بهاراتيا جاناتا.. الحزب الأكبر بالهند المضطهد للأقلية المسلمة منذ وصوله للحكم

12

طباعة

مشاركة

الاصطدام المستمر بين ملايين المسلمين المضطهدين في الهند، وأعضاء حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم وأنصار حركة "آر ايس ايس" الهندوسية المتطرفة، لا نقطة نهاية له.

وأصبح الانقسام الطائفي يفرض نفسه بغض النظر عن الثقافة والتعليم، بسبب عقيدة "الهندوتفا" الشرسة التي يعتنقها رئيس الورزاء، ناريندرا مودي، وأعداد كبيرة من الهندوس.

ومنذ صعود حزب مودي إلى السلطة عام 2014، باتت أوضاع الأقلية المسلمة البالغ عددها قرابة 200 مليون نسمة، على المحك. 

ويعاني معظم مسلمي الهند من سياسات عنصرية، وحوادث طائفية سقط خلالها المئات من الضحايا في عموم البلاد.

ورغم أن المسلمين يمثلون الطائفة الثانية في الهند من حيث التعداد بعد الهندوس، إلا أنها دائمة التعرض للعنف خاصة في عهد حكومة "بهاراتيا جاناتا" التي تحمل أفكارا عرقية متطرفة، متمثلة في "الهندوتفا" التي تؤطر لموجات عنف كارثية.

خلفيات علمية 

آخر هذه الاعتداءات، ما وقع في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، عندما اعتقلت الشرطة الهندية 4 أشخاص من الهندوس بتهمة "التبول" داخل مسجد في مقاطعة "جيرديه".

المثير في الحادث، "الخلفية العلمية" للمتهمين الأربعة، فأحدهم حاصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال، والثاني موظف في شركة متعددة الجنسيات، بالإضافة إلى مسؤول في إدارة أحد الفنادق البارزة، والأخير مهندس مدني ومقاول يمتلك شركة عقارية. 

وتزامن الاعتداء مع احتفال هندوسي يطلق عليه "دورغا بوجا" له أهمية بالغة في الهند.

وتفاجأ المسلمون خلال صلاة الظهر بالهندوسيين الـ4، يقتحمون المسجد بالقوة، ووصل أحدهم إلى "المنبر" وتبول قربه. 

وقبض الحاضرون في المسجد، على بعضهم، في حين هرب آخرون في سيارة كانت تنتظرهم أمام بوابة المسجد. 

الصادم أنه خلال تحقيقات الشرطة وصل قادة من حزب "بهاراتيا جاناتا" إلى المركز متعهدين بالدفاع عن المتهمين.

فيما عبر مسلمون عن مخاوفهم قائلين "إذا كان الحادث غير مخطط له لإحداث توتر طائفي في المدينة خلال أيام المهرجان الهندوسي، فكيف وصلوا إلى مركز الشرطة بهذه السرعة للدفاع عن المتهمين".

وفي نفس التوقيت عقد عضو البرلمان وزعيم حزب بهاراتيا جاناتا، رافيندرا راي، مؤتمرا صحفيا متحدثا عن اعتقال الشرطة للأشخاص الأربعة، وطالب بالإفراج الفوري عنهم.

وصدم الناس من الخلفية التعليمية والمهنية للمتهمين، لكن الأكثر صدمة هو سلوك الحزب الحاكم وقادته تجاه هذه الحادثة الطائفية الفجة، بتدنيس مسجد يمثل عقيدة ملايين من مسلمي الهند. 

"أخلاق" و"عقيل"

وفي 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، نشرت صحيفة "أمة 12" المتخصصة في شؤون الأقلية المسلمة في الهند، تقريرها عن واقعة مقتل المواطن، محمد أخلاق، في 28 سبتمبر/ أيلول 2015، على يد مجموعة من الهندوسيين المتطرفين، الذين يعتنقون "الهندوتفا".

وقصة "أخلاق" لا ترتبط بشخص واحد راح ضحية العنف الطائفي من الهندوس، بل قصة قرية كاملة كان يعمها السلام والوئام، فتحولت إلى بلدة مضطربة يسودها الخوف والعنصرية.

وبدأت الواقعة عندما تعرض "أخلاق" لاعتداء وحشي من قبل جيرانه الهندوس، الذين اتهموه بتناول لحوم البقر (محرمة في ديانتهم ويعبدونها).

حينها فارق الحياة "أخلاق"، البالغ من العمر 52 عاما، في مكان الحادث، بعدما أصيب بجروح خطيرة.

بينما نجا بصعوبة ابنه "دانش" البالغ 22 عاما، حيث أصيب هو أيضا بجروح مروعة في الاعتداء الوحشي. 

ومع ذلك، ذكرت الشرطة في تقريرها أن "أخلاق" لم يكن يخزن لحوم البقر، وأن "الأواني" المتهم بالتخزين فيها أكبر من أن توضع في ثلاجة، وهو ما أقرته المحكمة الهندية بعد ذلك، عندما أيدت في حكمها أن الضحية "كان لا يخزن لحم البقر".

ومنذ 7 سنوات يواصل شقيقه الأصغر، جان محمد، معركته القانونية لتحقيق العدالة لأخيه الراحل وعائلته. 

ورغم الخوف والتهديد الذي يحيط به من كل جانب، يستمر "جان" في محاولة إدانة المتهمين الذين يحتمون بحزب "بهاراتيا جاناتا".

وتسبب الحادث المروع في سوء العلاقات بين المسلمين والهندوس في القرية التي كان يعيش فيها "أخلاق".

وتلاشت العلاقات الاجتماعية بين عنصري قرية "بيسادا" المسلمين والهندوس، حيث كانت تعيش 30 عائلة مسلمة في القرية، ولكن غادرت 10 عائلات خوفا على حياتها وممتلكاتها. 

وكانت تلك نتيجة واضحة من نتائج الاستقطاب والكراهية ضد الأقليات وخاصة المسلمين، وهي الموجة التي تصاعدت في البلاد بسبب سياسات التمييز التي يمارسها رئيس الوزراء، مودي، وحزبه الحاكم. 

وفي 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، نشر الصحفي الهندي، شيخ عزيزور رحمن، عبر حسابه على تويتر، أنه "في النزاع حول لعبة الأرجوحة تعرض شاب مسلم لاعتداء وحشي من قبل أنصار وزعماء حزب (بهاراتيا جاناتا) في ولاية (أترا براديش)".

وذكر أن "سائق سيارة أجرة، عقيل أحمد (28 عاما)، تعرض لاعتداء وحشي توفي على إثره من قبل زعماء المقاطعة للحزب الحاكم، وجلهم من الهندوس المتطرفين". 

وأورد أن "السجال بدأ عندما كان عقيل مع أصدقائه لمشاهدة معرض محلي، حينها وقعت مناوشات مع القيادي في الحزب الحاكم، راجات راستوجي، بسبب (لعبة الأرجوحة)، بعدها اتصل راستوجي بأصدقائه وأخبرهم أن الاشتباكات اندلعت بين الهندوس والمسلمين في المعرض".

واستطرد: "في أعقاب مكالمته وصل نجل رئيس مجلس المحامين الكبار لولاية أترا براديش إلى قاعة المعرض مسرعين، وهجموا على عقيل الذي وافته المنية بسبب الاعتداء الجسيم". 

ورغم تلك الواقعة المفجعة إلا أن الشرطة لم تتهم المعتدين بالقتل، بل سجلت التهمة بموجب أقسام ثانوية.

حينها كتبت "فرزانا بيغم"، زوجة الضحية "عقيل أحمد"، رسالة إلى مدير الشرطة تقول إن "رجال الأمن المحليين كانوا يحاولون إزالة اسم نائب رئيس حزب بهاراتيا جاناتا من القضية".

وأعربت فرزانة عن مخاوفها بأن أسرتها "يمكن أن تتعرض لهجوم وقتل محتمل".

حملة هندوسية

في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، نشرت صحيفة "كشميرت" البريطانية أن مجموعات قومية هندوسية أطلقت حملة زيارات منزلية لحظر المنتجات الحلال المعتمدة في ولاية كارناتاكا، بالتزامن مع أعياد ديوالي.

ووفقا للتقرير، تخطط مجموعات هندو جانا جاغروثي ساميثي، وسري راما سينا، وراسترا راكشانا باد، وفيشفا هندو ساناتانا باريشات، لتوزيع كتيب أطلقوا عليه مسمى "الجهاد الحلال"، لتشجيع الهندوس على الانضمام إلى الحملة التي يشنونها على المنتجات الحلال الخاصة بالمسلمين.

وبحسب الصحيفة فإن الشرطة تراقب الأوضاع عن كثب، لكنها لا تتدخل لوقف الحملة العنصرية التي قد تشعل الأوضاع بشكل متزايد في عموم البلاد، خاصة أن تلك المجموعات تحمل أفكارا غاية في التطرف والكراهية للمسلمين، وجميعها تعمل تحت عين الحزب الحاكم الأكبر "بهاراتيا جاناتا".

وتأسس "بهاراتيا جاناتا" ويعني "حزب الشعب الهندي" عام 1980، بأفكار ومعتقدات قومية هندوسية متعصبة، ومنذ صعوده ناهض الأقليات المسلمة في البلاد، ومارس سياسات عنصرية بحقها.

في عام 1986 بدأ حزب "بهاراتيا جاناتا" يحقق صعودا ملحوظا في الانتخابات، ونجح في نشر أجنحته عبر أطراف الهند، وعام 2014 اكتسح الانتخابات التشريعية التي شارك فيها قرابة 845 مليون ناخب، حيث فاز في 274 دائرة من إجمالي 543.

وفي 20 أبريل/ نيسان 2015 أعلن قادة الحزب أنه "أصبح الحزب السياسي الأكبر في العالم، إذ تجاوز عدد أعضائه 100 مليون بعد حملة تسجيل استمرت 6 أشهر".

وفي 24 مايو/أيار 2019، وبعد انتخابات تشريعية شهدت منافسة شرسة غير مسبوقة، امتدت لسبع مراحل كاملة، حقق حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم انتصارا تاريخيا، عزز سيطرة التيار القومي على النظام السياسي في الهند.

ومن أبرز الأدوات التي اعتمد عليها "بهاراتيا جاناتا" في حشد أصوات الناخبين الهندوس، تركيزه على تعرض الهندوس للتهميش والاستبعاد من دوائر صنع القرار على مدار عقود من سيطرة حزب المؤتمر الوطني، موجها إليه اتهامات بأنه يميل لمهادنة المسلمين على حساب المعتقدات الهندوسية.

كما ربط صناع الدعاية الانتخابية بين التصويت للحزب وحماية المعتقدات الهندوسية، وارتبط ذلك بتأسيس أكثر من 45 ألف فرع لمنظمة "راشتريا سوايامسيفيك سانج" اليمينية الهندوسية المتطرفة، التي انتشرت في مختلف الولايات لحشد الناخبين الهندوس للتصويت لصالح الحزب.

وبالفعل بعد صعودهم إلى الحكم باتت الأقلية المسلمة البالغ عددها قرابة 200 مليون نسمة، تعاني من سياسات عنصرية، وحوادث طائفية سقط خلالها العشرات في عموم البلاد.