روايتان بشأن أزمة سحب السفراء بين فرنسا والمغرب.. ما التفاصيل؟
لا سفيرة في الرباط ولا سفير في باريس، هذا آخر تطور في العلاقات الثنائية المغربية الفرنسية، ينذر بأن تتجه الأزمة "الصامتة" بين البلدين "نحو الأسوأ" في سابقة تاريخية.
يأتي هذا الفراغ بعد تكليف سفير الرباط بمهمة جديدة في المغرب، ما يعني قرارا ضمنيا بسحبه من مهمته الدبلوماسية في فرنسا، ورد مباشر على سحب باريس لسفيرتها بالرباط سابقا، دون تحديد موعد تعيين سفير جديد في العاصمتين.
سحب متبادل
وفي 18 أكتوبر/تشرين الأول 2022، عين العاهل المغربي محمد السادس، سفير الرباط لدى باريس، محمد بنشعبون، مديرا عاما لـ"صندوق محمد السادس للاستثمار" (رسمي)، بحسب بيان للديوان الملكي.
ويأتي تعيين بنشعبون في هذا المنصب قبل أن يتم سنة في منصبه كسفير للمغرب، عندما عين في ديسمبر/كانون الأول 2021.
القرار المغربي جاء بعد تكليف سفيرة فرنسا، هيلين لو غال، من قبل قصر "الإليزيه"، مطلع سبتمبر/أيلول 2022 كمسؤولة عن "الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية" في الاتحاد الأوروبي.
وفي 29 سبتمبر 2022، أعلنت السفيرة لو غال، مغادرتها منصبها بعد أن شغلته لمدة 3 سنوات.
Lors de mon audience de départ avec N. Bourita, Min. des Aff. étrangères, de la Coop. afr. et des ���� de l'étranger, à la fin de mon mandat de 3 ans, je me suis souvenue de cette première rencontre. 3 ans riches de partenariats, de rencontres ��������. Merci à ceux qui les font vivre! https://t.co/VTuNFlQDB4
— Hélène Le Gal (@HeleneLeGal) September 29, 2022
وقالت السفيرة في تغريدة على حسابها بتويتر إنها "ودعت وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، خلال اجتماع معه قبل مغادرتها".
وجرى العرف في العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا والمغرب، أن تعين باريس بمجرد إنهاء مهام سفيرها، شخصا جديدا مباشرة بالرباط، وهو الأمر الذي لم يحدث بعد. ونظر محللون إلى قرار الرباط الأخير، على أنه "معاملة بالمثل".
هذه التطورات تأتي في ظل توتر بالعلاقات، ظهرت مؤشراته من رفض منح تأشيرات لمغاربة إلى فرنسا، منهم رجال أعمال وفنانون وطلبة.
وفي تعليق على قرار المملكة، قال موقع "المغربية تيفي" إن "الرباط اختارت أن ترد على استفزازات فرنسا المتكررة بأسلوب دبلوماسي ذكي جدا، وذلك بسحب السفير بنشعبون، وتعيينه مديرا عاما لصندوق محمد السادس للاستثمار".
ورأى الموقع في مقال نشره في 19 أكتوبر 2022، أن "هذه الخطوة تعد دليلا آخر على أن علاقة المملكة المغربية بفرنسا ليست على ما يرام".
وأشار إلى أن ذلك جاء أيضا بعد أن اختار المغرب التصعيد ضد فرنسا، ولسان حاله يقول إما الاعتراف بمغربية الصحراء كباقي دول الاتحاد الأوروبي أو القطيعة".
وتابع: "ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات".
وفي 20 أغسطس/آب 2022، دعا الملك محمد السادس، في خطاب رسمي، بعض الدول من شركاء المغرب "التقليديين والجدد" التي تتبنى مواقف غير واضحة، بخصوص "مغربية الصحراء"، أن توضح مواقفها وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل.
وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد اعترف بـ "مغربية الصحراء" في مكافأة للرباط على تطبيعها العلاقات مع إسرائيل عام 2020، لكنها خطوة افتقدت للتأييد الدولي.
وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا بإقليم الصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو جبهة "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
حرب الرموز
وهناك روايتان بشأن الأزمة، إذ يصر المغرب على أن أصل النزاع يعود إلى قلق فرنسا من الوجود المغربي الاستثماري في مناطق إفريقية خاصة غرب القارة، أي مناطق نفوذ باريس، وكذلك موقفها الغامض من نزاع الصحراء بعدم دعم "الحكم الذاتي".
بينما تقول مصادر فرنسية إن أصل الأزمة يعود لتجسس الاستخبارات المغربية على الرئيس إيمانويل ماكرون ومسؤولين آخرين بواسطة البرنامج الإسرائيلي "بيغاسوس".
وضمن عناوين الأزمة، منعت فرنسا منح التأشيرات لنسبة كبيرة من المغاربة تقدر بعشرات الآلاف.
وشمل القرار مهنيين وكذلك وزراء سابقين، إذ بدأ المغاربة بتجنب طلب التأشيرة من قنصليات فرنسا.
من جانبها رأت مجلة "جون أفريك’" الفرنسية أن مغادرة السفير المغربي بنشعبون، تعد "خطوة أخرى" في الأزمة الدبلوماسية.
ونقلت المجلة في 19 أكتوبر 2022، عن دبلوماسي مغربي (لم تسمه) قوله: "لقد دخلنا بوضوح في حرب الرموز".
وأضاف المصدر الذي لم تسمه: "من الطبيعي أن يقوم المغرب المرتبط جدا بفكرة العلاقات المتبادلة، بنوع من إعادة التوازن من القاعدة".
وأشارت إلى أنه لم يجر عقد أي لقاء رسمي بين المسؤولين المغاربة والفرنسيين منذ عام 2020، أو أي اتصال بين الرئيس الفرنسي والملك محمد السادس، الذي يعيش تقريبا في فرنسا منذ أربعة أشهر، حسب وسائل إعلام محلية.
وفي 29 أغسطس 2022، صرح ماكرون بشكل غير رسمي وتزامنا مع عودته من الجزائر، أنه سيزور المغرب نهاية أكتوبر 2022، غير أن ذلك لم يحصل.
وفي خضم هذه الأحداث، أجرى الوزير الفرنسي المنتدب المكلف بالتجارة الخارجية وبالفرنسيين في الخارج، أوليفييه بيكت، زيارة غير رسمية إلى المغرب في 18 أكتوبر، والتقى خلالها بجالية بلاده فقط.
وفي كلمته أمام الجالية دعا الوزير بيكت إلى "تجاوز التوترات"، قائلا: "يجب أن نكتب صفحة جديدة".
وتعد فرنسا المستثمر الأجنبي الرائد في المغرب، وبلغت تجارتها مع المملكة 10.7 مليارات يورو عام 2021.
وفي مقابلة مع صحيفة "ليكونوميست" المغربية نشرت في 18 أكتوبر، قال بيكت: "لا شك أننا نستطيع دمج المغرب بشكل أكبر في سلاسل القيمة الفرنسية والاستفادة من قربنا الجغرافي واللغوي والثقافي".
رسائل قوية
من جانبه، أوضح المحلل السياسي الشرقاوي الروداني، أن "العلاقات المغربية الفرنسية تمر بتحديات كبيرة تفرضها الأزمات التي يعيشها النظام الدولي، وهو ما جعل العقيدة السياسية المغربية تتغير بعد الخطاب الملكي (في 20 أغسطس) الذي ربط الشراكات المغربية مع الخارج بقضية الصحراء المغربية".
وأوضح أن "هذه العقيدة يجري تطبيقها حاليا مع فرنسا التي كان ينتظر منها أن تحذو حذو الولايات المتحدة الأميركية وعديد من الدول الأوربية في دعم صريح لمغربية الصحراء"، وفق صحيفة "الأيام 24" المحلية.
وفي 10 ديسمبر/كانون الأول 2020، أعلنت واشنطن اعترافها بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، وفتح قنصلية أميركية بمدينة الداخلة في الإقليم المتنازع عليه بين الرباط و"البوليساريو".
كما أعلنت إسبانيا، المستعمرة السابقة للصحراء، في مارس/آذار 2022، دعمها مبادرة الحكم الذاتي المغربية لتسوية النزاع في إقليم الصحراء، ليعود الدفء لعلاقات البلدين بعد "فترة برود".
وأشار الروداني إلى أن "هنالك أوساطا فرنسية تتعامل مع الأزمة الحالية مع المغرب بمنطق غير سليم يبتعد عن الوعي الحقيقي بمصير البلدين المشترك والشراكات الاقتصادية المهمة".
وأكد في الوقت ذاته أن "تغييب المغرب لتمثيل دبلوماسي في باريس بعد تعيين بنشعبون الأخير، يحمل رسائل قوية بأن الرباط لن تقبل إلا بشراكات جدية مبنية على الاحترام والاهتمامات بنقاط القوة خاصة الاقتصادية، إذ تجمع المغرب وفرنسا مصالح اقتصادية جد مهمة بالغرب الإفريقي".
وخلص الروداني إلى أن مستقبل العلاقات بين البلدين "ينبغي أن ينبني على شراكة لها أساس قوي ينطلق من احترام متطلبات ومصالح الجانبين".
ومنذ سبتمبر 2021، ظهر التوتر علنيا بعد قرار فرنسا تشديد منح التأشيرات للمواطنين المغاربة، وتعزز بعدم تبادل البلدين الزيارات الدبلوماسية منذ تلك الفترة.
وأمام التشديد الفرنسي في منح التأشيرات، استنكر المغرب في 28 سبتمبر 2021 القرار الفرنسي حين وصفه وزير الخارجية ناصر بوريطة، خلال مؤتمر صحفي في الرباط بـ"غير المبرر".
وفي ذلك اليوم، أعلنت الحكومة الفرنسية تشديد شروط منح التأشيرات لمواطني المغرب والجزائر وتونس بدعوى "رفض الدول الثلاث إصدار التصاريح القنصلية اللازمة لاستعادة مهاجرين من مواطنيها".
بعد ذلك بأسابيع، خففت باريس شروط التأشيرات لمواطني الجزائر وتونس وأبقته على المغرب.
وفي 25 أغسطس 2022، أعلنت الحكومة المغربية أنها ناقشت أزمة التأشيرات مع فرنسا، عقب رفض الأخيرة منحها للكثير من المغاربة.
وقال الناطق باسم الحكومة مصطفى بايتاس، في مؤتمر صحفي، إن الحكومة "استمعت إلى انشغالات المواطنين حول هذا الموضوع"، مضيفا أن موضوع التأشيرات "يوجد فوق طاولة الحكومة"، دون تفاصيل أخرى.
المدونة المغربية، مايسة سلامة الناجي، رأت أن "أكبر إنجاز في عهد الملك محمد السادس هو إخراج المغرب من التبعية الفرنسية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا".
وأفادت في تدوينة بصفحتها على فيسبوك في 19 أكتوبر، بأن "الدليل: ليس فقط الأزمات الدبلوماسية المتوالية التي أظهرت رفض المغرب للابتزاز والانبطاح والتعامل بالند للند، إنما أيضا انقلاب الموازين ونفوذ المغرب في فرنسا عبر عدد من الشخصيات المغربية المؤثرة في دواليب القرار الفرنسي".
ودعا الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، إلى "إحياء" الشراكة بين فرنسا وبلدان المغرب الكبير (المنطقة المغاربية)، وخصوصا المغرب، والذي تشهد علاقاته مع باريس فتورا في الفترة الأخيرة.
وخلال مؤتمر انعقد في 19 أكتوبر بالعاصمة الرباط، بشأن "مكافحة الرشوة بإفريقيا"، قال هولاند: "في مواجهة التقلبات الكبيرة على الصعيد العالمي، يبدو ضروريا إحياء الشراكة التي تربط فرنسا ببلدان المغرب الكبير، وخصوصا المغرب".
وأضاف: "آسف لحالات سوء التفاهم التي يمكن أن تحدث أو تستمر، والقرارات التي يمكن أن لا يجري تفهمها"، داعيا إلى "طرح المواضيع التي يمكن أن تجمعنا على الطاولة، واستبعاد تلك التي يمكن أن تفرقنا".