أقرضتها المليارات.. هكذا تحكم الصين قبضتها على الحديقة الخلفية لأميركا
سلط مركز دراسات تركي الضوء على تصاعد العلاقات السياسية والاقتصادية بين الصين ودول أميركا اللاتينية، التي كانت تعد لعقود حديقة خلفية ومنقطة نفوذ للولايات المتحدة.
وأشار مركز أنقرة للأزمات والأبحاث السياسية "أنكاسام"، إلى أنه بينما تسعى دول أميركا اللاتينية للتخفيف من قبضة واشنطن عليها، فإذا بها تقع في فخ القروض الصينية، ما يثير مخاوف عديدة بالمنطقة.
قفزة كبيرة
وذكر المركز التركي أنه بعد تراجع الإمبراطورية الإسبانية كقوة عالمية، أصبحت أميركا اللاتينية مكانا تعده الولايات المتحدة مجال نفوذها حتى القرن 21.
ومع "مبدأ مونرو"، عرفت الولايات المتحدة المنطقة على أنها الفناء الخلفي الخاص بها وحذرت الدول الأوروبية من أن أي تدخل في المنطقة سيكون متبادلا.
وبغض النظر عن النهج العقائدي الذي لعب دورا حاسما في السياسة الخارجية الأميركية بمرور الوقت، فإن هذا الوضع لم يتغير واستمر حتى يومنا هذا.
ومع الوقت أظهر الاقتصاد الصيني، الذي كان ينفذ سياسة الانفتاح على العالم الخارجي منذ عام 1980، قفزة كبيرة إلى الأمام.
وبحلول القرن الحادي والعشرين، زادت الصين من نفوذها في أميركا اللاتينية وكذلك في كل مكان آخر في العالم.
وهكذا، ازداد نفوذ الصين في المنطقة التي تعدها إدارة واشنطن حديقتها الخلفية.
وأثار نشاط إدارة بكين في المنطقة من خلال مشروع الحزام والطريق قلق الولايات المتحدة، التي تشكك بالفعل في المشروع وتقدم للدول اتفاقيات تجارية إقليمية بديلة.
وذلك لأن 22 من أصل 30 دولة في أميركا اللاتينية انضمت إلى مشروع الحزام والطريق.
وبالنظر إلى العدد الكبير إلى جانب حجم التجارة المتزايد للصين في المنطقة، يمكن القول إن بكين تعد شريكا موثوقا به من قبل العواصم الإقليمية.
وبفضل الاتفاقيات في مختلف المجالات، تزداد العلاقات التجارية بين أميركا اللاتينية والصين قوة كل يوم.
فعلى سبيل المثال، في عام 2000، شكلت صادرات أميركا اللاتينية إلى السوق الصينية أقل من 2 بالمئة من إجمالي حجم السوق.
ومع ذلك، بحلول عام 2010 ارتفع حجم التجارة بين الطرفين بنسبة 31 بالمئة ووصلت قيمته إلى 180 مليار دولار.
تحديات حاضرة
وأوضح المركز أنه على الرغم من تطور العلاقات الاقتصادية، من الصعب القول إن العلاقات كانت دائما ذات محتوى إيجابي".
فأنشطة الصيد المكثفة التي تقوم بها الصين بالقرب من المنطقة تلحق أضرارا جسيمة بالأرصدة السمكية لبلدان المنطقة؛ ومن ناحية أخرى، فإنه يسبب جروحا خطيرة في النظام البيئي للمنطقة.
وعلى الرغم من أن أنشطة الصيد المتزايدة لا تتم داخل حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبلدان الأخرى، فإن تصرفات الصيادين الصينيين خارج مناطق المنطقة الاقتصادية الخالصة تضر بشكل مباشر باقتصادات بلدان المنطقة الاقتصادية الخالصة ومواردها الطبيعية.
وبالنظر إلى التجارة بين الطرفين، يبرز فول الصويا والنحاس والنفط والمواد الخام الأخرى بكونها العنصر الرئيس للمنتجات التي تصدرها أميركا اللاتينية إلى الصين.
من ناحية أخرى، تبيع الصين منتجات ذات قيمة مضافة إلى المنطقة".
وفي هذا السياق، يمكن القول إن المنتجين المحليين لا يمكنهم التمسك بالمنتجات ذات القيمة المضافة الرخيصة من الصين في المنطقة.
ويشكل الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين عاملا آخر يلعب دورا مهيمنا في المنطقة.
فاعتبارا من عام 2019 بلغت استثمارات بكين الأجنبية المباشرة في دول أميركا اللاتينية حوالي 17 مليار دولار.
وفي الفترة نفسها، بلغت الاستثمارات المباشرة للولايات المتحدة في المنطقة 243 مليار دولار.
وهناك فجوة هائلة في معدلات الاستثمار الأجنبي المباشر بين الولايات المتحدة والصين. ومع ذلك، فإن حقيقة أن هذا هو الحال لا يعني أن نفوذ الصين في المنطقة منخفض.
لأن بنك التنمية الصيني وبنك الاستيراد والتصدير الصيني من بين الجهات الفاعلة التي تقدم أكبر قدر من القروض لدول المنطقة.
وبين عامي 2005 و2020، أقرض هذان البنكان ما يقرب من 137 مليار دولار لدول المنطقة لاستخدامها في مشاريع الطاقة والبنية التحتية.
فخ الديون
وعلى الرغم من أن القروض الصينية تستخدم فقط كعلاقات اقتصادية دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول، إلا أنه من الحقائق أيضا أن دول المنطقة قلقة من الوقوع فيما يسمى بـ"فخ الديون".
على سبيل المثال، في دول مثل فنزويلا، التي تتمتع بهيكل غير مستقر اقتصاديا، يمكن أن تتسبب الشكوك الاقتصادية في سحق البلدان تحت الديون المأخوذة من الصين.
وبالنسبة للعلاقات في سياق الأمن، فإن اهتمام الصين بأميركا اللاتينية موثق بوضوح في الأوراق البيضاء التي نشرتها إدارة بكين.
فخلال خطاب ألقاه الرئيس الصيني "شي جين بينغ" أمام مجلس الشيوخ المكسيكي في 5 يونيو/ حزيران 2013، قال: "يتعين على الصين وأميركا اللاتينية مواصلة تعزيز التفاهم والدعم بشأن القضايا التي تهم المصالح الأساسية لبعضهما البعض، مع الالتزام بمبادئ الإخلاص والصداقة".
كما أن وثيقة "الإستراتيجية العسكرية للصين" التي نشرت في عام 2015 أكدت على تعزيز مستوى العلاقات العسكرية مع أميركا اللاتينية.
وهذا يدل على أن الأطراف تحاول فهم بعضها البعض بشأن القضايا الحساسة وعلى استعداد لتطوير العلاقات العسكرية.
ويمكن النظر إلى الحالة المعنية على أنها التزام من جانب الصين تجاه بلدان أميركا اللاتينية بعدم التدخل في "الشؤون الداخلية".
ففي قلب العلاقات العسكرية بين أميركا اللاتينية والصين توجد مبيعات الأسلحة وبرامج التدريب. وبين عامي 2009 و2019، استوردت فنزويلا أسلحة بقيمة 615 مليون دولار من الصين.
ويمكن تفسير تبرع الصين بالمعدات لإدارات الشرطة البوليفية ومشاركتها في عمليات حفظ السلام في هايتي على أنها خطوات اتخذتها إدارة بكين لتوسيع نفوذها في المنطقة.
حيث تقدم الصين، من ناحية، قروضا لدول المنطقة بالمعنى الاقتصادي، وتدرج هذه الدول في مشروع الحزام والطريق من خلال "طريق الحرير البحري".
ومن ناحية أخرى، فإنها تطور علاقاتها العسكرية وتبيع الأسلحة إلى المنطقة.
ويمكن وصف مشاركة الصين في أنشطة حفظ السلام في المنطقة وتبرعاتها بالمعدات لوكالات إنفاذ القانون في بلدان المنطقة بأنها محاولة لكسب القوة الناعمة في بلدان المنطقة.
وعلى هذا النحو يمكن القول إن الصراع بين الولايات المتحدة والصين الذي يجري في أجزاء كثيرة من العالم يدور أيضا في أميركا اللاتينية.