النمو يتباطأ والفقر يتصاعد.. هكذا دفع أخنوش اقتصاد المغرب للحضيض
تحت قيادة رئيس الوزراء عزيز أخنوش، يسير الاقتصاد المغربي نحو معدلات نمو متواضعة خلال 2022، نتيجة أزمات داخلية وخارجية، وسط تفاقم عجز الميزانية ومعدلات التضخم والفقر.
وتوقع بنك المغرب المركزي أن تسجل البلاد نهاية عام 2022 نموا بنسبة 0.8 بالمئة على أن يتسارع إلى 3.6 بالمئة في 2023، مقابل ركود بـ7.2 بالمئة عام 2020، وانتعاش قوي بـ7.9 بالمئة خلال 2021.
وسجلت ميزانية المغرب عجزا بقيمة 30.4 مليار درهم (نحو 3 مليارات دولار) بنهاية أغسطس/آب 2022، وفقا لوزارة الاقتصاد والمالية، ونجم ذلك بشكل أساسي عن سياسات حكومة أخنوش الفاشلة إزاء الأوضاع ما بعد جائحة كورونا وأزمة حرب أوكرانيا.
أسباب التراجع
ويأتي تراجع النمو في المغرب مدفوعا بعدة عوامل، في مقدمتها تراجع الإنتاج الزراعي نتيجة خسارة 14 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي الزراعي خلال موسم 2021 /2022، ما سيؤثر سلبا على نمو الاقتصاد إجمالا بنحو 1.7 نقطة، بعد انخفاض معدل هطول الأمطار بنسبة 42 بالمئة.
وهو ما قلص معدلات ملء السدود إلى نحو 30.2 بالمئة فقط، بالإضافة إلى فقدان أكثر من 40 مليون ساعة عمل في المجال الزراعي، لتتراجع توقعات الحكومة لنمو المحصول من الحبوب خلال الخريف الماضي من 80 مليون قنطار إلى 32 مليون قنطار.
وتبلغ نسبة الصادرات الزراعية نحو 21 بالمئة من إجمالي الصادرات المغربية، وهي تعد ثاني أكبر مصدر للعملات الصعبة في البلد.
وبحسب الخبيرة الاقتصادية المغربية خولة لشكر، فإن مرور المغرب بمرحلة وباء كورونا وظروف الحرب الروسية الأوكرانية، وكل هذه الأمور تسببت في تراجع معدلات النمو لمستوى متواضع جدا، نتيجة معوقات متعددة.
وأوضحت لـ"الاستقلال" أن تلك المعوقات يعد أهمها غلاء المواد الأولية ووسائل الطاقة، سواء البترول أو الغاز، التي تعد من المداخيل المهمة في تكوين تكلفة الإنتاج في أي بلد كان وأي نوع من الإنتاج سواء كان إنتاجا صناعيا أو فلاحيا أو خدماتيا.
وأشارت إلى أنها تتمنى ألا تستمر حالة الركود التضخمي التي يعيشها العالم، نتيجة ارتفاع الأسعار وتراجع النمو العالمي، أكثر من عام آخر على أبعد تقدير حتى تتمكن البلاد من الانتقال إلى مرحلة الأفق التنموي الحقيقي مع نهاية عام 2023.
وحذر البنك الدولي من أن رفع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم خلال الفترة الماضية، بهدف خفض وتيرة ارتفاع أسعار السلع والمنتجات، قد يؤدي إلى ركود عالمي في عام 2023 ما يعني تباطؤ معدلات النمو مستقبلا.
وحول توقعات بنك المغرب بتحقيق الاقتصاد نموا بنحو 3.6 بالمئة في 2023، رأت الباحثة الاقتصادية أن هذه الأرقام هي تكهنات، وعدت أن هذه النسبة مرجعيتها الأساسية ناتجة عن توقعات البنك بأن المغرب سيتدارك الرسوب والركود الحالي أو ما فقدناه خلال الثلاث سنوات الأخيرة.
واستدركت: لكننا ننطلق من اللا شيء تقريبا، حتى أننا اليوم لسنا في مستوى نمو 2019، وبالتالي لم نتدارك بعد تبعات الركود الاقتصادي التي عاشها المغرب والعالم بسبب وباء كورونا وغيرها من الأزمات الحالية.
بدوره، أرجع مدير مركز الصحراء وإفريقيا للدراسات الإستراتيجية المغربي، عبد الفتاح الفاتحي، أسباب تراجع النمو بالمغرب إلى تعددت الإكراهات والتحديات التي واجهت الاقتصاد المغربي، بعضها طبيعي كتوالي سنوات الجفاف والتغيرات المناخية، وبعضها ظرفي مرتبط بعوامل الحالة الوبائية ككورونا وغيرها.
وأضاف لـ"الاستقلال"، أن التدابير الاحترازية لمواجهة وباء كورونا أثرت سلبا على العرض والطلب، يضاف إلى ذلك تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية من ارتفاع الكلفة على مستوى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء ما كبد المملكة فواتير باهظة ليتفاقم عجز ميزانها التجاري إلى مستويات قياسية.
وارتفع العجز التجاري للمغرب بنهاية يوليو/ تموز 2022 بنسبة 53.5 بالمئة على أساس سنوي، مسجلا قيمة بلغت 183 مليار درهم (49 مليار دولار).
حيث بلغت قيمة الواردات نحو 429.5 مليار درهم، فيما حققت الصادرات حوالي 246 مليار درهم، وفقا لبيانات مكتب الصرف، وهو الهيئة الحكومية المعنية بإحصاءات التجارة الخارجية.
وتشير إحصاءات المكتب إلى أن فاتورة الطاقة زادت بأكثر من الضعف بـ88.1 مليار درهم (8.09 مليارات دولار) في نهاية يوليو/ تموز 2022، مقابل 38.7 مليار درهم (3.55 مليارات دولار) لنفس الفترة من عام 2021، ما يمثل زيادة بقيمة 49.4 مليار درهم.
بينما سجلت المنتجات غير البترولية مثل القمح والشعير والسكر زيادة بـ52.8 بالمئة، حيث كلفت المغرب حوالي 54.3 مليار درهم (4.98 مليارات دولار) في نهاية يوليو/ تموز 2022، مقابل 35.6 مليار درهم (3.27 مليارات دولار) لنفس الفترة من 2021.
تداعيات مؤلمة
وسط تلك الأسباب تأتي تداعيات هذا التراجع الملحوظ في الاقتصاد المحلي خلال عام 2022، لتفرز مجموعة من السلبيات على الواقع الاقتصادي، ما ينذر بمخاطر عديدة خلال الفترة القادمة.
وترى لشكر، أن التأثير الأول لتراجع معدل النمو هو تزايد البطالة، الأمر الذي يعني اضمحلال القدرة الشرائية وتفاقم الفوارق الاجتماعية، نظرا لأن النمو هو المحرك الذي يدفع أي اقتصاد ويحافظ على مستوى معيشة سكانه ومستوى التشغيل وما إلى غير ذلك.
وارتفع معدل التضخم إلى 8 بالمئة في أغسطس/ آب على أساس سنوي، وهو أعلى مستوى مسجل في المملكة منذ تسعينيات القرن العشرين، ما اضطر البنك المركزي لرفع سعر الفائدة 50 نقطة أساس إلى 2 بالمئة في خطوة لم يقدم عليها البنك منذ 14 عاما.
وبلغت نسبة البطالة في المغرب 11.2 بالمئة ليصل إجمالي عدد العاطلين عن العمل إلى 1.387.000 عاطل، وفقا لأرقام المندوبية السامية للتخطيط.
وأوضحت لشكر أن هناك وسائل لتحفيز هذا النمو الضعيف من خلال سن سياسات وقوانين محفزة للاستثمار للتخلص من المعوقات المحيطة بالاستثمار في المغرب والتي يوجد منها الإداري والقانوني.
أي أنها ليست بالضرورة مالية، و"بالتالي في حال عالجنا تلك المعوقات من الممكن أن نخلق فضاءات تسمح بتقوية الاستثمار لتحفيز الاقتصاد".
وطالبت بضرورة استغلال "الاستقرار السياسي" الذي ينعم به المغرب مقارنة بدول الجوار أو بالمنطقة عموما، فضلا عن قربه من السوق الأوروبية ما يجعله في موقع المستفيد، متوقعة إعادة اتجاه الاستثمارات الدولية نحو المغرب، خاصة في مجال الصناعة.
ولفتت إلى أنه في الآونة الأخيرة شهد المغرب وجود الكثير من الاستثمارات الدولية التي تأخذ بعين الاعتبار إمكانية الاستثمار في البلاد بشكل جدي أكثر وأكثر في القطاعات التي لم يكن ينجذب إليها الاستثمار الأجنبي في الرباط وعلى رأسها قطاع الأدوية.
وأبرمت وزارة الصناعة والتجارة المغربية مع شركات محلية مجموعة من الاتفاقيات متمثلة في ثلاثة مشاريع بكلفة استثمارية تقديرية تبلغ 531.4 مليون درهم (54 مليون دولار)، ومن المتوقع أن توفر تلك المشاريع 280 وظيفة مباشرة و300 أخرى غير مباشرة.
وتهدف تلك الاتفاقات إلى توسيع آفاق صناعة الدواء وتشجيع الإنتاج المحلي من أجل تجاوز الأزمات الصحية وتحقيق الاكتفاء الذاتي، إلى جانب القيمة المضافة التي ستنعكس على سوق العمل مع التركيز على التصدير إلى أسواق إفريقيا.
من جهته، يرى الفاتحي، أن هذا التباطؤ في النمو سيؤثر على نمو المداخيل والاستهلاك والادخار، وسيعرف الدخل الوطني الإجمالي تباطؤا.
وهو ما يزيد من تفاقم الديون الأسرية، حيث تقدر بأكثر من 34 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، فضلا عن تزايد ارتفاع الواردات وهو ما يزيد من حدة التضخم.
وأشار إلى أن عنصر المفاجئة جعل المغرب يتأخر في تنفيذ إصلاحات اقتصادية وهيكلية تجنبه من هكذا أزمات عاصفة، إلا أنه وعلى الرغم من صعوبة ودقة المرحلة الراهن، يبقى لدى المملكة هوامش موضوعية لتكون قادرة على تحمل الصدمة في انتظار موسم زراعي جيد تستطيع من خلاله استعادة توازناتها الاقتصادية واستعادة معدلات نموها السابقة.
واستدرك: "فضلا عن عوائد مالية كبيرة من العملة الصعبة تستخلص من تصدير الفوسفات ومشتقاته، وهو اليوم ترتفع أثمانه إلى مستويات قياسية".
تزايد الفقر
في خضم تلك المعطيات يعاني المواطن المغربي من تفاقم معدلات الفقر وزيادة الأعباء المعيشية عليه، وذلك على الرغم من زيادة الحد الأدنى من الأجور.
وأظهرت دراسة نشرتها المندوبية السامية للتخطيط (حكومية)، في 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، أن 3.2 ملايين شخص إضافي انضموا إلى "لائحة الفقر أو الهشاشة" جراء تبعات الجائحة وآثار أزمة التضخم.
وتتوقع الهيئة الحكومية ارتفاع معدل الفقر في المغرب بفعل الانكماش في مستوى المعيشة والآثار السلبية لجائحة كوفيد-19.
وتقول إن مستوى الفقر بالبلاد تراجع إلى ما كان عليه في عام 2014، حيث توقعت الدراسة ارتفاع معدل الفقر المطلق من 3 بالمئة في 2021 إلى 4.9 بالمئة في 2022.
وطالبت لشكر بضرورة العمل على توفير تغطية اجتماعية للأسر الفقيرة والمتوسطة سواء الإعانات المباشرة أو غير المباشرة، وذلك من خلال ضخ أموال في الميزانية لدعم المواطن بشكل مباشر للحفاظ على ثمن معقول للغاز والمواد الأساسية في إطار محاولة تخفيف العبء على الفئات الفقيرة.
كذلك قالت إنه من المفترض دعم صناديق التقاعد ورفع الحد الأدنى للمعاشات وتقوية كل ما هو اجتماعي داخل ميزانية الدولة، وكذلك تقديم الدعم بشكل مؤسساتي لتخفيف الأعباء في نهاية المطاف على المواطن المتوسط والفقير.
وأشارت إلى أن هناك فئات تزداد فقرا أو تسقط فيه نتيجة فقدان العمل أو غيره، مضيفة أن من سقطوا في إطار الفقر قد يخرجون من تلك الدائرة خلال 6 أشهر أو سنة ولكن هذا مرتهن باستعادة الاقتصاد لعافيته.
وبدأ المغرب مطلع سبتمبر/ أيلول 2022 تطبيق زيادة على الحد الأدنى للأجور في القطاعين العام والخاص، بواقع 6 بالمئة و10 بالمئة على التوالي، بعد اتفاق وقع في مايو/ أيار 2022 مع النقابات الكبرى واتحاد أصحاب العمل.
من جانبه، قال الفاتحي، إنه من الطبيعي أن ترتفع معدلات الفقر، وأن تزداد الهشاشة والتهميش في المدن الداخلية والقرى والبوادي بعد توالي سنوات الجفاف، وما يطرح اليوم من إشكالات تتعلق بصعوبات توفير الماء الصالح للشرب للسكان.
ومن المتوقع أن يرتفع الفقر من 1 إلى 1.7 بالمئة بالمناطق الحضرية، ومن 6.8 بالمئة إلى 10.7 بالمئة في الوسط القروي، وفق دراسة المندوبية السامية للتخطيط.
المصادر
- اقتصاد المغرب يسجل تباطؤاً حاداً في النمو بسبب موجة الجفاف
- المغرب يبدأ تطبيق زيادة الحد الأدنى للأجور بالقطاعين العام والخاص
- زيادة عدد الفقراء في المغرب بـ 3.2 مليون شخص جراء كورونا والتضخم
- ارتفاع التضخم السنوي بالمغرب إلى 8.3 بالمئة خلال سبتمبر
- ارتفاع العجز التجاري للمغرب 53.5% بنهاية يوليو
- المغرب يضع لبنة جديدة في طريق تطوير صناعة الأدوية
- البنك الدولي يحذر من ركود خلال العام المقبل بسبب زيادة أسعار الفائدة عالميا