بعدما سيطر على الحكم.. هكذا يطارد قيس سعيد "الكرة" في ملاعب تونس
على بعد مرمى حجر من انطلاق كأس العالم قطر 2022، وجه الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" مراسلة تهديدية إلى الاتحاد التونسي بمعاقبته بإيقاف النشاط الدولي للمنتخبات والأندية، في حال ثبوت "تدخل جهات حكومية" في الشأن الكروي.
ويتخوف الشارع التونسي من مصير المعشوقة المستديرة بعد تهديد الفيفا، خاصة أن منتخب "نسور قرطاج" يشارك في مونديال قطر المقرر انطلاقه في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
ضغوطات سياسية
وفي 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، طالب الفيفا الاتحاد التونسي، عبر مراسلة رسمية، بتقديم تقرير مفصل حول مدى حقيقة "سعي سلطات الدولة للتدخل في شؤون الاتحاد".
وجاء في نص المراسلة التي تداولها الإعلام المحلي، أنه قد لفت انتباه "الفيفا" أن "سلطات الدولة في تونس على ما يبدو تريد التدخل في شؤون وإدارة الجامعة (الاتحاد) لكرة القدم، ولا سيما من خلال النظر في حل المكتب الجامعي".
وذكرت الفيفا، في هذا الصدد، أن "الاتحادات الأعضاء فيها ملزمة قانونا بإدارة شؤونها بشكل مستقل ودون تأثير غير مبرر من أطراف ثالثة"، مؤكدة أن "أي خرق لذلك قد يؤدي إلى عقوبات منصوص عليها في النظام الأساسي، والتي قد تصل إلى حد تعليق الاتحاد المعني".
ورجح المدون الرياضي في تونس، أحمد جربي، أن "يكون رئيس الجامعة لكرة القدم، وديع الجريء، قد تناول مع رئيس الفيفا في اجتماعهما بالعاصمة باريس في 28 سبتمبر/أيلول 2022 الضغوطات التي تمارسها السلطات السياسية في تونس على اتحاد الكرة".
وأوضح جربي لـ"الاستقلال" أن "ما سرع في إصدار هذا الموقف من الفيفا، رواج أخبار في بعض المواقع الاجتماعية والقنوات الإذاعية تتحدث عن نية وزارة الرياضة اعتبار وجود شغور على رأس الجامعة، متعللة بوجود (الجريء) خارج أرض الوطن".
وتعتزم وزارة الرياضة تعيين نائب رئيس الجامعة، واصف جليل، رئيسا مؤقتا لجامعة كرة القدم، بحسب وسائل إعلام محلية.
وفي تعليقه على قرار "الفيفا"، قال مسؤول الشؤون القانونية بوزارة الشباب والرياضة، شكري حمدة، إن "الوزارة لا تهاب ولا تخشى أي تهديد من أي طرف كان، سواء أكان الفيفا أو غيرها".
وأضاف حمدة، وفق ما نقل عنه موقع "إلترا تونس" في 26 أكتوبر 2022، أن "تونس دولة سيدة قرارها، وكل من يحترم القانون ستبجله، ووزارة الرياضة عندما تتخذ قرارا فإنه يكون سليما ومؤسسا واقعا وقانونا"، على حد قوله.
وأردف: "وزارة الرياضة ليست معنية أصلا بمراسلة الفيفا، لأنها موجهة لاتحاد الكرة، وبالتالي هي مطالبة بالرد على الفيفا، وإن كانت هناك مخاوف ووساوس لدى الجامعة فعليها أن تقدم تقريرها، وعندها لكل حادث حديث".
نظام فاشل
تفاعل مجتمعي كبير شهدته تونس مع مراسلة الفيفا، من شخصيات وازنة، منهم وزير الخارجية الأسبق رفيق عبد السلام، قائلا إن "(الرئيس) قيس سعيد ينتقل بالسرعة القصوى من معركة مع البرلمان والأحزاب والمنظمات والقضاة، والهيئات الدستورية، والنقابات والمجتمع المدني... إلى فتح جبهة جديدة مع الفيفا".
وفي تدوينة نشرها بصفحته على فيسبوك في 26 أكتوبر 2022، أضاف عبد السلام "الرجل لا يريد أن يفهم أن عالم الرياضة له أعرافه وقوانينه الضابطة، وليس مزرعة محروس سائبة يرتفع فيها كيفما شاء".
وعد المتحدث ذاته أن "قائمة الأعداء عند سعيد طويلة ولا تنتهي، وهي شاهقة جدا، بشهوق نظامه الاستبدادي الغبي والفاشل".
من جهته، قال الإعلامي والمحلل السياسي نصر الدين السويلمي، إن قرار الفيفا "نتيجة المحاولات المستميتة التي يقوم بها الانقلاب عبر وكيله وزير الشباب والرياضة، كمال دقيش، للسيطرة على الجامعة".
وأردف السويلمي عبر تدوينة في 26 أكتوبر 2022، "كما سبق وسيطر على كل أو جل الهيئات والجمعيات والمنظمات، إما بالانقلاب على غرار اتحاد الفلاحة، أو بالاستعباد والإذلال والسمسرة على غرار اتحاد الشغل".
وتابع: "هذا العبث الذي دمر تونس وحولها من مفخرة إلى مسخرة، يتدافع الناس فيها على السكر، قد تحرم بلادنا من المشاركة في نهائيات كأس العالم في قطر 2022".
من جانبه، وبعد نشره لقرار الفيفا، تساءل القيادي بجبهة "الخلاص الوطني" المعارضة، سامي الشابي، في تدوينة 26 أكتوبر 2022، "عما إذا تبقى من شيء لم يفسده الانقلاب".
أما الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، فقال إنه "بفضل المقاربات الجديدة والمحاولات المحمومة لوزير الشباب والرياضة، دقيش، لوضع اليد على جامعة كرة القدم، اسم تونس يتصدر المواقع الإعلامية العالمية".
لكن، عد الشابي عبر تدوينة في 26 أكتوبر 2022 أن هذه الصدارة "ليس للحديث عن تأهل تونس وحظوظها في مونديال قطر، بل للحديث عن دولة تعمل سلطتها على كتم أنفاس الجميع والتضييق على كل أشكال التنظيم المستقل وإنهاء وجوده".
تهديد سابق
المدون الرياضي، جربي، أكد لـ"الاستقلال" أن "نظام 25 جويلية (انقلاب 25 يوليو/تموز 2021) ما فتئ يكرر محاولاته للسيطرة على كل الأجسام الوسيطة من جمعيات ومنظمات وهياكل منتخبة".
وأشار إلى أن "أول احتكاك بين وزير الرياضة ورئيس الجامعة كان في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حيث اتهم هذا الأخير الوزارة بعدم تسهيل دخول أزياء المنتخب الوطني الخاصة بكأس العرب وكأس إفريقيا من خلال رفضها تمتيعها بالإعفاء من المعاليم الديوانية (الضريبة)".
وتابع: "كما تجددت هذه الاحتكاكات بمناسبة مقابلة تونس وزامبيا في رادس بتاريخ 16 نوفمبر 2021، حيث تبادل الطرفان الاتهامات بخصوص منع الجماهير من مشاهدة المقابلة".
وأشار جربي إلى أن "وزارة الشباب والرياضة سبق لها تنظيم ندوة صحفية بتاريخ 16 يونيو/حزيران 2022، وهددت بتفعيل الفصل 21 من القانون الأساسي الذي يمكن الوزير من حل المكتب الجامعي لكرة القدم".
واستطرد: "من آخر المواقف العجيبة للسلطات السياسية التونسية، رفض الأمن تأمين مقابلات الجولة الافتتاحية للرابطة الوطنية المحترفة الأولى خلال الموسم 2022-2023 مما حدا بالجامعة إلى تأجيلها".
بدوره، حمل رئيس الاتحاد الجريء، وزير الرياضة دقيش، "مسؤولية أي مكروه قد يتعرض له" بعد تصريحاته التي وصفها بـ"التحريضية".
وادعى دقيش في تصريح لإذاعة "إي إف إم" أن "الجريء تعمد منع حضور الجمهور مباراة زامبيا في التصفيات المؤهلة للمونديال (في 9 أيلول 2021)، حتى لا يتعرض للسب بعد هزيمة نسور قرطاج في غينيا الاستوائية".
ونقل موقع "كورة" في 21 نوفمبر 2022 رد الجريء قال فيه إن "ادعاء الوزير أنني عملت ضد تونس، وتعمدت حرمان الجمهور من حضور لقاء زامبيا، خطير وباطل".
وأضاف: "أحمل دقيش المسؤولية الكاملة عن أي ضرر بدني أو مادي أو معنوي، يمسني أو يلحق بأي فرد من أفراد عائلتي، جراء الادعاءات الخطيرة والباطلة وخطابه التحريضي الصريح".
وزاد الجريء: "أدعو رئيس الجمهورية إلى التدخل، فمن غير المعقول أن يتوجه وزير إلى الشعب بمثل هذه الادعاءات والاتهامات الخطيرة والباطلة ضد مواطن، ويقوم بالتحريض عليه من خلال وسيلة إعلامية".
وتابع رئيس الاتحاد: "نؤكد توفر كل الدلائل والقرائن التي تثبت بطلان الادعاء الخطير للوزير، وتفند بشكل قطعي ومطلق هذه الرواية الباطلة".
وأردف: "لا نعتقد أنه يمكن أن يصدر عن الوزير خطاب مماثل، مهما كانت اختلافاته مع بقية المسؤولين أو كرهه العميق لبعض الأشخاص".
وختم المتحدث ذاته أن "الوزير أكد أنه كلف مختصين في القانون بالعمل على ملفات تتعلق بي، فهل يمكن أن نفهم أن هناك مساعي لاختلاق التهم".
صورة تونس
وقال المدون الرياضي، جربي، إنه "لا يخفى على أحد اليوم أن الرياضة أصبحت جزءا لا يتجزأ من الصورة العامة لأي بلد، وخصوصا اللعبة الشعبية الأولى كرة القدم".
وتابع: "التاريخ يذكر إصرار قائد الانقلاب العسكري في الأرجنتين، خورخي فيديلا، على استضافة كأس العالم 1978، وحرصه على فوز منتخب بلاده بها".
واستدرك: "لكن من المفارقات أن هذه المناسبة كانت سببا في تسليط الأضواء على الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان وسقوط الانقلاب العسكري سنة 1981".
وأردف جربي "كما كانت الرياضة، وخصوصا إبان الحرب الباردة في سبعينيات القرن الماضي، مناسبة للتنافس بين رياضيي الاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة الأميركية، في محاولة لإثبات تفوق النموذج السياسي لكليهما".
وعليه، يقول المدون الرياضي، تونس "ليست بمنأى عن هذا الأمر، فالرياضة كانت وما تزال من أهم الوسائل للتسويق للدولة وتحسين صورتها".
واسترسل: "إذ كان ترشح منتخب نسور قرطاج عام 1978 لنهائيات كأس العالم بالأرجنتين حدثا بارزا، عرف من خلاله العالم بلدا اسمه تونس وساهم فيما بعد في احتراف عديد اللاعبين والفنيين التونسيين بالخليج وأوروبا".
واستدرك جربي متأسفا: "هذه الصورة وهذه المكاسب التاريخية صارت مهددة وبشدة بسبب شطحات وزير الرياضة".