حتى بعد وفاته.. لماذا تعادي أنظمة الاستبداد العربي العلامة القرضاوي؟

12

طباعة

مشاركة

بقدر ما كانت حياة وفتاوى الشيخ يوسف القرضاوي، الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومؤسسه، كاشفة لمساوئ الأنظمة العربية الديكتاتورية، ومعادية للاحتلال الإسرائيلي، بقدر ما أظهرت وفاته كيف اتحد كل هؤلاء، حتى تشابهت مواقفهم ضده.

فبعد وفاته في 26 سبتمبر/أيلول 2022، عن عمر ناهز 96 عاما، حزنت عليه ونعته الشعوب وأعطته حقه في العزاء، ولم يتعاط مع وفاته الحكام والمسؤولون العرب، فيما فرحت إسرائيل لأنه كان من كبار الداعين للمقاومة وأفتى بشرعية العمليات الاستشهادية ضد الكيان.

وشيع جثمانه من مسجد الإمام محمد بن عبد الوهاب بالعاصمة القطرية الدوحة، كما حظي الشيخ القرضاوي بنعي شعبي وأهلي من المؤسسات والحركات الإسلامية باستثناء الأزهر في مصر، ولم ينعه رسميا من الدول سوى قطر وتركيا.

وقدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعازيه بوفاة القرضاوي في اتصال هاتفي مع نجله عبد الرحمن يوسف، إذ أثنى على الشيخ وقال إنه "لم يتنازل طوال حياته عما آمن به، وكان خير مثال يحتذى به للتوفيق بين مبادئ الإسلام والحياة".

كما نعى نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الشيخ القرضاوي، ونعته أيضا مساعدته لولوة الخاطر، ونعته موزا بنت ناصر، والدة أمير دولة قطر تميم بن حمد.

وعن سبب دفنه في العاصمة القطرية الدوحة، لا مصر، قال عبد الرحمن القرضاوي نجل الداعية الإسلامي الراحل أن أسرة الراحل كلها هنا ولا تستطيع العودة إلى مصر في الوقت الحالي، لأسباب أمنية وسياسية، لذا تشيع جنازته ويدفن في المكان الذي مات فيه.

وأوضح في اتصال هاتفي مع شبكة "بي بي سي" البريطانية من الدوحة في 27 سبتمبر، أن والده كان قد "أوصى بدفنه في المدينة التي يوافيه أجله فيها".

وتساءل ناشطون قبل دفنه في الدوحة: هل يمكن أن تسمح سلطات السيسي بدفن العلامة القرضاوي في بلده مصر؟ وإذا سمحت هل ستسمح بجنازة تليق بمقامه أم ستظل هذه الأنظمة تستقوي حتى على الأموات؟

الثورة المضادة

وكان ملفتا أن صحف السلطة الرسمية في مصر لم تهتم بخبر الوفاة ولم تهاجم القرضاوي بشكل مباشر وبعضها أورد خبر وفاته مع التطرق لاتهامه في قضايا "إرهاب"، فيما تركت مهمة الهجوم عليه لصحف خاصة موالية أيضا للسلطة.

وأرجع مراقبون ذلك إلى عدم رغبة النظام في مصر بإثارة خلافات مع قطر التي كانت تستضيف الشيخ على أرضها وأعطته جنسيتها، وفي ظل حاجة القاهرة للأموال القطرية عقب زيارة رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي إلى الدوحة في ذات الشهر.

وقال مدير تحرير صحيفة حكومية لـ "الاستقلال" إن تعليمات عدم الهجوم على القرضاوي مباشرة في الصحف، كما كان يحدث سابقا، ربما جاءت بسبب زيارة السيسي لقطر وخشية إغضاب حكومتها التي أبدت حزنها الشديد على وفاته.

لكن صحفيا مصريا يعمل في لجان النظام المصري الإلكترونية قال إن التعليمات المباشرة جاءت بتنسيق ثلاثي مصري إماراتي سعودي للهجوم على القرضاوي والتركيز على تشويه صورته ووصمه بـ "الإرهاب".

وفور الإعلان عن وفاة الشيخ القرضاوي خرست الأصوات الرسمية في بلدان الثورة المضادة العربية عن نعيه، لكنها أطلقت العنان للجانها الإلكترونية للنباح لتنهش في ماضيه وتصفه بالتطرف والعنف وتشوه صورته.

ودشنت لجان رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الإماراتي محمد بن زايد وقوى الثورة المضادة في العالم العربي وسما مناوئا لوفاة الشيخ بعنوان "مفتي الإرهاب" تضمن تغريدات مبتذلة ومتهافتة تنتقده هو وجماعة الإخوان المسلمين، زاعمين أنه أفتى بإباحة دماء الضباط والجنود المصريين.

وصل الأمر إلى دعوة هذه اللجان القنوات الخليجية والمصرية أن توقف برامجها وتبث أغاني وحفلات وجلسات "بمناسبة هلاك مفتي الإرهاب يوسف القرضاوي"، وفق تعبيرها.

لكن الشيخ خالد الجندي المقرب من السيسي نعى يوسف القرضاوي، وقال "نختلف معه في الكثير من الفتاوى ونرفضها ولكننا نقر بعلمه وفضل اجتهاده، وحسابه عند ربه".

وهاجمت صحف خاصة محسوبة على النظام مثل صحيفة "الفجر" في 26 سبتمبر الشيخ تحت عناوين صارخة مثل "من هو يوسف القرضاوي الداعم الأكبر لـ "الإرهاب"؟ و"التاريخ الأسود ليوسف القرضاوي من الانضمام للإخوان لتحريضه على الإرهاب".

كما هاجمته صحيفة عكاظ القريبة من نظام محمد بن سلمان في ذات اليوم زاعمة أنه "مثير الفتن، محرض، مفتي الإرهاب"، وفق وصفها.

وزعم موقع "العين" الإماراتي في 26 سبتمبر في تبريره لانتقادات تيار الثورة المضادة للشيخ أن "الإرث الصعب يغالب دعوات الرحمة"، بحسب تعبيره.

وكانت كل من السعودية والإمارات ومصر والبحرين قد أعلنت عام 2017 عن إضافة شخصيات ومؤسسات خيرية في قطر على قوائم الإرهاب من بينها الاتحاد العام لعلماء المسلمين الذي أسسه القرضاوي.

واتخذت دولة الإمارات موقفا معاديا من الإخوان المسلمين والتيارات الإسلامية عموما، كما اتخذت الموقف ذاته من القرضاوي، خاصة بعد وقوفه مع ثورات الربيع العربي.

وسبق أن دعا وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد عام 2016 لإضافة القرضاوي على قائمة الإرهاب، بدعوى أنه أصدر فتوى تدعم بالتحريض على "العمليات الانتحارية" ضد إسرائيل.

وكتب في تدوينة عبر حسابه الرسمي على تويتر: "علينا أن نحاسب من حرض واسترخص دماء البشر وأجاز العمليات الانتحارية".

وقد رد القرضاوي على ابن زايد حينها عبر صفحته على تويتر، قائلا: "ردا على عبد الله بن زايد أني أشجع العمليات الانتحارية: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"، ووصفه ضمنا بأنه من "الشياطين".

وعلق وسيم يوسف، خطيب جامع الشيخ سلطان بن زايد الأول في الإمارات على وفاة القرضاوي زاعما في سلسلة تغريدات على تويتر أنه "جر خلفه أنهارا من الدماء والأشلاء وكثيرا من فتاوى الذبح والقتل والتفجير"، وفق زعمه

الأزهر والقرضاوي

كانت صدمة لكثيرين ألا تنعى مشيخة الأزهر (شيخ الأزهر أحمد الطبيب وهيئة كبار العلماء) أو تقدم العزاء بوفاة الشيخ القرضاوي، ما أثار حملة غضب وانتقادات شديدة.

مصريون قالوا إن شيخ الأزهر لم يتأخر في نعي وعزاء ملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية رغم اختلاف دينها وخلفيتها التاريخية كملكة كانت تعادي الأزهر في حقبة الاستعمار.

وقالوا: أليس من الأولى رثاء القرضاوي الذي أفنى نصف عمره في أروقة العلم الأزهرية حتى نال الدكتوراه من كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بدلا من رثاء المحتلين؟

عدم نعي الأزهر وشيخه للقرضاوي أرجعه مراقبون لخشية أحمد الطيب من رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي الذي يعادي الرجل الراحل وأصدرت محاكمه حكما بإعدامه، ويصفه النظام بـ "الإرهابي".

وكان صدام وقع بين المؤسسات الدينية الرسمية في مصر مثل الأزهر ووزارة الأوقاف، مع الشيخ القرضاوي حين كان عضوا بهيئة علماء المشيخة، عقب انقلاب يوليو/تموز 2013.

وبادر القرضاوي لتقديم استقالته من هيئة كبار العلماء في 3 ديسمبر/كانون الأول 2013 من خلال مواقع التواصل الاجتماعي دون أن يقدمها لشيخ الأزهر، أو أمانة هيئة كبار العلماء.

قال عبر فيسبوك إنه يتقدم باستقالته "إلى الشعب المصري العظيم، فهو صاحب الأزهر، وليس شيخه".

 وعد منصب شيخ الأزهر وغيرها من المناصب "مغتصبة بقوة السلاح، لحساب الانقلاب العسكري".

وقررت هيئة كبار علماء الأزهر في 9 ديسمبر 2013 إسقاط عضوية القرضاوي من الهيئة، وقبول استقالته، "نظرا لما صدر عنه من تصريحات ضد مصر، ووصفه ما حدث (الانقلاب) بأنه ليس ثورة".

ورغم استقالة القرضاوي وقبول هيئة كبار العلماء لها بهدوء، حرضت السلطات موظفين بالأزهر لرفع دعوى أمام القضاء الإداري ضده، بدعوى "الخروج على المنهج المعتدل والتطاول والإهانة والتحريض ضد رجال الجيش والشرطة".

وأصدرت محكمة القضاء الإداري في 29 يوليو 2021 حكما نهائيا بإلغاء قرار الرئيس الراحل محمد مرسي بتشكيل هيئة كبار العلماء، بعضوية الدكتور القرضاوي.

وتساءل ناشطون عن سر عدم تعزية الطيب رسميا لابن من أبناء الأزهر وعالم من علماء مصر، مشيرين إلى أن المشكلة كانت في قطر وقد تصالح معها النظام المصري.

ولا تزال نجلة القرضاوي (علا) معتقلة في السجون المصرية لكونها ابنة الشيخ، وتساءل مصريون: هل سيطلق الطغاة سراحها بعد زوال التهمة ووفاة أبيها؟

وغادر القرضاوي مصر عام 2013 عقب الانقلاب العسكري ضد الرئيس محمد مرسي، وهاجم السيسي بعنف، وحكم عليه غيابيا بالإعدام في 16 يونيو/حزيران 2015 مع مصريين آخرين بتهمة الانتماء للإخوان في قضية ملفقة عن اقتحام سجون عام 2011.

في 27 أغسطس/آب 2013 وصف القرضاوي ما حدث في 3 يوليو 2013 في مصر بأنه "انقلاب عسكري" على الحاكم الشرعي المنتخب بإرادة الأمة، ورأى أن إلغاء الدستور الذي انتخبته الأمة أمر غير جائز.

وأكد القرضاوي حينئذ أن الرئيس محمد مرسي هو "الحاكم الشرعي الصحيح"، و"الخوارج هم من خرجوا عليه".

وحين ترشح السيسي للرئاسة ليغتصب السلطة شن القرضاوي، خلال كلمة بمؤتمر دعم القدس بالدوحة في 12 مايو/ أيار 2014، هجوما قاسيا عليه قائلا إنه "رجل إسرائيل"، وقد سفك الدماء وسجن الأبرياء.

هدية للصهاينة

كان أكثر الفرحين في وفاة الشيخ القرضاوي هم الصهاينة، والذين تشابهت مواقفهم ومواقف مؤيدي الثورات المضادة الفرحين في وفاته، لأنه شجع الربيع العربي ووقف ضد الانقلاب في مصر.

ولأنه من "كبار المحرضين على إسرائيل"، وفق ما قاله محللون إسرائيليون وبسبب فتاويه التي شرعت العمليات الاستشهادية ضد الكيان الصهيوني، غرد الصحفي "روعي كايس" رئيس قسم الشؤون العربية في قناة "كان" الرسمية الإسرائيلية فرحا في وفاة الشيخ الذي وصفه بأنه "الزعيم الروحي للإخوان المسلمين، الذي شرعن العمليات الاستشهادية ضد الإسرائيليين".

قال إنه كرس حياته لحماية المسلمين والتحريض ضد اليهود وتشويه سمعتهم، ونشر مقاطع فيديو للقرضاوي زعم أنه يشيد فيها بهتلر ويقول إن الهولوكوست عقاب إلهي. 

في تعليقاتهم على تغريده الصحفي روعي كيس عن وفاة الشيخ القرضاوي، رأى معظم الصهاينة الذين تفاعلوا معه أن وفاة الشيخ بمثابة "أفضل منحة (هدية) في عيد السنة العبرية"، الذي احتفل به اليهود في نفس يوم وفاته، وفق وصفهم.

كما تزعم الصحفي "إيدى كوهين" حملة شرسة على العلامة يوسف القرضاوي ونشر العديد من الافتراءات عنه عبر سلسلة تغريدات على حسابه عبر تويتر.

وعلقت صحيفة معاريف في 26 سبتمبر على وفاة العلامة القرضاوي مؤكدة أنه "كان من أشد المؤيدين للعمليات الفلسطينية ضد الأهداف الإسرائيلية، زاعما أن هذا تعبير مشروع عن المقاومة، وأن إسرائيل مجتمع عسكري جميعه جنود"، وفق وصفها.

وأضافت أنه "نشر فتوى تبيح بمهاجمة اليهود في جميع أنحاء العالم، وأوضح أنه لا يوجد فرق جوهري بين اليهودية والصهيونية".

وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت في 26 سبتمبر إن القرضاوي "معروف بتأييده (حركة المقاومة الإسلامية) حماس والعمليات ضد الإسرائيليين من جهة، والمواقف المعتدلة نسبيا تجاه الغرب من جهة أخرى".

وأضافت: "في عام 2009، خلال عملية الرصاص المصبوب، تم بث خطبة للقرضاوي قال فيها إن الهولوكوست كان عقاب الله لليهود".

وقالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 26 سبتمبر إن الحركة الإسلامية الجنوبية في فلسطين المحتلة بزعامة منصور عباس التي تدعم الحكومة الإسرائيلية الحالية قدمت العزاء في القرضاوي، رغم أنها مشاركة في الحكم.

وأشارت إلى تعزية رئيس مجلس شورى الفرع الجنوبي للحركة الإسلامية صفوت فريج في وفاة القرضاوي ووصفه بأنه "كرس حياته للدفاع عن الإسلام والمسلمين".

وأثار القرضاوي في حياته حنق داعمي الثورات المضادة بسبب مواقفه المساندة للربيع العربي والانتفاضات الشعبية في عدة دول عربية، والذي خشيت أنظمة خليجية أن تصل رياحه إليها فتقتلع عروشهم، فوقفوا ضده بالمال والنفوذ.

فقد دعا لتطهير البلدان العربية من الطغاة العرب، ودعم ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن وغيرها.

وكان القرضاوي أحد أبرز وجوه الانتفاضة الشعبية في يناير 2011، التي أطاحت بحكم حسني مبارك، وألقى العديد من خطب أيام الجمعة في ميدان التحرير وسط القاهرة في تلك الفترة.

ووصفت وكالة "رويترز" البريطانية في 26 سبتمبر 2022 الشيخ القرضاوي بأنه "حمل لواء الدفاع عن انتفاضات الربيع العربي عام 2011، وكان خطابه الإسلامي مصدر إزعاج للحكام في مصر والخليج"

قالت: "كان أحد أكثر رجال الدين السنة شهرة وتأثيرا في العالم العربي، ودخلت كلماته ملايين البيوت، وأثارت توترات دفعت السعودية وحلفاءها الخليجيين إلى فرض حصار على قطر في عام 2017 ووضع القرضاوي على قوائم الإرهاب".

ونقلت رويترز عن "ديفيد وارين" الباحث في الإسلام المعاصر بجامعة واشنطن وصفه القرضاوي بأنه "شخص ملتزم بالديمقراطية والسيادة الشعبية من منظور إسلامي".

وندد بالغزو الأميركي للعراق عام 2003، وأفتى بوجوب مقاومة الجنود الأميركيين، لكنه أدان هجمات 11 سبتمبر 2001 وتفجيرات بالي، وانتقد تحطيم حركة طالبان تماثيل بوذا في أفغانستان، كما انتقد تنظيم الدولة.

وأفتى القرضاوي بتحريم زيارة القدس وهي تحت الاحتلال، وهي الفتوى التي انتقدتها السلطة الفلسطينية وزعمت أنها تتوافق مع الخطة الإسرائيلية لتهويد المدينة.

ومنع القرضاوي من دخول الولايات المتحدة وبريطانيا بسبب تأييده للعمليات الاستشهادية التي تستهدف جنودا إسرائيليين.