علاقات قديمة.. ماذا تستفيد إسرائيل من تسليح جيش بورما لقتل المسلمين؟
كشف النقاب عن دور إسرائيلي في المجازر ضد المسلمين في ميانمار، في وقت تفتح قوات الاحتلال المسجد الأقصى أمام المستوطنين لتدنيسه، وتسارع لتهويده وحرق القرآن داخل المستوطنات.
وشن جيش ميانمار ومليشيات بوذية منذ 25 أغسطس/آب 2017، حملة عسكرية ومجازر وحشية ضد أقلية الروهينغا المسلمة في ولاية أراكان غربي البلاد.
وأسفرت الجرائم المستمرة منذ ذلك الحين عن مقتل آلاف الروهينغا، بجانب تشريد ولجوء قرابة مليون إلى بنغلاديش، وفق الأمم المتحدة.
وخلال عامي 2017 و 2018، أحرقت بورما أكثر من 300 قرية بكل ما فيها، وقتل ما لا يقل عن 20 ألف روهينغي. وساهمت إسرائيل بشكل أو بآخر في هذه المجازر.
وجرى اغتصاب آلاف النساء المسلمات، وذبح الأطفال ورميهم في الأنهار، بجانب تدمير منازل الروهينغا ومساجدهم وحرق مصاحفهم وكتبهم الدينية، بحسب المرصد الروهينغي لحقوق الإنسان.
دور إسرائيلي
وكشفت وزارة الخارجية الإسرائيلية سبتمبر/أيلول 2022، عن وثائق حول العلاقات العسكرية مع بورما، منذ خمسينيات القرن الماضي، تبين الدور الإسرائيلي في المجازر ضد مسلمي الروهينغا.
وأظهرت الوثائق إجماع الحكومات الإسرائيلية كافة على دعم الجيش في بورما بالسلاح الذي يقتل به المسلمين من أقلية الروهينغا.
وتبين الوثائق أنه كان لإسرائيل دور مركزي في إقامة الجيش البورمي، وساعدت حكومات الاحتلال في إعادة تنظيم الجيش كجيش عصري، وسلحته، وقدمت إرشادات لقواته وأسهمت بشكل بالغ في بناء قوته.
وكشفت صحيفة هآرتس العبرية في 7 أكتوبر /تشرين الأول 2022، أن حكومات إسرائيل كانت تعلم أن مساعداتها العسكرية استخدمت في الحرب ضد الأقلية المسلمة.
ولا يوجد في عشرات الآلاف صفحات تلك الوثائق، ولو مندوب إسرائيلي واحد عبر عن موقف ضد بيع الأسلحة إلى بورما.
وأوفدت إسرائيل عشرات الخبراء العسكريين والأمنيين لإجراء إرشادات في ميانمار، كما جرى استقبال ضباط بورميين لتلقي تدريبات في قواعد الجيش الإسرائيلي، بدءا من الهبوط بمظلات وحتى تدريب طيارين.
وأقامت إسرائيل في ميانمار منذ ثمانينيات القرن الماضي، بالتعاون مع الجيش المحلي، شركات عملت في مجالات الشحن البحري والزراعة والسياحة والبناء، حسب الوثائق.
وزار الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز ميانمار عام 1962، عندما كان نائبا لوزير الأمن، والتقى قادة جيش بورما.
ومنع الاتحاد الأوروبي عام 2016 تصدير الأسلحة لحكومة ميانمار مع تصاعد المجازر بحق مسلمي الروهينغا ولكن الاحتلال تجاهل الحظر.
وأفادت صحيفة "معاريف" العبرية في أكتوبر/تشرين الثاني 2017، أن إسرائيل واصلت عملية بيع الأسلحة إلى ميانمار، خلال المجازر التي يرتكبها الجيش على الرغم من الحديث الدولي عن أن ما يجرى هناك بحق الأقلية المسلمة تطهير عرقي.
واعترف جيش بورما رسميا بتزويد إسرائيل بلاده بالأسلحة خلال الحرب ضد الروهينغا.
وقال في بيان عام 2017: "مرحبا بكم في بحرية ميانمار" بمناسبة وصول قارب دورية وسفن إسرائيلية إلى شواطئ بورما.
وعن مدى التعاون بين الجانبين، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي، إن علاقات إسرائيل وميانمار تندرج تحت إستراتيجية تنفذها دولة الاحتلال منذ خمسينيات القرن الماضي وتسمى بـ "حلف الأطراف"، وهي إقامة تحالفات مع دول تقع خارج العالم العربي، وتكون في عداء مع دول عربية أو إسلامية.
وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "لذلك أقاموا تحالفات منذ ذلك الوقت مع ميانمار، وإيران في حقبة الشاه، وتركيا في عصر العسكر، وإثيوبيا، وكازاخستان ودول في آسيا الوسطى وكذلك دعموا الصرب خلال حرب البوسنة والهرسك، باعتبار أن عدو العدو صديق".
وأكد النعامي أن إسرائيل عملت بشكل كبير على توثيق العلاقات مع بورما على الأصعدة كافة، وزارها كبار المسؤولين والجنرالات، ومع نشوب الصراع مع الأقلية المسلمة هناك زادت من توريد السلاح بشكل كبير.
وأوضح أن إسرائيل ككيان محاط بالدول العربية المعادية– قبل التطبيع– كانت معنية بإقامة علاقات مع أي دولة، لأغراض سياسية واقتصادية وحتى استخبارية.
فميانمار على سبيل المثال قريبة من دول كماليزيا وبنغلادش وإندونيسيا وهي دولة مسلمة معادية للاحتلال لذلك، إسرائيل معنية بالتجسس عليها.
وتابع "إسرائيل تعمل منذ النكبة على تحسين مكانتها الجيو-إستراتيجية من خلال إقامة الأحلاف العسكرية بمختلف قارات العالم حسب مواقع التهديد المحتملة، وفي وزارة الخارجية الإسرائيلية هناك قسم يمسى (مشاف) مخصص لإدارة العلاقات مع الحلفاء بالطريق التي تخدم الاحتلال وتضر بأعدائه".
وعلى سبيل المثال، رغم العلاقات الذهبية بين مصر وإسرائيل، لا تزال الأخيرة تدعم إثيوبيا في صراعها مع القاهرة بملف سد النهضة، وفي ذروة الأزمة دعمتها بنظام دفاع جوي لحماية السد، فهي لا تضمن بقاء نظام عبد الفتاح السيسي؛ وبالتالي الثابت لديها هي أديس أبابا، بحسب النعامي.
ونوه الخبير إلى أن إسرائيل تقيم العلاقات على أساس بعد عقائدي، كنظام الحكم في تشيك، الذي له موقف معاد جدا للإسلام، وعلاقات وثيقة مع اليمين المتطرف ضد المسلمين في أوروبا، كـ "مارين لوبان" زعيمة اليمين الفرنسي.
وشدد الكاتب على أن إسرائيل تعمل بشكل أساسي على إشغال العالم الإسلامي بنفسه، عبر تغذية الصراعات والعداوات له سواء كدول أو طوائف، وهذه السياسة تفسر دعم الجرائم ضد المسلمين في ميانمار.
مصالح مشتركة
وفي مقابل الدعم الإسرائيلي لبورما وجيشها، تهدف دولة الاحتلال للاستفادة سياسيا واقتصاديا وعسكريا من علاقاتها بنظام الحكم هناك.
وتشير إحدى هذه الوثائق وهي برقية بين بورما وحكومة الاحتلال، في ديسمبر/كانون الأول 1981، طلبت فيها تل أبيب تأييدها في التصويت في الأمم المتحدة، وهو ما حصل.
وفي برقية من العام 1955، كتب مندوب إسرائيل في بورما، مردخاي غازيت، بعد لقائه مع سكرتير رئيس الحكومة البورمية، أن إسرائيل هي إحدى أكثر الدول الصديقة لبورما.
وبين وقتها أن بورما دولة ودية للغاية تجاه إسرائيل. وذكر سكرتير رئيس الحكومة أن الدولتين تتعاونان بشكل وثيق في حلبة الأمم المتحدة.
وضمن المراسلات، كتب مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية، فولتير إيتان، إلى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، موشيه ديان، في مارس/آذار 1954، أن "بورما هي الصديقة المخلصة الوحيدة لإسرائيل في آسيا، والعلاقة بين الجيشين قد تكون مفيدة جدا، من الناحية السياسية على الأقل".
وأردف: "عليّ أن أشدد أنه في وضع العلاقات الحالي بين إسرائيل وبورما لا توجد إمكانية لرفض دعم الجيش البورمي".
وكانت إسرائيل وبورما قد أبرمتا، عام 1954، ما يعرف بـ"اتفاق الأرز"، الذي قضى بتسليح وتدريب إسرائيلي مكثف للجيش البورمي، مقابل تزود تل أبيب بآلاف الأطنان من الأرز على مدار سنتين.
وتظهر البرقيات التي بعثها دبلوماسيون إسرائيليون تفاصيل الاتفاق: 30 طائرة مقاتلة، مئات آلاف الأعيرة النارية، 1500 قنبلة نابالم، 30 ألف بندقية، آلاف القذائف ومعدات عسكرية كثيرة أخرى.
وبدوره، قال الباحث المختص في الشؤون الإسرائيلية سعيد بشارات، إن الاحتلال يبني علاقاته مع الأنظمة القمعية لعدة أغراض، أولها سياسة كسب الأصدقاء التي تنتهجها إسرائيل كقاعدة دبلوماسية، وأيضا تحاول إقامة العلاقات مع كل الدول في الأمم المتحدة لضمان ثقل سياسي يرفض القرارات التي تعاديها ويؤيد ما هو بصالحها.
وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "تربط النظام في بورما والاحتلال علاقات وطيدة، وتزوده إسرائيل بالسلاح رغم التحذيرات الأممية ورغم الانتقادات المتزايدة، وهذا يندرج في إطار المصلحة المتبادلة بين الجانبين".
وأوضح بشارات أن الاحتلال لديه سياسة تتمثل بدعم الأطراف التي تعادي أعداءه، وهو ما يفسر إقامته العلاقات ودعم كيانات إرهابية وقمعية.
وأكد على أن إسرائيل استفادت اقتصاديا على مدى عقود من علاقتها مع بورما، التي مثلت لها سوقا لمنتجاتها ووفرت لها العديد من المواد الأساسية والزراعية.
وتابع" من جانب آخر لا يوجد لإسرائيل أي مانع ببيع السلاح التي تقتل فيه الشعوب من أجل المال طالما أن هذا لا يضر بمصالحها ويوفر لها عائدا ماديا وهو أمر تكرر تاريخيا مع العديد من الأنظمة القمعية".
ويحظى الدعم الاسرائيلي للجرائم ضد المسلمين في بورما وغيرها بدعم النخب والجمهور الإسرائيلي، وخصوصا من قبل الحاخامات اليهود.
وأطلق كثير من الحاخامات فتاوى تجيز قتل المسلمين، واتخذت كمرجعيات دينية يهودية تستند عليها حكومات الاحتلال في دعمها للمجازر ضدهم والتحريض عليهم.
وأفتى الحاخام إيدو إلبا، أحد مراجع الإفتاء في إسرائيل، بجواز قتل المسلمين قائلا "وفقا للتوراة، يجوز قتل أي شخص من الأغيار، أي من غير اليهود".
وفي فتوى مماثلة، أفتى الحاخام عوفاديا يوسف، أحد أبرز حاخامات اليهود الشرقيين بجواز قتل المسلمين لاعتقادهم أن "قتل المسلم مثل قتل الدودة أو الثعبان"، وفق تعبيره.
وبدوره قال المحلل الفلسطيني فايز أبو شمالة، إن إسرائيل كيان أيديولوجي ديني ومحركها مع علاقاتها بالدولة يخضع للمقياس العقائدي، وهذا الأمر منسجم مع الدعم العسكري لبورما التي نفذت عملية تطهير عرقي ضد المسلمين.
وأضاف في حديث لـ "الاستقلال": "لإسرائيل عداء مع الإسلام، وهذا واضح في تحريضهم على المسلمين وكتب حاخاماتهم، ولا تفرق بين جنسية أي مسلم، فالمسلم في فلسطين وفي بورما سواء بالنسبة لهم".
وأكد الكاتب الفلسطيني أن إسرائيل وأذرعها الإعلامية تدير حملات شيطنة للدين الإسلامي، واستغلت ظهور تنظيم الدولة لإلصاق صيغة الإرهاب على الإسلام، ومن ثم أسقطت ما يفعله التنظيم على مقاومة الفصائل الإسلامية بفلسطين.
وتابع "العداء للمسلمين كان حاضرا في معارك إسرائيل وجرائمها كافة ضد الفلسطينيين والعرب، فحينما حدثت النكسة واحتلت القدس، دخل جنود الاحتلال المسجد الأقصى عام 1967 وهم يرددون عبارات معادية للإسلام والرسول محمد، وهذه العبارات لا تزال تردد في اقتحامات الأقصى حتى اليوم".