البولارية والسوننكية والولفية.. لغات محلية تثير مطالب ترسيمها جدلا بموريتانيا
مع انطلاق الدخول المدرسي بموريتانيا لموسم 2022-2023، تجددت مطالب إضفاء الصفة الرسمية على اللغات الوطنية في البلاد (لهجات أقليات من أصول إفريقية).
وينص الدستور الموريتاني في مادته السادسة على أن اللغة الرسمية هي العربية وباقي اللغات المحلية (البولارية والسوننكية والولفية) هي لغات وطنية.
وفي 30 سبتمبر/أيلول 2022، شهدت العاصمة نواكشوط مظاهرة نظمتها "المنظمة الموريتانية من أجل ترسيم اللغات الوطنية" أمام البرلمان، قوبلت بتدخل قوات الأمن.
وطالبت المظاهرة، بـ"العدالة اللغوية، وإضفاء الطابع الرسمي على اللغات الوطنية، وتعديل المادة 65 في القانون التوجيهي للنظام التربوي الجديد".
وتفرض هذه المادة على كل طفل ناطق بالعربية كلغة أم أن يتعلم على الأقل إحدى اللغات المحلية الثلاث الأخرى بحسب سياقه "الاجتماعي والديمغرافي الجهوي"، كما تلزم بتعليم اللغة العربية لجميع الأطفال غير الناطقين بها بوصفها "لغة تواصل وتدريس".
لكن ما خلفيات الدعوة إلى ترسيم لغات محلية وإدخالها للتعليم والإدارة؟ وهل هناك أي مخاطر في حال الاستجابة لهذه المطالب على النسيج المجتمعي؟ أم أنه مطلب مشروع سيساهم في تعزيز تماسك النسيج الموريتاني؟
استياء وتنديد
"المنظمة الموريتانية من أجل ترسيم اللغات الوطنية" أعربت عن "استيائها لما قابلت به قوات الأمن وقفتها السلمية أمام البرلمان".
وأوضحت المنظمة غير الحكومية، في بيان صادر عنها في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أن "قوات الأمن لم تدخر جهدا في ضرب نشطائها بشكل مبرح، ما أسفر عن إصابة 5 أشخاص، بينهم منسق المنظمة، دورو غي".
وتابعت: "لم نطالب خلال الاعتصام السلمي إلا بالعدالة اللغوية، وإضفاء الطابع الرسمي على اللغات الوطنية، وتعديل المادة 65 محل الإشكال الأساسي في القانون التوجيهي للنظام التربوي الوطني الجديد (صادق عليه البرلمان في 26 يوليو/تموز 2022)".
ورأت المنظمة أن موريتانيا "من خلال القانون الخاص بالإصلاح التربوي تحرم طبقات من سكانها من حق أساسي في التعبير الثقافي".
ومقابل مطالب ترسيم اللغات الوطنية (محلية شفوية غير مكتوبة)، نص "القانون التوجيهي الخاص بإصلاح النظام التربوي" على أن اللغة العربية هي اللغة الجامعة للمنظومة التربوية في موريتانيا، وعلى أن جميع أبناء البلاد سيدرسون بها في جميع المستويات التعليمية.
كما تضمن القانون خيارا لإدماج (البولارية، السوننكية، الولفية) في التعليم على كافة المستويات، وذلك لإنصاف الأطفال من خلال تدريسهم بلغاتهم الأم من جهة، ولتكريس المدرسة التي يجد فيها جميع الموريتانيين ذواتهم من جهة ثانية.
المدير الناشر لصحيفة "النهار" المحلية، محمد المختار ولد محمد فال، قال إن "الموريتانيين سعوا منذ فترة طويلة لنيل استقلالهم الثقافي، غير أن الهيمنة الفرنسية كانت طاغية وحرمتهم من تحقيق هذا الهدف السامي".
وأوضح ولد محمد فال لـ"الاستقلال"، أن "موريتانيا نجحت في إصلاح 1979، لكنه كان إصلاحا جزئيا وتم إجهاضه نتيجة لتهميش المثقفين باللغة العربية عن الإدارة والعمل الحكومي".
وأحدث إصلاح التعليم سنة 1979 نظامين متمايزين أحدهما عربي والآخر فرنسي، وتضمن إنشاء معهد لتعليم اللهجات المحلية، وكان التوجيه إلى الشعبتين تلقائيا وفق قومية الطالب، حيث يوجه الطلاب العرب إلى الشعبة العربية وغيرهم إلى الشعبة المزدوجة.
ويرى ولد محمد فال أن إدخال اللغات الوطنية للحياة العامة هو "مطلب مشروع سيساهم في تعزيز تماسك النسيج الاجتماعي الموريتاني"، مؤكدا أن "المطلب الأساسي هو أن كل شخص يجب أن يجد ذاته في الدولة".
وتابع: "رغم التفاوت العددي للمجموعات الثلاثة (البولارية، السوننكية، الولفية) فإنهم مواطنون ولهم الحق أن تدرس لغتهم وأن يدرسوا بها إن أرادوا، وأن يخاطبوا بها في عقر دارهم، أي أن يكون الإداريون والمسؤولون في منطقتهم يتكلمون لغتهم ويفهمون ما يقولون".
مسألة صعبة
من جهته، أكد الأمين العام لنقابة تحالف أساتذة موريتانيا، يحيى عابدين، أن مطالب ترسيم كل اللغات الوطنية وإدخالها للتعليم والحياة العامة بصفة عامة "مسألة صعبة".
وقال عابدين، لـ"الاستقلال"، إنه "إذا كان هناك من يدعو لتعديل المادة 65 من القانون التوجيهي للنظام التربوي الوطني، فأعتقد أنه لم يفهم مغزى هذه المادة".
وأوضح أن "هذه المادة تراعي السياسة اللغوية القائمة على أن اللغة الأم هي العربية، واللغات الوطنية الأخرى هي لغات تواصل على التلاميذ أن يحسنوا التواصل بها، ولكنها ليست لغات تدريس بل لغات تواصل".
وعد عابدين أن "الهدف من هذا الأمر هو التخلص من اللغات الوافدة على القطر الموريتاني من فرنسية وإنجليزية بجعلها لغات ثانوية ولغات انفتاح وليست لغات تدريس"، مشددا على أن "هذه مسألة منطقية ومعقولة".
وأكد أن "الهدف من هذه المادة هو تعزيز تماسك اللحمة الاجتماعية وتعزيز التواصل بين مكونات المجتمع، حيث ينبغي لكل منطقة ناطقة بإحدى اللغات الوطنية أن تتحدث اللغة العربية إلى جانب إحدى هذه اللغات الوطنية".
وفي جوابه عن سؤال هل سيكون إدماج اللغات الوطنية على حساب اللغة العربية، قال ولد محمد فال: "طبعا لن يكون على حسابها، لأن اللغات الوطنية ليست نقيض اللغة العربية بل هي بنات اللغة العربية".
وأضاف: "اللغات الوطنية كتبت تاريخيا بالأحرف العربية وأهلها مسلمون درسوا جميع الفنون الفقهية واللغوية والقرآن الكريم ولهم مدارس عريقة في هذا المجال".
وشدد ولد محمد فال على أنه "لا توجد دولة إلا ولها لغة رسمية واحدة توحد شعبها".
وأوضح أنه "رغم أن 90 بالمئة من الشعب ناطقون باللغة العربية ومئة بالمئة من الشعب مسلم، فإن اللغة العربية ما زالت مهمشة وبعيدة عن الإدارة وعن التعليم وعن الحياة العامة، ولكنها متغلغلة في الشعب وفي نفوس الناس".
وأشار إلى أن "المستعمر الفرنسي عندما استعمر موريتانيا (1903 – 1960) قام بإحراق مكتبات كبيرة جدا في مناطق جنوب البلاد وسعى بكل الوسائل ليقطع الموريتانيين الناطقين بإحدى اللغات الوطنية عن اللغة العربية وعن الثقافة الإسلامية".
ولفت إلى أن "المستعمر أسس مدارس خاصة بهم بنظام مدرسي مختلف عن المدارس الخاصة بالعرب، ليسهل ترويضهم وابتلاعهم للثقافة واللغة الفرنسية".
تغلغل الفرنسية
وفي الوقت الذي تم فيه تهميش اللغة العربية، يلاحظ تغلغل الفرنسية في جهاز التعليم والإدارة ومجالات الحياة العامة المختلفة بموريتانيا.
وأفاد بأن "النخبة الفرنكوفونية حاربت اللغة العربية وعملت بجميع الوسائل لترسيخ الفرنسية كلغة رسمية ووطنية وحيدة مقابل إهمال العربية وباقي اللغات الوطنية".
وسجل ولد محمد فال أن "المستعمر أوجد نخبة فرنكوفونية حاربت العربية وحاولت تهميش اللغات الوطنية لصالح الفرنسية".
وفي تعليقه على السياسة اللغوية المعتمدة في "القانون التوجيهي للنظام التربوي الوطني"، عد الأمين العام لنقابة تحالف الأساتذة بموريتانيا، عابدين، أنها تبقى "منطقية إذا أمكن تطبيقها على أرض الواقع".
وأضاف أن "تنزيل السياسة اللغوية يتطلب متابعة وإبداء للرأي مع ضرورة أن يكتتب لها عدد كبير من الأساتذة الذين يتقنون هذه اللغات والذين يستطيعون تدريس أبناء موريتانيا كل هذه اللغات على المستوى الوطني".
المصادر
- احتجاج سلمي موريتاني يطالب بـ”العدالة اللغوية” يجابَه بالعنف
- منظمة "OLAN" تعبر عن استيائها من تعامل الشرطة وتطالب ب"العدالة اللغوية"
- دستور الجمهورية الموريتانية الثالث.. مراجعات من أجل بناء السالم
- يرفع من قيمة اللغة العربية واللهجات الوطنية.. إصلاح جديد للتعليم بموريتانيا أغضب الفرنكفونيين ولم يرض العروبيين