واشنطن تكشف هوية ضباط متورطين في قتل السوريين بالكيماوي.. لماذا الآن؟
بعد تسع سنوات من مطالبات المعارضة السورية المتكررة بمعاقبة المتورطين الفعليين بمجازر الكيماوي التي نفذها نظام بشار الأسد بحق المدنيين، حددت الولايات المتحدة الأميركية أسماء ضباط نفذوا هجمات بسوريا.
وفي خطوة إيجابية ضمن إجراءات إضافية تفرضها واشنطن لتعزيز المساءلة، ذكرت وزارة الخارجية الأميركية أسماء ثلاثة مسؤولين عسكريين تابعين للنظام السوري متورطين في ضربات جوية كيماوية.
وأكدت وزارة الخارجية أنه في أغسطس/آب 2013، أطلقت مديرية المدفعية والصواريخ التابعة لقوات النظام السوري صواريخ تحمل غاز الأعصاب "السارين"، وهي مادة كيماوية قاتلة، على الغوطة بريف دمسق، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 1400 شخص، كثير منهم من الأطفال.
رجال المنظومة
وقالت واشنطن في بيان الخارجية الجديد المنشور في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2022، إن المسؤولين عن "الهجوم الكيماوي البشع"، هم العميد عدنان عبود حلوة، واللواءين غسان أحمد غنام، وجودت صليبي مواس.
وبينت أن هؤلاء متورطون في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بسوريا، ومنعتهم وأفراد عائلاتهم المباشرين من دخول الولايات المتحدة.
ودعت واشنطن نظام الأسد إلى الإعلان بشكل كامل عن برنامج أسلحته الكيماوية وتدميرها، وتوفير وصول فوري وغير مقيد لأفراد منظمة حظر الأسلحة الكيماوية وفقا لالتزاماتها الدولية.
وشدد بيان الخارجية على أن الولايات المتحدة تتبع كل إجراء لإيجاد العدالة للضحايا والناجين من الفظائع ولتعزيز المساءلة للمسؤولين بما في ذلك نظام الأسد وحلفاؤه.
وختم البيان بالقول: "ستواصل الولايات المتحدة الوقوف إلى جانب الشعب السوري ودعمه في مطالبه بحقوق الإنسان والحريات الأساسية والأمن والسلام".
ورغم أن هجمات الغوطة تعد أول مذبحة كيماوية كبرى بحق السوريين، فإن نظام الأسد أعاد الكرة في 4 أبريل 2017، وقصف بلدة خان شيخون بريف إدلب بغاز السارين، وخلف الهجوم حينها 100 مدني على الأقل وأصيب أكثر من 500 آخرين.
"يتكلم معهم ولا يريد وداعهم"
— عمر مدنيه (@Omar_Madaniah) August 21, 2022
أب مفجوع على أبناءه الذين قتلهم بشار الأسد بالكيماوي في الغوطة الشرقية#مجزرة_الكيماوي pic.twitter.com/QMeoyoje4h
وبحسب ما كشف المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، خلال مؤتمر صحفي، في 21 أبريل/نيسان 2021، فإن نظام بشار الأسد استخدم السلاح الكيماوي 50 مرة في سوريا، حسبما نقلت قناة "الحرة" الأميركية.
وتؤكد "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" المعارضة، في تقرير لها، أن نظام الأسد شن 217 هجوما بالأسلحة الكيماوية على المناطق التي تسيطر عليها المعارضة منذ عام 2011.
اللافت أن كل هجمات نظام الأسد الكيماوية تلك، كان ينكرها مسؤولو النظام ويصفونها بأنها "مضللة ومزيفة ومفبركة".
وعقب هجوم الغوطة الكيماوي، عملت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية على تسلم مخزونات النظام السوري من تلك الأسلحة، بعد توافق روسي أميركي على ذلك.
غير أن الهجمات الكيماوية للنظام ضد المدنيين تواصلت رغم إعلان منظمة حظر الأسلحة الكيماوية انتهاء عمليات التخلص من السلاح الكيماوي للنظام في 19 أغسطس 2014.
وانضم النظام السوري في 13 سبتمبر 2013 إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية.
وفي نفس الشهر اعتمد مجلس الأمن الدولي قراره رقم 2118 الخاص بالأسلحة الكيماوية السورية.
وتنص المادة 21 من قرار مجلس الأمن على تجريم كل من يستخدم السلاح الكيماوي، وفق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
لكن نظام الأسد، بدعم من روسيا، تجاهل دعوات المجتمع الدولي للكشف الكامل عن برامج أسلحته الكيماوية وتدميرها بشكل يمكن التحقق منه، وفق ما أكدت مندوبة واشنطن الدائمة لدى الأمم المتحدة السفيرة ليندا توماس غرينفيلد في أغسطس 2021.
ويحق لمجلس الأمن إحالة النظام السوري إلى محكمة الجنايات الدولية، لكن هذه الخطوة لم تتحقق حتى الآن، بسبب استخدام روسيا "حق الفيتو"، ضد إدانة النظام.
وخلال تقريرها في 8 أبريل 2020، حملت المنظمة النظام السوري مسؤولية الهجوم بالأسلحة الكيماوية على اللطامنة بريف حماة الشمالي في 24 و25 و30 من مارس عام 2017.
ورغم أن تقارير بعثة تقصي الحقائق تلك تعد أدلة رسمية على مسؤولية نظام الأسد عن الهجمات الكيماوية في سوريا، فإن ذلك لم يسفر عن جر أي مسؤول منه إلى محكمة العدل الدولية ومحاكمته.
ولهذا فتح تحديد واشنطن أسماء الضباط المتورطين الباب واسعا على التساؤل بشأن مدى إسهام هذه الخطوة بمحاسبة نظام الأسد على قتل السوريين بالكيماوي.
خطوة أولى
يعد اللواء غسان أحمد غنام قائدا للواء الصواريخ 155، وتعرض لعقوبات من الاتحاد الأوروبي في 21 أكتوبر 2014، الذي اتهمه "بالمسؤولية عن إطلاق 25 صاروخ سكود على الأقل على مواقع مدنية مختلفة بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار 2013.
ويمتلك لواء الصواريخ بمنطقة القلمون بريف دمشق مخزونا من الترسانة الكيماوية، ويحتوي على عدد من صواريخ "سكود" متوسطة وقريبة المدى، وهي قادرة على حمل رؤوس شديدة التفجير.
أما اللواء جودت صليبي مواس، المولود في قرية رباح في ريف حمص عام 1954، فقد انتسب إلى الجيش مبكرا، ثم انتقل عام 2011 إلى لواء الصواريخ 155.
ويقف هذا اللواء خلف إطلاق صواريخ "سكود" على مدينة حلب وريفها عام 2013، والتي أسفرت عن مقتل العشرات، وحدوث موجات تهجير كبيرة من مدينة حلب وريفها آنذاك.
بينما العميد عدنان عبود حلوة، ولد بريف اللاذقية عام 1957، وظهر اسمه في المشهد السوري مقرونا باسم اللواء مواس في عملية الإشراف على تجهيز وإطلاق صواريخ "سكود" تجاه مدن الشمال السوري.
وشغل سابقا منصب نائب مدير إدارة المدفعية والصواريخ في ريف دمشق، كما كان ضمن عشر شخصيات حددتها الولايات المتحدة عام 2016 على أنها شاركت في قمع السوريين.
والكشف عن هوية المتورطين في استخدام السلاح الكيماوي في سوريا هو الخطوة الأولى في طريق محاسبتهم، كونه يوفر تعرية هؤلاء أمام المجتمع المحلي والدولي، وأنه لا يمكن لمستخدمي تلك الأسلحة الإفلات من العقاب.
ولهذا فإن ذكر الأسماء المتورطة من قبل الولايات المتحدة يجنب تداول أسماء ومعلومات مغلوطة حول هويتهم الحقيقية.
كما أن تحديد الشخصيات المتورطة داخل نظام الأسد، إذا ما فشلت الأمم المتحدة بجر هؤلاء إلى العدالة، يمكن على الأقل استخدام هذه الإدانة القطعية، بمقتضيات سياسية ضد النظام السوري أو حلفائه في أي توقيت.
كما يؤكد حقوقيون سوريون، أن إشهار أسماء هؤلاء الضباط ينفي درجة الاستخفاف بملف محاسبة قتلة السوريين من قبل المجتمع الدولي.
وكذلك وفق هؤلاء، فإن تعرية أسماء المتورطين يقطع الطريق أمام تكرار النظام السوري في المحافل الدولية اتهام المعارضة السورية وفريق الدفاع المدني المعارض باستخدام الأسلحة الكيماوية.
من جهته، طالب الائتلاف الوطني السوري المعارض، الولايات المتحدة "بتكثيف إجراءات فعلية في ملف محاسبة نظام الأسد وحلفائه ورموزه، والعمل ضمن إطار القرارين الأمميين 2118 و2254 (المحدد لخارطة الحل السياسي بسوريا)".
وعد الائتلاف في بيان له بتاريخ 27 أكتوبر 2022، أن "مجرد الاكتفاء بإدانة هذا النظام ومقاطعته أطال أمد المأساة الإنسانية، لأن هذه الإجراءات لم تكن كافية في إنهاء حكم نظام الأسد، ودعم تطلعات الشعب السوري في الحرية وتقرير المصير".
المتهم الأكبر
وفي هذا السياق أوضح المختص بالحرب الكيماوية السورية سابقا طارق حاج بكري، أن "حصر المتورطين بثلاثة ضباط فقط هو ظلم بحق الشعب السوري، فهؤلاء هم المنفذون".
ولفت في حديث لـ"الاستقلال": "وفق نظام الجيش السوري فإن استخدام السلاح الكيماوي أو الطيران أو الصواريخ بعيدة المدى لا يجري إلا بأمر شخصي من القائد العام للجيش والقوات المسلحة المتمثلة ببشار الأسد، أو من يفوضه".
واستدرك حاج بكري قائلا: "هذا يعني أنه وفق نظام الجيش السوري فإن بشار الأسد هو المتورط أو من أعطى الأمر، وبالتالي المتهم الأساسي".
وعد المختص بالحرب الكيماوية السورية أن "ما فعلته واشنطن خطوة جيدة باتجاه تحديد المسؤولين ومحاسبتهم، لكن المتورط الأساسي ما يزال خارج نطاق العدالة، ألا وهو بشار الأسد".
وأردف قائلا: "إن قرار الحرب وإبادة الشعب السوري متخذ من القصر الرئاسي ومن بشار الأسد، خاصة أنه شارك في أحد التدريبات العسكرية برمي الصواريخ على المدنيين في ريف إدلب، ويجري إغفال هذا الأمر".
ومضى حاج بكري يقول: "يجب إدراج بشار الأسد كمجرم حرب، وخاصة أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لا حصانة فيها سواء لرئيس أو غيره أمام القانون الدولي أو حتى القانون الداخلي للدول".
وتؤكد مواقع سورية معارضة وشبكات حقوقية أن هجمات النظام السوري الكيماوية أسفرت عن مقتل حوالي 3 آلاف و423 سوريا، فيما جرى توثيق 14 ألف إصابة.
وفي مايو/أيار 2020، دعت ست دول أوروبية أعضاء بمجلس الأمن الدولي هي (بلجيكا، وإستونيا، وفرنسا، وألمانيا، وبولندا، وبريطانيا)، لمحاسبة مسؤولي نظام الأسد المتورطين في استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا عام 2017.
وحينها نفذت طائرات النظام ثلاث هجمات كيماوية محظورة على مدينة اللطامنة بريف حماة.
وفي نهاية مارس 2021 تعهد وزراء خارجية 18 دولة أوروبية بمواجهة إفلات النظام السوري من العقاب ومحاكمة الجناة، وذلك على خلفية ارتكابه اعتداءات بالأسلحة الكيماوية.
ورغم أن دعوات محاسبة النظام السوري على "المجازر الكيماوية" ليست بجديدة، فقد أحدثت خرقا جديدا على صعيد تحديد أسماء المتورطين فيها.
لكن كثيرا ما وجهت الولايات المتحدة اتهامات لروسيا بعرقلة محاسبة نظام الأسد حول استخدام السلاح الكيماوي، وهو ما يشير إلى صعوبة حسم هذا الملف.
المصادر
- Designation of Three Syrian Military Officials Due to Involvement in Gross Violations of Human Rights
- الائتلاف الوطني: الإجراءات التي أقرها بيان الخارجية الأمريكية غير كافية ولا تتناسب مع حجم الجرائم المرتكبة
- الشبكة السورية: النظام استخدم السلاح الكيماوي 211 مرة خلال الأزمة
- غوتيريش: وحدة مجلس الأمن شرط لمحاسبة مستخدمي "كيماوي" سوريا