تتلاعب بالتاريخ.. إسرائيل تروج لآثار يهودية مزعومة لتسيطر على مدن فلسطين

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

انتقدت صحيفتان إسبانيتان استخدام إسرائيل المواقع والمعالم الأثرية كأداة لإضفاء الشرعية على ملكيتها للأرض وطرد السكان العرب واحتلال المزيد من الأراضي. 

وقالت صحيفة الإسبانيول إن معركة احتلال الأراضي المقدسة تخاض أيضا في الكتب ودراسات الآثار. 

وأردفت: "في إسرائيل وفلسطين، يعد التاريخ وعلم الآثار عاملا أساسيا لإضفاء الشرعية على امتلاك الأرض. ومن هنا، أصبحت كل حجرة أو آثار أو مواقع أثرية محل نزاع".

سيطرة عسكرية

في الواقع، يستخدم كل من اليهود والعرب الماضي بمثابة حجة للدفاع عن وجودهم في المنطقة، وفق تعبيرها.

لكن، يتمتع الإسرائيليون بالسيطرة السياسية والعسكرية على كامل الأراضي عمليا ويفرضون مشاريعهم الأثرية في كل من إسرائيل والأراضي المحتلة.

وبدورها، نقلت صحيفة الكونفدنسيال عن ألون عراد، مدير منظمة عمق شبيه من أجل حقوق الثقافة والتراث (إسرائيلية معنية بعلم الآثار في القدس)، أن  هذا "العلم ملك للجميع ويجب أن يخدم الجميع".

وأردف: "لا ينبغي أن يصبح (علم الآثار) أداة تستغل في المعركة السياسية أو لتعزيز السياسات التمييزية أو لاحتلال الأرض".

وأشارت الصحيفة إلى أن منظمة عمق شبيه أنشئت سنة 2009 من قبل مجموعة من علماء الآثار الذين يشعرون بالقلق من الاستخدام "الساخر" لهذا المجال في إسرائيل. 

وفي الواقع، يثير قلق هذه المجموعة طريقة التعامل مع المعالم الأثرية غير اليهودية، والحفريات في الأراضي المحتلة، والممارسات التمييزية في مجال العلوم، أو الاستخدام القومي والجزئي للماضي.

في هذا المعنى، يوضح عالم الآثار: "في القدس، على سبيل المثال، يجري بناء متحف التسامح أعلى مقبرة مأمن الله، وللقيام بذلك كان عليهم حفر وإزالة العديد من قبور المسلمين".

ويضيف: "أثناء بناء الجدار الفاصل في الضفة الغربية، جرت عمليات الحفر في أماكن ذات أهمية أيضا، جرى تغطيتها لاحقا بالجدار".

ونوهت الصحيفة بأن مدينة داود المزعومة (سلوان) خير مثال على الاستخدام السيئ للآثار، وسجل فيها أكبر عدد من التجاوزات. 

تقع المدينة (المزعومة) على بعد أمتار قليلة من أسوار البلدة القديمة في القدس، في وسط حي سلوان العربي.

ويواصل الاحتلال الإسرائيلي مساعيه لطمس المعالم العربية والإسلامية في بلدة سلوان من أجل تهويدها وإطلاق اسم مدينة الملك داود عليها، بعد أن فشلت كل محاولات التنقيب في العثور على أثر بارز فيها يشير إلى وجود المملكة المزعومة مكانها.

تدار هذه المساحة الأثرية والمتاحف من قبل منظمة إلعاد الاستعمارية واليمينية، التي تسعى إلى إضفاء الشرعية على الوجود اليهودي في المدينة بحثا عن "قصر الملك داود". 

ويوضح عراد أن علماء الآثار لم يعثروا بعد على أي صلة قاطعة بـ "الملك"، لكن ذلك لم يكن عقبة أمام طرد السكان العرب؛ أولا، من خلال شراء المنازل، ثم، عبر إعادة تصنيف الأرض متنزها وطنيا. 

كما لم تمنعهم هذه الحقيقة من بناء منازل للمستوطنين أو الاستيلاء على آخر فضاء مفتوح في الحي، وهو موقف للسيارات كان موقعا للسوق أيضا، وأصبح اليوم منطقة حفر ضخمة.

وأوردت الصحيفة أن أكثر الأشياء التي تثير قلق الخبير تتمثل في الطريقة التي يجري من خلالها البحث في الموقع الأثري. 

ويقول: "أن يخدم الماضي السرد الوطني ليس بالأمر السيئ، المشكلة هي الثمن الذي يدفع مقابل ذلك هنا". 

ويوضح عراد أنه "في عمليات الحفر في مدينة داود، يجري تجاهل أي اكتشاف غير يهودي، سواء كان عثمانيا أو عربيا أو صليبيا أو مملوكيا، بل يتم إخفاؤه، ولا يعرف السواح سوى جزء من القصة". 

ويواصل عالم الآثار: "يحاولون خلق حالة تعد فيها المكونات غير اليهودية في البلدة القديمة دخيلة".

وأردف أنه "في القرون الأخيرة، كانت هذه مدينة عربية أو مسلمة أو مسيحية، لكنها لم تكن يهودية بأي حال من الأحوال. لكن لا يجري الحديث عن هذه الحقيقة". 

تاريخ جزئي ومشوه

ويؤكد عراد أن "مؤسسة إلعاد تسعى لتعزيز روايتها من خلال تجنب ذكر أي ماض غير يهودي للمكان". 

وأنشأت، في هذا السياق، مسارات تخفي الواقع الحالي للبيئة، مع مساحة مغلقة منفصلة عن حي سلوان، فضلا عن وجود أنفاق في باطن الأرض لزيارة الآثار اليهودية من العصر الهيرودي، وقريبا، باستخدام التلفريك الذي سيربط الجزء اليهودي من القدس بالموقع والمدينة القديمة". 

ويندد عالم الآثار قائلا: "توجد قصة واحدة فقط هنا، قصة يهودية. لا يمكن رؤية منازل أو الناس، ولا يسمع الأذان أو اللغة العربية، في الحقيقة هم يعرضون تجربة بحتة لاستكشاف الموقع من خلال تاريخ جزئي جرى التلاعب به".

ويضيف: "إنهم يحاولون خلق مغامرة سياحية ورواية تنسي تماما أن هناك حيا فلسطينيا هنا. يختارون إما الذهاب فوق أو أسفل، لن يضطر السياح إلى رؤية الحاضر؛ فقط الماضي والمستقبل". 

ونوهت الصحيفة بأن مشروع التلفريك في القدس أثار جدلا واسعا في البلاد خلال السنوات الأخيرة. 

بعد رحلة قانونية طويلة، وعلى الرغم من الانتقادات الشديدة من المهندسين المعماريين وعلماء الآثار والناشطين، تلقت الخطة الضوء الأخضر من المحكمة الإسرائيلية العليا في مايو/أيار 2022. 

وسيربط المشروع النقاط ذات الأهمية السياحية والدينية لليهود، وسيمر فوق أحياء أبو طور وسلوان العربية، وينتهك الحدود غير المرئية للخط الأخضر (الأراضي المحتلة عام 1948).

في هذا المعنى، يقول عراد: "تسعى هذه العمليات، في الواقع، إلى تحريك الخط الأخضر من أجل أي حل مستقبلي للصراع". 

بالنسبة لمروجي المشروع، فإن التلفريك سيخفف الازدحام المروري في المنطقة، وسيكون بديلا أخضر للنقل، وسيشمل نقطة جذب سياحي جديدة للمدينة وبمثابة دفعة اقتصادية للعرب أيضا.

وأشارت الصحيفة إلى أن الواقع سيكون مختلفا بالنسبة للسكان العرب في هذا الحي. وعلى رأسهم، الناشط خالد الزير، الذي يعد أن "أساسيات هذا المشروع ستبنى على أرضهم وسيمر التلفريك من فوق منازلهم".  

ويواصل قائلا: "سيعطي هذا التلفريك الشعور بأن هذه مدينة يهودية وسيقضي على الفلسطينيين. إنهم يصوغون تاريخا جديدا". 

في الواقع، إنهم ليسوا الوحيدين الذين يعتقدون ذلك؛ إذ يدرك مروجو التلفريك وعمليات الحفر في سلوان أن كل هذا يخدم إضفاء الشرعية على حيازة اليهود للمنطقة.

ونقلت الصحيفة أنه في الضفة الغربية المحتلة، كانت التكتيكات مماثلة لتلك المتبعة في شرق القدس.

وأيضا، تتنوع الأساليب: بدءا من تصنيف المنطقة على أنها حديقة طبيعية أو أثرية بمساعدة الحكومة، وشراء منازل وأراض، وتغيير القانون لطرد أصحابها الفلسطينيين، وصولا إلى بناء منازل للمستوطنين. 

أما في الخليل، البلدة الفلسطينية الوحيدة التي يوجد بداخلها مستوطنات يهودية، فيجري إضفاء الشرعية على المستعمرات (التي يعدها المجتمع الدولي غير شرعية) من خلال الحجج الأثرية والدينية.

ونقلت الكونفدنسيال عن الناشط الفلسطيني عيسى عمرو أن "المستوطنين الإسرائيليين يستخدمون المواقع التاريخية لتبرير الاحتلال والاستيلاء على الأرض". 

ويضيف: "المزيد من عمليات الحفر ومن سياحة المستوطنين تعني المزيد من العنف الاستعماري والقيود العسكرية واستئصال الهوية الفلسطينية".