصة فيما يتعلق بمكافحة "الإرهاب". واتفقت الدول الأعضاء على تنظيم تدريبات عسكرية مشتركة لتعزيز التعاون والتنسيق ضد "الإرهاب" والتهديدات الخارجية الأخرى، والحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين.
الجولة الأولى من هذه التدريبات أجريت في عام 2003 في كازاخستان، وأجريت الجولة الثانية في الصين عام 2004. وتنتظم المناورات العسكرية التعاونية الصينية الروسية منذ ذلك التاريخ تحت عنوان "مهمة السلام"[13]، والتي تجرى كل عامين وتشارك بها قوات من كل الدول الأعضاء، وأحيانا كانت هذه التدريبات تجري بمشاركة قوات إيرانية[14]، قبل أن تنضم إيران للمنظمة رسميا في سبتمبر 2022.
3. التعاون الاقتصادي: في 23 سبتمبر 2003، وقعت الدول الأعضاء في "منظمة شنغهاي للتعاون" على اتفاقية إطار لتعزيز التعاون الاقتصادي فيما بينها. وكان من بين الدول الموقعة على هذه الاتفاقية الإطارية كل من روسيا وكازاخستان وقيرغيزستان، رغم أن هذه الدول تجمعها علاقة تعاهد اقتصادي ضمن "الاتحاد الاقتصادي الأوراسي"، فضلا عن وجود إطار اقتصادي يضم غالبية الدول الأعضاء، ممثلا في مجموعة "بريكس"، ذات الطبيعة الاقتصادية أيضا، والتي تتجاوز الإقليم لصالح احتواء أنوية دولية من أقاليم جغرافية متجاوزة للقارة الآسيوية مثل قارتي إفريقيا وأميركا اللاتينية[15].
وكان لافتا خلال مراسم التوقيع على هذه الاتفاقية الإطارية أن يقترح الرئيس الصيني آنذاك، "ون جي باو"، تبني هدف طويل الأجل لإنشاء منطقة للتجارة الحرة في إطار المنظمة، واقترح أن تتبنى الدول الموقعة على الاتفاقية خطة تدابير فورية لتحسين تدفق السلع في المنطقة.
وبالفعل، وقعت الدول الأعضاء على خطة متابعة، تضمنت 100 إجراء محدد؛ يجري تقييمها خلال الاجتماع التالي الذي كان اتفق على تحديده في 23 سبتمبر 2004.
وفي قمة موسكو المنعقدة في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2005، أعلن الأمين العام للمنظمة أنها ستعطي الأولوية لمشاريع الطاقة المشتركة خلال المرحلة المقبلة؛ بما في ذلك قطاع النفط والغاز، والتنقيب عن احتياطيات جديدة من الهيدروكربون، والاستخدام المشترك لموارد المياه.
وفي نفس الاجتماع اتفقت الدول الأعضاء على إنشاء اتحاد مشترك للبنوك، تكون مهمته تمويل المشاريع المشتركة المستقبلية. وقد انعقد الاجتماع الأول لرابطة البنوك التابعة لمنظمة شنغهاي للتعاون في بكين بين 21 و22 فبراير/ شباط 2006.
وفي "قمة دوشانبي"، التي عقدت في طاجيكستان في 28 أغسطس/ آب 2008، وعلى خلفية التباطؤ في نمو الاقتصاد العالمي، اتجهت المنظمة نحو تبني سياسة تنسيق فيما يتعلق بالسياسات المالية والنقدية، والسيطرة على تدفق رأس المال، وضمان أمن الغذاء والطاقة.
وفيما تبدو منظمة "بريكس" مجتهدة على صعيد البنية التحتية الاقتصادية للمسار العالمي الموازي لمسار القطب المهيمن، يبدو أن الوجهة الاقتصادية لـ"منظمة شنغهاي للتعاون" تتجه لتجهيز البنية التحتية الأمنية للمسار الاقتصادي.
وبدا أن اقتراح إنشاء آلية تمويل تابعة للمنظمة يرتبط بتجهيز البنية التحتية الأمنية المالية، ما يتسق مع سائر مقترحات "قمة دوشانبي" المرتبطة بالسيطرة على تدفقات رأس المال.
وهذه البنية التحتية تكفل عدم تعرض الدول أعضاء هذه المنظمة لحروب عملة كالتي تعرضت لها تركيا خلال العقد الأخير. ولعل هذا العامل هو أحد أسباب مطالبة تركيا بالعضوية الكاملة في المنظمة.
4. التعاون الثقافي: يمكن القول بأن هذه المساحة من مساحات التعاون بين الدول أعضاء المنظمة هي الأقل اهتماما. غير أن الاهتمام بها ليس منعدما.
وشهدت المنظمة اجتماعا على مستوى وزراء الثقافة لأول مرة في العاصمة الصينية بكين في 12 أبريل 2002، ووقعوا بيانا مشتركا لمواصلة التعاون. وتواصلت الاجتماعات لاحقا مع إنتاج ضعيف نسبيا.
وخلال "قمة أستانا"، في 5 يوليو 2005، أقيم مهرجان ومعرض فنون حمل اسم "SCO" لأول مرة. وإثر هذا المهرجان اقترحت نفس الدولة، كازاخستان، إقامة مهرجان للرقص الشعبي، كان مقررا عقده في عام 2008، في العاصمة الكازاخية أستانا، لكنه عقد على مستوى محلي.
غير أنه على صعيد التفاعل الدولي، اتجهت المنظمة لتفعيل المسار الثقافي. وفي هذا الإطار أقامت الأمانة العامة للمنظمة شراكات مع عدة منظمات دولية، أبرزها "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة" المعروفة اختصارا باسم "يونسكو"، ومنظمة السياحة العالمية[16].
ثانيا. منظمة شنغهاي للتعاون.. الأثر الدولي
انتهينا إلى أن هذه المنظمة تشكل إحدى بذور نظام عالمي جديد تنتهي فيه هيمنة الولايات المتحدة الأميركية على النظام العالمي. وبلغ الأمر أنها أبدت قدرا من التحدي عبر مساعدة إيران اقتصاديا وعسكريا، ومكنت تركيا من ترؤس "نادي الطاقة" في تحد لسلوك الاتحاد الأوروبي تجاه مساعي تركيا للتنقيب عن ثرواتها في شرق المتوسط.
غير أن هذا التصور يصطدم بعضويتها الإيجابية في التنظيم القانوني الدولي، بل ورؤيتها أن هذا التنظيم يمثل الشكل الأكثر لياقة لإدارة المجتمع الدولي الراهن. فكيف يمكن فهم موقف المنظمة في هذا الإطار؟
أ. الأمم المتحدة والمنظمة
الطموح العولمي الذي انطلقت منه القوى الأساسية في "منظمة شنغهاي للتعاون" وجد تعبيرا صريحا عنه في مجلة "وقائع الأمم المتحدة"؛ لهذه المنظمة الإقليمية وتطلعها للعب دور في تحويل النظام الدولي إلى نظام متعدد الأقطاب.
وتذكر مجلة "وقائع الأمم المتحدة" أنه "عن طريق تعزيز التعاون الذي يحقق المنفعة للأطراف بالتساوي، ومنع المواجهة والنزاع، والحفاظ على الأمن كحق متساو وكامل، فإن منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) تهدف إلى بناء نظام عالمي متعدد المراكز، يتسق بشكل تام مع قواعد القانون الدولي ومبادئ الاحترام المتبادل، التي تلبي مصالح كل دولة، مع وضع احتياجاتها وطموحاتها المتبادلة في الاعتبار"[17].
ويشير الخبير الأممي "راشد عليموف" لأدوار المنظمة السالف ذكرها بين ما هو أمني ودبلوماسي واقتصادي وسياسي. ويسوق الخبير هذه المنظمة عالميا تحت لافتة الانضمام للمجهود الأممي في مواجهة التحديات الأمنية من قبيل "مكافحة الإرهاب، والإرهاب الإلكتروني، والنزعة الانفصالية، والتطرف، والجريمة المنظمة عبر الحدود الوطنية، والاتجار غير المشروع بالمخدرات، فضلاً عن تعزيز أمان المعلومات الدولية".
أما المسار الثاني لتسويق المنظمة لدى الأمم المتحدة فيتمثل في تسويقها تحت لافتة احترام القانون الدولي، والالتزام الصارم بالأغراض والمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، مثل المساواة وسيادة الدول، وعدم قبول التدخل في شؤونها الداخلية، واحترام الوحدة الإقليمية، والحرص على سلامة الحدود، وعدم الاعتداء، وتسوية النزاعات بالوسائل السلمية، وعدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها.
فضلا عن غيرها من قواعد القانون الدولي المعترف بها عالميا، والتي تهدف للحفاظ على السلم والأمن، وإقامة شراكات بين الدول، وحماية السيادة الوطنية، واحترام الحق في تقرير المصير، والمسار إلى الأمام لتحقيق التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
ولعل هذه الواجهة التسويقية وراء عدم تأييد المنظمة للتدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، وتحفظ الدول الأعضاء عن التأييد.
وفي البيان الختامي لـ"قمة سمرقند" المنعقدة في 2022، أكدت المنظمة على تعزيز التعاون في مجالات الدفاع والأمن والاقتصاد، من دون إبداء موقف مؤيد لروسيا.
كما جدد الرئيس الصيني "شي جين بينغ" رفضه للعالم أحادي القطب، كذلك من دون الإشارة للحرب الروسية في أوكرانيا[18].
كما اضطر الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" لعقد المؤتمر الصحفي حول العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا منفردا في أعقاب "قمة سمرقند"، ما يعد رسالة أساسية من المنظمة بانتفاء علاقتها بالحرب وعدم تأييدها لها.
وإذا كانت ورقة "وقائع الأمم المتحدة" يغلب عليها تسويق المنظمة، فإن قسم "الشؤون السياسية وبناء السلام" بالمنظمة، قد نشر على صفحته الخاصة بموقع المنظمة ما يفيد الاعتمادية الأممية الإيجابية على المنظمة فيما يتعلق بمكافحة الجريمة، ومكافحة الإرهاب، وذلك عبر تعاون المنظمة المستمر مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ، ومكتب الأمم المتحدة المعني بمكافحة الإرهاب[19].
ب. تأثير المنظمة على الوضع في الشرق الأوسط
تمثل المنظمة قوة كامنة لا يمكن التغاضي عن احتمالاتها المستقبلية. فالدول الأعضاء في المنظمة يمثلون ما يقرب من 44 بالمئة من سكان العالم. كما أن الكتلة الجغرافية تمتد من المحيط المتجمد شمالا إلى المحيط الهندي جنوبا، ومن هناك إلى المحيط الهادئ، وبحر البلطيق في الطرف الآخر، وتسهم بأكثر من 30 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
ويعتقد مراقبون أن الكتلة لديها أيضا إمكانات اقتصادية كبيرة مع انضمام المزيد من الدول كأعضاء إليها أو إقامة شراكات معها[20]. وفضلا عن عملها الدؤوب لتوثيق صلتها بالتنظيمات الدولية المؤثرة، فإنها تتضمن في عضويتها اثنتان من الدول دائمتي العضوية في مجلس الأمن الدولي، ما يمنحها قدرة تأثير فعالة ضمن الإطار التنظيمي الدولي، وهي قوة تبدو إصلاحية في مسارها السياسي، تجتهد لئلا يؤدي التحول لصدمة على الصعيد العالمي قد تضر هذه الدول بأكثر مما تنفعها.
لهذه الأسباب، ينظر قطاع من الخبراء والمراقبين لـ"منظمة شنغهاي للتعاون" في المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية كنواة لمسار جديد للنظام العالمي، من المتوقع أن يؤول إلى تغيير حقيقي في بنية هذا النظام.
وهذا التصور ربما يكون التفسير الوحيد لتمتع هذه المنظمة بعضوية تسع دول، ومشاركة مراقبة من 4 دول أخرى، وشراكة حوار مع 9 دول، مع قائمة انتظار لصفتي المراقبين وشركاء الحوار تضم نحو نصف سكان الكوكب.
في المقابل يميل مراقبون غربيون للتهوين من الوزن الدولي للمنظمة مشيرين إلى أن دورها ظل محدودا حتى الآن، وأن تأثيرها كواحدة من أكبر التكتلات الدولية الإقليمية غير ملحوظ في الكثير من الملفات، رغم تمتع أعضائها بإمكانات اقتصادية وبشرية هائلة[21].
مجلة "ناشيونال إنترست" الأميركية، نشرت خلال تحليل في نوفمبر 2021، أن المنظمة ليست بمثابة "ناتو شرقي" أو "حلف وارسو" جديد، وقالت إنه رغم أن المنظمة تتسم بالصفة الإقليمية وتركز على العلاقات الخارجية في ميثاقها وتصريحاتها، إلا أنها تركز فعليا على العلاقات الداخلية بين دولها "فعلا وقولا"، كما أن تركيزها الجغرافي لا يزال ينصب على آسيا الوسطى[22].
وربما تحمل التحليلات الرغبوية أو الأمنياتية تفاؤلا نسبيا حول الدور الدولي لكيانات مثل "منظمة شنغهاي للتعاون" أو مجموعة "بريكس"، أو حتى "الاتحاد الأوراسي" القائم على بناء اتحاد جمركي بين كل من روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان، والذي يضم قائمة انتظار عضوية بمستويات مختلفة تصل إلى 40 دولة حول العالم[23].
وهذا التفاؤل يعكس رغبة في إضفاء مزيد من التوازن على النظام العالمي، وهو ما يفسر اتجاها في العلاقات الدولية يمكن أن نضرب له مثالا بثلاث حالات، هي إيران وأفغانستان وتركيا:
1. الحالة الإيرانية: تمثل نموذجا للدول الراغبة في الخروج بالنظام العالمي من أسر الأحادية القطبية، وتمثل كيانات مثل "منظمة شنغهاي للتعاون" و"بريكس" و"الاتحاد الأوراسي" الجهة المقابلة، بكونها كيانات تجتهد لبناء نطاق منعتق من الهيمنة الغربية.
وتعاني إيران من مسلسل من العقوبات دام أكثر من 40 عاما، حيث بدأ طريق العقوبات منذ عام 1979؛ إثر اقتحام الثوار الإيرانيين مقر السفارة الأميركية في طهران. ولم تكد تلك العقوبات ترتفع في عام 1981 بعد التوقيع على اتفاقية الجزائر المتعلقة بالإفراج عن الرهائن الأميركيين، حتى فرضت حزمة جديدة في عهد الرئيس "رونالد ريغان" عام 1987؛ بعد اتهام إيران بدعم "الإرهاب"، ثم فرضت حزمة ثالثة في 2006 بناء على قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1737؛ بعد أن رفضت إيران الامتثال لقرار المجلس رقم 1696 الذي طالبها بوقف برنامج تخصيب اليورانيوم.
وأدى هذا المسلسل من العقوبات لخسائر ضخمة لإيران من بوابتي ضعف الصادرات من جهة والأوضاع الداخلية المتفاقمة جراء التضخم والبطالة وتدهور سعر صرف الريال من جهة أخرى[24].
ومثلت الكيانات الدولية الراغبة في التمرد على الهيمنة الأميركية فرصة لإيران لتخفيف وطأة العقوبات التي فرضتها القوى الغربية عليها، جنبا إلى جنب مع محاولات إيران اختراق الاقتصادات الخليجية المجاورة اعتمادا على تقدمها التكنولوجي النسبي وانعكاساته في المجالين الصناعي والزراعي[25].
وبدأت إيران طريق مواجهة العقوبات من خلال علاقتها مع روسيا، وإعرابها عن رغبتها في دخول "الاتحاد الأوراسي"، لتدور معها العلاقات التجارية بين البلدين حول 3 إلى 4 مليارات دولار (وفق أرقام 2020 – 2021)، إذ بلغت نسبة الصادرات الإيرانية فيها نحو 21.4 بالمئة[26]، فيما دار الميزان التجاري بين إيران والصين حول 16 إلى 20 مليار دولار (وفق أرقام 2020 – 2021) هبوطا من نحو 51.8 مليار دولار في عام 2014 بلغها هذا الميزان مع الصادرات النفطية الإيرانية[27].
وتعد هذه الأرقام ضخمة إذا ما قورنت بميزان تجارة إيران مع الاتحاد الأوروبي، رغم العقوبات، والتي تبلغ 2.7 مليار يورو (وفق أرقام 2021)، منها 632 مليون يورو صادرات إيرانية للاتحاد[28].
2. الحالة الأفغانية: تعد أفغانستان كذلك أحد أبرز الأمثلة على ما يمكن للقوى العاملة على إعادة هيكلة النظام العالمي أن تنجزه لدولة فقيرة تعج بكثير من روافد الصراعات.
واكتسبت أفغانستان صفة "المراقب" في المنظمة خلال "قمة بكين"؛ والتي عقدت في 6 يونيو 2012، وكان ذلك خلال وجود القوات العسكرية الغربية في أفغانستان. ومع الانسحاب الأميركي من أفغانستان دخل هذا البلد لقلب اهتمام "منظمة شنغهاي للتعاون" لأنه يحادد عدة دول عضوة بالمنظمة، وكان محور المباحثات في "قمة دوشنبي" التي عقدت في 17 سبتمبر 2021.
ويمكن القول إن "قمة دوشنبي" 2021 كانت قمة دعم التطورات الأفغانية، مع التزام الحذر إزاء ما قد تتسبب فيه أية حالة سيولة أمنية في التأثير على الدول أعضاء المنظمة.
حيث أعلن الرئيس الصيني عن تبني بلاده لتصور تسهم فيه بلدان المنظمة في الجهود الرامية إلى درء التدخلات الخارجية في شؤون المنطقة والإسهام في استعادة الاستقرار في أفغانستان.
كما اقترح الرئيس الروسي دراسة إمكانية استئناف عمل مجموعة العمل المشتركة بين المنظمة وأفغانستان، وحذر من احتمالات تأثير تطورات الأحداث في أفغانستان على أمن الدول الأعضاء في المنطقة، مؤكدا على ضرورة الاستفادة من قدرات المنظمة في الإسهام في إطلاق عملية سلام شاملة بين الأفغان، في توقيت مواكب لبذل الجهود الرامية إلى التصدي لمخاطر الإرهاب وتهريب المخدرات والتطرف الطائفي فيه[29].
وحذر المنظمة كان متفهما في أفغانستان بالنظر لمخاوف روسيا المرتبطة بخروجها المنكسر من أفغانستان في عام 1989. كما أن الصين تتشارك مع أفغانستان جزءا صغيرا من حدودها يمتد إلى 76 كيلومترا على علو شاهق، إلا أن بكين تخشى منذ وقت طويل أن تصبح جارتها قاعدة للانفصاليين من إثنية "الإيغور" المسلمة. لكن الحذر لم يمنع من إبداء هذا الاستعداد للتقارب.
والتقط قادة حركة "طالبان" طرف الخيط، وسارعوا إلى زيارة الصين ولقاء المسؤولين في وزارة خارجيتها، وشددوا على الدور الصيني المحوري في إعادة إعمار البلد المنهك بالاحتلال والصراعات. كما طمأن قادة الحركة المسؤولين الصينيين على تعاونهم الكامل لمنع استخدام الأراضي الأفغانية لاستهداف أمن الدول المجاورة[30].
ونتيجة للاتصالات الدبلوماسية الدؤوبة من الجانب الأفغاني، وكذلك التلميح للعوائد المتوقعة للجانب الصيني جراء التعاون مع الحكومة الأفغانية الجديدة، صرح المكتب الصحفي لوزارة الخارجية الصينية في منتصف أغسطس 2022 بأن أفغانستان لا تزال تمر بمرحلة حرجة انتقالا من الفوضى إلى النظام، وأن بكين جاهزة لتعزيز التعاون مع كابل في المجالات المختلفة[31].
والتصريح الصيني يمثل بداية حقبة جديدة في العلاقات الصينية الأفغانية، بقدر ما يعبر عن نضج في الفكر السياسي لحركة "طالبان".
3. الحالة التركية: سبق أن رأينا قصة ترؤس تركيا لنادي الطاقة الخاص بـ"منظمة شنغهاي للتعاون"؛ فيما لا تزال حائزة على صفة "شريك حوار" فقط. وكانت تصريحات أردوغان حول تفضيله عضوية هذه المنظمة على عضوية الاتحاد الأوروبي أحد أسباب استعجال عدد من دول الإقليم التي تنافس تركيا لتقديم طلب الحصول على صفات "مراقب" كمصر، أو "شريك حوار" كدول عربية أخرى (سبع دول).
وفيما تحوز تركيا منافع العضوية مع المنظمة، على الأصعدة التقنية والتجارية والسياسية، فإن المنظمة لا تبدو متعجلة لضم تركيا، ما قد يؤدي لتسارع عجلة المواجهة العالمية، وهو أمر لا ترغب فيه الصين قطعا في هذه الآونة، وإن كانت تعلم أن هذه المواجهة قادمة مستقبلا، ما سيفتح الباب لضمان حياد تركيا في المستقبل القريب، من دون استفزاز راهن.
خاتمة
رغم محدودية عدد أعضائها، وتريثها في منح عضويتها لمن يطلبها من الدول، تكاد "منظمة شنغهاي للتعاون" أن تعبر عن تطلعات نصف البشرية تقريبا في نظام عالمي عادل لا تسيطر فيه قوة دولية واحدة على مقدرات العالم، وتسوق مصالحها الخاصة بكونها مصالح عالمية، سواء سياسية أو اقتصادية أو حتى أمنية.
المسار الأساسي لهذه المنظمة أمني، وهذا لا يمنع من أنها تعمل على مسارات متعددة، لكن تظل مرتبطة بالأمن. ولعل هذا ما يفسر تراجع اهتمامها بالتعاون الثقافي، رغم أنها لا تغفله بالكلية، سواء فيما بين أعضائها أو بينها وبين العالم.
ويعمل المسار الأمني على مواجهة الجريمة المنظمة بأشكالها، فضلا عن "مكافحة الإرهاب، ومكافحة الانفصالية. ويرتبط به مساران أساسيان، أولهما عسكري؛ تبلور في الترتيبات المتعلقة بمناورات "مهمة السلام" التي تعقد بشكل سنوي بين الدول الأعضاء، والثاني اقتصادي، ويتعلق بتجهيز البنية الأمنية اللازمة لبناء اقتصاد آمن للدول الأعضاء.
تسعى هذه المنظمة لتغيير شكل العالم من القطبية الأحادية باتجاه نظام قائم على تعدد الأقطاب. لكنها في الوقت نفسه توفر احتراما ومساندة قويين للتنظيم القانوني الدولي الذي ينظم الشؤون العالمية كافة. هذه المساندة تجعلها قوة إصلاحية وليست قوة تثوير للبنية الدولية. التحرك الإصلاحي يوفر استقرارا، ويضمن عدم تعرض العالم لصدمة قد تؤدي لاهتزاز استقراره، على نحو ما حدث جزئيا بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا.
ولعل هذا التوجه ما يجعلها تتريث في توسيع نطاق عضويتها، بحيث لا يفضي اتساع عضويتها إلى عدم استقرار دولي سيمس مصالح أعضاء المنظمة، وبخاصة الصين.
غير أن تحديها للهيمنة الأميركية على العالم يجعلها تقدم يد العون للدول التي تتضرر من النظام العالمي ذي القيادة الأميركية. وهو ما تمثل في مساندتها لإيران الواقعة تحت نير عقوبات غربية استمرت لأكثر من 40 عاما، فضلا عن تخطيطها لمساعدة أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي منها؛ رغم الحذر مما قد يرتبط بتوجه "حركة طالبان" التي ما زالت متشددة بتعريف كل من روسيا والصين، علاوة على دعم التوازن في السياسة الخارجية التركية، ومواربة الباب أمام هذه الدولة الماضية في طريق مراكمة القوة على الأصعدة التقنية والعسكرية والاقتصادية.