اتفاق ترسيم الحدود مع لبنان.. هل يؤثر على نتيجة الانتخابات الإسرائيلية؟

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية الضوء على اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي، وتأثيره على مجريات الانتخابات البرلمانية (الكنيست) في تل أبيب، المزمع عقدها مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

ويشير التقرير في افتتاحيته إلى العبارة الشهيرة التي تقول إن "إسرائيل ليس لها سياسة خارجية، بل سياسة داخلية فقط"، والتي جاءت على لسان هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي بين عامي 1969 و1977.

ورغم أن هذه الجملة تتردد منذ السبعينيات حتى صارت كليشيها مبتذلا، فإنها -في كثير من الأحيان- تكشف المصالح والدوافع الحقيقية وراء التحركات والتطورات الدبلوماسية الكبيرة، خاصة في أوقات الجولات الانتخابية التي لا تنتهي في "إسرائيل"، وفق التقرير.

وترى الصحيفة أنه "خلال السنوات الثلاث والنصف الماضية من الأزمة السياسية المستمرة في إسرائيل، كانت السياسة الخارجية واحدة من ساحات التنافس الرئيسة بين الأحزاب، وكان يسيطر عليها في الغالب رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو".

فخلال فترة ولايته التي استمرت 12 عاما، أتقن نتنياهو المناورة بين السياسة الداخلية والخارجية. وفي النهاية، وبمساعدة سخية من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، استطاع إبراز مقولة كيسنجر بشكل لا لبس فيه.

فقد كان اعتراف الولايات المتحدة بهضبة الجولان، ومعاهدة الدفاع المشترك مع واشنطن، وصفقة القرن، واتفاقيات التطبيع التاريخية، دعائم أساسية في حملة نتنياهو الانتخابية، وجاءت هذه التحركات في أوقات حاسمة قبيل الانتخابات.

ويشير التقرير إلى أن ملاحظات كيسنجر تنطبق أيضا على السجال المحتدم الدائر حول اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، الذي أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير لابيد، في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

اختراق دبلوماسي

ونوهت الصحيفة أن "الإسرائيليين لا يهتمون كثيرا في الظروف العادية بالمصالح الجيوستراتيجية والاقتصادية المعقدة في البحر المتوسط​​، لكن الاختراق الدبلوماسي النادر مع لبنان سلط الضوء على النزاع المحتدم منذ عقود". 

ومع بقاء أيام قليلة على الانتخابات، كان إبرام الصفقة -التي توسطت فيها الولايات المتحدة- داخلا بلا شك في سياق الخطاب الانتخابي. فمن ناحية، أعلن لابيد أن الصفقة "إنجاز تاريخي"، وفي المقابل، ندد نتنياهو بها واصفا إياها بـ"الاستسلام التاريخي".

انتقد نتنياهو الصفقة قبل أن يطّلع على بنودها وتفاصيلها الدقيقة، وأطلق أعضاء حزبه (الليكود) انتقاداته للحكومة بسبب "الرضوخ لتهديدات حزب الله"، كما نَشَرَ أخبارا كاذبة ومعلومات مضللة حول التنازلات الإسرائيلية المزعومة، حسب الصحيفة.

وتذكر "جيروزاليم بوست" أن المفاوضات مع لبنان بدأت في الأصل تحت قيادة نتنياهو، معتبرة أنه إذا كان رئيسا للحكومة حاليا، فلربما كان "سيسارع لتوقيع الاتفاق الآن"، كما أشار لذلك وزير الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس.

وترى الصحيفة أن الصفقة الأخيرة تمثل أول إنجاز دبلوماسي كبير لـ"لابيد"، إذ أتت له في الوقت المناسب تماما، في الشوط الأخير من الحملة الانتخابية.

ويؤكد التقرير أن جميع القادة الأمنيين في إسرائيل يدعمون لابيد، إذ إن رؤساء الجيش وجهاز الاستخبارات "الموساد" وجهاز الامن العام "الشاباك" يدعمون الاتفاق بالإجماع وبشكل واضح.

كما يعتقدون أن الاتفاق يساهم في الاستقرار والأمن الإقليميين، تاركين تحذيرات نتنياهو السوداوية والجوفاء والشاذة عالقة في الهواء.

وفي الواقع، لا يفيد هجوم نتنياهو على الصفقة سوى لابيد؛ إذ يضيف الاتفاق قيمة سياسية إلى مناورته الدبلوماسية، لأنه يضع رئيسين للحكومة في وجه بعضهما البعض كمنافسَين متكافئَين، رغم أن أحدهما متمرس، والآخر مبتدئ نسبيا.

وتضيف الصحيفة أن لابيد "دعا نتنياهو إلى إحاطة سرية حول الاتفاقية، وكذلك قادة أحزاب أخرى من المعارضة اليمينية. لكنه قرر تجنب طرح الصفقة على الكنيست للتصويت، وقدمها فقط لمراجعتها في أسبوعين قبل تصويت الحكومة عليها بشكل نهائي".

وترى الصحيفة أن "لابيد لم يرغب بالمجازفة، بسبب المعارضة المتحفزة التي يقودها نتنياهو، والتي تطمح لنسف الاتفاق أو تعطيل المراحل النهائية للتصديق عليه".

 وتضيف الصحيفة أن "لابيد تجاهل نصيحة المدعي العام بإجراء تصويت في الكنيست، حتى لا يعرض إنجازه للخطر".

ويعقب التقرير أنه لو كان نتنياهو الآن في السلطة وحاول تفادي الكنيست كما فعل لابيد، فإن الأخير غالبا كان سينتقد ذلك بصفته خطرا على الديمقراطية، غير أن لابيد هو الذي يمتلك السلطة الآن.

تجاوز الكنيست

وتذكر "جيروزاليم بوست" أنه عندما أعربت وزيرة الداخلية، أييليت شاكيد، عن اعتراضها، وسألت لابيد عن سبب خوفه من تصويت الكنيست، ذكّرها بكارثة الإعفاء من التأشيرة الأميركية.

إذ ضيع نتنياهو وحلفاؤه جهودها الدؤوبة ورفضوا دعم القانون، ووضع اللمسات الأخيرة على هذا الإنجاز الدبلوماسي.

وكذلك، ذكّرها لابيد بمشروع قانون المترو، الذي يمول مخطط هذا المشروع في تل أبيب. وقد أُحبط أيضا من قِبل "المعارضة الشعواء"، وفق وصف الصحيفة العبرية.

هذا علاوة على مشروع قانون الجنسية، الذي لم تتمكن شاكيد من تمريره لنحو نصف عام؛ بسبب عناد كتلة نتنياهو، التي رفضت أيضا دعم قانون "يهودا والسامرة" (تبييض المستوطنات في الضفة الغربية)، مما أدى في النهاية إلى انهيار حكومة نفتالي بينيت.

وقانون "يهودا والسامرة" أقر قبل خمسة وخمسين عاما، أي بعد حرب 1967، ويشترط التمديد له كل خمس سنوات. ويهدف القانون إلى التعامل مع الوضع غير الطبيعي الذي احتلت فيه إسرائيل بعض الأراضي، لكنها لا تطبق فيها قوانينها الرسمية.

وتضيف الصحيفة أنه خلال العام ونصف العام الماضيين في المعارضة، تأكدت دائرة لابيد المقربة من أن نتنياهو "أثبت مرارا وتكرارا أنه يُعلي المصالح السياسية الضيقة على الصالح العام"؛ ولذلك، لا يتوقعون منه أن يغير عاداته قبل أيام من الانتخابات.

ومن جانبه، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، نفتالي بينيت، أن "الصفقة ليست انتصارا تاريخيا، كما أنها ليست استسلاما مريعا". الأمر الذي يُفسد احتفاء لابيد بها ويسحب البساط أيضا من تحت نتنياهو الذي يعدها كارثية.

وتشير "جيروزاليم بوست" إلى أن استطلاعات الرأي تؤكد انقسام "الجمهور الإسرائيلي" بشكل متساوٍ تماما حول صفقة ترسيم الحدود البحرية مع لبنان.

فما يقرب من ثلث الإسرائيليين يشيدون بإنجاز لابيد، بينما يتبنى ثلث آخر رواية حزب الليكود بوصفه الاتفاق بأنه كارثة، أما الثلث المتبقي فلا يعرف أو لم يكوّن رأيا حول القضية.

ووفق التقرير، فإن "الخريطة الانتخابية تبدو ثابتة بعد نحو خمس حملات انتخابية. وعلى الرغم من الجدل الدائر حول الاتفاقية، فإنه جارٍ في نفس السياق من الشلل السياسي.

ويضيف أن خطاب نتنياهو المعارض بشدة للاتفاق قد يؤثر في مؤيديه، لكن من غير المرجح أن يؤثر فيمن قرروا التصويت لـ"لابيد".

علاوة على ذلك، فإن معارضة حزب الليكود الصارخة للإجماع الواسع داخل الأوساط الأمنية المتفقة على دعم الاتفاقية تضع الحزب في موقف صعب، دون أي حجج تبرر حملة التشهير الشرسة التي يقودها نتنياهو ضد الاتفاق.

وتكشف "جيروزاليم بوست" أن بعض أعضاء حزب الليكود وجهوا انتقادات لنتنياهو في مجالس خاصة، لاعتقادهم أنه ضل الطريق، وحثوه على تغيير المسار.

ويضيف التقرير أن هناك عاملا آخر قد يؤثر في الانتخابات وهو اندلاع ما وصفها بـ"أعمال شغب" في الأحياء العربية بالقدس، وزيادة حدة ما زعم أنها "هجمات إرهابية" في الضفة الغربية.

وفي هذا السياق، تؤكد الصحيفة أنه "ومع اقتراب العد التنازلي ليوم الانتخابات، فمن شأن أي تصعيد أمني كبير أن يضر لابيد، بشكل أكبر بكثير من أي انتقاد للاتفاق البحري"، مضيفة أن "نتنياهو سينتظر على أمل أن يستغل ذلك لصالحه".