مزاعم متطرفي الغرب بحماية مسيحيي الشرق.. هكذا انتهت لدعم الديكتاتورية

12

طباعة

مشاركة

لم ينتبه كثيرون إلى وضع رئيسة وزراء إيطاليا المسيحية المتشددة "جورجيا ميلوني"، حرفا عربيا في اسم المستخدم بحسابها على تويتر، هو حرف النون (ن).

تبين لاحقا أن إضافتها هذا الحرف العربي إلى اسمها على تويتر، له علاقة بتعهدها بحماية مسيحيي الشرق منذ هجمات لتنظيم الدولة على مسيحيي العراق وسوريا.

لم تكن "ميلوني" وحزبها "أخوة إيطاليا" هم فقط من أعلنوا أن دورهم هو حماية مسيحيي الشرق، بل كرر هذا المتطرفون اليمينيون في فرنسا والسويد وغيرها عقب فوزهم في الانتخابات.

الأغرب هو أن هؤلاء المتطرفين المسيحيين أشادوا بحكام ديكتاتوريين عرب، وزعموا أنهم عملوا من أجل حماية مسيحيي الشرق، مثل بشار الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان وإيران أيضا، رغم نفي تقارير حقوقية ذلك. 

لغز "النون"

وضعت "ميلوني" حرف (ن) لأول مرة في تغريدة على حسابها، في 23 أكتوبر/تشرين أول 2014، وكتبت يومئذ تقول: "تضامنا مع المسيحيين الذين ذبحهم تنظيم الدولة.. حرف (ن) هو الحرف الذي يوصم به الإرهابيون، المسيحيين".

في ذلك الحين، كانت عناصر تنظيم الدولة في العراق تسيطر على عدة مدن منها الموصل، ويكتبون على منازل المسيحيين هناك، حرف (ن) وبجواره عبارة "عقارات الدولة الإسلامية"، وهو اختصار لكلمة "نصارى"، ويطالبون أصحابها بدفع الجزية.

صحف إيطالية أوضحت أن ميلوني، أرادت، عبر إدراج هذا الحرف (الرمز) أن تشير لرفضها ممارسات "تنظيم الدولة" في العراق عام 2014 مع مسيحيي الموصل، والتضامن معهم.

وقد اشتهر هذا الحرف (ن) لاحقا في أوروبا للتدليل على التضامن مع مسيحيي العراق والشرق عموما.

في رسالة نشرتها على القناة الرسمية للحزب على موقع يوتيوب أبريل/نيسان 2021، قالت ميلوني، وهي عضو في البرلمان منذ عام 2006، إن "الدفاع عن المسيحيين أينما كانوا يعني الدفاع عن هويتنا". 

أضافت أن "المسيحيين في أماكن مثل سوريا والعراق يتعرضون للاضطهاد بسبب حقيقة إيمانهم".

و"ميلوني" وحزبها يتبنيان القيم العائلية المسيحية الكاثوليكية، كما أنها تتبنى مواقف كاثوليكية متشددة.

وقالت في يونيو/حزيران 2022: "نعم للعائلة المسيحية الطبيعية، أنا امرأة وأم ومسيحية"، لكنها أعلنت دفاعها عن "أرثوذوكس" الشرق.

لم تكتف بهذا بل سبق لها القول أمام أنصارها في أكتوبر 2019، في روما: "سنحارب أسلمة أوروبا، لأننا لا نعتزم أن نصبح قارة مسلمة"، ما يطرح تساؤلات عن علاقة عدائها للإسلام، بالدفاع عن مسيحيي الشرق، وغالبيتهم أرثوذوكس.

وبنفس المنطق لا تمانع ميلوني هجرة مسيحيي الشرق إلى إيطاليا وأوروبا، لكنها دعت أبناء الجاليات المسلمة في إيطاليا إلى ترك بلادها.

قالت في خطاب انتخابي: "إذا شعرت بالإهانة من الصليب، فهذا ليس المكان الذي يجب أن تعيش فيه، العالم شاسع ومليء بالدول الإسلامية حيث لن تجد صليبا لأن المسيحيين يتعرضون للاضطهاد والكنائس تُهدم هناك".

أضافت: "لكن هنا سندافع عن هذه الرموز وسندافع عن هويتنا، سندافع عن الله والوطن والعائلة .. اتخذوا قراراتكم".

مع هذا ترى صحف غربية أن "ميلوني" حين تصطدم بالواقع وتتولى الحكم لن تفعل شيئا للمسيحيين العرب وستكتفي مثل غيرها من السياسيين الغربيين بإطلاق الوعود والتصريحات الساخنة التي توصلها للحكم، حتى ولو كانت مقتنعة بها.

"خلال حملة ميلوني، لم تركز كثيرا على سياساتها تجاه الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لذلك، يجب توخي الحذر عند إجراء أي تنبؤات حول كيفية تغيير السياسة الخارجية لإيطاليا في المنطقة العربية"، بحسب ما نشر موقع "العربي" الإنجليزي في 4 أكتوبر 2022.

أضاف أنه لا يتوقع منها سوى السعي للتنسيق أمنيا مع حكومات عربية بخصوص ملف الهجرة كأهم ملف في جدول أعمال ميلوني السياسي، وتطبيع علاقتها مع النظام السوري برئاسة بشار الأسد الذي سبق أن امتدحته.

ولا يقتصر الأمر على "ميلوني"، فقد ساند العديد من القادة الغربيين نظراءهم الديكتاتوريين في الشرق الذين يستهدفون مواطنيهم من أتباع الديانتين المسيحية والإسلامية.

ومن هذا إشادة رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين عام 2016، لمساعدته الأسد في "تحرير" مدينة تدمر السورية من قبضة تنظيم الدول رغم قتل الأخيرين آلاف السوريين بالقنابل.

مع الديكتاتوريين العرب

ضمن مواقف "ميلوني" واليمين الأوروبي المتطرف عموما، تبرز قضية دعمهم للديكتاتوريين العرب، فهم يدعون أن هؤلاء حموا المسيحيين العرب، بينما الواقع خلاف ذلك.

وخلال مقابلة معها في 12 ديسمبر/كانون أول 2018، أشادت ميلوني ببشار الأسد وحلفائه (روسيا وإيران وحزب الله اللبناني) لدورهم في جعل المسيحيين السوريين "يشعرون بالأمان" وإنقاذهم الأقليات الدينية، وفق زعمها.

لكن مجلة "التايم" الأميركية أكدت 28 سبتمبر/أيلول 2022 أن "الأسد مسؤول عن 61 بالمئة من الهجمات على دور العبادة المسيحية"، وفق ما نقلت عن تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان في 2019.

ونقلت "التايم" عن موقع "عنب بلدي" التابع للمعارضة السورية تأكيده أن عدد المسيحيين في سوريا انخفض من 2.2 مليون قبل بدء الصراع إلى 677 ألفا في عام 2021، وفقا لمؤشر الاضطهاد المسيحي العالمي الذي نشرته المنظمة غير الحكومية" أوبن دور".

وكان موقع CNBC NEWS المتخصص في نشر أخبار المسيحيين، أكد أيضا في 10 سبتمبر 2019 استهداف النظام دور عبادة وكنائس عقب خروج مقاتلي تنظيم الدولة من مناطق ذات الأغلبية المسيحية.

وبحسب تقرير صادر عن "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" في 5 سبتمبر 2019 فإن نحو 124 دار عبادة وكنيسة جرى استهدافها بقصف منذ عام 2011، ثلثاها جرى من قبل قوات النظام السوري بدعم روسي إيراني.

وقالت الشبكة في تقريرها إن النظام السوري هو المسؤول الرئيس بنسبة 61 بالمائة عن استهداف أماكن العبادة المسيحية في سوريا.

وأوضح تقرير نشرته صحيفة "تلغراف" البريطانية في 25 ديسمبر/كانون أول 2021 أن وضع المسيحيين في الشرق الأوسط "كارثي" وأنهم يواجهون اضطهادا وعنفا مثل المسلمين في ظل أنظمة قمعية مثل سوريا ومصر.

وقالت المراسلة المختصة في حقوق الإنسان جانين دي جيوفاني إنها تحدثت مع مسيحيين مصريين، وأنهم يشعرون بأنه "لم يعد لهم مكان في عهد عبد الفتاح السيسي"، ويعارضون موقف الكنيسة الداعم للنظام.

الصحفي والأكاديمي "جوي أيوب" يقول في مقال بموقع "الجزيرة" الإنجليزي 3 أكتوبر 2022 إن هذه مفارقة أن يؤيد متطرفو الغرب ويشيدون بالأنظمة الديكتاتورية في الشرق الأوسط بدعوى حمايتهم المسيحيين، بينما هم يضطهدونهم.

ويشير أيوب، في مقاله، إلى أنه يبدو للوهلة الأولى أن هدف رئيسة الوزراء الإيطالية المقبلة هو مجرد المشاركة في حملة تضامنية على الإنترنت من خلال إضافة حرف النون إلى حسابها الشخصي في مواقع التواصل الاجتماعي.

لكن الرمز أصبح يستخدم مع مرور الوقت في حملات التضامن مع الضحايا المسيحيين الذين يتعرضون للاستهداف من قبل "المتطرفين" في دول عربية وفق ما تنشره صحف الغرب.

محاولة الإيطالية "ميلاني" اللعب على وتر الأقليات المسيحية العربية ليس نهجا إيطاليا متفردا، إذ إن ساسة اليمين الفرنسي المتطرف أيضا يعزفون على ذات الوتر.

قبل انتخابات الرئاسة الفرنسية أبريل/نيسان 2022، قالت زعيمة حزب الجبهة الوطنية المتطرفة مارين لوبان، خلال زيارتها لبنان في 19 و20 فبراير/شباط 2022 إن هدف الزيارة "توجيه رسالة دعم إلى مسيحيي الشرق"، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.

كما قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الثاني من فبراير/شباط 2022، مضاعفة دعم فرنسا المرصود للمدارس المسيحية في المنطقة العربية والشرق الأوسط، معللا ذلك بكونه "التزاما علمانيا تاريخيا" للجمهورية.

قال إن الدولة الفرنسية وجمعية "أوفر دوريان" ستضاعفان معا مساهماتهما في صندوق دعم مدارس الشرق برفعها إلى أربعة ملايين يورو.

وأنه سيجرى مضاعفة المبالغ المالية للصندوق الذي أنشئ في يناير/كانون الثاني 2020 ودعم عام 2021 قرابة 174 مدرسة مسيحية بينها 129 في لبنان، و16 في مصر، و20 في الأراضي الفلسطينية و3 في الأردن وفقا لما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية. 

ونشرت صحيفة "كرستيان بوست" المسيحية الأميركية في 25 يناير 2020 تقريرا تحت عنوان "مسيحيو سوريا يواجهون تهديدات بفعل رئيسها"، في مناطق تواجدهم شمال شرقي البلاد.

وبين التقرير أن "العنف الموجه ضد السوريين من جميع الأديان، بما في ذلك المسيحيون، هو حدث يومي في بلاد يسيطر عليها رجل هزت ميوله السادية الفريدة العالم، رئيس النظام السوري، بشار الأسد".

ولفت المقال إلى انتهاكات النظام السوري بحق رجال دين مسيحيين، منها التحكم بزعماء الكنائس والتسلل إليهم عبر جواسيس، لمنع خروج معارضين في الوسط المسيحي، معتمدًا نموذج الترهيب.

ووثق التقرير اختفاء عدد من رجال الدين المسيحيين منهم الأسقف السرياني الأرثوذكسي، يوحنا إبراهيم، والأسقف الأرثوذكسي اليوناني، بولس يازجي، واللذين اختطفا في حلب عام 2013، بعد أيام من انتقادهما مطرانا مؤيدا لنظام الأسد.

لا يهمه المسيحيون 

وتسعى أحزاب مسيحية متطرفة أوروبية للعب بورقة المسيحيين العرب منذ سنوات بغرض التدخل في شؤون العالم العربي بدعوى حماية الأقليات ويفطن كثير من المسيحيين العرب لذلك وينتقدونهم.

وفي كتابه "من يحمي المسيحيين العرب؟" أثبت فكتور موسى سحّاب، وهو لبناني مولود في يافا، أن المسلمين لم يضطهدوا المسيحيين، وأن ما يقال عن العنف الإسلامي ضد المسيحيين كذب.

وأثبت بالأدلة التاريخية أن المسيحيين العرب اضطهدوا ثلاث مرات في التاريخ لم يكن المسلمون طرفاً في أي منها، بل كان وجودهم رحمة وسلاماً وخلاصاً لهم.

وقد كشف موقع ميديابارت Mediapart الفرنسي 17 سبتمبر 2020 فضيحة تتمثل في تقديم منظمة "أنقذوا مسيحيي الشرق" الفرنسية الدعم لمليشيا (الدفاع الوطني) التي تقاتل لصالح النظام السوري منذ 7 سنوات.

وذلك بدلا مما تدعيه من مساعدة المسيحيين في سوريا دون التدخل في الصراع الذي يمزق البلاد.

وقد أحال مكتب المدعي العام في باريس المنظمة الفرنسية التي تُسمي "SOS Chrétiens d’Orient" ، إلى التحقيق لضلوعها وتورطها بجرائم حرب في سوريا، حسبما أفاد موقع "ميديابارت" الاستقصائي 18 فبراير/شباط 2022.

ونشرت مجلة "نيو لاين" Newlines الأميركية في 10 يونيو/حزيران 2021 تحقيقًا حول الأدلة التي تدين هذه المنظمة الفرنسية اليمينية المتطرفة التي تدعي أنها حامية للمسيحيين العرب، تتهمها بجرائم حرب في سوريا.

وجاء في التحقيق، أن منظمة "أنقذوا مسيحيي الشرق" الفرنسية، كانت تمول سرًا مليشيا "الدفاع الوطني" الرديفة للنظام السوري، والمُدانة بقتل وتعذيب سوريين، منتهكة القانون الدولي والفرنسي.

وتشمل الأدلة بيانات جُمعت على مدار 18 شهرًا من مستندات مسربة وشهادات سرية من المبلغين عن الانتهاكات، ومعلومات أخرى، أظهرت علاقة وثيقة بين منظمة "أنقذوا مسيحيي الشرق" ومليشيات موالية للنظام السوري منذ عام 2014.

وتأسست منظمة أنقذوا مسيحيي الشرق (SOSCO) في فرنسا أكتوبر 2013، بهدف معلن هو تقديم المساعدة للمسيحيين في الشرق الأوسط، وبدأت تتورط بشكل متزايد في أعمال العنف التي أعقبت الربيع العربي.

وقد كشفت وثيقة نشرها موقع الفاتيكان مطلع أكتوبر 2021 حول مستقبل المسيحيين في الشرق الأوسط، جرى التوصل إليها في مؤتمر بلبنان، رفضها لـ "حلف الأقليات ولطلب الحماية الغربية".

الوثيقة جاءت بعنوان: "المسيحيون في الشرق الأوسط: نحو خيارات لاهوتية ومجتمعية وسياسية متجددة"، وصدرت عن مختلف الكنائس في الشرق الأوسط.

وانتقدت الوثيقة "الصور النمطية التي تقدمها وسائل الإعلام الغربية فيما يتعلق بالجماعات المسيحية في الشرق الأوسط".

ورأت أن ما يجري تقديمه دائما في الغرب من صورة لمسيحيي الشرق على أنهم "أقليات محاصرة وبحاجة إلى حماية خارجية" ضمانا لاستمرار الوجود المسيحي في الشرق الأوسط غير صحيح.

وتصف الوثيقة عواقب "الطائفية والتعصب الديني" بأنها عوامل مدمرة لأي مشروع "تعايش بين مختلفين" وتؤكد أن هجرة المسيحيين، التي اشتدت في العقود الأخيرة، "لا يمكن تفسيرها حصريا على أنها تأثير مباشر لصعود حركات إسلامية عنيفة".

وتشير إلى أن "اللغة التي تستخدمها المؤسسة الدينية في الشرق، في كثير من الحالات، لا تزال بعيدة عن الواقع اليومي وعن معاناة ومخاوف المسيحيين المحليين"، وتفقد تدريجياً قوتها في جذب جيل الشباب.

وشددت الوثيقة على أنه من بين "الحلول الخاطئة" التي جرى تجربتها لمعالجة مشاكل الجماعات المسيحية في الشرق الأوسط، اتجاه يدفع ممثلي الجماعات الكنسية "إلى التمسك بالأيديولوجيات الشمولية والأنظمة الاستبدادية".

أو السباق إلى "احتلال مواقع النفوذ والسلطة" من أجل الحصول على الفوائد والحماية الاستبدادية بحجة أن هذا يمكن أن "يضمن استمرارية وقيمة وجودهم في الشرق الأوسط".