هجوم واسع على "تويتر ماسك".. كيف يهز عروش بايدن واليسار الأميركي؟
منذ إعلان عزمه شراء "تويتر"، موقع التواصل الاجتماعي الأكثر موثوقية ونفوذا، يواجه رجل الأعمال الأميركي، الأغنى بالعالم إيلون ماسك، انتقادات عديدة من ممثلي تيار اليسار بالولايات المتحدة، وفي مقدمتهم ساسة، وفنانون، وإعلاميون.
ماسك المعروف بأفكار وتغريدات مثيرة، مثل استنكاره إجبار المجتمع على قبول الشذوذ الجنسي، أثار اهتمامه بتويتر، مخاوف بشأن تغير خطاب منصات التواصل الاجتماعي، التي كانت منذ نشأتها حكرا على المنتمين لأيدولوجية اليسار التحررية المعادية للقيم والتقاليد المجتمعية.
وما زاد هذه الصراع الأيديولوجي سخونة، أن ماسك منذ شروعه في الاستحواذ على تويتر في أبريل/نيسان 2022، وحتى إتمام الصفقة، رفع شعار "الدفاع عن حرية التعبير"، وهو أحد المبادئ التي طالما تاجر بها رموز اليسار الأميركي لفرض أفكارهم داخل الولايات المتحدة وخارجها.
يفرض نفسه
في 28 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أعلنت وسائل أميركية أن ماسك أتم بصورة رسمية صفقة الاستحواذ على تويتر مقابل 44 مليار دولار.
وكان ماسك قد مُنح مهلة لإنهاء الصفقة بحلول 28 أكتوبر، بعدما تقدم بطلب لشراء تويتر ووقع اتفاقا بهذا الشأن في أبريل.
لكنه عدل عن رأيه بعد ذلك مدعيا أن "السعر مبالغ فيه"، ما دفع تويتر إلى رفع دعوى قضائية ضده لإجباره على الشراء، ما كان سيعرضه لمشاكل قضائية.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست أن ماسك بعدما أتم الصفقة، فصل عددا من كبار المديرين التنفيذين في تويتر.
إذ جرى تسريح الرئيس التنفيذي باراغ أغراوال، والمدير المالي نيد سيغال، ورئيس الدائرة القانونية فيجايا جادي، إضافة إلى المستشار العام للشركة شون أدجيت.
وفي 26 أكتوبر، نشر ماسك مقطعا عبر حسابه بتويتر يظهره وهو يدخل مقر الشركة في سان فرنسيسكو حاملا حوض مغسلة، في إشارة إلى أنه سيغوص في أعمال وتعديلات وتغييرات جوهرية بالمنصة.
وفي 31 أكتوبر، حلّ ماسك مجلس إدارة تويتر، معززا بذلك قبضته على الشركة، بعد أن أصبح المدير الأوحد لها.
وأعلن ماسك في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2022، فرض رسم شهري مقداره 8 دولارات على أصحاب الحسابات الموثقة في تويتر.
وقال في تغريدة: "إلى كل المشتكين، رجاء استمروا في الشكوى، ولكن مع هذا، سيكلفكم الأمر 8 دولارات".
وأوضح ماسك أن الخطة الجديدة ستقلب "نظام اللوردات والفلاحين الحالي" وتخلق مصدرا جديدا لإيرادات المنصة.
وأضاف أن أصحاب هذه الحسابات سيتمتّعون بقدرات فيديو موسّعة مع عدد أقل من الإعلانات.
To all complainers, please continue complaining, but it will cost $8
— Elon Musk (@elonmusk) November 2, 2022
وفي 4 نوفمبر، أعلنت منصة تويتر رسميا، تسريح 50 بالمئة من موظفيها البالغ عددهم نحو 7 آلاف و500 موظف في إطار تغييرات ماسك الهيكلية بالشركة.
ومن أوائل المعلقين على الصفقة، برز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي تعرض حسابه في تويتر للحظر، إذ عبر عن سروره لأن المنصة أصبحت الآن "في أيادٍ أمينة".
وتزامنا مع الإعلان، كتب ترامب عبر شبكة "تروث سوشال" للتواصل الاجتماعي التابعة له، "أنا سعيد جدا لأن تويتر أصبحت الآن في أيادٍ أمينة، ولن يديرها بعد الآن مجانين يساريون راديكاليون يكرهون بلدنا بالفعل".
إلا أن الملياردير الجمهوري، المرشح الأبرز لخوض رئاسيات 2024، لم يذكر إذا ما كان ينوي العودة لتويتر التي كانت قد حظرت حسابه بعد هجوم أنصاره على الكابيتول مطلع 2021، اعتراضا على فوز منافسه الديمقراطي جو بايدن بالانتخابات.
انزعاج ديمقراطي
في المقابل، لم يتأخر بايدن في التعبير عن انزعاجه من حملة ماسك، مغيّرا بصورة مفاجئة موقفه من المنصة التي اعتاد الديمقراطيون على السيطرة عليها وطردوا منها ترامب، علما أن حساب الرئيس الأسبق باراك أوباما هو الأعلى متابعة بها.
إذ هاجم بايدن خلال حفل لجمع التبرعات في 4 نوفمبر، تويتر بعد أنه اشتراه ماسك قائلا: "ما يقلقنا جميعا هو شراؤه أداة ترسل وتنشر الأكاذيب في أنحاء العالم".
وأضاف: "لم يعد هناك محررون في أميركا. لا يوجد محررون. كيف نتوقع أن يتحلى الأطفال بالقدرة على إدراك المخاطر؟"، على حد تعبيره.
وفي نفس اليوم، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير للصحفيين، إن "بايدن كان واضحا بشأن الحاجة للحد من خطاب الكراهية والمعلومات الكاذبة، وهذا الأمر يمتد إلى تويتر".
وفي خضم الانتقادات لاستحواذ ماسك على تويتر، قال عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الديمقراطي كريس ميرفي إنه طلب من الحكومة الأميركية مراجعة تداعيات ذلك على الأمن القومي.
وتذرع ميرفي في هجومه بـ"الحصة الكبيرة التي تمتلكها شركات مرتبطة بالسعودية في تويتر"، في إشارة إلى شركة "المملكة القابضة" المملوكة للأمير السعودي الوليد بن طلال، ثاني أكبر المساهمين بعد ماسك.
وكتب في تغريدة عبر تويتر: "علينا أن نكون قلقين من أن السعوديين، الذين لديهم مصلحة واضحة في كبت حرية التعبير السياسي والتأثير على السياسة الأميركية، هم الآن ثاني أكبر مالك لمنصة رئيسة لوسائل التواصل الاجتماعي".
وأضاف: هناك قضية أمن قومي واضحة على المحك ويتعين على "سي أف آي يو أس" (لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة) مراجعة الأمر.
من جانبه، سعى رئيس إدارة السلامة والنزاهة في شركة تويتر "يوئيل روث" إلى طمأنة المستخدمين والمعلنين، ولا سيما مع اقتراب موعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في 8 نوفمبر 2022.
وأكد في تغريدة أن مكافحة المعلومات المضللة الضارة تظل أولوية قصوى، وأن 15 بالمئة فقط من موظفي تويتر في فريق السلامة والنزاهة، المسؤول عن منع انتشار المعلومات الخاطئة والمحتوى الضار، قد جرى تسريحهم.
حرية موجهة
أما ماسك فقال في تغريدة بعد فترة وجيزة من حديث روث، "لكي نكون واضحين تماما، يظل التزام تويتر القوي بالإشراف على المحتوى دون تغيير على الإطلاق".
وكان ماسك قد قال في وقت سابق إن تويتر شهد "انخفاضا هائلا في الإيرادات" بسبب جماعات الحقوق المدنية التي أثارت مخاوف بشأن كيفية تأثير التسريح على آلية الإشراف على المحتوى، وضغطت على كبار المعلنين لسحب إنفاقهم الإعلاني.
وأوضح أنه يسعى لتشكيل مجلس متخصص في الإشراف على المحتوى، وأنه يبحث هذا الشأن مع منظمات غير حكومية معنية بحقوق الأقليات، لمكافحة الكراهية والمضايقات.
ويدور هذا الصراع بينما يترقب مستخدمو تويتر الطريقة التي سيترجم بها المالك الجديد للشبكة الاجتماعية رؤيته لمبادئ مثل "حرية التعبير" و"مكافحة الكراهية" وغيرها من التعبيرات الفضفاضة التي طالما رددها اليساريون الأميركيون.
وفي 27 أكتوبر، نشر ماسك رسالة توجه بها إلى المعلنين عبر تويتر، شرح فيها أسباب شرائه للمنصة، مدعيا أنه لا يبحث عن كسب المزيد من المال، إنما اشترى الشركة "لمحاولة مساعدة الإنسانية"، التي يحبها، على حد قوله.
وأضاف أنه يريد أن يشكل تويتر مساحة حرة استثنائية للتعبير عن كل الآراء بحرية من دون عنف، حيث تجرى المناظرات بطريقة صحية، معربا عن طموحه أن يكون موقع التغريدات القصيرة هو منصة الإعلان الأكثر احتراما.
ومع ذلك، أشار ماسك في رسالته إلى أن تويتر لا يمكن أن يكون من دون أي قيود وضوابط، لكنه يرحب بالجميع، ليمنحهم التجربة التي يفضلونها، والتي تتناسب مع كل الفئات العمرية.
Dear Twitter Advertisers pic.twitter.com/GMwHmInPAS
— Elon Musk (@elonmusk) October 27, 2022
وفي تعليقها على ما يريد ماسك فعله بتويتر، قالت قناة "يورونيوز" إنه غير مرتاح لما يعده إشرافا مبالغا فيه على المحتوى، ويرى أن ذلك يؤدي إلى رقابة على الأصوات اليمينية، لذا يلمح لضرورة عودة ترامب للمنصة.
وأضافت أنه في المقابل تضغط بعض مجموعات المجتمع المدني الأميركية، على كبرى العلامات التجارية باستخدام نفوذها لمنع ماسك من توفير منبر لأصحاب الخطابات الأكثر راديكالية.
ومن هذه المجموعات، قالت منظمة Media Matters for America غير الربحية، إن الإعلانات تساهم في 90 بالمئة من عائدات تويتر.
لذا ينبغي محاسبة ماسك إذا تراجع عن إجراءات المنصة للحماية من المضايقات والاعتداءات والتضليل، من قبل كبار المعلنين على تويتر، وفق تقديرها.
ضغوط كبيرة
وهو ما تحقق مع إعلان علامات تجارية عالمية من بينها "جنرال موتورز"، و"أودي" و"فايزر" و"جنرال ميلز"، تعليق نشر إعلاناتها على تويتر، حتى يتسنى لها رؤية كيف ستتطور الشركة تحت قيادة ماسك.
ولم يقتصر الضغط على المعلنين، إذ أعلن عديد من مشاهير الفن والإعلام انسحابهم من تويتر بسبب رؤى ماسك حيال ضرورة إتاحة مساحة لجميع الأفكار للتعبير عن نفسها.
وتعد المخرجة والمنتجة الأميركية شوندا رايمز، أول من أعلن عن عزمها مغادرة تويتر بعد أن أصبحت ملكا لماسك، وكتبت بعد يومين من اكتمال عملية الدمج: "لن أبقى هنا مع خطط إيلون أيا كانت.. وداعا".
Not hanging around for whatever Elon has planned. Bye.
— shonda rhimes (@shondarhimes) October 29, 2022
من جانبها، غردت المغنية وكاتبة الأغاني سارة باريلز: "لقد كان تويتر ممتعا. أنا أرحل. نلتقي على منصات أخرى.. هذا المكان ليس لي".
Welp. It’s been fun Twitter. I’m out. See you on other platforms, peeps. Sorry, this one’s just not for me. ❤️����
— Sara Bareilles (@SaraBareilles) October 30, 2022
فيما نددت المغنية والممثلة الأميركية توني براكستون بمحتوى تغريدات ماسك التي نشرها عقب استحواذه على توتير، وكتبت "صدمت ببعض "حرية التعبير" التي رأيتها على هذه المنصة منذ استحواذ إيلون عليها.
وأضافت: "كلام يحض على الكراهية تحت غطاء حرية التعبير، إنه غير مقبول.. ولهذا السبب، اخترت البقاء خارج تويتر لأنه لم يعد مكانا آمنا لي ولأبنائي وزملائي من أصحاب البشرة المختلفة (الملونين)".
I'm shocked and appalled at some of the "free speech" I've seen on this platform since its acquisition. Hate speech under the veil of "free speech" is unacceptable; therefore I am choosing to stay off Twitter as it is no longer a safe space for myself, my sons and other POC.
— Toni Braxton (@tonibraxton) October 29, 2022
وبينما يُهاجم ماسك من قبل بايدن وحزبه الديمقراطي ونخبه الفنية المدافعة عن أفكار مثيرة للجدل مثل الشذوذ والتحول الجنسي وتعد أي رأي مخالف جريمة كراهية، يدافع جمهوريون كثيرون عن هذه المساحة الجديدة التي سيجلبها المالك الجديد لتويتر.
وعن هذه الجزئية، كتبت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أن "العديد من الجمهوريين يرحبون برغبة ماسك في تطبيق مزيد من حرية التعبير، وتغيير سياسة الاعتدال، الذين لطالما شعروا أنها تفضل حرية التعبير لوجهات النظر اليسارية".
وأضافت أن منصة تويتر ستكون في عهد ماسك ساحة مختلفة تماما بالنسبة لـ300 مليون شخص يواصلون استخدامها، وعلى الأغلب ستكون أكثر جرأة وأقل ليبرالية.
وفي السنوات الأخيرة تصاعدت بصورة لافتة حدة الاستقطاب المجتمعي في أميركا بين تياري اليمين واليسار، لتختفي تدريجيا مساحات يمين الوسط ويسار الوسط، لصالح اليمين واليسار المتطرفين، وهو ما يدعي ماسك أنه يقف ضدهما.