هل بدأ ربيع إيران؟.. تاريخ من الاحتجاجات ضد الملالي ينبئ بثورة جديدة
مشهد قتل وقمع المتظاهرين في إيران خلال الاحتجاجات التي اندلعت رفضا لوفاة الشابة مهسا أميني، في 16 سبتمبر/أيلول 2022، أعاد ذكريات "الثورة" (1978-1979)، والقمع الذي تعرض له الشعب على يد الأنظمة المتعاقبة.
وكانت الشابة "أميني" في نشاط يومي عادي قبل أن تحتجزها "شرطة الأخلاق" اعتراضا على زيها، لتلقى حتفها بعد أيام داخل مستشفى بالعاصمة طهران.
سرعان ما اشتعلت الأجواء، وخرجت الأفواج إلى الشوارع والميادين، وطالب المتظاهرون على الفور بإسقاط النظام وإنهاء الجمهورية القائمة.
بينما واجهت السلطات هذه الاحتجاجات بقمع شديد أدى إلى سقوط قتلى، كما قيدت قدرة الإيرانيين على استخدام الإنترنت.
منظمة "هيومن رايتس إيران" غير الحكومية، أعلنت مقتل نحو 50 شخصا، حتى 24 سبتمبر/أيلول 2022، والأرقام في زيادة مستمرة، نتيجة شراسة المواجهات الأمنية مع المحتجين.
تلك الحالة فتحت الباب لتاريخ القمع في إيران، وكيف واجه "المرشد الأعلى" ومعه الحكومة الاضطرابات والرفض السياسي لمنهجهم في الحكم.
وتمتلك إيران أجهزة أمنية شرسة ومتعددة ما بين الاستخبارات إلى الحرس الثوري، وكذلك الشرطة، مع وحدات شبه عسكرية "الباسيج"، ما يجعل من عمليات التقويم والتغيير صعبة، ومعبّدة بالدماء والضحايا.
ثورة "مشهد"
"مشهد" ثاني أكبر مدن إيران من حيث المساحة، ومن أهم المدن الدينية في الجمهورية، لذلك لها وضعية خاصة لدى النظام والمواطنين.
في عام 1992، شهدت انتفاضات عارمة، حيث احتج الأهالي على أوضاعهم المعيشية القاسية، من انتشار الفقر وغلاء الأسعار.
كانت هذه المظاهرات الأولى من نوعها خلال عهد آية الله علي خامنئي.
بدأت المأساة عندما قررت الحكومة بقيادة رجل الدين، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، هدم بعض المنازل في أحياء المدينة، بحجة أنها عشوائية ومخالفة للقانون، لكن الحقيقة أنها كانت عقوبة ضد أهل مشهد.
وقتها نزل عشرات الآلاف من سكان المدينة إلى الشوارع واشتبكوا مع مسؤولي البلدية، الذين بدأوا في هدم المنازل.
تفاجأ الناس بحضور جرافات ومعدات البلدية لهدم منازل شارع الطوسي في المدينة، وكانت هناك امرأة رفضت مغادرة المنزل، فهدموا البيت على رأسها، مما أثار سخط وغضب المواطنين، بحسب صحيفة "تابناك" المحلية التي استرجعت تاريخ تلك الأحداث ضمن عددها الصادر في 28 سبتمبر 2020.
حينها بدأت أعمال شغب واسعة، وعمد الأهالي المتجمهرون إلى إشعال النيران في مراكز الشرطة والمؤسسات الحكومية، وذهب البعض منهم لتدمير الممتلكات العامة.
وبعد انفلات الأوضاع تماما، أمرت الحكومة قوات "الحرس الثوري"، بالتدخل في مشهد، لمواجهة الثوار.
كانت هذه أول مرة في تاريخ الجمهورية، التي يتدخل الحرس الثوري لقمع مظاهرات داخلية.
ومن وقتها زاد تدخله في كل انتفاضة أو مظاهرة تحدث، ولم يغب دور قوات (الباسيج) أيضا، التي سحقت مظاهرات مشهد بقوة، واستخدموا السكاكين والعصي والهراوات.
ومع تفاقم الأوضاع تحدث المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، في تصريحات حادة، وشبه المتظاهرين في مشهد بأنهم "مثل الحشائش الفاسدة في الأرض يجب حصدهم واقتلاعهم فورا".
كانت وسائل الإعلام غائبة آنذاك، ما صعب من تحديد ومعرفة أعداد الضحايا، لكن بحسب صحف محلية منها "تابناك" فإن العدد تجاوز العشرات، وتمت محاكمة 300 من قادة الاحتجاجات بأحكام رادعة والسجن لأعوام طويلة.
وبعد القضاء على المظاهرات مباشرة، أقدم "الحرس الثوري" على تشكيل كتيبتين هما "عاشوراء" و"الزهراء"، لمواجهة الاحتجاجات والتمرد في المدن.
جامعة طهران
جامعة طهران، أكبر وأعرق الجامعات الإيرانية، تأسست عام 1934 ويدرس بها نحو 50 ألف طالب.
في يونيو/حزيران 1999، شهدت الجامعة احتجاجات واسعة من الطلاب، وذلك في عهد الرئيس محمد خاتمي.
كان سبب الاحتجاجات الرئيس، قيام النظام بحظر نشر جريدة "سلام" الإصلاحية، فتجمع عدد كبير من طلاب الجامعة، والمؤيدون للإصلاح، معلنين الرفض والاعتصام.
لم يكن يتخيل هؤلاء الطلاب، أن حركتهم ستواجه بقسوة غير مسبوقة، إذ فوجئوا بمليشيا يطلق عليها "أنصار حزب الله"، وهي تنظيم كان من المفترض أنه مدني، ومقرب من هرم السلطة وخامنئي نفسه، يقوم باقتحام السكن الجامعي للطلاب المحتجين.
ليس هذا فحسب بل قامت المليشيا بقتل 7 طلاب بالإضافة إلى مئات المصابين والمعتقلين.
حدثت صدمة جراء الحادثة المفجعة فنزل الناس في العاصمة طهران ومختلف المدن احتجاجا على ما تعرضت له الحركة الطلابية.
وقام المحتجون بحرق صور للزعيم الأعلى، آية الله علي خامنئي.
وكالعادة نزلت قوات الحرس الثوري والباسيج وسحقت المظاهرات ومنعتها بقوة.
وكان من أبرز نتائج الاحتجاجات فصل قادة الحركة الطلابية الذين تبنوا المظاهرات، واعتقال ومحاكمة عدد آخر من الأهالي.
وبرر خامنئي عنف القوات بحماية الثورة الإيرانية والجمهورية الإسلامية، وأن هناك من يحاول تشويه دور الحرس الثوري والباسيج والقضاء، لإحداث فتنة.
الربيع الإيراني
شهدت إيران عام 2009 إجراء انتخابات رئاسية تاريخية، ومنافسة شرسة بين ما يعرف بالتيارين "الإصلاحي" و"المحافظ".
وأسفرت النتيجة عن فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية، وكان محسوبا على التيار المحافظ.
حينها قام منافسه مير حسين موسوي، باتهام السلطات بتزوير الانتخابات لصالح نجاد، الذي كان آنذاك مقربا من القيادة العليا.
مزاعم التزوير التي أطلقها موسوي، تسببت في نزول ملايين الشعب من مؤيدي الإصلاح إلى الشوارع، فيما عرف باسم احتجاجات "الحركة الخضراء"، وأطلق عليها كذلك "الربيع الإيراني".
وعدت هذه الاحتجاجات هي الأكبر في تاريخ الجمهورية منذ نشأتها، وهي الأضخم منذ اندلاع الثورة الإيرانية عام 1978.
وقد ضمت احتجاجات عام 2009 قطاعات واسعة من المثقفين والطلاب والنشطاء السياسيين وأبناء الطبقة الوسطى.
بطبيعة الحال تحرك الحرس الثوري، ونزلت قوات من الجيش مع الباسيج وجميع الأجهزة الأمنية، لوأد تلك المظاهرات العارمة غير المسبوقة.
بل وخرج خامنئي في خطاب متلفز، مطالبا بإنهاء ما أطلق عليه "الفتنة"، قائلا "إذا لم تنته هذه الاحتجاجات في أسرع وقت، فأنتم المسؤولون عن الفوضى والعواقب".
حينها تعاملت قوات الأمن بعنف شديد مع "الحركة الخضراء"، وأطلقت النار بشكل مباشر على المشاركين.
أعلنت المعارضة مقتل أكثر من 70 شخصا، وتم اعتقال الآلاف، بمن فيهم إصلاحيون كبار، وجرى إعدام عدة أشخاص.
وبعد سحق تلك الاحتجاجات، أسس الحرس الثوري منظمة استخبارات خاصة به، وكذلك العديد من الأذرع الأمنية الخاصة التي تعمل على مراقبة وقمع الاحتجاجات في مهدها قبل أن تتفاقم.
وزادت بعدها القبضة الأمنية، التي امتدت إلى حجب وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، ويوتيوب)، وهو الأمر الذي استمر حتى يومنا هذا.
كما بدأت الحكومة، في إنشاء شبكة إنترنت وطنية، لفصل الإيرانيين عن شبكة الإنترنت العالمية، لسهولة حجب أي معلومات تخرج من إيران في حال حدوث احتجاجات مشابهة لـ"الحركة الخضراء".
حراك مستمر
لم تمنع الإجراءات الشرسة للنظام، من اندلاع مظاهرات واحتجاجات مستمرة، بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتردية.
ففي 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، شارك نحو 200 ألف مواطن في احتجاجات مناهضة للحكومة، بسبب ارتفاع الأسعار والوقود.
ووصف المرشد الأعلى الاحتجاجات بأنها "مؤامرة خطيرة للغاية".
وانتشرت مظاهرات البنزين بسرعة، ووصلت إلى 100 مدينة، وتم حرق المباني والمؤسسات الحكومية والمدارس الدينية ومحطات الوقود.
وهتف المتظاهرون منددين بحكم خامنئي، متمنين عودة الشاه محمد رضا بهلوي مرة أخرى للحكم.
وبعبارة أوضح، تمنى المتظاهرون عودة بلادهم للحكم الملكي، في جرأة ضد النظام.
وذكرت وكالة "رويترز" البريطانية "أن مستوى العنف في مواجهة هذه المظاهرات كان غير مسبوق تماما، وأن 1500 مواطن قتلوا على أيدي الحرس الثوري".
وأضافت "تم اعتقال آلاف المتظاهرين، وصدرت أحكام سريعة بالإعدام على بعض من شاركوا في هذه المظاهرات، من خلال التعرف عليهم من الكاميرات المتواجدة في الشوارع".
وأوردت أن "هناك عائلات ما زالت تبحث عن أبنائها المختفين قسريا دون إفادة".
وفي مايو/آيار 2022، انهار مبنى سكني في محافظة خوزستان جنوب غرب إيران، أدى إلى مصرع 34 مواطنا.
الانهيار دفع إلى خروج متظاهرين يرددون شعارات مناهضة للحكومة في معظم المدن، بما في ذلك مدينة عبادان التابعة لخوزستان.
وأدى حادث انهيار المبنى إلى إلقاء اللوم على النظام واتهامه بـ"انتشار الفساد المفضي إلى إزهاق الأرواح".
الشرطة واجهت المظاهرات، وقامت بتوقيف واعتقال عشرات الأشخاص، ومنعت المواطنين من الوصول إلى أماكن التجمعات أو الشوارع الرئيسة تحديدا في خوزستان.
جمهورية الخوف
وقالت الناشطة الإيرانية المعارضة، مرزيا رضائي: "خلال السنوات الأخيرة يمكن للشرطة أو أي جهة أمنية توقيفك بسهولة والتحقيق معك ثم القبض عليك وتهديدك وأفراد عائلتك جميعا".
ولفتت رضائي لـ"الاستقلال" إلى أن "الوضع الحالي لا يختلف كثيرا عن زمن الشاه من حيث الحقوق والحريات الأساسية".
واستدركت: "بل ربما كان في زمن المملكة أخف وأقل قيدا، حيث كانت السياسة فقط هي الخطوط الحمراء للمواطن، ووقتها يتدخل السافاك (جهاز استخبارات الشاه) أو الشرطة للاعتقال وأحيانا لاغتيال".
واستطردت رضائي قائلة: "لكن الآن ليست السياسة وحدها هي الخطر، بل الأفكار والعادات والتقاليد، بدعوى أنها مخالفة للدين وللأوامر الإلهية التي يمثلها المرشد الأعلى للثورة".
وأشارت إلى أن "الحكومة تقرّ وتعطي الشرعية لفعل كل شيء، فمن خلال زيك أو سلوكك (الطبيعي) يمكن أن تحاكم وتسجن وتتعرض لعقوبات قاسية".
وشددت الناشطة المعارضة، على أن "الثورة الإيرانية قامت من أجل الحرية والاستقلال، لكن هل يوجد شخص واحد في الجمهورية يشعر بالحرية".
وتابعت موضحة: "الشباب الإيراني يسافر ليشعر باستقلاليته ويرى العالم بمنظور مختلف، حتى زادت أصوات المعارضة في الخارج بشكل كبير، وهو وضع شبيه بما كان يحدث قبل الثورة".
وختمت رضائي حديثها بالقول: "اليوم الداخل والخارج الإيراني في حالة غضب شديد، يمكن أن تنفجر إلى ثورة كبرى في أي وقت، نتيجة حوادث صغيرة أو كبيرة".
المصادر
- مهسا أميني: الشابة الإيرانية التي ذهبت في رحلة عائلية وعادت جثة إلى مدينتها
- معارض إيراني: نظام الملالي زاد من إعدامات معارضيه
- إيران.. تاريخ حافل من الاحتجاجات والقمع الدموي
- تورم زمان جنگ تحمیلی بیشتر بود یا امروز؟
- روحانی: پول افزایش قیمت بنزین را بین شصت میلیون نفر توزیع میکنیم
- قُمعت بالحديد والنار.. مختصر تاريخ التظاهرات الاحتجاجية في إيران منذ الثورة الإسلامية