آدم تولا.. داعية إثيوبي نشر الإسلام طوال قرن وواجه اضطهاد إمبراطور الحبشة
"بيننا وبينهم الجنائز"، ينطبق هذا القول على جنازة مفتي أوروميا بإثيوبيا الداعية الشيخ آدم تولا، الذي توفي في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2022 عن عمر ناهز 110 أعوام.
واحتشد الآلاف من المسلمين الإثيوبيين لتشييع جنازة الراحل آدم تولا، الذي يعد أحد الدعاة الذين نشروا الإسلام في البلاد خلال القرن العشرين.
وصلى على الشيخ تولا عشرات الآلاف في ملعب إمام أحمد لكرة القدم في مدينة هرر شرق إثيوبيا، الملقبة بـ"مدينة الأولياء" والواقعة على قمة تل، قبل أن ينقل جثمانه إلى مسقط رأسه بمدينة "سوقول".
ويعد الشيخ آدم تولا أحد أكبر علماء بلاده، وتعرض للسجن على يد إمبراطور الحبشة هيلاسي لاسي لدوره في الإصلاح ونشر الدعوة الإسلامية.
وجرى تعيين الشيخ "علي محمد" خليفة للراحل تولا، والذي كان ملازما له لمدة 20 عاما، وحضر التعيين ثلة من العلماء.
وأصدر كل من المجلس الأعلى لمسلمي إثيوبيا والمجلس الأعلى لمسلمي أوروميا بالإضافة لهيئة كبار علماء أوروميا بيانا نعى فيه الداعية الشيخ آدم تولا.
رضع العلم
ولد آدم أحمد همرو المعروف بالشيخ آدم تُولا عام 1912، وأمضى 80 عاما وهو يدرس القرآن الكريم وعلوم الشريعة الإسلامية لآلاف الطلاب كل عام، بمن فيهم المزارعون.
ينتسب الشيخ آدم إلى قبائل الغرغرا ذات الأصل الصومالي، وهو يدرس باللسان الأورومي شأنه شأن أكثر العلماء في مناطق التداخل بين الشعبين المسلمين.
والشيخ آدم مفت لأكبر أقاليم إثيوبيا "أوروميا" ذات الأغلبية المسلمة وأكبر قومية في البلاد والبالغ عددها نحو 55 مليون نسمة.
تعلم القرآن منذ صغره ثم بدأ بتعلم الفقه الشافعي على يد الشيخ محمد الصومالي ودرس على يديه كتاب سفينة النجاة قراءة وحفظا، وعددا من الكتب بينها "عمدة الساري" إلى جانب اللغة العربية والنحو.
ثم بدأ بتعليم العلوم الشرعية، الحديث النبوي، والفقه، والتفسير وعلوم اللغة العربية، حتى إنه كان يقرأ على يديه طلبة العلم "صحيح البخاري".
ويلقب بـ "شيخ مشايخ أهل السنة والجماعة في إثيوبيا" و"مفتي ديار الحبشة"، ويعد من كبار العلماء في منطقة القرن الإفريقي وشرق إفريقيا كلها.
وكان الداعية تولا، من العلماء الذين أسسوا المجلس الإسلامي الإثيوبي منذ عام 1966.
أوصله اجتهاده في طلب العلم، لأن يصبح أستاذا متمرسا في علوم الحديث والفقه والتفسير والفرائض والنحو، وتخرج على يده الآلاف من طلبة العلم القادمين إليه من جميع الأقاليم الإثيوبية.
مثبت الإسلام
وقاد تعليمه لعلوم الإسلام لأن يحظى بمكانة عظيمة في نفوس مسلمي إثيوبيا، ولا سيما أكبر قومياتهم "أوروميا"، بعد عقود طويلة قضاها في نشر العلم وتثبيت الإسلام في الحبشة التي كانت تتعرض لأبشع حملة تجهيل تمس المسلمين الذين تزيد نسبتهم عن نصف سكان البلاد.
ويؤكد المؤرخ الفلسطيني أسامة الأشقر، في منشور له على فيسبوك نعى فيه الشيخ آدم بالقول: "لا يظنن ظان أن الإسلام حديث في إثيوبيا والقرن الإفريقي".
بل إنه دخل الإسلام قبل المدينة المنورة مع المهاجرين الأوائل من الصحابة الذين تركوا وراءهم جيلا مسلما تمكن بعد نحو قرن ونصف أن يقيم دولة إسلامية كبيرة في قلب الحبشة سميت بمملكة شوا وممالك إسلامية أخرى سميت بممالك الطراز الإسلامي التي ما تزال تفتخر بالكثير من خصوصياتها، وفق قوله.
وتمكن الشيخ تولا، من تأسيس جمعية "علماء هرر" مع عدد من المشايخ قبل سقوط إمبراطور الحبشة هيلاسي لاسي عام 1974 خاصة أن الأخير نجح في تقديم نفسه للغرب على أنه عدو للإسلام.
لم تكن لحياة الشيخ تولا أن تستقر مع مجيء الرؤساء العسكريين بعد سقوط حكم الإمبراطور هيلاسي، إذ سجن مرارا في عهدهم.
وشكلت حوادث سجنه نقطة تحول في التفاف الناس حوله أكثر وذاع صيته في الإقليم.
إذ اشتهر الشيخ بمقاومة الأفكار الشيوعية، مما دفعه إلى جانب عدد من المشايخ لتأسيس "جمعية علماء هرر" وترأسها بنفسه.
وهذا الأمر قاده إلى السجن لثلاث سنوات ونصف السنة، بعدما استطاع التواري عن الأنظار لمدة ثمانية أشهر فضل حينها السجن على الفرار خارج البلاد.
جهود إصلاحية
كان للعلامة المعمر، جهودا إصلاحية، شهدها أهالي إقليم "أوروميا"، والتي أحدثت بعزيمة الشيخ تغييرا في مجتمعه، خاصة من ناحية تصحيح مفاهيم الإسلام وتعاليمه.
إذ يؤكد من عاصروه، أن الشيخ آدم أمر بالمعروف ونهى عن المنكر المخالف للشرع في مدينة هرر.
فبدأ بالدعوة إلى التوحيد الخالص والتمسك بالسنة النبوية، وحذر من البدع، واشتهر بإنكاره على الناس، الذبح تحت الأشجار طلبا للتبرك وقضاء الحاجات ودفع البليات، كما نهى عن التبرك بالقبور والأضرحة.
كما حارب الشيخ تولا، السحر والشعوذة في الإقليم، ودعا لإحراق كتب السحر، واستجاب له أناس كثر.
وأسهمت دعوته في تغيير معتقدات أهالي منطقته الباطلة، حتى انصاعت له المنطقة بأكملها وترك الناس ما كانوا يعتادونه من منكرات ورثوها عن آبائهم، وهذا ما قاد للالتفاف حوله.
وتفرد الشيخ تولا، بالاعتناء بعوائل المسلمين ونسائهم في إقليم "أوروميا"، وكان له أسلوب مرن في تعليم أبناء قومه.
فقد خصص يومه لإعطاء دروس شرعية للنساء أولا، ثم للفلاحين، ثم بعد ذلك لطلبة العلم الشرعي، الأمر الذي قاده إلى توحيد أفكار ناحيته، وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم.
حتى قيل إن طالب العلم الشرعي القادم من بعيد، كان يمكث لعامين يدرس العلوم الشرعية على يدي الشيخ تولا، قبل أن يتخرج على يديه ويعود إلى أهله.
قالوا عنه
وكتب رشيد بوفوس ناعيا الشيخ آدم وذاكرا بعض صفاته قائلا: "كان رحمه الله ذا خلق حسن جم، يعرفه كل من جالسه وعرفه، وكان يعامل طلابه على أنهم إخوانه، ولا يفرق بين أحد من الطلاب".
وأضاف: "كان يتابع الطلاب ويشجِعهم ويحرص عليهم، ويزور من يمرض منهم رغم تعبه، ويسأل عنهم حتى بعد مفارقتهم لدار الحديث، ويقول أحد ملازميه: ما رأيته عنف طالبا".
ومضى بوفوس قائلا في منشور على فيسبوك: "كان رحمه الله محافظا على وقته حتى إنه في مجيئه وذهابه يراجع منظوماته التي يحفظها، مع ما كان عليه رحمه الله من سعة صدر في تقبل الآراء، ومناقشة الطلاب، محبا للتأليف والكتابة والإفادة".
وزاد قائلا: "يقول أحد طلابه: آخر ما لقيته كان يبكي ويتحسر من اعتلال صحته وقوته، ويقول: لن أستطيع إكمال شرح جامع الترمذي".
أما أحمد الشريف فكتب قائلا على حسابه في تويتر: "وداع مهيب للشيخ المعمر الداعية آدم تولا مفتي أوروميا في مشهد مهيب لم تغطه وسائل الإعلام المحلية والأجنبية احتشد عشرات آلاف المسلمين الإثيوبيين وراء نعش واحد من أكبر علماء الحبشة".
وداع مهيب للشيخ المعمّر الداعية "آدم تولا" مفتي أوروميا
— أحمد قايد محمد الشريف (@ahmed_gaid_63) October 20, 2022
في مشهد مهيب لم تغطّه وسائل الإعلام المحلية والأجنبية احتشد عشرات آلاف المسلمين الإثيوبيين وراء نعش واحدٍ من أكبر علماء الحبشة الشيخ المعمر الحاج آدم أحمد هَمَّرَّوْ المعروف بالشيخ آدم تُولا، عن عمر ناهز القرن بعقد أو أكثر pic.twitter.com/k9o5BXtrXd